العربية - الوزن السياسي لحزب الوحدويين الاشتراكيين - زياد العربية
الجمعة 25 جمادى الثانية 1427هـ - 21 يوليو2006م
________________________________________
الوزن السياسي لحزب الوحدويين الاشتراكيين
________________________________________
زياد عربية
يرجع تشكيل حركة الوحدويين الاشتراكيين إلى عام 1961 بعد الانفصال مباشرةً ، فبعد وقوع الانفصال " 1 " و في أول خميس يلي الانفصال تنادت مجموعة مؤلفة من عشرة بعثيين من محافظات مختلفة للاجتماع و هم : سامي صوفان ( دمشق ) ، فايز إسماعيل و أدهم مصطفى و أديب النحوي و أبو النور طيارة ( حلب ) ، سامي الجندي ( حماة ) ، سامي الدروبي و عبد المجيد بالي ( حمص ) ، محمد الخير و مصطفى الحلاج ( اللاذقية ) ، و محمد المحاميد، للاجتماع في 1 / 11 / 1961 و قرروا مقاومة الانفصال و استعادة الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ، و رفعت شعار الوحدة الفورية مع الجمهورية العربية المتحدة ، أطلقوا على أنفسهم اسم الطليعة الوحدوية الاشتراكية ، بوصفهم طليعة البعث ، و بنتيجة الاتصالات مع القواعد البعثية في المحافظة اقترح بعضهم العمل تحت اسم البعث ، بوصفهم الممثلون الحقيقيون لمبادئ البعث القومية الوحدوية ، التي انحرفت عنها القيادة القومية، و تم الاتصال مع ميشيل عفلق لطرح فكرة العمل معه من خلال الحزب و لكن على أساس إصداره قراراً صريحاً بفصل صلاح الدين البيطار و أكرم الحوراني من الحزب لتوقيعهما على وثيقة الانفصال . و انتدبت هذه المجموعة أو النواة سامي صوفان للاتصال مع عفلق الذي لم يقدم جواباً حاسماً ثم رفض شروط المجموعة الجديدة .
من هنا اجتمع خمسون من قيادات الصف الثاني من البعث باستثناء أديب النحوي في دمشق ، و قررت العمل تحت اسم حركة الوحدويين الاشتراكيين ، و لم تطلق على نفسها اسم حزب بل اسم حركة لتطلعها إلى قيام حزب قومي تكون جزءاً منه، و اعتبر هذا الاجتماع الذي انعقد في أوائل عام 1962 مؤتمراً تأسيسياً لحركة الوحدويين الاشتراكيين ، و انتخب سامي صوفان الدمشقي أميناً عاماً للحركة على الرغم من أن ثقلها القاعدي كان في حلب " 2 " . جذبت هذه الحركة إلى صفوفها خلال فترة قصيرة استثنائية ، فئات كثيرة من المثقفين ، و الأوساط الشعبية ، فوصل تنظيمها الأفقي إلى ما يقرب الثلاثين ألف عضو حتى تموز 1963 ، و ظهر لها امتداد في العراق يحمل نفس التسمية " 3 " ، كانت قواعد الحركة بمجملها ناصرية ، بينما مرت قيادتها ، برمتها ، بتجربة البعث التنظيمية،كما برزت في تلك الفترة الجبهة العربية المتحدة يتصدرها الوزير السابق في الجمهورية العربية المتحدة ، الدمشقي نهاد القاسم. شارك الوحدويون الاشتراكيون في حكومة 8 آذار 1963 التي ترأسها صلاح الدين البيطار بوزيرين هما سامي صوفان ( الأمين العام ) الذي تولى حقيبة التموين و سامي الجندي الذي تولى حقيبة الإعلام، دون العودة إلى الهيئات التنظيمية في الحركة نتيجةً لضغط البعث على أولوية تشكيل الحكومة و مناقشة المسائل الأخرى بعد التشكيل ، و في مقدمتها مسألة الوحدة مع الجمهورية العربة المتحدة و الصيغة الجبهوية ما بين القوى الوحدوية المشاركة في الحكم ، و إزاء التلكؤ الذي أبداه البعث في مناقشة مسألة الوحدة و التعجيل بها دفعت الحركة بتظاهرات ضخمة للضغط على البعث معتمدةً على وزنها الشعبي في الشارع كان أقواها في حلب ، حمّل أمين الحافظ وزير الداخلية فايز إسماعيل مسؤولية التظاهرة ، و اتبع أسلوب التهديد و الترغيب مع فايز إسماعيل للعودة إلى أحضان حزب البعث ، كانت هذه هي المحاولة الأولى من قبل البعث تلتها إغراءات لقيادات الحركة للعودة للبعث ، فقد طرح البعث فكرة اندماج الحركة معه ، و مناصفة المواقع القيادية الحزبية " 4 " . بعد فشل ثورة 18 تموز 1963 التي قادها جاسم علوان ، اعتقلت السلطة سائر القيادات الناصرية الأخرى ، في حين لجأ كل من سامي صوفان و محمد الخير و زهير عقاد إلى القاهرة عبر لبنان ، فوضت القيادة الملتجئة إلى القاهرة و الملتفة حول سامي صوفان و محمد الخير فايز إسماعيل للعمل في الداخل كمركز للقيادة ، و بناءً على هذا التكليف قام فايز إسماعيل في 23 / 8 / 1963 بإعادة تشكيل قيادات الفروع ، و عقد مؤتمراً في حلب ، ناقش تقريراً حول الأوضاع السياسية في سورية بعد حركة 18 تموز ، و الوضع التنظيمي للحركة ، و تقرر في هذا المؤتمر إصدار جريدة الوحدوي الاشتراكي " 5 ". في القاهرة شاركت قيادة الوحدويين الاشتراكيين في الخارج ممثلةً بأمينها العام محمد الخير إلى جانب القوى و الحركات و التيارات الناصرية و القومية في تشكيل الاتحاد الاشتراكي العربي ، و في 18 تموز 1964 أعلنت مجموعة التنظيمات و الحركات الناصرية في سورية ( حركة القوميين العرب ، الجبهة العربية المتحدة ، حركة الوحدويين الاشتراكيين ، الاتحاد الاشتراكي ) حل تنظيماتها و اندماجها في إطار الاتحاد العربي الاشتراكي ، انعقد المؤتمر التأسيسي في بيروت في الفترة الواقعة ما بين 14 – 18 تموز 1964 ، و تمخض عنه إصدار بيان تأسيسي في 19 تموز بمناسبة الذكرى الأولى لإعدام قادة حركة 18 تموز 1963 ، و أذاعت إذاعة القاهرة هذا البيان ، و انتخب نهاد القاسم ( الجبهة العربية المتحدة ) أميناً عاماً ، و رئيساً للمكتب السياسي" 6 " ، كذلك تم تشكيل قيادة مؤقتة في الداخل للاتحاد. و في أول مؤتمر عام لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الذي انعقد عام 1965 لم تتمكن هذه القيادة من حضور المؤتمر ، و فيه تم انتخاب العقيد جاسم علوان أميناً عاماً في الخارج ( القاهرة ) و الدكتور جمال الأتاسي بعد تركه حزب البعث الحاكم أميناً عاماً مساعداً ، كما تم تشكيل قيادة في الداخل تألفت من فايز إسماعيل و أديب النحوي و عصمت هنانو و ظافر خير الله و عبد الرحمن عطبة ، و بعد أربعة أشهر من الاندماج أعلن فايز إسماعيل و أدهم مصطفى انسحابهم من الاتحاد العربي الاشتراكي متخذين من المتغيرات السياسية العربية و نهج عبد الناصر الجديد ( وحدة الصف ، و العمل العربي المشترك ، و سياسته في مؤتمرات القمة ) وما تقتضيه تلك السياسة من تلاق مع السلطة السورية( البعثية ) و فتح الخطوط معها كأمر واقع يفترض التنسيق و التعاون ، إضافة إلى تفشي الشللية الحزبية و التكتلات داخل الاتحاد و القمع الذي كانت تمارسه السلطة البعثية ، و ثبوت عدم قيام حركة القوميين العرب بحل تنظيمها فعلياً ، حجةً لتبرير انسحابها و من ثم تعاونها مع السلطة منذ نهاية عام 1964 و بداية عام 1965 " 7 ". عقد الوحدويون الاشتراكيون مؤتمرهم الثالث ما بين نهاية عام 1964 و مستهل عام 1965 أي بعد انسحابهم من الاتحاد الاشتراكي ، قدم فيه فايز إسماعيل مشروع ميثاق للوحدويين الاشتراكيين و نظاماً داخلياً ، و تم تغيير اسم الحركة إلى تنظيم الوحدويين الاشتراكيين ، و تم انتخاب قيادة جديدة للتنظيم على النحو التالي : فايز إسماعيل أميناً عاماً ، و أدهم مصطفى مساعداً للأمين العام ، و انتخب في عضوية المكتب السياسي كل من : زهير عقاد و نزار حمصي ( حلب ) و محمود قنباز و توفيق بغدادي ( حماة ) ، و محرم طيارة ( اللاذقية ) ، و عبد الرزاق عبد الباقي و ضياء ملوحي ( حمص ) "8 ".تطور اسم الحركة منذ تأسيسها من " الطليعة الوحدوية الاشتراكية"، إلى " حركة الوحدويين الاشتراكيين "، وبعد ذلك أصبحت تنظيم الوحدويين الاشتراكيين، و في عام 1972 أطلق الوحدويون الاشتراكيون على حركتهم اسم حزب متخلصين من كلمة التنظيم، و من فكرة الحركة المؤقتة التي رافقت نشوء حركتهم. في عام 1972 و بعد مؤتمرهم الحادي عشر أعلن رشيد الزوني و محمد على هاشم و منير بدرخان و بدعم من أدهم مصطفى عن تأسيس حركة الوحدويين الاشتراكيين ، مستعيدين الاسم القديم للحركة ، نتيجة خلافات مع فايز إسماعيل حول العلاقة مع السلطة البعثية و حصة الحزب في الهيئات التمثيلية و الشعبية و خصوصاً الوزارة و مجلس الشعب ، بعد ذلك تم الإعلان رسمياً في وسائل الإعلام عن قرار عودة مجموعة هذه الحركة إلى حزب البعث ، و التي سميت في أوساط الوحدويين الاشتراكيين فيما بعد بمجموعة التسعين ، أما مجموعة الوحدويين ( فائز اسماعيل ) فتحولت إلى حزب معطيةً إشارة صريحة أنها تعتبر نفسها حزباً مستقلاً لا حركة قابلة للاندماج في حزب قومي أوسع . و قد تم تمثيل الحزب على غرار الأحزاب الأخرى بالجبهة بوزيرين في الحكومة ( فايز إسماعيل و محرم طيارة ) ومنح سبعة مقاعد في مجلس الشعب " 9 " . عرف الحزب عدة انشقاقات أخرجت بعض المجموعات التي عملت تحت أسماء مختلفة إلا أنها اندثرت مع الزمن ، و لم تستطع سوى مجموعة أحمد الأسعد ( عضو المكتب السياسي للحزب ) التي انشقت عام 1975 بدعم مباشر من بعض مراكز القوى في حزب البعث و أخذ يعمل تحت اسم حزب جديد هو " الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي " تم تمثيلهم في الجبهة بممثل واحد ، و في الحكومة و مجلس الشعب و مجالس الإدارة المحلية ، و لم يكن للشأن السياسي أو الفكري نصيب في أسباب هذا الانشقاق " 10 " .علاقة حزب الوحدويين الاشتراكيين بحزب البعث تعود إلى ما بعد انسحابه من الاتحاد الاشتراكي نهاية عام 1964 ، فقد اشترك إلى جانب البعث بعد حركة 23 شباط 1966 في الوزارة ، و انضم عام 1972 إلى الجبهة الوطنية التقدمية ، و شارك في جميع الحكومات التي شكلها حزب البعث الحاكم في سورية حتى تاريخه ، و أيد مواقف السلطة البعثية السياسية على الساحتين الداخلية و الدولية .
حظيت حركة الوحدويين الاشتراكيين في ستينات القرن الماضي إلى جانب تشكيلات و تنظيمات ناصرية أخرى بتأييد الشارع و دعمه ، فالتنظيمات الناصرية كانت قادرة على تحريك الشارع و دفعه للتظاهر و الاعتصام و الإضراب مستفيدة من زعامة ووزن جمال عبد الناصر في الشارع السوري و العربي ، بالمقابل عوض حزب البعث ضعف مواقعه في الشارع السوري بتقوية نفوذه في الوحدات العسكرية و بالاستقواء بالعراق ( وصل حزب البعث إلى السلطة في العراق في شباط 1963 ، بعده بشهر واحد وصل حزب البعث في سورية إلى السلطة). بعد انسحاب القيادات الداخلية لحركة الوحدويين الاشتراكيين و على رأسها فايز إسماعيل و أدهم مصطفى من الاتحاد الاشتراكي ، المنشقين عن البعث أصلاً ، و تنكرها لزعامة الحركة التقليديين ( سامي صوفان و محمد الخير ) الذين يحظون بتأييد الشارع و بقاء غالبية قواعد الحركة مندمجة في الاتحاد الاشتراكي ، ثم تعاون القيادة الجديدة المطلق مع حزب البعث على قاعدة إعادة النظر في سياسة المجابهة مع البعث متخذةً من سياسة عبد الناصر الجديدة التي فضلت في ظل ظروف محلية و إقليمية ودولية معقدة التعامل مع السلطة السورية البعثية كأمر واقع مبرراً للدعوة إلى الحوار مع السلطة البعثية ، فقدت الحركة و قياداتها تأييد الشارع السوري ، و فاقم الأمر اشتراكها بعد حركة 23 شباط 1966 في الوزارة ، ودخولها إلى جانب البعث و أحزاب أخرى الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 ، و منذ دخولها الجبهة الوطنية التقدمية لم يكن لحزب الوحدويين الاشتراكيين تلك الشخصية الحزبية و المواقف السياسية المستقلة عن حزب البعث ، بل إن قياداته أبدوا تأييداً غير محدود لسياسات حزب البعث و اعتباره قدر الأمة و الاكتفاء بما قدمه البعث للحركة و بقية أحزاب الجبهة من امتيازات كمنحه كراس ٍ وزارية في الوزارات المتعاقبة و مقاعد في مجلس الشعب و الإدارات المحلية و المنظمات الشعبية ، إضافةً إلى مخصصات مالية و تمويل لجريدته الناطقة باسمه كغيره من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية . عانى الحزب من انشقاقات كثيرة في صفوفه أخرجت بعض المجموعات إلا أنها لم تستطع تشكيل حزب أو تنظيم مستقل لأسباب تتعلق بطبيعة الأفراد المنشقين و بالظروف المحلية ، إلا أن عام 1974 شهد حدوث انشقاق ما سمي حينها بمجموعة أحمد الأسعد أحد قيادي الحزب الذي استطاع الخروج من عباءة فايز إسماعيل و تشكيل حزب جديد اتخذ اسم الحزب الوحدوي الاشتراكي الديمقراطي ، انضم إلى الجبهة الوطنية التقدمية أواخر ثمانينات القرن الماضي . يقر قياديو الحزب بتراجع وزنهم و ثقلهم في الشارع السوري خلال العقود الثلاثة الماضية و عدم قدرتهم على التأثير في توجهات و خيارات الشارع ، فمنذ انسحابه من الاتحاد الاشتراكي عام 1964 و انخفاض عدد منتسبيه ومؤيديه ، و بعد حدوث انشقاقات عديدة أدت إلى خروج مجموعات من الحزب، كان آخرها انشقاق أحمد الأسعد وتمكنه من تشكيل حزب جديد ضم عدد كبير من منتسبي حزب الوحدويين الاشتراكيين ، و قيام أمينه العام بفصل عدد كبير من منتسبي الحزب من بينهم وزراء و أعضاء مجلس الشعب لم يعد الحزب حسب بعض المراقبين يضم إلى صفوفه سوى أقل من خمسة ألاف عضو تتنازعهم مطامح الوصول إلى كرسي وزارة أو مجلس الشعب أو التعيين في منصب إداري . إن حزب الوحدويين الاشتراكيين كغيره من أحزب الجبهة لا يتمتع بأي رصيد شعبي في الشارع السوري ، مثله مثل أقرانه في الجبهة الوطنية التقدمية لم يخضع لامتحان حقيقي ديمقراطي يستشعر فيه وزنه السياسي و الشعبي في الشارع السوري ، الأمر الذي يعني أن إقرار قانون للأحزاب في سورية و إلغاء القوائم الانتخابية الإلزامية سيضع الحزب في موقف حرج و صعب أسوأها فقدانه لمقاعده في مجلس الشعب و غيره من المنظمات النقابية و الشعبية و مجالس الإدارة المحلية ، الأمر الذي يتطلب من قيادة الحزب العمل على توسيع قاعدة منتسبيهم و مؤيديهم في الشارع السوري ، أو السعي للاندماج مع أحزاب أخرى سواء أكانت هذه الأحزاب من الجبهة أو من خارجها . الهوامش 1 – وقع الانفصال في 28 / 9 / 1961 ، قاد الانقلاب العسكري المقدم عبد الكريم النحلاوي ، و عبد الغني الدهمان ، و موفق عصاصة ، و العقيد حيدر الكزبري و آخرون.2 - شمس الدين الكيلاني ، الأحزاب و الحركات القومية العربية ، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية ، دمشق ، الجزء الثاني ، ص 213.3 – محمد جمال باروت ، حركة القوميين العرب ، النشأة – التطور- المصائر ، المركز العربي للدراسات الإستراتيجية ، دمشق ، ط 1 ، 1997 ، ص 251.- اعتبر إياد سعيد ثابت أن حركته الوحدوية الاشتراكية في العراق ، التي كانت تنظيماً محدوداً و صغيراً فرعاً للحركة الأم في سورية . 4 - شمس الدين الكيلاني ، مصدر سابق، الجزء الثاني ، ص 216 – 217.5 – المصدر نفسه ، الجزء الثاني ، ص 217.6 - المصدر نفسه ، الجزء الثاني ، ص 114 – 115..7 – المصدر نفسه ، الجزء الثاني ، ص 88، و ص 116 ، و ص 219 .8 - المصدر نفسه ، الجزء الثاني ، ص 221.9 – المصدر نفسه ، ص 227.10 – المصدر نفسه ، ص 228.
جميع الحقوق محفوظة لقناة العربية © 2006