كلمة ناهض قديح عن البيئة
كلمة التقديم
الدكتور ناهض قديح
قرأت العام الماضي في مجلة العربي الكويتية في عددها الذي يحمل الرقم 402 مقالاً تحت عنوان "إطلالة على البيئة" للدكتور أحمد مدحت إسلام يقول في بدايته:
"لو أن للبيئة أصواتاً، لصكت أسماعنا صرخات الغابات الإستوائية التي تُحرق عمداً في الأمازون، وأنين المياه التي تخنقها بقعة الزيت في الخليج، وحشرجة الهواء الذي يختنق بالغازات والرصاص في مدن العالم الكبرى، ولأننا لن نسمع ذلك كله، يتوجب علينا أن نقترب من بيئة أرضنا ـ بيتنا ونطل".
نعم علينا الاقتراب أكثر: لأن ما نواجهه اليوم من مصاعب بيئية قد اخترق دائرة المألوف ودخل دائرة الخطر والدمار في بعض الأماكن والمجالات.
نعم علينا الاقتراب ونقول: إن الكون بكل شموسه ونجومه وكواكبه وأجرامه يرتكز على مبدأ التوازن، وكله في حالة توازن دقيق. وهذا المبدأ هو الذي يؤمن استمراره بهذه الدقة المتناهية.
وكرتنا الأرضية التي نعيش عليها مستفيدين من كل عناصرها وموجوداتها هي بيئتنا، وهي جزء من هذا الكون الشاسع تقوم أيضاً على نفس المبدأ، حيث يحافظ كل من عليها وما فيها على عناصر توازنها بقيت مصانة إلى أن بدأ الإنسان يتعدّى على بيئته، وتفاقم هذا الاعتداء حتى أحدث الخلل فيها.
والحقيقة أن الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض وهو في علاقة جدلية معها، فلو أحسنَ معاملتها يكون ردها خيراً وصفاءً وبناءً، وبالمقابل فإن أساء لها يكون ردها قاسياً أمراضاً وتلوثاً ودماراً.
وقد أجمع العلماء على أن الإنسان قد مر في البداية بمرحلة بدائية، كان تعامله فيها مع الطبيعة، مع البيئة، مع المحيط تعاملاً سطحياً بدائياً لقلة عدد سكانه اولاً ولافتقاره ثانياً إلى الوسائل والأدوات الحضارية التي يمتلكها الآن. فلم تُحدث هذه العلاقة مع الطبيعة خللاً بالتوازن البيئي الذي نحن بحاجة إليه لتأمين استمرارنا بعيدين عن كوارث التلوث التي اشترك ويَشترك بإيجادها الشعوب المتقدمة والمتخلفة على السواء. والتي أصبحت في عصرنا مشكلة المشاكل، وذلك لأن الإنسان لم يتنبه لهذه النتائج الخطيرة، وكان أنانياً، إن صح التعبير، خلال مراحل تطوره وتقدمه، لا يهمه سوى ما يجنيه من خيرات الصناعة وتحديثها وانتشارها وتمركزها، والتي أعطته فيما بعد السلطة والقرار، ولا يهمه إلا ما يكتسبه من نتائج الاختراعات والاكتشافات الكيميائية وتجاربها، وما تؤديه له المفاعلات النووية من خدمات على كل الصعد، وما يحصل عليه من صيد الطيور والحيوانات وإزالة الغابات، والالتجاء لأقصر الطرق وأسهلها في تعامله مع النفايات والأوساخ وغيرها والتي يقذف بها إلى مياه الأنهار والبحار قاتلاً وملوثاً ثرواتها من الأسماك وفصائلها، والإسراع في بناء المنشآت والمساحات من الباطون المسلّح لما تدره عليه من أرباح دون التفكير بالنتائج، وقد كان الإنسان في كل هذا كمن يحفر قبره بيديه، أو كمن يلحس المبرد، لأنه كان يعبث بالإطار الذي يعيش فيه ويستمد منه كل مقومات حياته.
إن اختلال التوازن في البيئة ارتبط إلى حد كبير بتقدمنا العلمي والتكنولوجي، وحتى لا نعطي صورة قاتمة لواقعنا البيئي نقول: إن التلوث ليس على درجة واحدة في جميع أماكن المعمورة: فهناك التلوث المقبول وهناك الخطر وهناك المدمر. وبدون شك إنه مشكلة العصر، مشكلة التقدم الذي حققه الإنسان على حساب محيطه، على حساب بيئته، وها هو اليوم منهمك لترقيع ما هدمته يداه، مستنفراً في سبيل الوقاية والعلاج، مخصصاً المبالغ الضخمة، عاقداً المؤتمرات العلمية الدولية، وعلى أعلى المستويات محاولاً التخفيف من حدة انهيار البيئة وتأثيراتها وسلبياتها.
وطريق الحل طويل شاق، وقد يكون أوله انتشار الوعي البيئي، حتى تصبح حماية البيئة من أولويات الفرد، ويقتنع أن رعايتها هي من مسؤولياته وعلى عاتقه.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما العمل؟ طالما لا نريد إيقاف الزمن أو العودة بالتاريخ إلى الوراء، وليس هذا هو المطلوب. فالتقدم يسير قدماً وبسرعة، والتنمية مطلب كل إنسان أينما وُجد. والتطور والرقي هما غاية كل الشعوب.
فهل ينجح الإنسان في مداواة أمراض البيئة كما نجح في إخضاعها لمشيئته؟ وهل يستطيع أن يُوفِّق بين الإنماء وسلامتها؟.
معنا في هذه الأمسية الزميل الدكتور ميلاد جرجوعي الأستاذ في كلية العلوم/ الجامعة اللبنانية، ورئيس أكاديمية الصحة البيئية والطاقة والأبحاث العلمية ـ الإنمائية. في محاضرة بعنوان الصحة البيئية والإنماء المستديم (تطلعات عام 2000).
الذي قد يجيبنا على تساؤلاتنا من خلال هذا اللقاء فلنستمع إليه شاكرين.