كلمة المناضل - عدد- إلى أي هدف تسعى الولايات المتحدة الأميركية ؟؟؟
كلمة المناضل العدد 288 ك2 ـ شباط 1998
إلى أي هدف تسعى الولايات المتحدة الأميركية ؟؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
منذ ما يزيد على شهر والعالم مشدود الأعصاب ، متوتر من جراء تصاعد الأزمة بين العراق من جهة والولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا من جهة أخرى وما يقومان به من حشد عسكري هائل في منطقة الخليج العربي والقواعد الأميركية العسكرية واستنفار لآلة الحرب التي تقوم بها الدوائر الإمبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة ودولة العدو الصهيوني اللتان تدفعان بالأمور إلى حافة الهاوية .
إن السبب الظاهر وراء ذلك كله هو امتناع العراق عن السماح لفرق التفتيش التابعة نظرياً للأمم المتحدة ـ والمسيرة سياسياً وتقنياً من الولايات المتحدة الأميركية ـ بدخول بعض المواقع الحساسة ، وفي مقدمتها القصور الرئاسية في العراق تحت ذريعة " المساس بالسيادة الوطنية " للعراق وكأن المسألة ولغاية الآن لم تمس السيادة الوطنية العراقية رغم كل الانتهاكات لهذه السيادة ومنذ عام 1991 ، حتى الآن .
فالعراق اليوم وبعد حرب الخليج وخروجه من الكويت ساحة مفتوحة لكل القوى العابثة بالأمن القومي العربي وبالكرامة والسيادة العربية تجوله فرق التفتيش الأميركية الصهيونية تحت راية الأمم المتحدة وتعبث بممتلكاته وتجوب أجواءه وتحرم وتحلل ما شاء لها لا يقف في وجهها أية قوة حتى ظهور الأزمة الراهنة .
إننا هنا لسنا بصدد مناقشة سياسة حكام بغداد رغم كل ما عليها ومنذ أكثر من ثلاثين عاماً من الاعوجاج السياسي والفكري والقومي حيث منطوق السيادة لديهم استثنى جميع الأراضي العراقية وتوقف عند بضعة كيلومترات مربعة تشكل " القصور الرئاسية " ...الخ لكننا بصدد ما تقوم به الولايات المتحدة والصهيونية العالمية وحلفاؤها من فرض الموازين والمكاييل المزدوجة للقضايا المتشابهة في المنطقة وحسب ما يلبي المصالح السياسية للحركة الصهيونية وحليفتها .
فقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ عام 1948 ، وحتى هذه الساعة لم تأخذ طريقها للتطبيق على سياسة إسرائيل الصهيونية منذ تأسيسها حتى اليوم رغم مشروعية تلك القرارات والتوصيات وانسجامها مع جميع المواثيق التي أقرتها المنظمة الدولية ومؤسساتها المتعددة في جميع جوانب الحياة ، ولم تجد إسرائيل من يضغط عليها لتطبيق تلك القرارات حتى ولم تجد كلمة عتب واحدة من الولايات المتحدة وحلفائها على عدم الالتزام أو تنفيذ تلك القرارات ، بل على العكس من ذلك نجد التأييد المتواصل والتكريم الذي يصل إلى عقد الأحلاف العسكرية والسياسية معها والتعاون إلى أقصى الدرجات بما في ذلك التعاون النووي .
وعندما يتعلق الأمر بدولة أخرى لها مواقف مختلفة عن السياسية الأميركية الصهيونية ، نجد أن قرارات الأمم المتحدة ولو كانت في حدها الأدنى ولو قراراً واحداً فقط فيجب تطبيقه قسراً وإلا فالآلة الحربية الأميركية جاهزة للتأديب ...الخ .
في الأزمة الراهنة ورغم التباين الشديد بين أميركا ومعها انكلترا من جهة وبين جميع دول مجلس الأمن ، نستطيع القول بأن العالم بمعظمه الذي يقف بمواجهة السياسة الصهيونية والأميركية رغم ذلك كله ورغم ما توصل إليه الأمين العام للأمم المتحدة في زيارته الأخيرة والحل الذي تم الاتفاق عليه فمازالت الولايات المتحدة الأميركية تصر وتبتدع الذرائع والمسوغات للقيام بعمل عسكري ضد العراق .
إن ذلك يوضح بدون شك أن هناك سياسة صهيونية تطبقها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة العربية بما يرضي إسرائيل والدوائر الصهيونية الحاكمة في واشنطن سواء كانت وزارة الخارجية الأميركية أو وزارة الدفاع أو الكونغرس الأميركي، وقد توافق ذلك كله مع أزمة داخلية يمر بها البيت الأبيض تعطي الرئيس مبرراً للابتعاد بها إلى منطقة بعيدة " كالشرق الأوسط " .
لقد سعت الولايات المتحدة وإسرائيل لاستثمار نتائج حرب تشرين عام 1973 ، لإخراج مصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني عبر اتفاقات كامب ديفيد وبذلك أضعفت العمل العربي المشترك لاستعادة كامل الحقوق ، وسعت كذلك إلى الاستفادة من نتائج حرب الخليج الثانية وبعد مؤتمر مدريد ومباحثات السلام حيث خرجت القيادة الفلسطينية من ساحة الصراع باتفاقات أوسلو ، وبعدها الأردن عن طريق اتفاقات وادي عربة .
وها هي الآن تسعى لإثارة حرب جديدة تضعف العرب أكثر وتخرج مزيداً منهم من دائرة الصراع ، في محاولة لتطويق سورية ولبنان الدولتان الوحيدتان الصامدتان حتى الآن في وجه الإطماع الإسرائيلية .
إن ما تسعى له الصهيونية الآن هو مزيد من الضغط على سورية وقيادتها وأي عمل عسكري أميركي ضد العراق سوف تكون نتائجه ملبية للمطامع الصهيونية فهي بذلك تعزل سورية عن عمقها الاستراتيجي في المشرق وتقف حاجزاً بينها وبين الثورة الإيرانية وتضعف الموقف العربي أكثر فأكثر وربما تتمكن بعد ذلك من الاستفراد بسورية ولبنان كما استفردت بدول الطوق الأخرى بعد الحروب السابقة . وبذلك تضع الوطن العربي وخيراته كلها . تحت المظلة الأميركية والصهيونية لتضمن بذلك مصالحها واحتكاراتها إلى عقود عديدة قادمة .
لقد آن للعرب أن يفتحوا عيونهم على الخطر المحيط بهم لأن ما يستهدف شعب العراق اليوم هو ما يستهدف الشعب العربي بمختلف أقطاره ويستهدف بالتالي الأمة كلها ومصيرها ومستقبل أبنائها وخيراتها وسلامها ووجودها وهذا ما سعت وتسعى له الحركة الصهيونية من أجل بقائها وتثبيت وجودها في الوطن العربي ، وآن للعالم كذلك أن يعرف أن الاستفراد الأميركي الصهيوني بمصائر الشعوب سياسة يجب أن تجد من يقف في وجهها وبالسرعة المطلوبة لأن نتائج أي عدوان على المنطقة العربية لن يسلم العالم من عواقبه الوخيمة .