كلمة المناضل - عدد - عرب سورية يحتضنون عرب فلسطين
كلمة المناضل العدد 285 تموز ـ آب 1997
عرب سورية يحتضنون عرب فلسطين
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
في مبادرة غير مسبوقة ، قامت حكومة الجمهورية العربية السورية ، بدعوة وفد من عرب الأرض العربية الفلسطينية المحتلة منذ عام 1948 ، يمثلون قطاعات واتجاهات متعددة في فلسطين المحتلة ، إن هذه المبادرة ما كان يمكن أن تحدث ، لولا توفر جملة من الحقائق والمعطيات والأسباب ، التي ساهمت في إنجازها ، ومن أبرزها .
أولاً ـ إيمان الحزب وقيادته وثورته في سورية ، إن الأرض العربية المحتلة مهما طال الزمن ، عائدة إلى أصحابها الشرعيين ، وهي جزء من هذا الوطن ، لابد أن يأتي اليوم الذي يتحقق فيه التحرير ، وتعود الأمور إلى طبيعتها . ولقد مرت على الأمة العربية ومنذ زمن طويل عهود وقعت فيها أجزاء من الوطن تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية ، وفي عهود أخرى كان الاحتلال يبدو وكأنه قدر لا مفر منه فيما كان المحتلون الأجانب يعتقدون ، إن هذه الأرض التي احتلوها تشكل جزءاً من وطنهم وعاملوا سكانها على أساس أنهم مواطنون من دولهم . فالرومان الذين احتلوا أجزاء من الوطن العربي بما فيها سورية ، كانوا يدعون أن سورية أرضاً رومانية ، وهي ولاية رومانية من الدرجة الأولى ، وسكانها رومان يحق لهم تولي مناصب قيادية في الدولة الرومانية ، تصل إلى مرتبة الأباطرة والشيوخ كذلك فعل الأغريق ، ومثلهم فعل الصليبيون ، وكذلك فعل الأتراك العثمانيون ، وأقرب مثل معاصر على ذلك ما فعله الفرنسيون في الجزائر التي كانت تعتبرها أرضاً فرنسية ، إن تلك الاحتلالات والتي دامت فترات طويلة بعضها وصل إلى عدة مئات من السنين لم تستطع تلك الاحتلالات مهما كانت قوتها وديمومتها أن تغير من طبيعة الأشياء فذهبت سيطرتها وهزمت جيوشها وانكسرت عقيدتها السياسية وبقيت الأرض العربية لسكانها العرب الذين سرعان ما عادت حياتهم إلى طبيعتها وتواصلت مع بقية الأجزاء العربية الأخرى .
ثانياً ـ إن الحقيقة الأولى السابقة أفرزت واقعاً داخل الأرض المحتلة جعلت المواطنين العرب الصامدين في وجه الاحتلال يقاومون أساليبه بالوسائل المتاحة لهم ضمن النظام المفروض عليهم ، وتدريجياً أفرزوا قيادات ومؤسسات وحركات سياسية استطاعت أن تثبت وجودها وفعاليتها لخدمة المواطنين العرب ، مع نزوعهم الدائم للتواصل مع الأمة التي هم جزء منها وتأكيدهم المستمر على الهوية العربية القومية في مواجهة العنصرية الصهيونية وسياسات التهويد التي تقوم بها سلطات الاحتلال ، وقد أثبتت مجموعة من الوقائع والأحداث التي جرت في الأراضي المحتلة منذ عام 1948 أن الصامدين في أرضهم يمتلكون من الشجاعة والإيمان والمواقف العملية ما يجعل الأمة كلها تحيي هذا الصمود وتدعمه بالوسائل المتعددة ، ومن أولى من حزب البعث العربي الاشتراكي وقيادته وأمينه العام الرئيس حافظ الأسد وثورته في القطر العربي السوري برعاية هذا العمل الوطني الذي يمثل قيم الأمة وحضارتها وتراثها ويستشرف مستقبل أجيالها ؟؟
ثالثاً ـ بعد توقيع اتفاقات أوسلو وغيرها كان من نتيجة تلك الاتفاقات ومن أهدافها ـ الفصل بين عرب فلسطين 1948 ، وبين عرب الضفة الغربية وقطاع غزة وبين عرب فلسطين في المهاجر ، وكذلك بينهم وبين أمتهم العربية ، وقد تم تدعيم هذا الفصل حسب الاتفاقات الهزيلة تلك بسلسلة من الإجراءات والقرارات تؤكد تخلي القيادة الفلسطينية التي تتعامل مع العدو ، والتي تسيطر ( نظرياً ) على مناطق الحكم الذاتي ، وتؤكد تخليها عن بقية أبناء الشعب العربي الفلسطيني داخل مناطق 1948 ، وهذا الأمر لا يدل على عجز تلك القيادة فحسب بل يدل على النوايا الخطيرة للذين قاموا بهندسة تلك الاتفاقات والتوقيع عليها والإشراف على تنفيذها .
وتجد سورية وحزبها وقائدها في هذا الظرف الخطير بالذات أن من الواجب القومي والأخلاقي إشعار أهلنا في المحتل من أرضنا أنهم منا ، ونحن لهم مهما كانت القيود التي فرضها الغير عليهم ويجب المبادرة إلى تحقيق التواصل بين أبناء الشعب الواحد .
لذا كان هذا القرار الشجاع بدعوتهم إلى زيارة سورية .
رابعاً ـ إن الظروف السياسية التي يمر بها الوطن العربي عموماً والمأزق الذي تعانيه عملية السلام ، يفرض على سورية أن تتحرك في جميع الاتجاهات لتوضيح سياستها ومبادئها أمام الرأي العام العالمي ، فمن باب أولى أن تتحرك تجاه الوطن وأبنائه لأنهم عدة الصراع أولاً ، ولأنهم المعنيون بعملية السلام أو الحرب خصوصاً في ضوء التعنت الصهيوني الذي تمثله حكومة تجمع الليكود الصهيونية المتعصبة ، إضافة إلى المؤازرة غير المحدودة التي تقدمها الولايات المتحدة الأميركية لهذا الكيان المغتصب .
خامساً ـ إن سياسية سورية الواضحة والهادفة ، والمبنية على أسس قومية عربية تقدمية ، وتقف على أرضية صلبة لا تتزعزع تدعمها قيم الأمة وحضارتها ، وترفدها سواعد أبنائها وصمودهم وإيمانهم الذي ليس له حدود ، سياسة سورية هذه تجعلها القاعدة المادية والمعنوية لكل أبناء العروبة فهي مؤلهم ، وأملهم فيها ، يتنسم كل مواطن حريته، ويستشعر عزته وعنفوانه وشموخ أمته ومجدها وتاريخها وحضارتها ومستقبلها ، فهي المحطة التي يتزود العرب فيها زادهم ، ويعبئون طاقتهم ، ويشحذون هممهم ، لمواصلة الطريق الصعب الذي فرض عليهم .
لقد كان للزيارة نتائجها المهمة التي عبر أفراد الوفد عنها بكلمات تحمل كل التقدير والحب لسورية وقائدها ، وما يمثله هذا القائد بشخصه وقيمه وسلوكه وحنانه ومثاليته وواقعيته وصدقه ووضوحه وشفافيته ، وعكست الأثر الكبير الذي تركته في نفوسهم وبالتالي فهذه الكلمات تمثل أصدق تمثيل مشاعر الأخوة العرب تحت الاحتلال الصهيوني .