د. دندشلي - الاحتفال التكريمي لسماحة السيّد محمد حسن الأمين
الاحتفال التكريمي
لسماحة السيّد محمد حسن الأمين الدكتور مصطفى دندشلي
الثلاثاء في 15/11/1997 عضو اللجنة التنفيذية
فندق كارلتون ـــــــ بيروت في ندوة العمل الوطنيّ
أيّها الحفل الكريم
لقد سُررت، عندما طلب من الرئيس سليم الحص أن أتحدث في هذا الاحتفال التكريميّ، باسم "ندوة العمل الوطنيّ"، وبصفتي عضواً في اللجنة التنفيذية، وأن أنقل إلى الصديق العلامة سماحة السيّد محمد حسن الأمين، تحية الندوة ورئيسها، تحية صادقة، تحمل عبارات المحبة والتقدير.
وإذا كان لي في هذه المناسبة أيضاً أن أتحدث عن سماحة السيّد وبالأصالة عن نفسي، فلن أستطيع في هذه العُجالة أن أوفيَه حقّه من المحبة والتقدير والاحترام الذي أكنّه له في نفسي، منذ أن تعرَّفت عليه في زمن الاحتلال الإسرائيليّ الغاشم للبنان، مروراً بالجنوب وصيدا عام 1982. فالسيّد الأمين يتمتَّع بحقّ وجدارة بجوانب كثيرة في شخصيته وفي فكره وفي ثقافته، لا يمكن بدقائق معدودات الإحاطة بها والوقوف ملياً لسَبْر أغوارها، فالوقت لا يسمح لي أن أشير إلى العلامة الفقيه المتنوِّر، ولا إلى العروبيّ ـــــ الإسلاميّ المتحرر الجامع الموحِّد، ولا إلى الأديب الشاعر، مرهف الحسِّ والوجدان، المبدع الخلاّق. وإنّما سأقتصر في كلمتي فقط على إشارات سريعة إلى جانبيْن متكامليْن في شخصيته الفكريّة وهما: جانب المقاوم وجانب المثقّف.
فسماحة السيّد الأمين يُقدّم أولاً النموذج الحيّ، الواقعيّ والفعليّ للمقاوم في المفهوم الذي أعطيه للمقاومة. فمفهوم المقاومة قد يتخذ، من وجهة نظري، بل وهو يتخذ في الحقيقة والواقع مضامين وأشكالاً متنوِّعة وعديدة. فإلى جانب المقاومة العسكريّة، وهي أعلى أشكال المقاومة، ثمة مقاومةٌ في السلوك والمفاهيم والأخلاق، وهي لا تقل أهمية عن المقاومة العسكرية، بل وضرورة لها وهي المقاومة المدنيّة: الثقافية والفكريّة والأدبيّة والتربويّة، المقاومة الاجتماعيّة والسياسيّة، وهي بكلمة واحدة المقاومة الشاملة الكلية التي تتمّ وتتحقّق على المستويات المختلفة في الضمير الداخليّ والعلاقات الاجتماعيّة وعن طريق الكتابة والتربية والتعليم والأدب والشعر والفنون. تلك التي أسميها المقاومة المدنيَّة المعترضة، الناقدة التي تعمل من أجل إعادة بناء الإنسان، انطلاقاً من بناء نُظمنا السياسيّة والاجتماعية والاقتصاديّة والتربويّة والثقافية، وذلك على أُسس سليمة وحديثة متطورة.
أما المثقّف في شخصية السيّد الأمين الفكريّة والأدبيّة والإبداعية، فهو يتجلّى بأجلى معانيه وممارساته، في الفعل والقول، في الكتابة والخطابة وفي المواقف السياسيّة، والصدق مع الذات والآخر. وهو يقدّم أيضاً، من وجهة نظري، صورة المثقّف الحقيقيّ، المثقّف الجذريّ، الذي يمكنه وحدَه أن يبلْور أبعاد المعركة السياسيّة وعمقها، ويوضِّح أسسها ومضامينها ومنطلقاتها المبدئية. فهو المثقّف الملتزم، الناقد، الاعتراضيّ، الديمقراطيّ الحقيقيّ. إنَّه، بكلمة، شاهد عصره، شاهد حقٍ وصدقٍ، لا شاهدَ زورٍ وبهتان، فهو ضمير الشعب في أعماقه وروحه، وفي طموحاته وآماله. وهو إذن الناطق الحقيقيّ باسمه في مراحله التاريخيّة والاجتماعية.
وكما أقلق، بل وأزعج السيّد الأمين، هذا المثقّف المقاوم الجذريّ الملتزم، قوات الاحتلال الإسرائيليّ، فاقتحمت منزلَه ليلاً وأخرجته وهو يقاوم، أعزلاً من أيّ سلاح سوى الإيمان بقضيته، يُقاوم الجنودَ الإسرائيليّين المدجّجين بالسلاح، فأبعدوه عن مدينته بالاختيار، صيدا. كذلك قد أقلق هذا المثقّف المعترض الناقد السلطات السياسية الحاكمة. فأبعدته هي الأخرى عن صيدا التي أحبها وأحبته وتفاعل مع قواها الديمقراطية الوطنيّة والإسلامية وتفاعلت معه. وكما فشل الاحتلال الإسرائيليّ في محاولات الإبعاد والقمع الأولى، فستفشل حتماً محاولات السلطات السياسيّة المسيطرة الآن، في محاولات القمع والإرهاب الثانية.
فتحيةً أُوجِّهها إلى صديقي الكبير، سماحة السيّد محمد حسن الأمين، من على هذا المنبر، تحية حبٍ وتقديرٍ واحترامٍ. فمعركتنا لا تزال طويلة. ونحن سائرون في خِضمّها حتى النهاية، ذلك أن الاستقالة أو الخضوع أو الاستسلام ممنوع علينا.