مـؤتمـر مشاريع صيدا العمرانيّة - كـلمـة التـقـدـيم د. مصطفى دندشلي
المركـز الثـقافيّ
للبحوث والتوثيق
صـيـدا مـؤتمـر
مشاريع صيدا العمرانيّة
12 ـ 13 نيسان 1996
من أجـلِ حـوارٍ ديمقـراطيّ حقـيـقيّ
من أجلِ مشاركةٍ وطنية ، واعية وفاعلة ،
كـلّ ذلــك
من أجل بناء ـ أو إعادة بناء ـ مجتمعٍ إنسانـيّ ،
يعيش فيه الإنسان بكامل حريته ، وبكامل إنسانيته ...
تحت هذا الشّعار ، ينعقد مؤتمرُنا ويفتتحُ أعمالَه في هذه الأمسية ، وطوال يوم غد .
* * *
كـلمـة التـقـدـيم
د. مصطفى دندشلي
أيّها الحفل الكريم ، أيّها الأصدقاء الأعزاء ...
قبل أن أطرحَ تساؤلاتِ هذا المؤتمر ، التساؤلاتِ الملحّة والمقلقة ، وأطرحَ أهدافَهُ والمنهجيّةَ التي اُعتمدتْ من أجل تحقيقه ، اسمحوا لي بدايةً أن أقدّم مفهومَنا للثقافة ولفهمِنا لدور المثقف في كلّ الظروف ، والظروف الراهنة التي يمرّ بها بلدنا .
الثقافةُ ، في مفهومِنا السريعِ والمختصرِ ، هي حركةُ الفكرِ التي تنطلقُ من الواقعِ وتصدرُ عنه ، الواقعِ الاجتماعيّ والاقتصاديّ ، وتعودُ إليه وتتفاعلُ معه ، وتتأثرُ به وتؤثرُ فيه ، من أجل فهمِه فهماً حقيقياً ، ووعيه وعياً صحيحاً ، وتغييره دائماً نحو الأفضل .
هذا هو دورُ الثقافةِ في مفهومِنا ، باختصارٍ كليّ . وهو بالتالي دورُ المثقفِ في الوقت ذاته . ذلك أنّ دورَ المثقفِ ، في الحقيقة والواقع ، المثقفِ الملتزمِ ، الوطنيّ ، الديمقراطيّ ، الحقيقيّ ، هو أن يكون أداةَ هذا التغيير الاجتماعيّ والتاريخيّ ، أقلّه على الصعيد الفكريّ والتصوّر العقليّ ، والتأمل النظريّ والطموح المستقبليّ .
إنّ دورَ المثقفِ ، فيما نرى ، هو أن يَعي ظروفَ المجتمع في حركته التاريخيّة من الماضي إلى المستقبل، انطلاقاً من لحظة الحاضر . بمعنى أن ينطلقَ من الواقع الذي يعيش فيه ، وهو جزء منه ، بكلّ تعقيداتِ هذا الواقع وقضاياه المتنوّعة . وأن يُقدّم بالتالي وعياً متكاملاً للمرحلة التاريخيّة التي يمرّ بها . ومن ثَمّ أن يعمّم هذا الوعي بصورة تكامليّة ورؤية مستقبليّة . فهو بهذا المفهوم عاملٌ أساس من عوامل التغيير ، وعنصرٌ قائدٌ لا غنى عنه في عملية التطوير الاجتماعيّ والتقدّم الحضاريّ .
فالمثقّفُ ، بهذا المعنى ، شاهدُ عصرِه ، شاهدُ حقٍّ وصدقٍ ، لا شاهدَ زورٍ وبهتانٍ . فهو ضميرُ الشعبِ في أعماقِه وروحِه ، وفي طموحاتِه وآمالِه ، وهو الناطقُ الحقيقيّ باسمه في مراحله التاريخيّة والاجتماعيّة .
ضمن هذه الرؤية الشموليّة والواقعيّة لدورِ المثقّف ، كان مركزنا منذ بدايات التأسيس الأولى ، قد وَضعَ له جملةً من الأهداف ، النظريّةِ والممارسةِ العمليّة ، يأتي في مقدمتها : محاولةُ معرفةِ الواقع ، معرفةٍ جديّةٍ وموضوعيّةٍ ، ووعيه بالتالي من خلال الممارسة ، وعياً هادفاً من أجل المساهمة ، المساهمة الحقيقية ، في عملية التغيير الاجتماعيّ والتاريخيّ للمجتمع ... ذلك أنّنا ، كما كنّا نقول دائماً ولا نزال ، لا يمكنُ تغييرُ نحو الأفضل ، ما لا نعرفُه وما نجهلُه . والإنسانُ ، كما يقال ، عدوّ ما يجهل . فالمعرفةُ الواقعيّةِ ، الحقيقيّةِ ، إنّما هي شرطٌ أساس لعملية التغيير ، التغيير الحقيقيّ ، بوعي وإدراك تكامليّ ولمصلحة الإنسان : كلّ إنسان وكلّ الإنسان .
لذلك ، ومن أجل تحقيق هذا الهدف ، كانت بداياتُ التأسيس الأولى لمركزنا الثقافي عام 1973 ـ 1974 تحت اسم " لجنة الدراسات الإنمائيّة " . وكان أوّل عملٍ قامت به على هذا الصعيد هو طرحُ موضوعِ " مشروع مرفأ صيدا ". لماذا كان هذا الموضوعُ بالذات أولى نشاطاتنا الثقافيّة آنذاك ؟!... ذلك أنّنا كنّا نسمع دائماً ومنذ زمن بعيد ، على لسان كثيرٍ من رجالِ الاقتصاد والأعمال ومختلف فئات الشعب وقطاعاته الاجتماعيّة والسياسيّة عموماً ، وبإلحاحٍ كبيرٍ ومتواصل ، عن أهميّة إنشاء هذا المرفأ الحيويّ والضروريّ لصيدا وللمنطقة بمجملها وللداخل العربيّ بصورة عامة ، وذلك على الصعيد الاقتصاديّ والصناعيّ والتجاريّ والاجتماعيّ .
غير أنّ الحديثَ كان يجري عموماً والإلحاحَ كان يُطلق على أهميّة المشروع ، دون أن يكون هناك ، في الواقع ، اعتمادُ أيِّ دراساتٍ أو معلوماتٍ عن هذا المشروع . فكان ثمة هوّةٌ بين الرغبة والواقع ، بين الطموح وطريقة التنفيذ وأداته . فكانت آراءٌ تُطلق من هنا ومن هناك وفي مختلف المراحل وعلى جميع المستويات ، تُعبّر أكثر ما تُعبّر عن رغبات طيّبة ونوايا وتطلعات، دون أن تعتمد على دراساتٍ أو معلومات علميّة ، نظريّة أو ميدانيّة، أو إحصائيات واقعيّة وكميّة ، تقنيّة وفنيّة للمشروع .
من هنا ، كانت وُجهة نظرنا الأولى ، وانطلاقاً من تصورنا المنهجيّ ، أنّه كيف يمكن أن نُلحّ إلحاحاً متواصلاً على أهميّةِ مشروعٍ على هذا المستوى ، دون أن يكون لدينا مسبقاً معرفةٌ علميّةٌ به . فطلبنا آنذاك من صديقنا المهندس منح البزري ، الاختصاصيّ في الموضوع ، أن يقدّم لنا دراسةً متكاملةً ، إن أمكن ، وبطريقة تطوعيّة، حول هذا المشروع .
وبالفعل وبعد ثلاثة أو أربعة شهور ، عُقدت الندوة الأولى حول مشروع المرفأ في دوحة المقاصد في العاشر ( 10 ) من شهر أيار 1974 . فكانت دهشتُنا كبيرةً ، إذ أنّها اعتبرت ، آنذاك ، من قِبَل الجميع ، وفي مقدمتهم الاقتصاديون والتجار وأصحاب الأعمال والمهتمون بهذا الموضوع عموماً ، اعتبرت هذه الدراسة ، كمرجعٍ أساسٍ ووحيدٍ للمشروع ، فعممناها كما يذكر الجميع ، على نطاق واسع ، على أصحاب الشأن والاهتمام . فكانت في الحقيقة محاولةً أولى ومناسَبَةً لزيادة الاهتمام العلميّ بمشروع المرفأ . فوُجّهت ملاحظاتٌ انتقاديّة أساسيّة لهذا المشروع الأوّليّ . فبعد أن كان ملحوظاً إقامتُه في الجهة الشماليّة لمدينة صيدا ، تغيّر الاتجاه وانتقل مشروعُ إنشائِه في الجهة الجنوبيّة من المدينة ، لاعتباراتٍ أهمها جغرافيّة أساسيّة .
وهكذا ، وانسجاماً مع مفهومنا للثقافة وتوجهنا من خلال الممارسة للتفاعل مع الواقع وقضايا المجتمع ، تابع مركزنا عَبْر نشاطاته الثقافيّة المتنوّعة ، اهتماماتِه الاجتماعيّة والاقتصاديّة والعمرانيّة ، فأتت أبحاثُه ودراساتُه ومؤتمراتُه حول هذه المواضيع كافة :
1 ـ مشروع مرفأ صيدا في تموز 1985
2 ـ تطوّر صيدا العمراني في آب 1985
3 ـ نحن والمحافظة على البيئة في آذار 1987
4 ـ اقتصاديات صيدا في محيطها الريفي من آذار إلى حزيران 1988
* * *
وإذا أردنا أن نشير إشارة سريعة إلى تطوّر طرح مشروع مرفأ صيدا ، والاختلافات في وجهات النظر التي كانت ترافقه من حيث الشكل والمضمون والحجم والاتساع ، إذ أنّه في السابق ، كان المشروع المطروح على بساط البحث ، هو إنشاء مرفأ تجاريّ عاديّ ، إلاّ أنّنا نرى في السنوات الأخيرة ، قد طُرح مشروعُ المرفأ بصيغة جديدة وبإلحاحٍ كبيرٍ وبسرعة فائقة ، وإنشاءُ مرفأ متخصصٍ كبير الحجم ، تقوم به وتنفّذه شركة عقاريّة ، مضافاً إليه ومرافقاً له تنفيذ مشروع الأوتوستراد الجنوبيّ والبولفار البحريّ وواجهة مدينة صيدا الأثريّة لجهة البحر .
فكانت مبادرةُ جمعية خريجي المقاصد في صيدا بدعوة النقيب المهندس بهاء الدين البساط ـ وهو المتابع عن قرب مع مجموعة كبيرة من مهندسي صيدا ، الحيثيات الدقيقة لهذا المشروع وتطوّره ـ لإلقاء محاضرة في السادس عشر ( 16 ) من كانون الأول 1995 وطرحِ أو إعادةِ طرحِ هذه المشاريع في شتّى أبعادها ، ولأول مرة علانية ، على الرأي العام الصيداويّ والجنوبيّ واللبنانيّ بصورة عامة . فانتقلَ الحوارُ وتحوّلَ النقاشُ وإثارةُ هذه المشاريع من حلقات ضيّقة ، إلى نطاقٍ أعمّ وأوسع ، شاركت فيه مختلف قطاعات الرأي العام من مهندسين وعلماء آثار واقتصاد واجتماع وبيئة . ذلك أنّ هذه المشاريع لا تهمّ فئةً معينةً محدودةً من المجتمع ، مهما كانت ، وإنّما لها مصلحة فيها ، في بحثها والاهتمام بها وإعطاء الرأي حولها ، مختلفُ فئاتِ الشعبِ وهيئاتِه الاجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والرأي العام عموماً .
وهنا ، اسمحوا لي ، أيّها السيدات والسادة ، أن أبديَ في هذه العُجالة ، ملاحظةً سريعةً وهي أنّ قطاعاتٍ واسعة من المتعلمين عندنا والرأي العام على وجه الخصوص ، قد ازدادوا وعياً وإدراكاً لأهمية التّراث الحضاريّ والمعماريّ وحمايته ، والمحافظة على البيئة الطبيعيّة ، وإيلاء الجانب الإنسانيّ اهتماماً كبيراً . فأخذتْ في السنوات الأخيرة ، مشاريعُ تطوير الشاطئ اللبنانيّ وتنفيذُ الأوتوسترادات والمرافئ ، تُناقشُ أكثر فأكثر إعلامياً من قِبَل الرأي العام اللبنانيّ ، والصحافة اللبنانيّة تحديداً ، ويُثار الاهتمام حولها ، ليس فقط من الناحية الماديّة أو من ناحية التطوّر الاقتصاديّ أو الصناعيّ وحسب ، وإنّما أخذ الاهتمام يزدادُ أكثر فأكثر ويتّسع من ناحية انعكاساتِ هذه المشاريع وتأثيراتها في الوسط البيئيّ والتّراثيّ والحضاريّ والاجتماعيّ .
وأسمح لنفسي هنا ، بأن أشيرَ أيضاً إلى حدثٍ مهمّ بالنسبة لنا نحن في مدينة صيدا ، لأدلّل من خلاله على مدى تطوّر الوعي عندنا بالتّراث الحضاريّ والمعماريّ لمدينتنا ، دون أن يكون في ذهني أيُّ خلفيةٍ ودون أن يُفهمَ من ذلك تلميحاً لأيّ كان ، ذلك أنّه على أثر زلزال عام 1956 ، كانت قد اتخذتْ مصلحةُ التعمير في صيدا قراراً بوضع إشارات الاستملاك على بعض أحياء مدينة صيدا القديمة ( حيّ الكنان وحارة عمر الجلالي وحيّ رجال الأربعين وغيرها )، وإعادة بنائها بطريقة حديثة لسكانها الأصليّين ... وقد بوشر فعلاً في هذا العمل في حيّ رجال الأربعين ، وتمّ التنفيذُ في أوائل الستينات وبُنيت مساكن للصيادين حديثة نسبياً ، على أنقاض بعض الحارات القديمة، ذات الطابع المعماريّ الفريد . وإذا كان قد توقف تنفيذ وضع اليد على الاستملاكات الأخرى ، فكان ذلك ، لحسن الحظ ، لعدم توافر المال في خزينة الدولة . فقد كانت كارثةً تراثيّةً وحضاريّةً ، فيما لو تمّت عملية الاستملاك ونفّذت هذه المشاريع .
كما أنّه ، على أثر الاجتياح الإسرائيليّ عام 1982 ، كان قد أزيلَ من واجهة صيدا البحريّة ، بالقرب من الميناء ، بعضُ المعالم الأثريّة والمعماريّة المهمّة ، أبرزها إزالة حمّام المير التاريخيّ في صيدا من الوجود .
فإذا كنت أشير إلى ذلك دون الدخول في التفاصيل ، فإنّما لأبرزَ مدى تطوّر الوعي لدى الرأي العام عندنا، بقضايا التّراث والثروة المعماريّة والحضاريّة التي تتمتع بها مدينتنا العريقة . لا شكّ في أنّ تطوّر الوعي بهذه القضايا ، إنّما تحقّق ويزداد الآن انتشاراً واتساعاً ، بفضل ما تقوم به حركات البيئة والتّراث من نشاط إعلاميّ عالميّ ، وما تقوم به ، كذلك وفي الوقت نفسه ، منظمة الأونيسكو العالميّة . فنحن لا نعيشُ ولا يمكننا أن نعيشَ في جزيرة وبعزلة عمّا يجري في العالم .
لذلك ، فإنّنا نرى بأنّ الرأي العام عندنا ، يزدادُ أكثر فأكثر إدراكاً لسلبيات تلك المشاريع وخطورة التطوّر العمرانيّ العشوائيّ على شواطئنا ، والذي يتمّ في الغالب الأعمّ ، دون دراسات موضوعيّة هادئة ، وعلى حساب تراثنا المعماريّ وثرواتنا الأثريّة وحماية بيئتنا الطبيعيّة .
وفي هذا السياق العام ، يمكننا تحديد الأهداف الرئيسة لمؤتمرنا وأغراضه في نقطتين أساسيتين :
1ـ تحقيق هذا الحوار الديمقراطيّ الحقيقيّ والمشاركة الوطنيّة الفاعلة لمختلف قطاعات الشعب عندنا .
2ـ إثارة اهتمام الرأي العام بهذه المشاريع الكبرى والتي سيكون لها تأثيراتٌ عميقةٌ في حياة مجتمعنا . ذلك أنّ المواطنين جميعاً هم أصحاب المصلحة الأولى والأخيرة في هذه المشاريع ونتائجها عليهم .
وإذا كنت لا أريد أن استبق ، ولا يحقّ لي أن استبق ، نتائجَ هذا المؤتمر ، إلاّ أنني أستطيع أن أقول ، من خلال قراءاتي في المدّة الأخيرة واتصالاتي تحضيراً للمؤتمر مع المهتمين وأصحاب الاختصاص بهذه المشاريع الكبرى ، إنني قد لاحظت بصورة واضحة وجلية أنّ هناك مُعطياتٍ لا تزال مجهولةً ، ومعلوماتٍ أساسيّةٍ وضروريّةٍ غير متوافرة حتى الآن ، ورؤيةً واقعيّةً لهذه المشاريع بمجملها غيرُ متكاملة ، وبالتالي فإنّ الرؤية المستقبليّة غير واضحة ولا تزال ضبابيّة ، كما قال لي أحد المهندسين في دار الهندسة ، وبالحرف الواحد . فكيف يمكننا والحالة هذه أن نُطلق هذه المشاريع الضخمة وبهذه السرعة ، والنشاط الإعلامي الذي رافقها ، دون أن يكون لدينا قد توافر أسبابُ نجاحِها وتحققت لدينا رؤيةٌ واقعيّةٌ حقيقيّةٌ هادئة لهذه المشاريع ونتائجها المستقبليّة .
وبما أنّ هذه المشاريعِ الكبرى ، مشاريعِ الأوتوستراد الجنوبيّ والبولفار البحريّ وواجهة صيدا البحريّة الأثريّة ومشروع مرفأ صيدا المتخصّص الكبير ، لا تهمّ ، كما قلت ، فئةً معيّنةً من الناس ، مهما كانت ، أو اختصاصاً واحداً من الاختصاصات ، كما أنّه لا يجوز في الوقت ذاته ، أن يُؤخذ أيُّ مشروعٍ على حدة ، وبمعزلٍ عن المشاريع الأخرى وتفاعلها وتأثيرها وتأثرها فيما بينها ... لذلك كانت منهجيتنا التي اعتمدنا عليها كلياً في تنظيم هذا المؤتمر، هي روحيةُ وأسلوبُ إشراكِ جميع الطاقات العلمية والاختصاصات الفنية والتقنية المتوافرة لدينا ، ومحاولةُ طرحِ هذه المشاريع وبحثها ومناقشتها من جوانبها المختلفة . فكان هاجسُنا الأول والأخير معرفةَ الحقيقة واقعياً ، ومعرفةَ رأي الآخر ، مهما كان .
لذا وفي إطار هذا التوجّه ، فقد اتصلنا مباشرة بكل من أُشير إلينا الاتصال بهم وطلبنا بإلحاحٍ من الجميع دون استثناء ، أن يشاركوا معنا في هذا المؤتمر ، كلّ ضمن اختصاصه وتجربته المهنية والعلمية .
وإذا كان قد تجاوب معنا ، مشكورين ، كوكبةٌ من الاختصاصات المتنوعة ، بهدف إغناء هذا المؤتمر ، إلاّ أنّ الذين اعتذروا ، لسبب أو لآخر ، هم أيضاً ليسوا بالقليلين . ولست أدري سبب تخوفهم من المشاركة معنا في هذا المؤتمر ، ربما يكون تخوّفُهم إنما هو من هذا الفكر الحرّ ، الوطني ، الديمقراطي ، المستقل . وهو فعلاً ، إذا كان الأمر كذلك ، يخيفُ أصحابَ المصالحِ الخاصة والضيّقة ، ومراكز قوى الاقتصاد ، ذات العقلية المركنتيلية وسلطة المال الاحتكارية ومن يدور في فلكهم . ذلك أنّ هذا الفكر الحرّ الديمقراطيّ ، في المدى البعيد ، أمضى سلاحاً وأبقى أثراً وأبعد نفوذاً . وهنا كنت أتذكر ما كان يقوله لنا أستاذنا ، المستشرق الفرنسي الكبير "جاك بيرك" ويردّده دائماً على أسماعنا : " لا تنسوْا أبداً أنّ الأفكار هي التي تصنع التاريخ !!.. " ، الأفكار طبعاً تلك التي تصدرُ من الواقع وتعودُ إليه لتغييره .
وهنا ، لا يسعني أخيراً وليس آخراً ، إلاّ أن أتقدم بالشكر الجزيل والتقدير العميق لكل من ساهم معنا بفكره أو بعمله أو بمشاركته ، في إنجاح هذا المؤتمر الوطني والعلمي الذي نفتتحُ أعمالَه في هذه الأمسية . وأخصّ بالذكر أعضاء لجنة التحضير للمؤتمر ، ومركز معروف سعد الثقافي ، وللأصدقاء في جمعية الأدب والثقافة الذين كان تعاونُهم معنا تعاوناً كلياً ، صادقاً ، ومندفعاً إلى أبعد الحدود . وإننا سنعمد إلى نشر وقائع المؤتمر كاملة ورفعِها إلى الجهات المسؤولة وإلى من يهمه الأمر ، ومن ثمّ تعميمها على الرأي العام . وسنعمل على متابعة نتائج هذا المؤتمر وإخراجها إلى حيّز التنفيذ بطريقة حرّة ديمقراطيّة .
لهذا ومن أجل تحقيق هذا الهدف ، فإننا نأملُ من جميع المشاركين في هذا المؤتمر من محاضرين ومعقّبين ومناقشين ، أن تكون طروحاتُهم واضحةً ، وآراؤهم صريحةً ، ومواقفُهم موضوعيّةً . فنكون بذلك قد حققنا أهدافَ مؤتمرِنا وغاياتِه .