العـــدوان الصهيــــوني الأهداف والنتائج - د. مصطفى دندشلي
المركز الثقافي
للبحوث والتوثيق
صيـــدا
نــــــــــــــــــــدوة
العـــدوان الصهيــــوني
الأهداف والنتائج
يشارك فيها: ــــ الدكتور بيار دكّاش ــــ الدكتور علي الشيخ عمار
ـــــ المحامي إبراهيم العبدالله
التقديــم: د. مصطفى دندشلي
الزمان: السبت الواقع فيه 8 حزيران 1996
المكان: قاعة محاضرات المركز الثقافي للبحوث والتوثيق ـــــ صيدا
إعداد وتحرير
د. مصطفى دندشلي
السبت الواقع فيه 8 حزيران 1996
العدوان الصهيوني
الأهداف والنتائج
كلمـــة
د. مصطفى دندشلي
أيها الحفل الكريم
أيها الأصدقاء الأعزاء
أُرحّب بكم أحسن ترحيب، في هذا اللقاء السياسيّ ـــــ الفكريّ لطرح وبحث ومناقشة موضوعٍ من أخطرِ مواضيعَ الساعةِ المطروحِ الآن على الساحة السياسية اللبنانية والعربية، وهو موضوع: "العدوان الصهيوني، الأهداف والنتائج".... موضوعٌ يقوم المنتدى القومي العربي بتنظيم لقاءات سياسية وندوات حوله في مختلف مناطق لبنان. وفي هذا الوقت بالذات، تُعقد الآن ندوة في الموضوع نفسه في عانوت، في إقليم الخرّوب.... وذلك بمناسبة ذكرى الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة التي ارتُكبت ووقعت على أمّتنا ووطننا في هذا الشهر:
- الاعتداء الإسرائيلي على مصر عبد الناصر في 5 حزيران عام 1967.
- والهجوم العسكري على لبنان ابتداء من 5 حزيران 1982.
وقبل هذا التاريخ وبعده، هناك اعتداءات كثيرة ومتكرّرة، عسكرية وسياسية ودبلوماسية ومخابراتية، وبمشاركة قوى دولية، أو إقليمية، قامت بها الحركة الصهيونية العالمية منذ أكثر من قرن من الزمن، على شعوبنا وأوطاننا، وآخرها وقد لا يكون أخيرها، العدوان العسكري البربريّ الوحشيّ على لبنان وجنوبه وبِقاعه الغربيّ في شهر نيسان الماضي...
ولقد جرت العادة في مركزنا الثقافي أن نقوم سنوياً، في هذه المناسبة، بتنظيم ندوة أو لقاءات سياسية وفكرية... لذلك وعندما اتّصل بنا المحامي خليل بركات والأستاذ معن بشّور، واقترحا إقامة ندوة مشتركة فيما بيننا، بين المنتدى القومي العربي ومركزنا الثقافي، حول هذا الموضوع، كانت لنا مناسبة أيضاً كي نتابع معاً عملنا السابق المشترك، ولا سيّما أنّ بين المنتدى القومي العربي ومركزنا الثقافي، وشائجَ فكريةٌ وسياسيةٌ وقوميةٌ مشتركةٌ كثيرة... وأنّ هذا التعاون والتضامن والعمل المشترك الفكري والسياسي والثقافي، لا يجوز أن يتوقّف بين الحركات والمؤسسات ذات الموقع والأهداف المتقاربة أو المشتركة... بل على العكس من ذلك، يجب أن يتطوّر هذا العمل المشترك خصوصاً في هذه المرحلة بالذات، مرحلة الخطر الصهيوني الدّاهم والمدعوم من أقوى قوّة دولية في العالم الآن، وهي الولايات المتحدة الأميركية. من هنا أهمية أن يتدعّم هذا العمل المشترك مستقبلاً بين القوى الديمقراطية والوطنية، على الصعيد اللبناني أو المحليّ، بكل جديّة وصدق وعلى أُسس ديمقراطية وحِوارية متينة لمواجهة التحديات الكبرى السياسية والعسكرية والتاريخية، سواء أكان ذلك في الداخل أم في الخارج..
ففي هذا الإطار وضمن هذه الرغبة في العمل على توحيد القوى السياسية والثقافية في التوجّه الديمقراطي والحوار، جاءت دعوتُنا للسادة الأصدقاء المحاضرين... وهم ينتمون إلى اتجاهاتٍ سياسية وفكرية متنوّعة، بل ومختلفة... وذلك لإجراء هذه المناقشة العامة حول الموضوع المطروح للبحث والحوار الصريح والمنتج والمفيد فيما بينهم من جهة، وبينهم وبين جمهورنا المثقّف الديمقراطي من جهة ثانية.
فأرحّب هنا بالصديق الدكتور بيار دكاش الذي يُشرّفنا بحضوره وأن نستقبله في مركزنا لأول مرة، آملين أن يتبعها لقاءاتٌ سياسية مستقبلية، إذ أنّ الحوار مع الدكتور دكاش، وهو الديمقراطي العريق والصميم، إنما هو حوار ممتع ومُغنٍ ومفيد. فهو في الأصل طبيب جرّاح ولا يزال، يعمل في أحد مستشفيات الحدث في بيروت ولكنه أيضاً وعلى الأخص وكما هو معروف، سياسي، وبرلماني، قدير، وقديم، دخل المجلس النيابي في سنة 1972 وشارك مشاركة فعلية في مؤتمر الطائف ثمّ قاطع الانتخابات الأخيرة لعام 1992 مع التيارات السياسية والحزبية، والمعارضة المقاطعة هي أيضاً آنذاك. والدكتور دكاش كان عضواً فاعلاً في "التجمع من أجل الجمهورية" الناطق باسمه ووجهه البارز الدكتور ألبير مخيبر.
الصديق الدكتور علي الشيخ عمار، هو كما، نعلم أستاذ الفلسفة في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية ـــــ صيدا. وهو فيما أعتقد أحد الأعضاء المؤسّسين للجماعة الإسلامية في صيدا والجنوب اللبناني. والآن هو في موقع رئيس المكتب السياسي ونائب رئيس للجماعة الإسلامية في لبنان.
وليست هي المرّة الأولى، ولن تكون الأخيرة التي يشارك الدكتور علي معنا فيها، ندواتنا ومحاضراتنا، محاضراً أو مناقشاً أو محاوراً، هو أو التيار الإسلامي السياسي الذي ينتمي إليه، طالما أنّ منطلقاتنا إنّما هي منطلقات ديمقراطية وحِوارية منفتحة، ففي كلّ حِوار من الأهمية أن تكون نقطة الانطلاق فيه هي احترام رأي الآخر، والاعتراف بحقّ المواطن في الاختلاف...
والواقع أنّ الدكتور علي الشيخ عمار، كما هو معروف عنه لدى الجميع، أنّه شخصيةٌ سياسيةٌ، ديمقراطيةٌ، حواريةٌ ــــــ وإذا سُمح لي القول ــــــ حوارية معتدلة إلى أبعد الحدود. فهو ينطلق بوضوح وصراحة في مواقفه العقائدية الإسلامية والسياسية والفكرية، في ظروف الواقع اللبناني الطائفي، وخصوصياته السياسية التي يجب فهمها واستيعابها والتحرّك السياسي من خلالها، لتجاوزها نحو عدالة ومساواة أقوَم وأفضل، ولإيجاد القواسم المشتركة وتثبيتها ومفاهيم المواطنية الحقيقية العامة بين أبناء لبنان الواحد الموحّد.
وهنا، وفي هذا السياق، يُطرح سؤال، ويُطرح عليَّ هذا السؤال تحديداً، وأنا بدوري أطرحه عليه لأقول: هل فعلاً جميع القيادات المسؤولة وعلى مختلف المستويات والمناطق للجماعة الإسلامية في لبنان وفي صيدا والجنوب على وجه الخصوص، يتمتّعون بالروحية السياسية والديمقراطية والحوارية نفسها التي يتمتّع بها الدكتور علي ويُعرف من خلالها؟ هذا سؤال مطروح علينا وعليه أيضاً.... وأخيراً لا آخراً، صديقنا القديم الجديد المحامي إبراهيم العبدالله، ابن الجنوب، أعني بالصديق القديم باعتبار تلك العلاقة الوثيقة التي تربطني شخصياً وتربط مركزنا الثقافي بجمعية حقوق الإنسان في لبنان منذ تأسيسها وبفقيدها المغفور له المحامي جوزيف مغيزل.
والأستاذ عبدالله هو الصديق الجديد، أقول ذلك باعتبار رئاسته الآن جمعية حقوق الإنسان في لبنان. وهو المعروف لنا جميعاً بنشاطه الدؤوب ونِضاله المستمر وحركته الدائمة من أجل الدفاع عن الإنسان وكرامة الإنسان وعن حقوقه وإنسانيته المسحوقة والمقموعة والمرتهنة في بلادنا في كل آن ومكان.
وهذه ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي نستقبل فيها صديقنا المحامي إبراهيم العبدالله.... فنيابة عن مركزنا الثقافي في صيدا، وبالأصالة عن نفسي، أكرّر ترحيبي مرة أخرى، الترحيب الجميل، بالسادة المحاضرين وترحيبي بالمُنتدى القومي العربي الذي يسرَّنا كما في الماضي وكما سيكون ذلك أيضاً في المستقبل أن نستقبله في مركزنا... والذي يقدّمه لكم الأستاذ صابر القادري. فأعطي الحديث له فليتفضّل... (.......)
كلمـــة
الدكتور بيار دكاش
أيها الحفل الكريم،
لقائي بِكُم ليس بجديد ـــــ فنحن ننتمي إلى مدرسة واحدة ـــــ مدرسة الحِوار ـــــ وكنت على اتصال بكم في أحلك الظروف التي مرّ بها لبنان عبر الصديق الدكتور مصطفى دندشلي ـــــ وذلك في تعنايل، وسيّدة الجبل، وغيرها، ضمّ العديد من المفكّرين في مختلف الحقول والاختصاصات ـــــ فكان لكم خير رسول ولنا خير صديق نتحاور بالفكر لا بالبندقية، وبالمحبّة لا بالعنف.
وكنت أتوق دائماً أن ألتقيكم. وقد تحقّقت أُمنيتي والاجتماع بكم وجهاً لوجه في مدينة صيدا العريقة تاريخاً وحضارة ووطنية ـــــ بدعوة من الصديق معن بشّور رئيس المنتدى القومي العربي لنشارك معاً في هذه الندوة وموضوعها: "العدوان الصهيوني أهداف ونتائج".
في رِحاب هذا المركز الثقافي للبحوث والتوثيق المميّز بنشاطه وحيويّته بإشراف رئيسها الصديق مصطفى دندشلي.
المقدمـــة
هل ندخل مباشرة في الموضوع، أن نجوب معاً برحلة قصيرة نقرأ فيها أحداث التاريخ وأهدافها ونتائجها فنستخلصُ العِبَر، ونحسن التقدير، ونتعلّم؟
فالتزاماً منّي بالوقت المحدّد، سأكتفي بمعالجة سريعة ومختصرة لها مع بعض حريّة التصرّف في زمن تعزّ في الحريّة، تاركاّ مجال الغوص في هذا الموضوع الشيّق والشائك لمناسبة ثانية.
إذ لا يمكننا أن نتوقف عند هذا العدوان وكحَدث مُستقل أو أن نعتبره الأخير في مسلسله الذي لا ينتهي فمجزرة قانا تُعتبر حلقة في سلسلة المجازر التي ارتكبتها إسرائيل فديْر ياسين ـــــ الحرم الإبراهيمي ـــــ والمفاعل النووي في بغداد وصبرا وشاتيلا بعض فيْض من غيْض.
وقبل التحدّث عن العدوان الصهيوني علينا أن نعرّف بها.
ما هي الصهيونية؟
الصهيونية ـــــ من صهيون ـــــ يعني القدس هي منظمة إسرائيلية هدفها تجميع الشعب اليهودي حول القدس وهي أساس تأسيس دولة إسرائيل 1947 وتؤمن بفلسفة العُنف والقوة لتحقيق أهدافها التوسعيّة والاستعماريّة.
وطالما "أنّ الجغرافيا تُعتبر من أقلّ العوامل تعرّضاً للتغيير في تاريخ الشعوب". وطالما أنّ للموقع الجغرافي دوراً أساسياً في تقرير مصائر الشعوب التي تستوطنها لأنّه شديدُ الارتباط بأهميّته الستراتيجية ـــــ فإننا لا نستطيع أن نفصل بين هذا العدوان وبين المخطّطات والستراتيجيات المرسومة لهذه المنطقة ـــــ منطقة الشرق الأدنى والأوسط ولا سيما لبنان الذي يُعدّ من أعظم المناطق حيوية ويقع في مِحور المصالح الستراتيجية والاقتصادية العالمية ويعتبر حجر الزاوية في خططها الدفاعية.
ولم يكن زرع إسرائيل في قلب العالم العربي وليد صدفة أو ظرف مستقل برئ ـــــ إنّما في اعتقادي هو وليد دراسة معمّقة ومبرمجة لإخصائيّين في التاريخ والسياسة والاقتصاد والفلسفة لهذه البقعة من الأرض التي كانت أبداً ساحة معركة للجيوش ـــــ كما أنّها كانت معتركاً للفكر.
وأنّ الهضبة الصخرية عند نهر الكلب أكبر شاهد على أنّ لبنان هو أهم بقعة تاريخية على وجه الأرض نسبياً نقش عليها الفاتحون فتوحاتهم ثمّ ذهبوا ثمّ عادوا ثانية ثمّ ذهبوا دون رجعة من عهد رعمسيس الثاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد حتى وصول شارون إلى جوار قصر بعبدا ــــــ كلهم ذهبوا وبادوا وبقيَ لبنان.
وفي اعتقادي إنّ المطالبة بأرض الميعاد والدعوة إلى العودة إلى أرض الآباء والأجداد وزيارة أنقاض هيْكل سليمان وترميمه والوقوف أمام حائط المبكى والصلاة في القدس ـــــ وتحويلها إلى عاصمة الكيان الصهيوني إلى الأبد ـــــ كما تدّعيه الصهيونية ـــــ ما هي إلاّ ادّعاءات وحجج واهية للدعاية وذر الرماد في العيون ـــــ أكثر منها إيمانية كما يدّعون خاصة عند اليهود الغربيّين الذين ترعرعوا في ظل أنظمة علمانية مختلفة أو كانوا من واصفيها أو من أركان مُبدعيها كالاشتراكية والشيوعية.
وما زرع إسرائيل "الجسم الغريب" إلاّ محاولة بذَلَ لها المخطّطون كلّ جهودهم ونفوذهم وقدراتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية بهدف إنجاحها من أجل السيطرة على هذه المنطقة "البكر".
والبيان التاريخي التالي الذي ألقاه الرئيس ترومان بمناسبة خِطاب الجيش في 6 نيسان عام 1946 بعد أن تخلّت الولايات المتحدة الأميركية عن (عزلتها الرائعة) وبدأ اهتمامها المباشر بشؤون الشرق كجزء من سياستها الوطنية نلقي بعض الضوء على أهداف سياسة أميركا ودعمها للكيان الصهيوني حتى بعد أن تمكّنت في حرب الصحراء من السيطرة كلياً ليس على هذه المنطقة وحسب بل على العالم بأسره ـــــ على الرغم من "خفض" قيمة أهمية الشرق ولبنان الستراتيجية بفضل تقدّم العلوم الطبيعية الصاعق والمذهل الذي أنتج القنبلة الذريّة وبنى الطائرات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت وصنع الصواريخ العابرة القارات وتلاعب في كينونة الإنسان ومصيره في علم الجينات.
يقول البيان: "في هذه المنطقة الشرق الأدنى موارد طبيعية هائلة، فضلاً عن أنها منطقة تقع عبْر أفضل الطرق البريّة والمواصلات الجويّة والمائية. فهي لذلك بقعة ذات أهمية اقتصادية واستراتيجية عظيمة، غير أنّ شعوبها ليست من القوة بحيث إنّ الدولة الواحدة أو كلها مجتمعة تستطيع أن تقاوم العدوان القوي إذا أتاها من الخارج. ولذلك يسهل على المرء أن يدرك كيف إنّ الشرق الأدنى والأوسط يمكن أن يصبح يوماً ما حلبة لمنافسة عنيفة بين القوى الخارجية، وكيف أن تنافس كهذا يمكن أن يتحوّل فجأة إلى نزاع مسلّح".
وهكذا نرى، في سياق التحاليل واستناداً إلى المعطيات والممارسات الإسرائيلية وإلى موقف أميركا الذي كان مثيراً للدهشة والتحيّز وكأنه أعطى الضوء الأخضر ـــــ نرى أنّ العدوان مؤخراً على لبنان ليس الأول ولن يكون الأخير في سياسة إسرائيل التي تعول دائماً على انقسام في الداخل والخارج وفي ظل غياب التضامن العربي والتخطيط والبرمجة والتعاون والتنسيق ـــــ التي أصبحت في دنيا العرب المفكّكة منفصلين كانوا أو مجتمعين كما يقول الرئيس ترومان ـــــ كلاماً بكلام ينقصه الوعي والإخلاص والصدق والنزاهة والإيمان بالحق والعدالة والمصلحة القومية العليا ـــــ قبل الأنانية والفردية والمصلحة الذاتية المقدّمة دوماً على المصلحة العامة والعليا في تعاملنا مع بعضنا بعض رغم بعض الانقشاعات المشجّعة.
أهداف العدوان:
وصِرتُ إذا أصابتني سهام تكسّرت النِّصال على النِّصال
أنّ لبنان بالنسبة إلى موقعه الجغرافي يجد نفسه منجرفاً أكثر فأكثر إلى دوّامة المصالح الاقتصادية والسياسية والتاريخية والجغرافية للقوى المتصارعة على أرضه وغالباً على حسابه ــــــ العدوّة منها والصديقة والتي جعلت منه وطناً ممسوكاً لا متماسكاً.
وأحسب أنّ أهداف العدوان في تصوّري هي التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1) الانتقام والثأر لشعبها من التعديّات عليه حسب زعمها.
2) زرع الرُّعب في نفوس السكان العُزّل وإجبارهم على النزوح.
3) القضاء على المقاومة المسلّحة مباشرة أو بإثارة الخلافات بينها وبين الشعب.
4) التأكيد على حريّة التحرّك دون رادع ضمن أرض ليست بأرضها من أجل حماية نفسها ـــــ أمام العالم ـــــ من الإرهاب حسب زعمها.
5) الرهان على قسمة الصّف اللبناني وافتعال قتال جديد وإحياء خلافات وقتال قديم.
6) دفع لبنان إلى: 1- تحجّم المقاومة.
2-إرباكه وزجّه في معركة غير متكافئة.
3- دفعهُ إلى مطالبة سوريا بتطبيق معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق واستدراجها
إلى المعركة.
4-وفي حال التخلّف ـــــ فصل المسار السوري ـــــ اللبناني المقطور ـــــ الإسرائيلي.
7) امتحان يؤكد جديّة دعم الولايات المتحدة لها رغم مجازرها ويؤكِّد عدم ردعها رغم تجاوزاتها.
8) الاعتماد على السياسة القائمة على القوة ورفضها لقرارات الأمم المتحدة والتغيير بالمواثيق الدولية نعم للقوة التي تفرض الحلول تحت ستار القضاء على الإرهاب وحقّها المشروع في الدفاع عن النفس.
9) هدْم البِنية التحتيّة والمرافق الحيويّة والاستقرار اللبناني والازدهار والإنماء وتأخير نهوضه، من جديد إن لم يكن القضاء عليه كلياً كي لا يتمكّن من منافستها عندما يحلّ السلام.
10) إثبات عدم جدوى الأمم المتحدة ومواثيقها وقراراتها في حل النزاعات ــــ فهي لا تمتثّل للقرارات الدولية ولا تلتزم بها ولا تقيم لها مقاماً ولا وزناً ولا تخاف من انتهاك حقوق الإنسان ومن التعدّي عليه حتى ولو كان في حِمى الأمم المتحدة.
11) إبراز دورها للعالم بأنّ ليس لها من بديل في العالم العربي وهي البديل لهم فرادى وجماعات.
نتائج العدوان:
ما كل ما يتمنّى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السُّفن.
ما طلع حساب البيدر قد حساب الحقل
1) أثار العدوان الصهيوني ضدّ لبنان وارتكابه مجزرة قانا بالتحديد استنكار العالم واستهجانه.
2) أيقظ الضمير العام العالم من سباته العميق.
3) قوّى عزيمة اللبنانيّين في تمسّكهم بأرضهم.
4) أكّد على حقّ لبنان في مقاومة الاحتلال بالاستناد إلى تطوّر القانون الدولي وقواعده.
5) أوجب الالتزام بالمواثيق والقوانين الدولية في التعامل بين الدول والجماعات والأفراد.
6) عزّز الوحدة الوطنية والتضامن بين أبناء الشعب الواحد على اختلاف مواقعهم وأحزابهم وطوائفهم ومذاهبهم في أيّ موقع كانوا وإلى أيّ فريق انتموا.
7) أدّى إلى رفض التعدّي على المدنيّين مباشرة أم مداورة أو انتقاماً من العالم الشرقي والغربي.
8) وحّد الموقف بين السُّلطة والشعب رغم الهُوّة السحيقة التي تفصل بينهما.
9) نشّط المساعي على وجوب قيام (الدولة العصرية) دولة الحقّ والقانون الدولة القويّة العادلة والموثوقة في مرحلة التفاوض.
10) أعادَ لبنان إلى الواجهة في الأحداث العالمية بعد أن كان منسيّاً.
11) شكّل كارثة بيئية على الإنسان والحيوان والنبات والتربة.
12) هدم البِنية التحتيّة ــــــ وسبّب خسائر هائلة ينوء لبنان تحتها.
13) أخّر نهضة الإنماء والأعمار رغم بعض أخطائها.
14) زعزع ثقة العالم ولو إلى حين بالوطن الصغير.
15) حرّك الجمعية العامة للأمم المتحدة مطالبة باحترام وتنفيذ القرارات الدولية دون استثناء وتحديداً 425 كما شدّدت المنظّمات الدولية على الالتزام بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاعتراف بكرامته وحقوقه المتساوية في الحرية والعدل والسيادة والسلام.
16) دفع بلبنان للذهاب إلى مجلس الأمن مطالباً بالتعويض المعنوي والمادّي عليه.
17) أيقظ التضامن العربي ولو شكلاً في البدء على أن يتبعه عمل مشترك وموقف فكري وقانوني قومي يعوّض عن مواقف سياسية سابقة متخاذلة ومرتبكة.
18) ساهم في لقاءات لبنانية متعدّدة هنا وفي دنيا الاغتراب وعربية ودولية داعية إلى السلام العادل في ظل القوانين الدولية.
القوة بالتضامن:
ـــــ لن يموت حقّ وراءه مطالب.
وحتى تتوفّر لنا القوة وتفعل لتغيّر مجرى التاريخ علينا أن نحقّق الأهداف التالية:
1) علينا أن نُحصِّن الوحدة الوطنية التي أبرزها العدوان الصهيوني وأن لا نستغل التضامن الذي حصل إلاّ في خدمة الأمة ومن أجلها وذلك:
1) بتأليف حكومة وحدة وطنية تمثّل الكلّ وتكون مقبولة ومعترف بها ولا يستثني أحداً ومؤقتة حتى لا تستأثر بالسلطة ويكون في طليعة اهتماماتها:
1) إعادة المهجّرين كل المهجّرين ـــــ آن الأوان للعودة ولا يجوز أن تبقى العودة رهينة المزاجية والإهمال والاستغلال.
2) وضع ـــــ قانون انتخاب عادل وشامل.
3) تأمين انتخابات جريئة ونزيهة وعادلة.
4) تمتين الصداقة والعلاقات الأخويّة النّد للنّد وضمن الاحترام المتبادل بين سوريا ولبنان.
5) إنشاء جهاز متخصّص من المفكّرين والسياسيّين والباحثين يقوم بدراسات عملية ويضع الأُسس اللازمة لإجبار إسرائيل على سحب قواتها وتغيير سياستها العدوانية التوسعيّة بمنهجية مماثلة لا بالتخلّف والتبعيّة والاتّكال والشعارات.
6) دعوة الدول العربية المستفردة إلى وقفة عزّ وضمير ومصير ـــــ إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع إسرائيل بموقف تضامني وتعاون بنّاء من أجل مصلحة الأمة.
القيامــة:
هذه بعض أفكار وخواطر أودّ أن أُشارككم النقاش بها علّنا نصل في نهاية المطاف إلى ورقة عمل موحّدة تزيل عنّا الهمّ وتغلب القدر.
وأنهي بدعاء نابع من أعماق قلبي الجريح:
يا ربّ:
إذا كان الماء قد حوّلته خمراً في عرس قانا الجليل فإنني أضرع إليك كي يكون دم شهدائنا أبناء قانا وغيرهم قرباناً يُقدّم على مذبح الوحدة الوطنية
من أجل قيامة لبنان
فأنت السميع المجيب
كلمـــة
د. علي الشيخ عمار
المسألة التي يجب أن نلتفت إليها على الدوام هي عدوانية الوجود الصهيوني في فلسطين التي لن تنتهي مع أيّ تسوية يُعمل على إنتاجها بالتوافق مع عدد من أنظمة المنطقة. ذلك أنّ المسألة الفلسطينية تتعدّى كونها قضية حرمان شعب من حقّه في إقامة دولته الخاصّة لتصل إلى حدّ المأساة التي تطال الإنسان في هويّته ووجوده وتستدعي إلغاء جميع الأسباب التي أدّت إليها. وأيّ عدوان على لبنان ينضوي تحت عباءة عدوانيّة الكيان الصهيوني الغاصب والتي لن تنتهي إلاّ بإزالته. من هنا، فنحن إذا أردنا أن نبحث عن حقيقة أهداف العدوان الصهيوني الأخير على لبنان، فما علينا أولاً إلاّ أن نفضح جذور وطبيعة العدوّ حيث القاعدة الأساس لتفسير أيّ عدوان داخل فلسطين أو على لبنان والمنطقة.
إذن فالمسألة هنا، وليس بالإمكان التغاضي عن الأصول والانشغال بالفروع لوحدها، أو تجاوز الأسباب والانكباب على درس المسبّبات والنتائج الحتميّة. فإذا تمّ الاتّفاق على المبدأ يصبح من السّهل التفاهم على بعض التفاصيل. باختصار العدوّ الصهيوني لن يكتب له الاستمرار إلاّ إذا استطاع أن يلغي نقيضه، الذي هو نحن، هذه مسألة يدركها جيداّ، بقاؤنا يتهدّد وجوده، واستمراره يمثّل خطراً حقيقياً على الكيان والهويّة.
أمّا إذا أردنا أن نفصل في أهداف عدوان نيسان على ضوء الوقائع والظروف التي أحاطت بهذا العدوان فإنّه بالإمكان الإشارة إلى التالي:
أولاً: تشبّث العدوّ بمنطقهِ القائل بأنّ الأراضي اللبنانية المحتلّة في الجنوب والبقاع الغربي، باتت جزءاً من كيانه، تحت ذريعة الأمن وحماية مستوطناته في الجليل والمنطقة الساحلية، هي امتداد لمستعمراته ينبغي أن تبقى تحت سيطرته. وهي رسالة موجّهة إلى لبنان وأشقّائه من العرب والمسلمين، الهدف منها قطع الطريق على أية محاولة يُراد من خلالها جعل العدوّ يعترف باحتلاله لأراضي الغير ويُسلّم بضرورة الانسحاب إذا أراد التوصّل إلى صلحٍ ما مع الحكومة اللبنانية والجوار. العدو يريد أن يضع حداً لتمادي الدولة اللبنانية في مطالبتها بتنفيذ القرار 425 الداعي إلى انسحابه حتى الحدود اللبنانية ـــــ الفلسطينية المعترف بها دولياً. القرار إذن هو عدم الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي، وهذا العدوان الأخير جاء لِيُبيّن حيثيّات هذا القرار.
ثانياً: استثمار مقرّرات قمّة شرم الشيخ والتي شاركت في صوغها حكومات عربية وإسلامية، لمصلحة ضرب المقاومة تحت عنوان مواجهة الإرهاب حيث حصل العدوّ على دروس توجيهية تطوّع بتقديمها عدد لا بأس به من المشاركين العرب الذين تخوض حكوماتهم حرباً ضروساً مع المعارضة الداخلية بجميع تياراتها ومذاهبها. محاولة ضرب المقاومة هي محاولة إنهاء التحدّي الفعلي والجدّي القادر على إعاقة المشروع الصهيوني الساعي إلى توسيع رقعة احتلاله عبر قضم أراضٍ جديدة في هذه المنطقة أو تلك. هذا بالإضافة طبعاً إلى الخوف الذي بدأ ينتاب الصهاينة من أن تُعمّم المقاومة كثقافة ومشروع لا بد وأن يضع حداً لتلك السهولة التي تتهيّأ أمام العدو كلما أراد أن يفرض واقعاً جديداً أو يحقّق مطمعاً أو حلماً قبلياً. المقاومة في لبنان أصبحت نموذجاً يُحتذى بدأ يفرض ذاته داخل فلسطين وفي محيطها وأصبح هاجساً مُقلقاً يُصيب الولايات المتحدة في عقر دارها برغم آلاف الكيلومترات التي تفصلها عن لبنان وفلسطين. فالمقاومة بهذا المعنى هدف يُصَوّب عليه من أكثر من جهة يهودية أو غربية أو حتى عربية...
ثالثاً: إشاعة حالة من الفرقة والانقسام وتأكيد التباعد بين الرأي القائل بعدم جدوى المقاومة المسلّحة وذلك المُتحمّس والمُتبنّي لها باعتبارها واجباً وضرورة. فإخراج الناس من دِيارهم وقُراهم وارتكاب المجازر في قانا، وسحمر، والنبطية الفوقا والمنصوري... وتدمير البيوت والمنشآت وقطع الطرقات، جميعها تفرض حوارات تدور في معظمها حول قوّة العدو وذراعه الطويلة وضعف العرب ولبنان وفاعلية المقاومة المسلّحة ومسؤوليتها عن المآسي والدماء والخراب والتهجير.
رابعاً: زجّ الحكومة اللبنانية في مواقف انفعالية وتوريطها في إجراءات تنعكس سلباً على الوضع الداخلي وتؤدّي إلى توتّر العلاقة بينها وبين المقاومة وبالتالي بينها وبين القوى والتيّارات السياسية الداعمة بقوّة لسياسة المواجهة المسلّحة مع الاحتلال الصهيوني. وهذا يؤدّي في نظر العدو إلى صرف الجهود في مناظرات بلغات مختلفة ومن خلفيّات متضاربة وفي صراعات تقطع الطريق على الحالة التضامنية الوحيدة القادرة على تحقيق الانتصار النهائي والخلاص من الاحتلال وجرائمه اليوميّة وآثاره القريبة والبعيدة.
خامساً: الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل التسليم بترتيبات أمنية في عمق الساحة اللبنانية تؤدّي إلى حماية الاحتلال وتكريس احتلاله لمساحات واسعة من لبنان. والعدو ما فتئ يُعبِّر عن رغبته من خلال مطالبته الجيش اللبناني باختبار قدراته الذاتية في فرض الأمن وحماية الاحتلال من عمليات المقاومة التي تشكّل المناطق المحرّرة مركز تحضيرها وانطلاقتها.
سادساً: دفع الحكومة وأركان الدولة إلى التسليم بضرورة الالتحاق بمشروع الولايات المتحدة الأميركية وحليفها العدو الصهيوني الخاص بالمنطقة، هذا المشروع الذي يسوق تحت عنوان الشرق أوسطية والذي يجعل من الكيان اليهودي في فلسطين مِحْور المنطقة بحيث تتحوّل بعض البلاد العربية أو الإسلامية إلى مُلحقات وتوابع. ويمكن لهذا العدوان أن يؤدّي بنظر العدو إلى فصل المسارَيْن اللبناني والسوري تمهيداً للخطوة اللاحقة التي ذكرنا.
سابعاً: استهداف القرار السوري المتعلّق بمسألة المفاوضات مع العدوّ، هذا القرار الذي يحاول مشاكسة الإملاءات الأميركية اليهودية المشتركة والتشبّث بالمساعي لإيجاد ظروف عربية وإسلامية مواتية قادرة على تشكيل درع حماية يصون الحقّ الفلسطيني والعربي ويخفّف من وطأة الهجمة الزاحفة المستغلّة لحالة التشرذم والتباعد أو حتى التناحر القائمة في المنطقة.
أمّا السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال فهو: هل استطاعت الآلة العسكرية الصهيونية أن تحقّق أهدافها أو بعضاً منها؟ إلى اليوم يمكن رصد التالي:
1- شمعون بيريز الذي أراد أن يعوّض عن تردّده وإرباكاته باتّخاذ موقف حاسم إزاء العمليات الاستشهادية داخل فلسطين والتي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية حماس وعمليات المقاومة في المناطق اللبنانية المحتلة وحتى داخل فلسطين المحتلة منذ العام 1948، وقع في المزيد من المشكلات ويبدو إلى الآن أنه خرج نهائياً من دائرة الصراع على توجيه القرار اليهودي داخل الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة. والظاهر أنّ خصمه اللّدود نتنياهو استغلّ جيداً تورّطه الخاسر في الحرب ضد لبنان واستطاع أن يُوجّه إليه ضربته القاضية.
2- الموقف المعقول الذي عُبّر عنه إثر الاجتماع الوزاري في جامعة الدول العربية، كان بمثابة رد فعل غريزي استطاع لبنان وسوريا توجيهه الوجهة المناسبة، حيث شعر العدوّ ومن خلفه الولايات المتحدة بالخطورة التي يمثّلها استمرار العدوان على لبنان، إذ من الممكن أن يشكّل في النهاية عقبة ولو صغيرة في وجه عملية الانصياع للرغبة الأميركية التي يُراد لها أن تكون كاملة. طبعاً هذا على الرغم من أنّ الموقف المذكور لجامعة الدول العربية لم يخرج عن إطاره الكلامي، حتى أنّ مواقف بعض المسؤولين العرب كانت في غاية السوء والانهزامية بعد المجازر التي ارتكبت في قانا وغيرها من المناطق اللبنانية.
3- المقاومة أثبتت أصالتها ومنعتها وأنّها ليست وحيدة وأنّها عاملٌ أساسي في عملية التحرير وإنهاء الاحتلال لا يمكن تجاوزها. وقد فشلت جرائم العدوّ في عزل المقاومة أو ضربها أو حتى إضعافها.
4- إنّ الشعب اللبناني، كما ظهر أثناء الحرب وبعدها، يمتلك من القدرات ما يؤهّله للعب دور كبير في حسم مسألة الصراع مع العدو الصهيوني. بعضه دفع مباشرة ثمن الحرب الوحشيّة دماً وخراباً وتشريداً والبعض الآخر قام بواجبه حيال أولئك النازحين أو الصامدين في مُدنهم وقُراهم، بكلّ ثقة ومحبّة دون تمييز بين لبناني وآخر إلى أيّ دين أو مذهب أو تيار سياسي انتمى. فالذي أُصيب مباشرة صَبر وحمَد وتحمّل وواجه العدوان بِصَدره والذي لم يصب مباشرة قام بجزء من واجبه حيال أهله وبلده. هذا طبعاً أربك العدو وأفشل تماماً خطّته في إشاعة الفتنة بين المواطنين، وإن كانت مساهمته في إيجاد مناخ استغلالي مِن قِبَل بعض أثرياء الحرب لم تكن بسيطة. وكذلك الأمر في ما يتعلّق بالموقف من الاحتلال وسبل إنهائه، هذا الموقف الذي لم نتمكّن إلى الآن من جعله واحداً وثابتاً. والحرب الأخيرة زادت من عدد المواقع المتقابلة التي يختلف أصحابها حول عدد من الأمور التي منها: طبيعة الاحتلال، والسبل الآيلة إلى إنهائه، وذلك على الرغم من أن مسألة بهذه الأهمية وهذا الوضوح، من البديهي أن يتوحّد الجميع حيالها ليس الآن فقط ولكن منذ العام 1978، عام الاجتياح الأول للبنان واحتلال مناطق غالية من جنوبه.
5- نتائج هذه الحرب السلبية ظهرت مع توقيع تفاهم نيسان حيث أريد لهذا التفاهم أن يلزم المقاومة المشروعة بإجراءات تتعارض وحقّها وتحدّ من فعاليتها ومقدرتها على متابعة عملياتها الناجحة والمؤثّرة، كما أريد لهذا التفاهم أيضاً أن يضع الحكومة والمقاومة وجهاً لوجه في خندقيْن متقابليْن تحت عناوين مختلفة منها: مسؤولية الحكومة ومصلحة البلد والأساليب المتاحة في عملية المواجهة والمحافظة على المكتسبات التي تحقّقت خلال السنوات القليلة الماضية.
6- بوادر الاستجابة لمفاعيل تفاهم نيسان ظهرت من خلال المواقف التي خرجت إلى العلن والتي عبّر عنها أكثر من مسؤول كبير، استنبشت المواقف الحقيقية لهؤلاء من مسألة المقاومة وفصائلها أو مسألة الجهات الإقليمية الداعمة لها، وكشفت عن قرارهم في إعطاء تفاهم نيسان تفسيرات خاصة تتوافق وخلفياتهم السياسية وقناعاتهم بأنّ الآثار التي يمكن أن تخلفها المقاومة على الوضع الداخلي لا تقارن بإنتاجها في مجال التحرير أو مضايقة الاحتلال.
7- تفاهم نيسان أريد له في النهاية أن يكون، كما يحلو للعدوّ أن يراه، في خدمة هيمنته واحتلاله دون أن يترتّب عن ذلك مستلزمات، صُوّرت لجنتا المراقبة والتنسيق للتعويض على لبنان وكأنها بعض مقتضيات هذا التفاهم.
والعدوّ قادر كما ظهر خلال المفاوضات، على الالتفاف على هذه الأمور. والأهداف هذه المرة هي إبعاد فرنسا وسوريا عن مجالات التأثير الإيجابي في قضية ترتبط بلبنان ترى سوريا أنّها معنية بدعمه والوقوف دوماً إلى جانبه وتسعى فرنسا إلى التذكير بالعلاقات الهامة التي تربطها تاريخياً بهذا البلد الذي ساهمت في تحديده طبيعته ووجهته في هذه المنطقة من العالم.
8- نجح تفاهم نيسان في إشاعة جوّ من الفتور داخل الساحة أصاب برياحه مختلف القوى التي اعتقدت أنّ الحِمل قد نزل عن ظهرها وأنّ مثل هذا التفاهم أوكل إلى سواها مسؤولية البحث عن حلول لمعضلة الاحتلال. وذلك على الرغم من أنّ سلبيات العدوان لم تُعالج بعد وإنّ الأيام القادمة قد تشهد تصعيداً من جانب الاحتلال الذي دأَب هذه الأيام على شبه اعتداءات طاولت عدداً من القُرى والمُدن ووُصفت بأنّها خرق فاضح لتفاهم نيسان.
وكما أننا حذّرنا من خطورة المواقف المريبة والغريبة التي عبّر عنها المسؤولون قبل وأثناء الانتخابات اليهودية في فلسطين حيث ظهر هؤلاء وبكل أسف، أنّهم يعلّقون الآمال على نجاح شمعون بيريز وكأنّهم يرجون الرحمة من الشيطان، هذه المواقف إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عمق الهزيمة والإحساس بالضعف اللذيْن سقط فيهما مثل هؤلاء المسؤولين. فإنّنا نتوجّه إلى الأخوة جميعاً من أجل أن يكونوا على قدر المسؤولية وعلى أتمّ استعداد لمواجهة مخطّطات العدو وعدوانه القادم بعيداً عن مسألة الانشغال بأفكار نتنياهو ونصائح كلينتون ومبارك وحسين.
إنّها الفرصة المتاحة أمام اللبنانييّن، ولا يكفي أن نجد عاطفياً عمّا يجب أن تكون عليه حالتنا، وهي ظروف مواتية جداً للخروج نهائياً من حالة الاختلاف حيال القضايا المصيرية والتي منها قضية الجنوب والبقاع الغربي المحتلّيْن والانطلاق من توحّد الجميع حولها إلى معالجة قضايا لا تقلّ أهمية عنها مثل قضايا وحدة المجتمع اللبناني والحريّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
لقد أثبت اللبنانيون أنّهم شعب مختلف تماماً عن شعوب المنطقة وأنّه قادر بعد أن تجاوز محنته الداخلية، على صنع مستقبله الذي يليق به كشعب قوي عصي على الترويض ومحاولات القضاء عليه، والعقبة الأساس في وجه طموحاته التي لا تقف عند حدٍ معيّن وأحلامه المشروعة، تتمثّل في مشكلة كونه المحنة الأخيرة التي وحّدت اللبنانيّين عاطفياً، تكون المحطة الأولى التي استطاع اللبنانيّين عندها أن يتخلّصوا من أوهام مختلفة وانطلقوا متشبّثين بثوابتهم الواحدة مبتدئين عملية التصدّي الفعليّة للقضايا الكبرى بروح الأخوة والمحبّة والتجانس.
كلمـــة
المحامي إبراهيم العبدالله
لقد تناول مُعظم الخُطباء والكتّاب والسياسيّين وحتى المواطنين العاديّين موضوع الاعتداءات الأخيرة وما انطوت عليها من أهداف وما أسفرت عنها من نتائج، ومن مفارقات الأمور أنّ هذه الاعتداءات قد أعادت لبعضنا إحياء ذاكرتنا المفقودة، وكان هناك شبه إجماع على ذكر عدد من الأهداف، من بينها، القضاء على المقاومة، وتعميق الهُوّة بين المعارضة والحكم، وتصديع الوحدة الوطنية، من خلال فتح ثغرة جديدة في الوضع اللبناني، ينفذ من خلالها الكيان العبري لتحقيق غاياته ومآربه غير المشروعة، تكون مقدّمة لضرب المنجزات الاقتصادية التي تحقّقت بعد الحرب، والأفضع من ذلك العودة لإثارة النّعرات المذهبية والطائفية، وفصم العلاقة اللبنانية السورية... إلى آخره.
وكان هناك، أيضاً، شبه إجماع على ذكر النتائج والمتمثّلة بفشل العدوان، حيث أنّ المقاومة بقيت وتعزّزت، وانفتحت المعارضة على الحكم والتفت حول الدولة، وتوثّقت الوحدة الوطنية، وظهر التضامن الشعبي في أبهى صورة بفعل يقظة الإعلام وارتقاء مستوى الوعي لدى مؤسّسات المجتمع المدني... فشكّلت هذه الوقفة الوطنية الرائعة حالة احتضان لأهلنا ومواطنينا، الذين أحسّوا لأول مرة، في تاريخ الصراع مع الكيان العبري، بحضور الدولة وتضامن المجتمع بكليته، وقطع الطريق على محاولة الاستفراد بهم، بعد أن افتقدوا طويلاً لوقفات من هذا النوع في حالات مشابهة.
وفي الحقيقة أنّ ما جرى ذكره والتعبير عنه، يمثّل كل عنوان منه جزءاً هاماً من أهداف ونتائج العدوان، جرى التحقّق منه وأثبتته المواقف والتصريحات والاعترافات الصادرة عن الأعداء والأصدقاء، كما لمسنا آثاره لمس اليَد أثناء الفعل وردّ الفعل، وأثناء الاعتداء والمجابهة.
وإنّنا نرى أنّ العدوان الأخير ليس حلقة معزولة، أو مسألة طارئة عابرة منقطعة الجذور والمفاصل، وإنّما أتى في سياق سياسة مدروسة، ممتدّة الحلقات والفصول، منذ بدء تكوين الكيان العِبْري، إذا لم نقل منذ بدء تَبلْور الفكر الصهيوني مع بدايات هذا القرن، بكل ترجماته وتطبيقاته العملية، وبما يمثّل هذا الفكر من تطلّعات مبنيّة على الأسطورة والأطماع الجشعة المتكالبة، بأرضنا العربية بدون وجه حق أو مبرّر مشروع... هذا العدوان في سياقه، السياق التاريخي العام ومساره، لن يكون الأخير، وتفاهم نيسان، أو غيره من التفاهمات، التي يقدّر أنّها ستحصل، وما ستحمل من أسماء ومسمّيات تطلق عليها، لن يكون مصيرها غير ما آل إليه مصير تفاهم تموز السابق، إذ إنّ الانتخابات الأخيرة في الكيان العِبْري، وما آلت إليه من نتائج، ليس فقط بفوز نتنياهو، وإنّما بفوز الأحزاب والتيّارات الأصولية العِبريّة والعِرقيّة المتشدّدة، قد عرت الكيان المذكور، وأظهرت صورته العنصريّة على حقيقتها، صورة تنضح بكل عدوانيّة اتّجاه الأغيار (الغوييم)، كما أظهرت النظرة المتعالية المتغطرسة نحو وطننا العربي، علماً بأنّ هذا العدوان، سبق له وأسقط ورقة التوت التي كانت يتلطّى خلفها شمعون بيريز، وبِتنا بنظر جنرالات هذا الكيان وجنوده (حكّامه الفعليّين)، بعد مجزرة قانا الرهيبة، حثالات بشريّة، أطلق عليها بالعِبْريّة عبارة (عرب شيم).
هذه المداخلة الموجزة والمختصرة تجعلنا نتساءل: أيّ تفاهم سيُكتب له الاستمرارية والحياة، وأيّ سلام سَيُبنى مفبركاً يراهن عليه في هذه المنطقة؟! وهل تختلف النظرة المتعالية إلينا عن غير نظرة الغُزاة الأوروبيّين لأمريكا؟! وهل سيكون تعاملهم معنا يختلف عن معاملة هنود أمريكا الحمر الذين أُبيدوا، وزنوج أفريقيا الذين اُستعبدوا، بعد أن كُبِّلوا بالقيود والسلاسل، وتمّ سَوْقهم إلى أمريكا... وكأنّهم مِن غير سلالات بشريّة أو مِن أحفاد آدم وحوّاء...؟!
أنّ العدوان الأخير بكل وحشيّته وصلافته، قد كشف الزّيف وأسقط القناع الواهي عن كافة الاتفاقات التي تهالك لتوقيعها المتهالكون، صاغرين أمام جبروت المعتدي وطغيانه، وعن بعض أوجه التعاطف الذي أبداه الآخرون، لتبدو صورتهم مع حالة كهذه، كم هي مُزرية وساخرة وهم يَهرعون مُهرْولين لاستجداء هذا التعاطف وكسب ودّ جلاّديهم وجلاّدي شعوبهم... إنّ أمثال هؤلاء، بعد هذا العدوان الشرس والمجازر المرتكبة، يظهرون ذلك الكم الهائل من الجرائم التي ارتكبوها بحقّ شعوبهم، لا مجال لتعدادها وحصرها، ونكتفي بالتأشير هنا على جريمة تبرئة الكيان العِبري العنصري، بإسهامهم في إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3339، الذي يعتبر الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. وكيف لا يكون كيان من هذا النوع عنصرياً، ما دام قد وُلِد من أحشاء الغيتو ومفاهيمه المبنيّة على الحقد والضغينة، على البشريّة بكاملها... إنّه كيان غيتاوي مسكون بمعايير تتنافى مع مفاهيم العصر، وتطوّره، كيان يرى القداسة في استباحة دم الغوييم والعرب شيم، كيان لا يأتلف ولا يتوالف مع مفاهيم المجتمع البشري، بما توصّل إليه هذا المجتمع من شرعات ومواثيق تكرّس مبادئ حقوق الإنسان والشعوب، وحقّها في الحياة والحريّة وتقرير المصير، وترفعها إلى مرتبة السّمو في التعامل في مجال العلاقات الإنسانية.
أنّ سيناريو الأحداث العدوانية الأخيرة وتتابعها بفصولها وملاحقها المختلفة، تستهدف لبنان الوطن، بكل ما يعنيه وما يمثّله من قِيَم حضاريّة، وتعايش بين أبنائه على اختلاف تلاوينهم المذهبية والطائفية، وقد كان بتقدير المعتدي أنّ إفراغ الجنوب والبقاع الغربي وتهجير الأهالي وقصف المُدن والقُرى وقطع طريق العودة إلى الجنوب بضرب تقاطع الطرقات وقافلات التموين والإغاثة والمواد الطبيّة، واستهداف سيارات الإسعاف وقوافل المارّة، وفرض الحصار البحري على امتداد الشاطئ، وضرب محطّات الكهرباء والماء ومصادر الثروة الزراعية والإنتاجية... حتى وصلت به الأمور إلى ارتكاب مجازر بشريّة في المنصوري والنبطية... وارتكاب مجزرة قانا التي استهولها واستفضعها الرأي العام العالمي والدولي، لكونها قد استهدفت مواطنين عُزّل آمنين مُلتجئين ومُحتمين تحت عَلَم قوات الأمم المتحدة... والتي كان العدوان يهدف من جملة استهدافاته إلى تطفيش هذه القوات الدولية أيضاً.
أنّ ذلك قد جرى بناء على تقديرات وحسابات خاطئة، كان يُراهن عليها المعتدي، من بينها تقديره بعجز الحكم عن التحرّك، وانقسام الشعب حول مسألة المقاومة وقيامها بدورها المشروع، غير أنّ وحدة المواطنين وصمودهم وتصدّيهم باللّحم الحيّ لمختلف أشكال العدوان، وتشبّثهم بكل ذرّة تراب من أرضهم وقطرة ماء من مياههم، والتحرّك الرسمي الذي لامسَ في بعض جوانبه الارتقاء إلى مستوى الحدث... وتحرّك الرأي العام العربي والدولي، كل ذلك حال دون تحقيق الأغراض والمرامي التي يبتغيها العدوان، هذا الوضع الناشئ والمستجدّ قد ولَّدَ نوعاً جديداً من المجابهة لم يكن في الحسبان. ومن حقّنا أن نقول أنّه، كان لِقانا ومجزرتها شرف افتداء هذا الوطن، مثل من حقّنا أن نستشرف أنّ قانا بمجزرتها، شكّلت فاصلاً تاريخياً بين عصريْن في الصراع مع الكيان العِبري. دم قانا الذي امتزج بجراح المسيح ومعاناة الصّحابي أبي ذر الغفاري، اكتسب مسحة قداسة وتلوّن بتلاوينها، مثل كلّ دم سال على أرضنا بدء من مجزرة حولا، مروراً بمجزرة العباسية وحتى ارتكاب المجازر الأخيرة... قانا المحطّة والفاصل كانت بمثابة الخيط الرفيع الذي فصَل الحقّ عن الباطل وأظهر الحقيقة ساطعة كنور الشمس جليّة من كلّ تزييف أو ادّعاء باطل.
قبل قانا وعناقيد الحقد التي جابهها شعبنا عارياً بلحمه ودمه، وإيمانه، كانت الدولة العِبرية تبتز العالم بالهولوكوست وأوشفتس وادّعاء الظلم التاريخي اللاحق باليهود، وهنا من حقّنا أن نتساءل: متى ظُلم اليهود على أيدي العرب عَبْر التاريخ؟! أو لَم تُشكّل الأرض العربية، على امتداد رقعتها، الملجأ الآمن لهم على مرّ الزمن؟! أو ليس صُدفة أن يظهر أهم فلاسفتهم ابن ميمون، وينتج ما أنتجه فكرياً، بكل حريّة على أرض الأندلس؟! أوليس من حق الفيلسوف الكبير والمفكّر روجي غاروودي أن يتساءل مشكّكاً عن مدى مصداقية الصهيونية في الظلم التاريخي والمذابح التي تدّعي أنها لحقت باليهود؟! أو ليس نحن من ظلمهم الكيان العِبري بارتكاب جرائم تخطرنا من حاضرة الذاكرة بعناوينها، من سلسلة الاجتياحات والتعدّيات الشبه يوميّة منذ عام 1968 تحديداً كحدّ أدنى وحتى تنصّبها لمعتقلات أنصار وأخيراً وليس آخراً معتقل الخيام.
أنّ الكيان العِبري الذي أمعن في مخالفة المواثيق والمعاهدات الدولية، يدّعي عكس ذلك تماماً، ويتغنّى بالديمقراطية وحقوق الإنسان والالتزام بالقانون الدولي، وليس هذا فحسب وإنّما يوجّه الاتّهام إلى العرب، وخاصة إلى المقاومة التي تدافع عن نفسها وتعمل على تحرير أرضها، فينعتها بالإرهاب. وهكذا يتحوّل المعتدي إلى بطل سلام والمعتدي عليه إلى إرهابي. وهذا ما حدث بالفعل في قمّة شرم الشيخ، حيث استطاع الكيان المذكور أن يؤلّب الرأي العام ويجرّه إلى مساندته وينسيه احتلاله للأرض العربية واغتصابه لفلسطين، بل أكثر من ذلك أنّ دولاً عربية حُملت مُحرجة على المشاركة في هذا المؤتمر. في الهجمة الأخيرة خلال شهر نيسان التي شنّها المعتدي ضد لبنان، رُفع فيها شعار القضاء على الإرهاب ومحاربة أعداء السلام، وكان من الممكن لهذه الهجمة أن تخدم العدوان لولا التحوّل في الرأي العام العالمي فأحرج الكيان المذكور وأحرج الدول المساندة له، حيث وجدوا جميعاً أنفسهم في ورطة لم يعد أما