الأخبار- زيارة «الدكتور محمود» إلى لبنان بين إعجاب وكره وتقدير وحسد
جريدة الأخبار
عدد السبت ١٦ تشرين الأول ٢٠١٠
زيارة «الدكتور محمود» إلى لبنان بين إعجاب وكره وتقدير وحسد
ابراهيم الأمين
قليلة هي زيارات الرؤساء التي لا يهتم الناس بأخبار كواليسها. وقليلة هي زيارات الرؤساء التي لا يفلح الإعلام في الحصول على اسرارها. وقليلة هي زيارات الرؤساء التي لم يفلح ضجيج الكلام العالي في تعكير برنامجها. ولأن بعض الامثال تحتاج الى حدث لتثبت كواقعة، فإن وقائع زيارة «الدكتور محمود» انتهت الى ترك صورة سوف تصبح من تواريخ لبنان السياسية.
امس، بدا تيار «المستقبل» مهتمّاً بتسريب معلومات عرضها الرئيس سعد الحريري امام اعضاء كتلته حول محادثاته مع الرئيس الايراني. وفي المضمون كلام يصبّ في خانة عدّ الزيارة عنصر دعم للاستقرار في لبنان. وتتّصل أهمية ما قاله الحريري بكون السؤال الأبرز الذي رافق الزيارة هو المتعلق بما اذا كان نجاد يملك مبادرة تصبّ في خانة ما يعرف بالمساعي السورية – السعودية لمنع الانفجار في لبنان بسبب عمل المحكمة الدولية وفرق التحقيق الخاصة بها. ومع أن احداً لم يشر الى موقف خاص لنجاد في هذا السياق، فإن موقف طهران معروف، وهو مطابق لموقف سوريا وحزب الله. والأكيد أن الحريري يحتاج الى من يساعده على ايجاد المخرج الملائم لأنّ البقاء في دائرة الانفعال لن يقود الى وجهة غير تلك التي تخدم فكرة الانفجار.
في مجال السياسة العامّة، أظهرت زيارة «الدكتور محمود» أن لبنان يمثّل حتى إشعار آخر، نقطة المركز في قلب المواجهة المفتوحة بين مشروعَيْ السير بالخطط الأميركية والإسرائيلية وبين السير بمقاومة شاملة ومتنوعة لها. ودلّت أيضاً أنّ المرحّبين، كما المعترضون، انما ينظرون الى الامر من زاوية تأثيرها على موقع حزب الله بوصفه ابرز قوى المقاومة في المنطقة العربية، وهو الذي يمثل في هذه اللحظة، مركز التقاطع والوصل بين عواصم جبهة الممانعة وساحاتها. وهو الذي بات العدوّ الابرز للاميركيين والاسرائيليين بعد الشعب الفلسطيني. وأهمية وقوف الدكتور محمود في ساحة بنت جبيل، ترتبط بحفل اعلان نتائج الجولات الاخيرة من المواجهة مع اسرائيل، ولا سيما أن العدو حوّل ساحات بنت جبيل الى نقطة العلام. فمن يسكنها يكن صاحب النصر. وهو ما حصل فعلاً. ولم يكن الدكتور محمود يحتاج الى وقفة عند بوابة فاطمة لرمي حجر على جنود الاحتلال. فهو كان قد رمى اسرائيل بما أتاح الفرصة لغير حاملي السلاح لإلقاء الحجارة من عند السياج الحدودي. كما لم يكن الدكتور محمود يحتاج الى أن يقف على تلة مارون الراس ليشاهد فلسطين ويكسب بعض الهواء القادم منها يلفح وجوه الثوّار الذين تعاقبوا على هذه الارض. كان يكفي رئيس ايران الخميني، أن يقف قبالة آلاف الأنصار والمحبّين، ليسمع منهم كلمة شكر يرى أنّهم الأحق بها.
ترى من سحب الحديث عن تسليح الجيش من التداول الرسمي؟
في المعاني الاخرى، بدا نجاد يعطي اللبنانيين درساً عن واقع الدول الساعية الى حفظ مكانتها وكسب احترام الاعداء قبل الاصدقاء، من نشاطه الاستثنائي بوصفه رئيساً لا تضيع معه دقيقة، الى تنوع محطاته التي اظهرته رئيس دولة، ورئيس حكومة عمل، وزعيماً جماهيرياً محبوباً، ومناضلاً يأمل النصر النهائي على اسرائيل. كذلك اظهرت لقاءات نجاد، انه يمثل مركز الثقل في المنطقة اليوم، وأنّ بمقدوره تحريك الدفة بهذا الاتجاه او ذاك. كما دلت زيارة نجاد على ان لبنان يحتاج الى عقود او الى جهود جبارة، لكي يستعيد الحكام فيه صورة رجال الدولة المعنيين بأحوال شعبهم وبصورة بلدهم في نظر الآخر، وصورة الرجال المحبوبين بعفوية لا تحتاج الى من يداريها بالأمن والاستخبارات والمال والإعلام المبرمج.
لم يكن بإمكان أحد أن يراقب مشهد الاستقبال من دون مشاعر. إعجاب أو تقدير، كره أو حسد. لكن لا مكان لشعور اللامبالاة ازاء خروج الآلاف من المواطنين، يرحّبون بضيف بطريقة لا يمكن لغيره أن يحصل عليها. وقد تبدو الصورة قاسية، اذ لا يتوافر في منطقتنا العربية اليوم، رجل يمكن أن يحظى بهذا الشكل الصادق من الاستقبال، لا ملوك ولا رؤساء. والصمت الذي اطبق على رافضي الزيارة بدا انعكاساً للفشل في تحمّل مسؤولية افتعال وقع شعبي مغاير، وخصوصاً في الأماكن التي عملت جهات وأجهزة على تحريضها بسخافة. حتى سمير جعجع بدا صراخه في الهواء لا أكثر. وكلامه المنمّق على كلمة الرئيس الايراني في القصر الجمهوري او على شكل الزيارة، بدا كأنّه مضطرّ لقوله، تبريراً لخطوة الصعود إلى حفل الاستقبال الرسمي بعد أسابيع من التحريض والرفض والتحذير. وفي لحظة واحدة، بدا معظم المنزعجين او الراغبين في إفشال الزيارة، كأنهم أدوات ينفّذون رغبة علنية تتولاها الولايات المتحدة واسرائيل من دون خجل.
بالنسبة للخارج، كان هناك من يحتاج الى هذه الزيارة وما رافقها من مشهد شعبي وسياسي حتى يتأكد كثيرون أن لبنان لم يعد كما كان في السابق، وأن قوة خيار المقاومة فيه، تستند الى معطيات اقوى من ان تقدر مجموعات تعمل كما الأدوات على مواجهتها. وإن الكلام على الفتنة والاستعداد لحراك غير مدني، ليس بالحجم القادر على تحقيق نقطة في جدول الاعمال المطلوب من الخارج.
غير أنّ لغزاً رافق الزيارة، يجب أن يلحق الناس الأخبار حوله لمعرفة حقيقته. ترى، ما الذي جعل الحديث عن تسليح الجيش اللبناني أمراً مسحوباً من التداول من الكلام الرسمي ومن الخطب والمواقف ومن المداولات المعلنة، ومن الاتفاقيات الموقعة. ومن التعليقات كلها؟