كلمة المناضل - عدد - البعثيون أمام أنفسهم
كلمة المناضل العدد 303 تموز ـ آب 2000
البعثيون أمام أنفسهم
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
يوم تسلم الرفيق الدكتور بشار الأسد مهامه الرسمية كرئيس للجمهورية العربية السورية بعد الاستفتاء الشعبي ، وأدى اليمين الدستورية في السابع عشر من شهر تموز 2000 وفي خطاب القسم ( الذي تنشره " المناضل " الآن ) أوضح الرفيق الرئيس ملامح المرحلة المقبلة لسورية التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي تشاركه الجبهة الوطنية التقدمية ، في مجالات الحياة المتعددة السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والتربوية .
المرحلة التي نقبل عليها بعد انعقاد المؤتمر القطري التاسع للحزب تحتاج إلى جهد استثنائي من الجميع وخصوصاً الرفاق البعثيين الذين تقع عليهم مسؤولية خاصة في قيادة عملية التحديث والبناء ويضع الشعب عليهم آمالاً كبيرة للنهوض بالوطن على أسس العلم والثقافة الحديثة ، والإخلاص في العمل لإنجاز المهام الكبيرة التي قامت ثورة آذار المجيدة من أجلها ، والأهداف التي ناضل الحزب لتحقيقها منذ تأسيسه وما زال .
تلك الأهداف والآمال التي تعبر عن آمال الجماهير العربية الواسعة هي التي منحت الحزب الثقة الكبيرة مقرونة " بنعم " حازها الرفيق الأمين القطري رئيس الجمهورية بنسبة تقارب الإجماع .
لقد اتسمت العقود الثلاثة الماضية من عمر الحركة التصحيحية منذ عام 1970 حتى رحيل القائد الخالد حافظ الأسد بملامح يمكن تلخيصها بالتالي :
أولاً ـ إعادة بناء وترسيخ القاعدة الفكرية والسياسية والمادية التي يجب أن تستمر عليها ثورة آذار والتي كاد التشويش الفكري والسياسي والممارسة الخاطئة أن يضيعا معالمها وأن يحرفاها عن الطريق القومي الوحدوي في السنوات التي سبقت قيام الحركة التصحيحية في 16 تشرين الثاني 1970 .
ثانياً ـ إضافة مرتكزات فكرية وسياسية وبناء منجزات مادية ومعنوية جديدة ومميزة لإعطاء الثورة زخماً جديداً ودفعة قوية إلى الأمام كي تحقق وتنجز لسورية وللعرب مكتسبات كبرى في تاريخهم الحديث واستطاعت بذلك أن تضع العرب على باب الانتصار الكبير الذي تحقق في حرب تشرين التحريرية عام 1973 .
ثالثاً ـ تعزيز وتوسيع وتعميق العلاقات السورية مع بقية الأقطار العربية وإقامة شبكة من الاتصالات مع مختلف دول العالم ومنظماته الدولية والإقليمية ، بهدف توضيح المواقف القومية ومن أجل مساندة القضايا العادلة والمشروعة للأمة العربية والنضال القومي ولكسب التأييد لسياسة سورية ومواقفها من مختلف المسائل التي تعالجها .
لقد احتاجت هذه المسائل إلى جهد وعمل متواصلين من الحزب وقياداته واحتاجت أكثر من ذلك كله إلى متابعة شخصية مرهقة ومضنيه من الرفيق الأمين العام الراحل حافظ الأسد .
ومع تعاظم صرح البناء وضخامة الإنجازات ، وتتابع المشكلات التي وضعتها القوى المعادية ـ الأجنبية والمحلية ـ أمام السياسة القومية السورية ، والتآمر الذي أراد التشويش وعرقلة المسيرة مع ذلك كله نشأت أخطاء وتجاوزات وسلبيات في المرحلة المنصرمة ، ورغم أن كثيراً من تلك الأخطاء والسلبيات هي من طبيعة العمل ، وتحدث في كل المجتمعات إلا أن بعض تلك الأخطاء تجاوز الخط الأحمر وتحول إلى خطايا مارسها بعض الأنانيين والانتهازيين الذين تسربوا إلى صفوف الحزب والدولة ، وتاريخ الحركات الثورية في العالم حافل بمثل هؤلاء اليساريين الطفوليين الذين يعتقدون أن منجزات الثورة يجب أن تحول لحسابهم الخاص ، وليس لمصلحة أوسع الطبقات الشعبية والجماهير المحرومة التي قامت الثورة من أجلها .
لقد كان التركيز الشديد في المرحلة الماضية على متابعة القضايا المصيرية بالنسبة للحزب ولسورية وللعرب عامة ، وكان ذلك عاملاً مهماً في التريث لمعالجة بعض تلك الظواهر السلبية التي أصبح استمرارها الآن عاملاً سلبياً في حياة سورية وثورتها ، وإن عدم معالجتها في السابق لا يعني أنها غائبة عن نظر القيادة والقائد ولا يعني أيضاً الرضى عما وقع من أخطاء وخطايا ، لكن رؤية المناضلين والقادة التاريخيين بمنظار أشمل جعلهم يأخذون بالحكمة التي تقتضي المبادرة إلى معالجة المشكلات الأخطر التي تؤثر على مسيرة الأمة والثورة والشعب أولاً .
هذا ما كان في المرحلة التي سبقت انعقاد المؤتمر القطري التاسع للحزب في سورية.
لقد أشار الرفيق الرئيس في خطاب القسم المشار إليه إلى بعض مظاهر الخلل في مسيرة الحزب والثورة في المجال الداخلي ولخص ما توصل إليه المؤتمر ، وطلب بضرورة البدء فوراً ودون تلكؤ ، لمعالجة ذلك أينما وجد ، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجميع وعلى وجه الخصوص على عاتق الرفاق البعثيين ، والمؤسسات القيادية المسؤولة بالدرجة الأولى عن وضع خطط الإصلاح والإشراف ومتابعة التنفيذ استناداً إلى قرارات الحزب .
يجب علينا أن نلج إلى القرن الحادي والعشرين بثقة المناضلين الذين يستطيعون وضع الحلول لكافة مشكلات الحياة التي تواجه مسيرتهم ويستطيعون نقد أنفسهم وتجاوز أخطائهم ، فالبعثي الذي صنع الثورة وأنجزها والذي كان مستعداً دائماً للتضحية بحياته وبكل ما يملك من أجل الوطن والشعب والعقيدة والحزب ، يستطيع بيسر أن يقف دائماً وأمام نفسه أولاً ليكون مثالاً للبعثي المناضل المبادر ليتجاوز أخطاءه وليضع قدمه على الطريق الصحيح والطويل أمام حزبه ومبادئه .