الحياة - سيناريوات متداولة حول الانقلاب في لبنان وعوامل تعطيلها
الحيـاة
الاربعاء, 13 أكتوبر 2010
سيناريوات متداولة حول الانقلاب في لبنان وعوامل تعطيلها
محمود الورواري *
محمود احمدي نجاد
ثمة مسارات يتقاطع جُلّها وفي المحصلة تصب داخل الملف اللبناني فتزيده تعقيداً وترفع وتيرة القلق والتوتر فيه.
ولأن الغموض سيد الموقف، فلا مخرج سوى التحليل وفك شفرة المسارات والتحركات استناداً الى المخزون المعرفي السابق لكل مسار.
ولننطلق من الآني الحاضر ونمرّ بكل الأسئلة التي تُطرح لتنتهي عند المستقبل. فما الذي حدث؟
لن أعود كثيراً الى الوراء، ولكن ابدأ مما نشر أخيراً عن ان مسؤولاً امنياً مقرباً من الحريري أخبر السيد حسن نصر الله ان هناك من هو متورط في اغتيال الحريري من حزب الله وطلب منه لملمة الموضوع (بعض المواقع سمّى ذلك المسؤول صراحة وهو وسام الحسن الذي وجدناه لاحقاً على قائمة الثلاثة والثلاثين التي أطلقتها سورية).
وأشارت الصحف الى مخطط انقلابي رأى ذلك المسؤول أن حزب الله سينفذه بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى لبنان، وسيناريو الانقلاب يكون نسخة متطورة لأحداث السابع من أيار 2008 والتي اعتُبرت في حينه الأخطر منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990.
وكان الرئيس السوري بشار الأسد توجه إلى طهران في زيارة لم تكن معلنة في شكل رسمي قرأها البعض على أنها رد على الزيارة الخاطفة للرئيس الإيراني احمدي نجاد الى دمشق وهو في طريقه الى اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة والتي طغى عليها الملف العراقي الذي كان المعلن فيه تضارب المواقف الإيرانية - السورية، فسورية تريد حكومة يتمثل فيها كل الطيف العراقي وإيران تريد المالكي، علماً أن دمشق رتبت لقاءات سابقة بين الصدر وعلاوي، ولم تنس مواقف المالكي الحادة ضدها بعد أحداث الأربعاء الدامي واتهامه لها بتصدير الإرهاب. هذا الذي كنا نعرفه!
لكن الأمر تبدل مع زيارة الأسد الى طهران فظهر ما لم يكن احد يتوقعه حين بدل الصدريون، أعداءُ المالكي والأكثرُ تحفظاً عليه والرافضون له على طول الخط، مواقفهم ورفعوا عنه الفيتو بل أيّدوه، في حين تحفظ المجلسُ الأعلى وعمار الحكيم الذي يعرف الجميع انه رجل إيران، هذا التغير سماه البعض «التبدل المحير»! وفُسر على انه تنازل سوري في الملف العراقي لمصلحة ايران. ولكن، إن كان كذلك ففي مقابل ماذا؟
هل في مقابل الملف اللبناني؟ وان كان كذلك فكيف تنجلي المصلحة السورية في ذلك الملف؟ وهي التي أطلقت قنبلتها أثناء زيارة الأسد لطهران وهي قائمة الثلاثة والثلاثين «والتي رآها البعض تزيد الوضع اللبناني توتيراً وتستبق ذلك القرار الظني المخيف والمقلق لمدعي عام المحكمة الدولية، وتعلن موقفها الداعم لحزب الله والضد والخصم للحريري»، ذاك الذي عض على جرحه وانحاز الى شخصيته السياسية كرجل دولة ولطف العلاقة مع سورية، بل سحب اتهاماته السابقة لها على رغم ما تردد من ان القرار الظني سيحمل مفاجأة غير سارة لخصومه.
نعود الى موضوع المصلحة السورية. هل يحاول الأسد أن يقنع أحـمــدي نجــاد بأن يتراجع عن المخطط الانقلابي الذي سينفذه «حزب الله»، لأن التوتير ليس في مصلحة سورية وهي التي التزمت في قمــة ثلاثية مع العاهل السعودي والرئيس اللبناني وكان عنوانها الكبير «التهدئة».
لو كان الأمر كذلك لتحقق مبدأ «هات وخد»... أخذت ما تريد في ملف العراق بأن يأتي المالكي ونأخذ نحن ما نريد بأن تتراجع عن خطتك التي سينفذها لك ونيابة عنك حزب الله؟
ولأن هذا المسار شديد التعقيد تكتمل مشهديتُه بزيارة الرئيس سعد الحريري الى السعودية بتزامن مع زيارة الأسد الى طهران، في إطار انفتاح الحريري على محيطه العربي عبر بوابة المملكة وقبلها وبعدها مصر لتنشيط ذلك الدور أو التذكير به، أو إيجاد سيناريوات للتعامل مع ما قد ينتج من نشاط المحور السوري - الإيراني.
غير بعيد من ذلك وعلى شاشة العربية يتحدث اللواء جميل السيد ضمن ما تحدث عن رؤيته لمستقبل لبنان إذا ما صدر القرار الظني، حيث أجاب «انه لن تكون هناك دولة لأن القرار سيحوي اتهامات لأطراف داخل الحكومة»، ولا اعلم من أين عرف والقرار لم يصدر بعد! «وبالتالي لن يكون هناك تعايش وستزداد الخصومة وتنهار الحكومة وسيكون لبنان مفتوحاً على كل الاحتمالات»!
ما قاله اللواء جميل السيد يستحضر ضمنا سيناريو الانقلاب الذي يدرك اللبنانيون انه أصبح لغة رجل الشارع الآن كأنه بديهي ومسلّم به، وكلام السيد يستحضر ايضاً سيناريو آخر نفذه حسن نصر الله في عهد حكومة السنيورة في ما عُرف وقتها بأزمة انسحاب الوزراء الشيعة، إذاً هناك احتمال انسحاب الوزراء الشيعة والمحسوبين على حزب الله، ويتكرر السيناريو.
اللافت هو ما جاء على لسان الرئيس المصري حسني مبارك في خطابه في الذكرى السابعة والثلاثين لانتصار أكتوبر «بأن هناك سحباً تحوم في سماء لبنان» وأن إيران «يمكن أن تكون جزءاً من حل مشاكل المنطقة بدلاً من ان تكون جزءاً من التأزيم».
لا ادري إن كنت مُصيباً حين أقول إنها المرة الأولى التي يتحدث فيها مبارك في هذا الشكل عن لبنان وعن إيران، لذا علينا ان نسعى لفك شفرة هذا الحديث ودلالاته وتوقيته، وقد تحدثت مع عدد من السياسيين والفاهمين والمهتمين بهذا الملف فوجدت قلقاً اجمع عليه الجميع، بأن الرئيس المصري ما كان سيقول ذلك لولا أن هناك مخاوف حقيقية من تحركات إيرانية في المنطقة لتحقيق مكاسب في لبنان كما في العراق وتعويض إخفاقها في البحرين والكويت، والهروب الى الأمام بعدما ضيق الغرب قبضته عليها بحُزمِ من عقوبات.
من كل هذه المسارات والتشابكات والرموز هناك ترجيح للسيناريو الأكثر رعباً في لبنان وهو الانقلاب في نسخة تكون أكثر شراسة، لأن اللعب فيه سيكون على المكشوف وليس من وراء حجاب كما جربنا سابقاً، خصوصاً إذا أضفنا تحذيرات وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «مما سمته مخاطر زيارة الرئيس احمدي نجاد الى لبنان والتي قالت انها نقلت هذه التخوفات الى الرئيس اللبناني ميشال سليمان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مركزة على سيادة لبنان، وكلمة سيادة بلغة السياسة لا تُطرح الا اذا كان هناك تخوف من انتقاصها، والانتقاص في الحالة اللبنانية لا يتأتى الا بسيناريو الانقلاب. ماذا لو حدث؟
يقول العارفون بالجغرافيا السياسية ان سيطرة الحزب على بيروت شديدة السهولة، ولكن تبقى الصعوبة في ضمان تواصلهم بعد سيطرتهم على بيروت مع بقية بقاعهم التي يكونون فيه الأغلبية، وموقف الدروز وبعض المسيحيين ربما يحسم الأمر. مع من سيكونون؟
نقطة أخرى وهي قدرة الحزب على البقاء، ومن يربح في حرب الشوارع اذا أخذنا في الاعتبار ان الأرض تحارب مع أهلها؟ وما موقف المجتمع الدولي؟ هل سيكون هناك دور لقوة اليونيفيل خصوصاً انها وُجدت بقرار دولي يسمح لها بذلك؟
وماذا عن العالم العربي، خصوصاً مصر والسعودية التي يرى بعض المحللين المصريين بالذات انها ستكون الفرصة التي يعوض فيها العرب، خصوصاً مصر، تقصيرهم مع لبنان منذ عهد أنور السادات وصولاً الى عهد حسني مبارك، لذلك يرونها فرصة لكسر شوكة إيران المتمثلة بـ «حزب الله» الذي كان البادئ بالخصومة مع مصر بعد القبض على شبكة تجسسه هناك، واستعداء نصر الله الصريح وغير المحسوب حين طالب جنرالات الجيش المصري بأن يغيروا النظام وينزلوا الى الشارع، وهو الخطأ الذي قال البعض وقتها إن نصر الله سيدفع ثمنه لاحقاً، فهل نحن أمام انتقال قوات عربية؟
هل نحن أمام معركة كسر عظم بين دُبين او أسدين كبيرين (مصر والعالم العربي من جهة وإيران من جهة أخرى)؟ وما حجم الفاتورة التي سيدفعها المواطن اللبناني؟
وإذا كانت المقدمات السابقة هي قراءة في إمكانية حدوث الانقلاب من كل زواياها، فإن هناك قراءة أخرى في العوامل التي تمنع الحدوث. فلصعوبة وخطورة وسوداوية وتداعيات ذلك السيناريو، فإن المخرج يتأتى من التأثير السوري، من قدرة الرئيس الأسد على إقناع الإيرانيين بالعدول عن ذلك مطلقاً، أو استخدام بدائل تكون اخف وطأة وأقل أثراً، وإلا سيفهم الموقف السوري على انه داعم او يبارك ذلك.
وهناك مخرج آخر لكنه خارجي، هو ان تدخل إسرائيل على الخط بأن تتحرش بـ «حزب الله» ليكون ذلك المنُقذ له لتنقلب الطاولة بكل أوراقها.
وتكون المخارج تلك التي ستفتح أبوابها لتعطل ذلك الرعب القادم.
* إعلامي عربي