رجال الشرق - عبد الكريم الجندي
عبد الكريم الجندي
مثل عبد الكريم الجندي في فترة من الفترات عنصراً هاماً من عناصر المعادلة: الطائفية ـ الحزبية ـ الأمنية ـ السياسية. المعلومات التي توفرت لدى مركز الشرق العربي عن حياة عبد الكريم الجندي كانت محدودة، في هذه الترجمة سنقدم بعض ما تيسر لنا من معلومات، آملين أن نستدرك ما يمكن استدراكه، بعد توفر معلومات إضافية. علماً أن التراجم التي نقدمها ليست محاولة لتصفية الحساب مع الخصوم أو تلميع الأصدقاء وإنما هي محاولة لرصد تاريخ منطقتنا من خلال الأشخاص.
ولد عبد الكريم الجندي في بلدة السلمية في سورية عام 1932، ودرس في مدارس البلدة، وعندما أنهى تعليمه الثانوي دخل الكلية العسكرية في حمص وتخرج منها ضابطاً، وكان قد انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي من قبل.
دخل الجيش وترقى فيه وكان برتبة نقيب عندما نقل سرب الطيران الليلي الذي يعمل فيه إلى القاهرة، إبّان الوحدة السورية المصرية، وفي عام 1960 كان عبد الكريم الجندي من بين الأعضاء المؤسسين للجنة العسكرية السرية (جديد ـ عمران ـ الأسد ـ الجندي ـ المير) والتي كانت أهدافها: النظر في قضية الوحدة والانقضاض عليها، للسيطرة على السلطة في سورية.
كان عبد الكريم الجندي ذكياً ونشيطاً، وكان أكثر أعضاء اللجنة العسكرية لفتاً للنظر، شاباً عاطفياً حاد الطبع إلى درجة عدم الاتزان. وتمثلت حدة طبعه على شكل أعمال شديدة الوحشية، كانت تمارس في مقرات الأمن في عهده. وكان لا يطيق أن يشار إليه بنقد ولو على سبيل الدعابة أو المزاح.
تسلم عبد الكريم أولاً وزارة الإصلاح الزراعي، ثم أصبح مسؤولاً عن قوى الأمن الداخلي في أيلول1967.
وكان عبد الكريم متحالفاً مع صديقه صلاح جديد، في شبكة التوازنات الحزبية التي كانت سائدة، وقد ظل صلاح جديد مسيطراً على الأمن والمخابرات العامة بواسطة صديقه عبد الكريم هذا، على الرغم من بدء تقلص نفوذه في الجيش، أمام تصاعد قوة رفيقه اللدود حافظ الأسد.
وقد قام الجندي بتوسيع أجهزة الدولة القمعية توسيعاً كبيراً، فجند جيشاً من المخبرين الصغار، وتفنن في ابتداع أساليب التعذيب النفسي والجسدي، على نحو لم تعرفه سورية من قبل، كما كانت الأجهزة التي يرأسها تعتقل الناس على الشبهة حتى عم الخوف أوساط المجتمع السوري، فحدثت اعتقالات تعسفية كثيرة، ومظالم شديدة. وقد التصقت كل هذه المظالم باسم عبد الكريم الجندي.
كان الجندي من بين أعضاء لجنة التحقيق التي كشفت عن مؤامرة بعض الضباط الدروز بقيادة سليم حاطوم للانقلاب على حكم صلاح جديد، حيث ألقى القبض على سليم حاطوم وقام عبد الكريم الجندي بنفسه بتكسير أضلاع رفيق دربه السابق (سليم حاطوم) قبل إرساله لتطلق عليه النار وهو بين الحياة والموت.
بدءاً من شباط 1969 اشتد التنافس بين جديد والأسد، وراح مؤيدوهما يتصارعون وعلى مستوى (الفتوات والقبضايات) بالمسدس والقبضة، وكان العقيد عبد الكريم الجندي مدير قوى الأمن التابع لجديد يدير الصراع من ناحية وشقيق حافظ الأسد الأصغر رفعت يديره من ناحية أخرى... وانفجر الصراع عندما اعتقد رفعت بأن ( صلاح جديد) يخطط لاغتيال شقيقه، فقد أوقفت سيارة كانت تحوم قرب منزل حافظ الأسد، واعترف سائقها بعد الاستجواب بأن الجندي أرسله لاغتياله، فقرر رفعت الأسد نزع سلاح عبد الكريم الجندي لأنه ما لم يتم ذلك فلسوف يكون هو وأخوته عرضة للخطر.
وفي الأيام الأربعة ما بين 25ـ 28 شباط 1969، قام الأخوان: حافظ ورفعت بانقلاب مصغر، فحركا الدبابات إلى النقاط الهامة في العاصمة، واستبدلا الضباط والمدراء الأمنيين الموالين لصلاح جديد بآخرين موالين لهما. لكن الحادثة الحاسمة كانت بقيام رفعت بتضييق الخناق على الجندي في دمشق، وذلك باعتقاله سائقي سيارات الأمن الداخلي من محطة تزودهم بالوقود من مبنى الأركان، وهكذا تم التقاط سائقِي الجندي واحداً بعد الآخر، فحرم الجندي بذلك من أسطول سياراته وعندما أُخذ سائق الجندي نفسه أدرك الجندي أن وقته قد حان، ونظراً لحدة مزاجه،و عصبيته لم يستطع الجندي أن يتحمل تبعات الموقف، ولا أن يتصور متتالياته فأقدم في ليلة 1ـ 2آذار 1969، وبعد مشادة كلامية بالهاتف مع مدير المخابرات العسكرية علي ظاظا، على قتل نفسه بإطلاق الرصاص على رأسه.
كان الجندي لا يطيق أن يرى نفسه أسيراً بين يدي خصمه رفعت لما يعلمه من قسوته وعنفه، كما لم يستطع أن يتصور بسهولة فكرة مواجهة التحقيق والمحاكمة وصدور الحكم عليه، ولا شك في أنه كان يعلم أنه سوف يُعتبر مسؤولاً عن جرائم كثيرة، فخشي أن يتعرض لمصير كمصير سليم حاطوم الذي عذبه بوحشية بالغة قبل أن يبعث به إلى الإعدام قبل ذلك بعامين.
ولأسباب ماتزال مجهولة أقدمت زوجته أيضاً على الانتحار بعده ببضعة أسابيع.
هذه المعلومات أخذت بتصرف عن كتاب :
ـ (الصراع على الشرق الأوسط)، باتريك سيل، ص (247ـ 249)، (177)، (184ـ 188)
ـ (الموسوعة التاريخية الجغرافية)، مسعود الخوند، لبنان، 1997، الجزء العاشر، ص(224،225).