العربية - الوزن السياسي للحزب الشيوعي السوري ..جناح يوسف فيصل - زياد العربية
الجمعة 18 جمادى الثانية 1427هـ - 14 يوليو2006م
________________________________________
الوزن السياسي للحزب الشيوعي السوري ..جناح يوسف فيصل
________________________________________
زياد عربية
شهد عام 1986 انقساماً هو الخامس في تاريخ الحزب الشيوعي السوري لم يكن مفاجئاً حتى لخالد بكداش نفسه فقد كان نتيجة مخاض امتد لأكثر من عقدين من الزمن ، ففي هذا العام عقدت جماعة خالد بكداش مؤتمرها السادس في أواسط شهر تموز ، أعلن حينها البكداشيون أن 85 % من المندوبين المنتخبين قد حضروا المؤتمر أي 65 % من أعضاء الحزب ، بالمقابل عقدت جماعة يوسف الفيصل مؤتمرها في 30 كانون الثاني 1987 و سمته أيضاً المؤتمر السادس ، و أعلن الفيصل أن 60 % من المندوبين المنتخبين قد حضروه ، و بالتالي فإن كل طرف أعلن أنه يحظى بالشرعية من الكادر الشيوعي ، و بالمحصلة نال الحزبان الشرعية و بقيا معاً في الجبهة الوطنية التقدمية .
يعتبر يوسف الفيصل ( 77 عاماً ) القيادي البارز في الحزب الشيوعي السوري أبرز معاوني خالد بكداش ، أدار شؤون الحزب لفترة طويلة عندما كان خالد بكداش يتنقل بين عواصم الدول الاشتراكية، ووقف إلى جانب خالد بكداش في كثير من الانشقاقات و الخلافات التي حدثت في الحزب و أيده في كثير من المواقف و الآراء التي استهجنها آخرون ، لكن ذلك لم يكن يعني أنهما متفقان ، فخروج الفيصل من عباءة بكداش كشف عن عمق الخلاف بين الرجلين ، ومع انفصالهما ، حمل كل منهما شعارات و توجهات مختلفة جعلتهما يختلفان عن بعضهما و إن اشتراكا بالاسم و اتفقا على استمرار التحالف مع بقية أحزاب الجبهة بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي" 1 " فخالد بكداش عرف بتشدده و تمسكه بمبادئ الماركسية - اللينينية و الأممية البروليتارية ، فيما كان جناح يوسف الفيصل ، ومنذ أن فتحت البيروسترويكا الغطاء على كثير من المشاكل في الاتحاد السوفيتي قد بدأ يعيد تقييم العلاقة بين الحزب و المجتمع و العلاقات الداخلية في الحزب بالإضافة للتجديد الاقتصادي و الديمقراطي مظهراً مرونة و واقعية أكثر في شعاراته ومواقفه حتى أطلق عليه الجناح الآخر المتشدد تهمة ( الاشتراكية الديمقراطية ) ، إلا أن جماعة يوسف الفيصل لم تعلن ذلك و لم تغير اسم الحزب رغم الدعوات إلى ذلك و إنما رفعت شعار الوحدة العربية كشعار استراتيجي ، و أعلن يوسف الفيصل ( يجب أن يتخلص هؤلاء من حرفية الماركسية ) ، داعياً إلى قراءة الماركسية بروح جديدة. الشيوعيون حسب تصريح للراحل دانيال نعمة ( 78 عاماً ) لمجلة أبيض و أسود يرغبون بإعادة لم الشمل إلا أنهم يريدون حزباً أقل تطرفاً و أكثر وضوحاً وهي حسب دانيال نعمة شروط صعبة على الذين يعيشون على إرث ما بقي من وهج زعيمهم و هيمنته حتى بعد وفاته" 2 " . أكد جناح الفيصل انفتاحه على المجموعات الشيوعية الأخرى منذ الانقسام عن الحزب الشيوعي السوري بقيادة خالد بكداش ، فانفتح تنظيمها على عدة مجموعات لها آراؤها المتباينة حول القضايا العربية ، فاندمج في الحزب أثناء المؤتمر السادس عام 1987 الذي سمي بالمؤتمر التوحيدي عدة جماعات اختلفت سابقاً في إطار الحزب : جماعة يوسف الفيصل ، الثلاثي جماعة يوسف نمر ( اتحاد الشيوعيين ) التي انسحبت من الحزب الشيوعي ( المكتب السياسي ) بعد المؤتمر الخامس عام 1978 ، و تلقى المؤتمر في ذلك الوقت رسائل تأييد من قادة مؤسسين للحزب مثل رشاد عيسى و نجاة قصاب حسن ووجه الحزب الشيوعي اللبناني للمؤتمر تحية تأييد . لم تتوقف مبادرات الفيصل عند هذا الحد ، قدم مبادرة توحيد جديدة للفصائل الأخرى ، و تبادلت الأحزاب الشيوعية الثلاثة بكداش و مراد و الفيصل الرسائل بغرض التوحيد ، لكن الفريقين الأخيرين فشلا في جذب جماعة بكداش للوحدة ، فعقدا المؤتمر السابع التوحيدي عام 1991 و انضم مراد يوسف الذي انشق عن بكداش سابقاً ( عام 1979 و شكل كما أسلفنا منظمات القاعدة) بعد خلافه مع يوسف الفيصل إلى جماعة الأخير ، و هكذا كسرت جماعة الفيصل التقليد الشيوعي السوري بحدوث انشقاق مع كل مؤتمر لتقوم بإجراء اتحادين في مؤتمرين متتاليين و تأخذ لقب الحزب الشيوعي الموحد. لاحقاً و قبل انعقاد المؤتمر الثامن اجتمع الثلاثي دانيال نعمة و إبراهيم بكري و ظهير عبد الصمد الذين كانوا يوماً مع رياض الترك ضد الفيصل و بكداش ، و اجتمع يوسف نمر الذي كان مع الترك ضد الثلاثي و بكداش و الفيصل ، و اجتمع مراد يوسف الذي كان ضد الفيصل و بكداش ، إضافة لجماعة بدر الدين السباعي التي كانت ضد الجميع ، اجتمعوا معاً و خرج يوسف الفيصل بصفته الأمين العام لهذا الحزب الموحد " 3 " . هذا الإجماع لم ينهي الخلافات داخل هذا الحزب فسرعان ما طفت على السطح خلافات جديدة و تحديداً بين عامي 2003 و 2004 ، ففي هذه الفترة شهد هذا الجناح حدوث خلافات واسعة بين كوادر الحزب إضافةً إلى عدم رضاهم على أداء قيادته في محاولة لإبراز دورهم في مواجهة قيادة حزبهم مثال الدكتور منير صبحي عروقه و نصر الأحمد ، و قد لوحظ توجيه انتقادات كثيرة للمرحوم دانيال نعمة تضمن بعضها دعوته للتنحي عن منصبه ، ناهيك عن خلافات بين الأمين العام يوسف الفيصل و عدد من أعضاء المكتب السياسي وهم دانيال نعمة و رضوان مارتيني و يوسف نمر ، هذه الخلافات التي على ما يبدو أنها ح ُسمت مؤخراً في المؤتمر العام العاشر للحزب الذي انعقد في دمشق بتاريخ 22 / 4 / 2006 ، فقد تم الاتفاق على تقاسم المراكز القيادية في الحزب بدلاً من حصرها بشخص الأمين العام ، فقد سمى المؤتمر يوسف الفيصل رئيساً للحزب ، و رضوان مرتيني رئيساً للجنة المركزية للحزب ، و حنين نمر أميناً أول للحزب " 4 " هذه الصيغة التوافقية اعتبرها البعض صيغة ديمقراطية متقدمة للقيادة الجماعية و تفكيك مركزية منصب الأمين العام ، في الوقت الذي يخشى فيه آخرون من أن يتحول الحزب بفضل هذا الحل التوافقي إلى ساحة صراع بين القيادات الثلاثة . انتهج جناح يوسف الفيصل نهجاً أكثر انفتاحاً على بقية القوى السياسية في سورية فقد طالب الحزب في اجتماعات الجبهة بإقرار قانون للأحزاب السياسية في سورية يشرع للعمل الحزبي و ينظمه ، كما طالب بإقرار مبدأ تداول السلطة كما هو الحال في الدول الديمقراطية، الحزب الذي يحرز الأكثرية في الانتخابات يستلم السلطة " 5 " ، و اتخذ الحزب موقفاً معارضاً من المطالب الداعية للتغيير في سورية بعون خارجي ، كذلك وقف موقفاً معارضاً من الاعتقالات و طالب بالإفراج عن معتقلي ربيع دمشق عام 2001 ، و كرر في أكثر من مناسبة رغبته في رفع حالة الطوارئ في سورية ، و مؤخراً موقف معارضاً من طروحات قادة جبهة الخلاص ( البيانوني – خدام ) – أو ما يمكن أن نطلق عليه تحالف قوى الشر ، و هو ومن خلال جريدته النور التي تمثل منبره الإعلامي يعبر عن مواقفه من مجمل القضايا الداخلية و الإقليمية ، و برأي بعض المحللين السياسيين و المراقبين تمثل هذه الجريدة شكلاً تعويضياً للحزب في الشارع بعد أن أعرض الشارع عن تقبل خطابية هذا الحزب و غيره من الأجنحة الشيوعية ( الأصولية و المعتدلة و المجددة )بأيديولوجيتها المعروفة خاصةً بعد ظهور أحزاب تطرح شعارات أكثر تعبيراً عن مطالب و طموحات الشارع السوري .
تعترف قيادات الحزب أن الحزب لم يحقق نجاحاً و حضوراً في الشارع السوري بل على العكس تماماً تراجعت شعبيته و انخفض عدد مؤيديه حتى بعد الاندماجات بينه و بين جناحين شيوعيين و بعد السماح لأحزاب الجبهة بممارسة النشاط السياسي بين الطلبة و العمال ، و يرجع ذلك برأينا على عدة أسباب من أهمها : - الصراعات و الانشقاقات داخل الحزب الشيوعي السوري الذي بدأ مسلسل انقساماته في نهاية ستينات القرن الماضي . - فشل العديد من التجارب الاشتراكية و خاصة في الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية التي كانت تدور في فلكه و كوبا و بعض الدول منها دول عربية. - انهيار الاتحاد السوفيتي السابق . - ظهور أحزاب جديدة على الساحة السورية تطرح شعارات تتوافق و تطالعات و طموحات الشارع السوري في إحداث تغيير و إصلاح سياسي و اقتصادي و اجتماعي . - نظرة الشارع السوري لأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية على أنها أحزاب هامشية و لا دور لها في صنع القرار السياسي على الصعيدين الداخلي و الخارجي. - نظرة السوريين للأحزاب الشيوعية على أنها أحزاب لا تقيم وزناً للمعتقدات الدينية سواء منها السماوية أو الوضعية، و غالباً ما يوصمون بالملحدين و الكفار، و في بعض مناطق سوريا التي تتسم بالتشدد و التعصب الديني هم منبوذون.كل هذا جعل من الحزب الشيوعي بمختلف أجنحته حزباً غير نامي محدود الانتشار في الشارع السوري أعضاؤه المنظمين ( باستثناء المطرودين و الذين تركوا الحزب بمحض اختيارهم ) لا يتجاوزون الخمسة و العشرون ألف منتسب أو منتمي على أبعد تقدير، و قد أشار دانيال نعمة إلى هذه النقطة بقوله :" أن الحزب رغم ما حققه بالتوحيد إلا أنه يعاني انحساراً في عضويته و تفكك بعض قواعده ، رغم أن قيادي الحزب يذكرون ذلك لكن من الملاحظ أنه حتى أبناء هؤلاء القياديين لم ينتسبوا إلى صفوف الحزب " ، و علاوةً على ذلك فإن الحزب و على الرغم من السماح لأحزاب الجبهة منذ ثلاثة سنوات تقريباً من النشاط بين الطلبة و العمال إلا أن هذه الأحزاب لم تحقق حضوراً لافتاً ، باستثناء تمكنهم من رفع أعلام و شارات هذه الأحزاب في الشوارع و على واجهات مكاتبهم و مقارهم في المحافظات. إن الأحزاب الشيوعية بمختلف أجنحتها و مسمياتها مدعوة اليوم إلى إعادة ترميم بل و بناء منظومتها الفكرية و برامجها السياسية ، فلم تعد طروحات الأحزاب الشيوعية الفكرية و السياسية التي تمثلت بالمبادئ الماركسية – اللينينية و الأممية البروليتارية تجذب أحداً أو تؤثر في الشارع السوري ، إضافة إلى ذلك هناك ضرورة ملحة اليوم أكثر من أي وقت مضى لتوحيد الأجنحة على قاعدة فكرية و سياسية جديدة و العمل بشكل جدي على الاندماج في حزب واحد تكون له القدرة على إعادة إحياء ماضي الحزب الثوري النضالي مع قرب إقرار قانون الأحزاب في سورية الذي سيكفل للأحزاب السورية المرخصة حرية العمل السياسي والتنظيمي ، بمعنى أن المنافسة ستكون على أشدها بين مختلف الأحزاب السورية لكسب منتسبين و مؤيدين لطروحات و برامج هذا الحزب أو ذاك في مختلف القضايا ، و قد يكون من المفيد للحزب الشيوعي السوري بمختلف أجنحته إعادة النظر باسم الحزب ذاته ، فاسم الحزب الشيوعي لم يعد يلق استحساناً أو قبولاً ، أو وقعاً حسناً في القلوب خاصةً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي و وفاة الزعيم الروحي للحزب الشيوعي في سوريا المرحوم خالد بكداش، هذا التغير الذي يجب أن يتواكب كما ذكرت آنفاً مع إعادة ترميم بل وبناء المنظومة الفكرية المستقاة من الفكر الماركسي – اللينيني على أسس جديدة مبنية على فهم أعمق لمطالب الشارع السوري و العربي ، و مجمل المتغيرات التي طرأت في الآونة الأخيرة على شكل الحياة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية ، و عدم التعويل كثيراً على النجاحات التي حققها تيار اليسار في بعض دول أمريكا اللاتينية فهذه النجاحات ظرفية آنية مرتبطة بشعارات العداء للولايات المتحدة . الهوامش 1 – مجلة أسود و أبيض العدد 129، دمشق، 2005، ص 8. 2 – المصدر نفسه ، ص 9. 3 – المصدر نفسه ، ص 9. 4 – جريدة النور الأسبوعية، دمشق، العدد 244، تاريخ 10 / 5 / 2006، ص 1. 5 – لقاء مع يوسف الفيصل، جريدة الراية القطرية بتاريخ 4/6/2006، نشرة كلنا شركاء عدد 1 / 7 / 2006.
________________________________________
جميع الحقوق محفوظة لقناة العربية © 2006