العربية - الوزن السياسي للحزب الشيوعي السوري - جناح وصال فرحة - زياد العربية ابن علي
الجمعة 11 جمادى الثانية 1427هـ - 07 يوليو2006م
________________________________________
الوزن السياسي للحزب الشيوعي السوري - جناح وصال فرحة
________________________________________
زياد عربية ابن علي
الحياة الحزبية في سورية 1911 – 1946
عرف الشارع السوري عدداً كبيراً من الجمعيات و الأحزاب و التيارات و الحركات السياسية و الاجتماعية، كان أولها ظهوراً الحزب الاتحادي في مطلع العقد الثاني من عشرينات القرن الماضي، ثم توالى ظهور الأحزاب بعد أن سمح الاتحاديون من رجال تركيا الفتاة لعدد من الأحزاب بالظهور و النشاط في سوريا، فكان الحزب الحر المعتدل 1911 ثم حزب الاتحاد العثماني أو الحزب الصادق 1911 ، ثم حزب الأحرار ، فحزب الاستبداد " 1 " استمر الحال على هذه الوتيرة بين السماح بإنشاء جمعيات " 2 " و منعها و ملاحقة رجالاتها ، حتى نجاح الثورة العربية في 30 أيلول 1918 بطرد القوات التركية من الأراضي العربية . في العهد الفيصلي ( الشريف فيصل بن الحسين ) الذي استمر من 30 / 9 / 1918 و سقوطه بدخول القوات الفرنسية إلى سورية في 25 / 7 / 1920 ظهر إلى الوجود حزب الاستقلال العربي في 15 / 2 / 1919 ليكون مظهراً خارجياً لنشاط جمعية العربية الفتاة السرية ، التي كان الأمير فيصل ينتمي إليها، كما تأسس حزب التقدم ليكون مظهراً نيابياً لجمعية " العربية الفتاة " 3 "، كذلك شهد العهد الفيصلي تأسيس الحزب الوطني السوري في أواخر شهر كانون الثاني 1920. في عهد الانتداب الفرنسي الذي استمر من 25 / 7 / 1920 و لغاية 17 / 4 / 1946 أُسست أحزاب و جمعيات عديدة منها أحزاب وقفت في وجه الانتداب و أحزاب أسستها حكومة الانتداب للقضاء على الأحزاب الوطنية و سحب البساط من تحت أقدامها ، ففي دمشق شكّل مجموعة من الوطنيين عام 1921 جمعية سموها ( جمعية القبضة الحديدية ) عملت بصورة سرية ، عرفت أيضاً باسم ( الحزب الحديدي ) ترأسها عبد الرحمن الشهبندر ، من أعضائها حسن الحكيم و سعيد حيدر و جميل مردم و نزيه مؤيد العظم ،أنشئت لها فروع في حمص و حماة و السلمية ، و في حلب تأسست جمعية عرفت باسم ( جمعية الكف الأحمر ) بقيادة سعد الله الجابري و إلى جانبه إبراهيم هنانو و جميل و حسن فؤاد إبراهيم باشا و عبد الرحمن الكيالي و نجيب باقي زاده و فاتح المرعشلي و غيرهم " 4 "، و في تشرين الأول من عام 1924 تأسس الحزب الشيوعي في لبنان على يد يوسف يزبك و فؤاد الشمالي و عدد من المثقفين و عمال التبغ " 5 " ، و في عام 1925 عادت العلنية إلى الحياة الحزبية في سورية و كان أول حزب سياسي تشكّل في عهد الانتداب هو ( حزب الشعب ) في 5 / 6 / 1925 ترأسه عبد الرحمن الشهبندر ، وهو الحزب الذي أرق مضاجع الفرنسيين و سبب لهم متاعب جمة و لعب دوراً أساسياً أثناء الثورة السورية الكبرى فجرى حله و ملاحقة أعضائه ، ثم ( حزب الوحدة السورية) الذي كان أغلب أعضائه من الموظفين الرسميين الموالين لحكومة الانتداب و الذين يميلون للتفاهم مع الفرنسيين ترأس الحزب صبحي بركات رئيس الدولة السورية ( من حزيران 1922 إلى كانون الأول 1925 ) أسسته حكومة الانتداب للحد من تنامي دور حزب الشعب في الشارع السوري ، إلا أنها و بعد فشلها في تحقيق هذا الهدف ، أصدرت القرار 413 تاريخ 1 / 10 / 1925 المتضمن إلغاء الهيئات و الجمعيات السياسية كلها ، في جميع أجزاء الدولة ما عدا الجمعيات الخيرية " 6 " . بعد ذلك بثلاثة سنوات تقريباً أي في أواخر عام 1927 ظهر إلى الوجود حزب ( الكتلة الوطنية ) الذي ضم بين صفوفه عدد كبير من أعضاء حزب الشعب و حزب الاستقلال ، ترأس مجلس الكتلة المؤلف من 37 عضواً هاشم الأتاسي، خاض حزب الكتلة الوطنية إلى جانب أحزاب أخرى الانتخابات التي تمت في 10 / 4 / 1928 ، التي فاز الوطنيون فيها فوزاً ساحقاً . إلى جانب الكتلة الوطنية ، عرفت دمشق منذ العام 1928 حتى العام 1934 ما يزيد على خمسة و عشرين حزباً ، أبرز هذه الأحزاب : حزب الإصلاح أسسه حقي العظم عام 1929 ضم إلى صفوفه أعضاء متعاونين مع سلطة الانتداب من الطبقة الارستقراطية و كبار الموظفين ، سرعان ما انحل فأسس حقي العظم في آذار 1932 ( حزب الائتلاف ) الذي ضم نواب من الجنوب المؤيدين للسلطة الفرنسية، و في نفس الفترة ظهر حزب ( الاتحاد الوطني ) الذي أسسه أسعد محاسن ، ضم عدداً من كبار الموظفين و الضباط المتقاعدين ، لاقى هذا الحزب تشجيعاً و دعماً من سلطة الانتداب. و في صيف عام 1928 تأسس حزب ( الأمة الملكي ) ضم كبار الضباط المتقاعدين من فلول حزب الأمة الذي نشأ في العهد الفيصلي، و قد دخل الملكيون انتخابات 1932 باسم ( الرابطة الوطنية الملكية ) . و في كانون الثاني من عام 1932 أسس صبحي بركات ( الحزب الحر الدستوري ) ضم مجموعة من نواب الشمال المعارضين للكتلة الوطنية و المتعاونين مع سلطة الانتداب . و شهد عام 1932 تأسيس الحزب القومي السوري على يد انطوان سعادة كتنظيم سري ،ثم نشط في العمل السياسي بشكل علني عام 1935 ، و أيضاً ( حزب الميثاقيين ) و ( حزب المجاهدين ) و ( حزب لجنة الشباب) و ( عصبة العمل القومي عام 1933) ، و ( حزب الحرس الملكي الحديد ) و هو حزب موالٍ للعائلة الهاشمية، و ( حزب الشباب الوطني ) الذي كان يعد تابعاً للكتلة الوطنية و ( الإخوان المسلمون ) ، و ( الهيئة الشعبية ) ، و ( الحزب التعاوني الاشتراكي ) ، و ( حزب البعث العربي ) ، و ( الحزب العربي ) أو الحزب القومي العربي. " 7 " ، بعض هذه الأحزاب كان معادياً للحكومة المحلية و الانتداب الفرنسي و بعضها كان موالياً للحكومة و الانتداب ، بالإضافة إلى ما ذكرنا كانت هناك جمعيات سرية تناصر بعض الأحزاب و تعمل بالخفاء ، و من الجدير بالذكر أن جميع هذه الأحزاب و الجمعيات لم تكن تملك ترخيصاً لا من الحكومة المحلية ولا من ممثلي الانتداب . اختفت غالبية هذه الأحزاب عن ساحة العمل السياسي لأسباب و عوامل تتعلق بمجمل الأوضاع الداخلية و تطورها و بعضها يتعلق ببنية و تركيبة الحزب و طروحاته السياسية و برامجه المختلفة ، و لم يتبق من هذه الأحزاب سوى أربعة أحزاب نشأت في عشرينات و ثلاثينات و أربعينات القرن الماضي و هي الحزب الشيوعي السوري 1924 الحزب القومي الاجتماعي السوري 1932 و حزب الإخوان المسلمين 1944 و حزب البعث العربي الاشتراكي 1947 ، أما بقية الأحزاب و التيارات و التشكيلات( الليبرالية و القومية و الناصرية و الدينية) التي تشكلت في الأربعينات و الخمسينات و الستينات و حلُت بعد قيام الوحدة بين سورية و مصر عام 1958 ، عاد بعضها للنشاط بعد الانفصال ومن ضمنها بالطبع الحزب الشيوعي و القومي الاجتماعي الذي نقل مقره إلى بيروت عقب اغتيال عدنان المالكي عام 1955 و الإخوان المسلمين و حزب التحرير الإسلامي الذي تأسس في أواخر الخمسينات ( حل في نهاية ثمانينات و مطلع تسعينات القرن الماضي )، إلا أن هذه الأحزاب الشيوعي و الإخوان المسلمين والقومي الاجتماعي السوري بثقلهم التاريخي في الشارع و عدد من الأحزاب و الحركات و التشكيلات القومية و الناصرية استمرت بممارسة العمل السياسي على الرغم من الملاحقات و الاعتقالات ، و هناك بعض الأحزاب تشكلت قيل وبعد قيام الحركة التصحيحية إثر انشقاقات عن بعض أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ، و هي بالإضافة إلى الحزب الشيوعي انضمت إلى تجمع و كيان سياسي عرف بالجبهة الوطنية التقدمية،و منها من لم ينضم إلى الجبهة إما لعدم تمكنه أو لرغبة مؤسسيه أن يبقى خارج الجبهة مؤيداً للنهج السياسي في البلد ، و أحزاب أخرى انضمت إلى أحزاب المعارضة مطالبةً بالإصلاح و التغيير .كذلك شهدت سورية تأسيس عدد من الأحزاب و الكيانات السياسية في أواخر تسعينات القرن الماضي و مطلع الألفية الثالثة مستفيدةً من حزمة الإصلاحات التي أطلقها الرئيس الراحل حافظ الأسد ، و التي استمر في تطبيقها و تفعيلها الرئيس بشار الأسد منذ تسلمه الحكم عام 2000 ، بعضها اتخذ نهجاً متقارباً مع النظام الحاكم في سورية ، و بعضها - و هم الغالبية - اتخذت موقفاً و نهجاً سياسياً معارضاً للنظام الحاكم مطالبةً بالتغيير و الإصلاح السياسي ، و هي – أحزاب المعارضة في الداخل و الخارج - بمجملها أحزاب صغيرة لا يتعدى عدد منتسبي أكبرها المئات .
هناك في الحقيقة رأيان في هذا الشأن، الأول تطرحه الأحزاب الحاكمة ، يقوم على اعتبار أن الوزن السياسي يحدده عدد منتسبي الحزب كقاعدة و خبرة الحزب في الممارسة السياسية ، و ما يطرحه من برامج سياسية و اقتصادية و اجتماعية وما أنجزه خلال فترة حكمه طويلة كانت أم قصيرة ، يقابله رأي آخر تطرحه الأحزاب و الكيانات السياسية الأخرى - غير الحاكمة - يرى أن الوزن السياسي تحدده صناديق الانتخاب و ليس عدد المنتسبين لحزب بعينه أو خبرة الحزب السياسية في إدارة شؤون الحكم، فغالبية الناخبين في العادة غير منظمين أو غير منتمين لحزب إلا أنهم يميلون لبرنامج اقتصادي و اجتماعي و سياسي لحزب دون آخر ، و يرى هؤلاء أن الانتخابات النـزيهة و الحرة التي لا يشوبها عمليات غش أو تزوير أو استغلال حزب لموقعه في السلطة لإمكانيات الدولة الإعلامية و المالية و الفنية و الإدارية لتحقيق تفوق انتخابي على الأحزاب الأخرى هو المقياس الحقيق لوزن أي حزب السياسي في الشارع مقارنةً بالأحزاب الأخرى.
- الحزب الشيوعي السوري: تأسس الحزب الشيوعي السوري في 28 تشرين الأول عام 1924 على يد يوسف يزبك و فؤاد الشمالي في بلدة بكفيا في لبنان ، تبنى الحزب منذ انطلاقته التعاليم الماركسية و اللينينية، و اعتبر نفسه جزءاً من الحركة الشيوعية العالمية التي كان يقود مسيرتها الحزب الشيوعي السوفيتي ، بني الحزب على أسس التنظيم اللينينية ، و كانت المركزية الديمقراطية محور هذا البناء ، كان الحزب يسمي نفسه حزب الأممية الصحيحة ، و مفهوم الأممية عند الحزب الشيوعي مندمج بمفهوم الوطنية " 8 " ، لم ينل مؤسسا الحزب فؤاد الشمالي و يوسف يزبك الشهرة التي نالها العضو الشاب خالد بكداش ( ولد عام 1912 و توفي عام 1995 ) الذي انضم للحزب عام 1930 وهو بعمر ثمانية عشرة عاماً ، في عام 1932 نجح بكداش في إبعاد الشمالي من القيادة في ظروف لا تزال غامضة حتى الآن ، كما طرد من الجامعة لنشاطه السياسي قبل أن يتخرج منها" 9 "، و لم يتم الرابعة و العشرين حتى أصبح رئيساً له عام 1935 ، امتلك بكداش مجموعة من الصفات و القدرات و المهارات القيادية و الخطابية مكنته من قيادة الحزب الشيوعي السوري حتى ارتبط الحزب باسمه، دخل في تحالفات سياسية مع حزب البعث و الشبان الوطنيين و أقاموا فيما بينهم اتحاداً وطنياً عمل إلى جانب عدد من الأحزاب و الشخصيات السياسية السورية على إسقاط نظام الشيشكلي و إعادة الحكم للرئيس الأتاسي ، و استغل بكداش هذا التحالف الجديد و راح يعد نفسه لانتخابات عام 1954 ، في انتخابات عام 1954 انتخب خالد بكداش عضواً في البرلمان السوري ، و كان بذلك أول شيوعي يحتل مقعداً نيابياً في أي بلد عربي ، و قد بلغ نفوذ الشيوعيين ذروته خلال الفترة التي كان بكداش فيها نائباً من عام 1954 و لغاية عام 1958 ، فقد تغلغل الشيوعيون في كل دائرة من الدوائر الحكومية و احتلوا مناصب عسكرية رفيعة. عارض بكداش الوحدة مع مصر عام 1958 و كان الحزب الوحيد الذي لم يحل نفسه ، و حين وافق النواب السوريون بالإجماع على الوحدة كان مقعد بكداش في البرلمان المقعد الوحيد الخالي ، حيث ترك دمشق إلى موسكو ، و لم يعد إلا عام 1966 في ظل تمتين العلاقات السورية مع الاتحاد السوفيتي السابق. في 7 آذار من عام 1972 انضم الحزب الشيوعي بزعامة خالد بكداش إلى الجبهة الوطنية التقدمية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، و في نفس العام حدث انشقاق جديد قسم الحزب الشيوعي السوري إلى قسمين ، الأول كان عام 1964 عندما انقسم الحزب الشيوعي إلى الشيوعي اللبناني و الشيوعي السوري ، الانقسام الثاني حدث كما ذكرنا عام 1972 حيث انقسم الحزب الشيوعي السوري إلى بكداش و معه دانيال نعمة و ظهير عبد الصمد و إبراهيم بكري ، فيما ضم القسم المنشق الذي عرف فيما بعد بالحزب الشيوعي – المكتب السياسي تزعمه كما هو معلوم المحامي رياض الترك ، و تعود أساب الانشقاق إلى مجموعة من الأسباب الموضوعية يأتي في مقدمتها تذبذب الشيوعيين بين الاتجاه القومي و الاتجاه الأممي و الموقف من القضية الفلسطينية و التحالف مع حزب البعث ، يضاف إلى هذه الأسباب قضايا فكرية و تنظيمية خلافية و تكتلات داخل الحزب و صراعات على المراكز القيادية " 10 ". في عام 1973 دخل الحزب الانتخابات و نجح خالد بكداش مع ستة من أعضاء حزبه ، و مثّل حزبه بجناحيه وزيران في الحكومة السورية التي ترأسها اللواء عبد الرحمن خليفاوي عام 1977. في السنوات التي تلت دخوله الجبهة الوطنية و تفرد خالد بكداش في اتخاذ القرارات و المعارضة الشديدة لأسلوبه الديكتاتوري في إدارته للمؤسسة الحزبية شهد الحزب عدة انقسامات في فترات متقاربة ، ففي عام 1978 ينقسم المكتب السياسي إلى قسمين قسم يتزعمه رياض الترك و قسم آخر أطلق على نفسه اسم حركة الشيوعيين بزعامة يوسف نمر ، و في عام 1979 الحزب الشيوعي السوري بقيادة بكداش ينقسم من جديد إلى قسمين قسم يتزعمه خالد بكداش و قسم أطلق على نفسه اسم منظمات القاعدة بزعامة مراد يوسف ، و في عام 1986 حزب بكداش ينقسم من جديد إلى قسمين قسم يتزعمه خالد بكداش و قسم آخر أو جناح آخر تزعمه يوسف الفيصل ، و في عام 1991 اتحدت مجموعات يوسف الفيصل و مراد يوسف و بدر الدين السباعي و يوسف نمر، و بعد وفاة الزعيم خالد بكداش عام 1995 و انتخاب زوجته وصال فرحة على حساب وليد معماري أمينةً عامة للحزب الشيوعي السوري يشهد الحزب عام 2000 انقساماً جديداً يقوده قدري جميل . تضم الآن الجبهة الوطنية التقدمية جناحين فقط من أجنحة الحزب الشيوعي التي تكاثرت بفعل الانشقاقات المتكررة ، وهما الحزب الشيوعي السوري جناح وصال فرحة بكداش أرملة خالد بكداش ، و الحزب الشيوعي السوري جناح يوسف فيصل ، ويصدر كل منهما صحيفة ناطقة باسم حزبه ، فبينما يصدر جناح وصال صحيفة ( صوت الشعب) نصف الشهرية ، يصدر جناح فيصل صحيفة ( النور الأسبوعية ) منذ أيار مايو 2001 كل يوم أحد ، بالمقابل انضم خصمهم الحزب الشيوعي– المكتب السياسي بزعامة رياض الترك إلى التجمع الوطني الديمقراطي المعارض للنظام في سورية .
يعتبر الحزب الشيوعي السوري واحد من الأحزاب القديمة التي عرفها الشارع السوري منذ عشرينات القرن الماضي و لا تزال مستمرة في العمل السياسي حتى وقتنا الراهن سواء في الجبهة أو في المعارضة على الرغم من انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 من القرن الماضي ، وهو أيضاً واحد من الأحزاب القليلة التي تمتلك قاعدة من المنتسبين للحزب يقدرها البعض بعشرات الآلاف، يتميزون بنشاطهم السياسي و سعة اطلاعهم و ثقافتهم السياسية و الفكرية التي كان الحزب يحرص على تنميتها باستمرار و جرأتهم على النقد و قدرتهم على التحرك و نشر أفكارهم في صفوف الشباب و خاصة العمال و الطلبة الجامعيين .و للحزب الشيوعي السوري تواجده الفاعل و المؤثر على الساحة السورية مستفيداً من تجربته الطويلة في العمل السياسي ومواقفه من السياسة الداخلية و الخارجية التي يتبناها حزب البعث الحزب الحاكم في سورية ، إلا أنه يجب التمييز بين فترتين فترة زعامة خالد بكداش و الفترة التي تلت وفاته ، فخالد بكداش المناضل صاحب المواقف السياسية الصلبة يُعتبر لدى منتسبي الحزب و مريديه الفكريين شخصية فريدة تتمتع بكاريزما لم تتوفر لزعامات بقية الأحزاب السورية المعارضة و حتى لدى أولئك الذين انشقوا عن حزبه ، فقد استطاع خالد بكداش خلال فترة نضاله الطويلة و تزعمه للحزب أن يؤثر في الشارع السوري و خاصة في صفوف العمال و الطلبة ، مما أكسب حزبه وزناً سياسياً برأينا يأتي ثالثاً بعد حزب البعث و حزب الإخوان المسلمين في فترة من الفترات ، قبل أن يتبنى حزب الإخوان المسلمين العمل المسلح كأداة للتغيير في سورية ، و على حساب الأحزاب القومية و الناصرية و تلك التي تتبنى فكراً ليبرالياً أو إصلاحياً، إلا أنه و بعد الانشقاقات التي مزقت جسد الحزب إلى أجنحة و بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أخذ دور الحزب يتراجع في الشارع السوري ، فقد شكل انهيار الاتحاد السوفيتي أولاً و الانشقاقات و الخلافات و الصراعات الحزبية ضربة موجعة للحزب الشيوعي بمختلف مسمياته و عناوينه و شعاراته فقد تراجع دوره في الشارع السوري إلى الحدود الدنيا على الرغم من أن قاعدته الحزبية بالمقارنة مع الأحزاب السورية المرخصة و غير المرخصة لا تزال من ناحية الحجم تأتي ثانياً بعد حزب البعث العربي الاشتراكي ، فلم تعد طروحاته الفكرية و السياسية التي تمثلت بالمبادئ الماركسية – اللينينية و الأممية البروليتارية تجذب أحداً أو تؤثر في الشارع السوري ، الأمر الذي يستلزم من ال حزب بمختلف أجنحته إعادة ترميم منظومته الفكرية و برامجه السياسية التي لا نقول أنها سقطت بسقوط الاتحاد السوفيتي و إنما تحتاج إلى إعادة بناء بما يتوافق و مطالب الشارع السوري بمختلف شرائحه و خاصةً الشباب ( العمال و الطلبة ) الذين يعتبرهم الحزب الشيوعي السوري بمختلف أجنحته الشريان الذي يمد الحزب بالحياة و القدرة على الاستمرار في العمل و العطاء و التأثير في مسيرة العمل الوطني التنموي ، ناهيك عن ضرورة توحيد الأجنحة على قاعدة فكرية و سياسية جديدة و العمل بشكل جدي على الاندماج في حزب واحد تكون له القدرة على إعادة إحياء ماضي الحزب الثوري النضالي ، هذا في الوقت الذي لا يزال البكداشيون يعتبرون أنفسهم ورثة خالد بكداش الحقيقيون و أنهم الحزب الأم و على بقية الأحزاب المنشقة العودة للانضمام و التوحد مع الحزب الأم . و يفاخر البكداشيون ( جناح وصال فرحة ) بأن عدد المنضمين لحزبها يفوق عدد المنضمين لبقية الأجنحة المنشقة عن الحزب الشيوعي السوري بل و عدد المنضمين لعدد الأحزاب السورية داخل الجبهة و خارجها ، فقد حضر أحد مهرجاناتهم 15 ألف شخص ، و في احتفالهم الشبابي في أبو قبيس حضر نحو 7 آلاف شاب ، و الذي أزاح الستار عن قاعدة شبابية ليست قليلة مقارنةً مع تراجع الاهتمام السياسي لدى الشارع السوري و اختيار الأكثرية حزب اللامبالاة أو عدم الانتماء السياسي لأي حزب من الأحزاب السورية موالاة أم معارضة " 11 " .بعد وفاة خالد بكداش لم تتوقف نزعات بعض القيادات و الشخصيات الفاعلة المؤثرة في قواعد الحزب الشيوعي للاستقلال عن الحزب الأم و تأسيس أجنحة حزبية أقل تشدداً و تصلباً في التعاطي مع القواعد الحزبية التي اختارت في مرحلة من المراحل و نتيجةً للتفرد في اتخاذ القرارات و المواقف الانسحاب من الحزب و الانشقاق عنه ، و على الرغم من توحد بعض الأجنحة تحت قيادة يوسف الفيصل إلا أن الحزب الشيوعي برأينا فقد بريقه النضالي و السياسي و لم يعد ذلك الحزب الثوري الذي يحشد المتظاهرين و المحتجين و المعتصمين ، بل و باعتراف بعض من قياداته في الصف الأول و الثاني أن الحزب بفكره و طروحاته و برامجه لم يعد حزباً جازباً للعمال و الطلبة ، حتى بعد السماح لأحزاب الجبهة بممارسة نشاطها السياسي بين الطلبة . الهوامش 1 – هاشم عثمان، الأحزاب السياسية في سورية السرية و العلنية، الطبعة الأولى 2001، دار نجيب الريس، بيروت، ص 15 – 20. 2 – كانت الحكومة العثمانية تطلق على الأحزاب اسم الجمعيات، و الجمعيات كما عرّفها قانون الجمعيات الصادر في 13 آب 1909 هي مجموع مؤلف من عدة أشخاص لتوحيد معلوماتهم أو مساعيهم بصورة دائمة و لغرض لا يقصد منه اقتسام الربح ، ومن اللافت للنظر أن تأليف الجمعية لم يكن يحتاج إلى رخصة، و لكن يلزم إعلام الحكومة بها بعد تأسيسها. انظر، هاشم عثمان، المصدر السابق، ص 20. 3 – بوعلي ياسين، الأحزاب و الحركات القومية العربية، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية، دمشق، تنسيق / تحرير جمال باروت و فيصل دراج ، الجزء الأول، ص 49.انظر أيضاً ، محمد نجاتي طيارة ، نفس المصدر ص 24. 4 – بوعلي ياسين ، مصدر سابق ، ص 51 – 52. 5 – المصدر نفسه ، ص 51 – 52 . 6 – المصدر نفسه، ص 54، و هاشم عثمان، مصدر سابق، ص 30.. 7 – بوعلي ياسين 57 – 58، و هاشم عثمان، مصدر سابق، ص 30. 8 – هاشم عثمان، المصدر نفسه، ص 63. 9 – باتريك سيل ، الصراع على سورية ، دراسة للسياسة العربية بعد الحرب 1945 – 1958 ، ترجمة سمير عبده و محمود فلاحة ، دار طلاس ، دمشق ، الطبعة السادسة 1996 ، ص 214. 10 – مجلة أسود و أبيض العدد 129، دمشق، 2005، ص 12. 11 – المصدر نفسه ، ص 15 – 16.
________________________________________
جميع الحقوق محفوظة لقناة العربية © 2006