بعض المقولات الأساسية حول تطوير الحـــزب
بعض المقولات الأساسية حول تطوير الحـــزب
مقدمـــة
المسألة التنظيميــــة - المسألة الفكريـــــة - الموقف من قضية الوحدة
قضيــة الحريـــــة: ـ الديموقراطية. ـ المنظمات الشعبية
الاشتراكيــــــــة - الموقف من الديــــن - موضوع الحداثـــــة - موضوع العولمـــــة
خاتمــــة
مقدمــــة
تميز حزب البعث العربي الاشتراكي بقدرته على الاستمرار والتطور. فبينما تراجع دور الأحزاب والتنظيمات الأخرى التي ظهرت على ساحة الوطن العربي منذ مطلع القرن العشرين، استطاع حزب البعث العربي الاشتراكي مواجهة التحديات التي تطرحها المراحل وتخطي العوائق والصعاب وتطوير ذاته باستمرار.. ومع ذلك ، لابد من الاعتراف أن عطاء الحزب لم يكن دائماً في أفضل أحواله ، ففي بعض المراحل كانت حركة الحزب على أشدها ، ووعيه في أفضل مستوياته ، بينما كان معرضاً للجمود في مراحل أخرى . لكن الحزب سرعان ما كان يتغلب على حالات الجمود ليعود وينطلق مرة أخرى مؤكداً السمة العامة لنهجه ، سمة التطور المتصاعد والمستمر.. ويعود السبب في بقاء الحزب واستمراره لما يلي:
1 ـ أهدافه الرئيسية عبرت عن طموحات الجماهير العربية وعن تطلعاتها . كما أن الترابط بين هذه الأهداف يستجيب لمتطلبات نهج التعامل الصائب مع الواقع ..
2 ـ ممارسته النضالية المستمرة التي تمثل طليعة النضال الجماهيري منذ نشوئه وعلى مدى مسيرة تطوره . وقد تجلت هذه الممارسة في عقدي الأربعينات والخمسينات حيث قاد الحزب حركة التحرر العربي ، ليس فقط في سورية وإنما في أقطار عربية أخرى وخاصة في الأردن وفلسطين والعراق. كما تجلت في جميع مراحل نضاله الأخرى عبر صيغ متنوعة.
3 ـ اعتماد الحزب نهج تحديد الأولويات، وتركيز نضاله استناداً إلى هذا النهج مما مكنه من أن يلعب الدور الأساسي والأكثر تأثيراً وفعالية في مجمل نضال حركة التحرر العربي. وقد حدث ذلك في ثلاث مراحل : الأولى : في عقدي الأربعينات والخمسينات ، عندما ركز الحزب على محاربة الديكتاتورية والأنظمة المتعاونة مع الاستعمار، وأسهم في مقاومة الوجود الصهيوني في فلسطين ، وعندما تصدى للمشاريع والأحلاف الأجنبية ، واعتبر ذلك مهمة ذات أولوية هدفها حماية استقلال سورية ودعم مسار حركة التحرر العربي وتعزيز هذا المسار في ظروف معقدة وصعبة . ومن أجل تحقيق هذه المهام المرحلية تحالف الحزب مع اطراف سورية وعربية لا تشاركه طروحاته الفكرية ، لكنها تلتقي معه على قاعدة تحقيق تلك المهام ، فحقق بذلك إنجازات كبرى ، من أبرزها تعطيل المشاريع الأجنبية وإسقاط الأحلاف ، وحماية استقلال سورية ، وتحقيق مكاسب للفلاحين والعمال وسائر جماهير الشعب ، ودعم ثورة الجزائر ، ومساندة مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956 ، وتحقيق الوحدة السورية ـ المصرية عام 1958 .
الثانية : إسهامه في ثورة تموز في العراق عام 1958 ، وفي ثورة اليمن عام 1962 ، وفي مقاومة الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن . وقد تطور نضاله في هذه المرحلة تطوراً نوعياً إذ قام بثورة الثامن من شباط عام 1963 في العراق ، وقام بثورة الثامن من آذار في سورية في العام نفسه ، وهي الثورة التي قضت على الانفصال . وجاء ذلك تتويجاً لمراحل نضالية طويلة وتعزيزاً لتقدم الحزب على طريق تحقيق أهدافه . الثالثة : قيام الحركة التصحيحية في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 عندما حدد الحزب أولوياته وفي مقدمتها التحرير والتركيز على القضية المركزية للأمة العربية ، قضية الصراع العربي ـ الصهيوني ، وعمل على تجنب الخلافات الهامشية ، والإرتقاء بالوضع العربي بهدف تركيز جهود الأمة باتجاه المحور الأساسي . وكان ثمرة ذلك حرب تشرين التحريرية عام 1973 . وعلى مستوى البناء الداخلي في القطر الذي يقود فيه الدولة والمجتمع ركز على أولوية دفع عجلة النهوض الشامل ، وتوطيد الاستقرار والوحدة الوطنية ، وتعزيز القدرة الدفاعية . ومن الواضح أن معيار تصاعد دور الحزب وتقدمه هو في قدرته على تحديد الأولويات ، ففي المراحل التي كانت قيادة الحزب تقرأ فيها الواقع قراءة خاطئة ويغيب عن ذهنها تحديد الأولويات ، كان دور الحزب يتراجع وينشغل بمشاكله الداخلية مما كان يضعفه ويشكل حواجز بينه وبين أهدافه ، وبينه وبين الجماهير .
إن غياب تحديد الأولويات يعني غياب معرفة الواقع وقراءة أحداث المستقبل مما يؤدي إلى الجمود الفكري والتفكك التنظيمي. وتحديد الأولويات ، أي تحديد نهج التعامل مع المرحلة ومفاهيمها، لا يعني التخلي عن المبادىء الأساسية وإنما السير باتجاهها في ضوء معطيات الواقع والإمكانات المتاحة إضافة إلى الإمكانات التي يمكن توفيرها .
إن الأهداف الكبرى للحزب ، الوحدة والحرية والاشتراكية ، تشكل المبادىء الأساسية للحزب ، أما النهج فهو قاعدة السياسة التي يجب على الحزب اتباعها في سيره نحو الأهداف الكبرى ..
ومن الطبيعي القول أن لكل مرحلة خصائصها وطبيعتها ، رغم إمكانية وجود أبعاد متعددة في المرحلة الواحدة ، فمرحلة التحرير الوطني تتطلب أن ترافقها مرحلة التنمية الشاملة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، وبعبارة أخرى إن جميع الاتجاهات يجب أن تصب في دعم الهدف المرحلي من اجل إنجازه. وإذا درسنا واقع الحزب القومي بكل تنظيماته ، مع التركيز على وضع الحزب في القطر العربي السوري منذ الثمانينات ، نجد أن هذا الوضع بحاجة إلى مراجعة إذ انه لا يرضي طموحنا على الرغم مما تحقق من إنجازات كبيرة وهامة . وهناك أسباب عديدة خلف هذا القصور منها ما هو ذاتي ، مرتبط بنا ، ومنها ما هو موضوعي ، خارج عن إرادتنا ، وخاصة بعد ظهور تطورات كبرى بعيدة الأثر في حياة العرب وواقعهم منها المعاهدة المصرية الإسرائيلية ، والحرب العراقية ـ الإيرانية ، واجتياح العراق للكويت وما تلاه في حرب الخليج الثانية ، والحرب الأهلية في لبنان ، وانهيار الاتحاد السوفيتي وما رافقه من تطورات على الساحة الدولية ، والتطورات الهائلة في مجالات العلم والتقانة والاقتصاد .
مجمل هذه الوقائع شكل مجموعة من الانعطافات سواءً في الحياة السياسية أو الثقافية أو الاقتصادية في الوطن العربي ، مما يتطلب من حزبنا ، بعد مرور هذا الزمن ، البدء بمراجعة شاملة هدفها تحديد تصوراتنا المستقبلية على أفضل وجه ، مع كل ما يحمله ذلك من تطوير ضروري .
ومن يقرأ مسيرة الحزب منذ تأسيسه قراءةً موضوعية يلاحظ هذه القدرة الكبيرة على التطوير الذاتي عند كل مرحلة ، فحزبنا متمسك أشد التمسك بالرغبة في التطوير الذاتي باستمرار .
إن الحاجة باتت ملحة لتطوير الحزب فكرياً وتنظيمياً في إطار الحفاظ على مبادئه الأساسية وفي ضوء معطيات الواقع ومتطلباته، وتحصين نهج الحركة التصحيحية ، وتعزيز دور الحزب عبر المراجعة والتجديد والتطوير، وربط المبادىء بحركة الحياة ومتطلبات العصر واستحقاقات التنمية، والتعاطي مع الواقع ومطامح الجماهير، وترسيخ مفاهيم التجدد والحيوية والنشاط والحوار والمشاركة، وقراءة الواقع قراءة المناضلين وفق روح العصر ومعطيات العلم استناداً إلى مصالح الشعب .. إن المطلوب تعزيز التوجه التجديدي فكرياً وتنظيمياً ..
فكرياً : تحديد كيفية التعامل مع المبادئ الأساسية في المرحلة الراهنة ، مما يعزز قدرتنا على خدمة هذه المبادئ والتقدم باتجاه تحقيق أهدافنا الأساسية في مسيرة نضالية مراحلية وتطورية ..
وتنظيمياً : لابد من مراعاة ظروف الأقطار وخصوصية كل منها ، وإعطاء المرونة في التعامل مع هذه الظروف ضمن التوجه الأساسي القائم على مبدأ الحفاظ على الوحدة التنظيمية للحزب ..
إن التطوير الفكري لا يعني التخلي عن المبادئ الأساسية وإنما اختيار النهج الأفضل لضمان ترسيخ هذه المبادئ وتحقيقها ، والابتعاد عن الجمود في فهمها ، والتحلي بالقدرة على ترسيخ الوعي المتجدد ، إذ أن الجمود الفكري يعني موت الحزب وتراجع دوره . إن تطوير الحزب يطلق قدراته النضالية ويعيد حيويته ويعزز دوره النضالي في الساحة العربية . وهذا التطوير يتطلب التركيز على القضايا الهامة التالية ، بغية تحديد مضامينها ومفاهيمها ..