الشرق الأوسط - صدام.. عبد الناصر علاقة حب أم كره؟
صدام.. عبد الناصر علاقة حب أم كره؟
كتابان جديدان يسلطان الضوء على محاولات صدام حسين للتخلص من ميشيل عفلق واغتيال عبد الناصر
د. نجم عبد الكريم
صدر لفتحي الديب كتاب بمناسبة الذكرى الـ31 لوفاة الزعيم المصري جمال عبد الناصر، احتوى على تفاصيل تنشر لأول مرة، سلط فيها الضوء على محاولة اغتيال عبد الناصر، التي خطط لها صدام حسين.. وصدر كذلك كتاب آخر لخالد علي الصالح، وهو من كبار البعثيين العراقيين بعنوان «على طريق النوايا الطيبة»، يسلط فيه الضوء على حقبة من تاريخ العراق الحديث، ويحتوي أحد فصوله على حوارات بين المؤلف وصدام حسين، وكيف أن هذا الأخير كان يسعى للتخلص من مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق.
وما كنت أرغب في تناول مثل هذه الموضوعات، خاصة ما يتعلق منها بصدام حسين لولا أنني شهدت الرئيس الجزائري السابق أحمد بن بيللا من على شاشة تلفزيون فضائية بغداد، وهو يكيل الثناء المبالغ فيه لصدام.
< محاولة صدام لاغتيال ناصر < كان فتحي الديب أحد رجال المهمات غير العادية في جهاز المخابرات المصرية، أكد في ما كتبه من ذكرياته عن عبد الناصر على واحدة من الحقائق التي كانت خافية على الكثيرين لأن عبد الناصر نفسه لم يكن يريد لها أن تظهر، وقد ساعد على ذلك أن رسالة وصلت إليه من السفير المصري في بغداد (لطفي متولي) تحمل استرحاماً رفعه أهالي الذين قاموا بالتخطيط لمؤامرة اغتيال الرئيس المصري، يستنكرون فيها ما فعله ابناؤهم، ويلتمسون منه الصفح بالعفو عن أولادهم الذين غررت بهم السلطة البعثية في بغداد، وأورد فتحي الديب في كتابه صفحة مصورة بالزنكوغراف لرسالة السفير المصري والتي كتب عليها «سري جداً» وعلى هامشها كلمات بخط جمال عبد الناصر وتوقيعه هي:
«أرى الافراج عنهم، وترحيلهم الى العراق، بدون محاكمة».
ويروي فتحي الديب عن كيفية توفر المعلومات الرامية لاغتيال جمال عبد الناصر، والتي كان يخطط لها صدام حسين، فيتحدث عن صدام قليلاً مشيراً الى انه جاء الى القاهرة فاراً من بغداد اثر اشتراكه في محاولة اغتيال الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم، ويتضح من ملفاته الشخصية التي فتحت له في اكثر من قسم شرطة، أنه شخصية اشتهرت بالعنف والقسوة في جميع علاقاته حتى في علاقاته الغرامية العابرة.
ولدينا الكثير من هذه المحاضر التي كان صدام في كل مرة يجد فيها من يخرجه من الورطة تلو الورطة!! فغادر القاهرة في فبراير (شباط) 1963 بعد أن ضاق الناس به ذرعاً بسبب سوء سلوكه!! وقد كتب الصحافي المصري عادل حمودة ما يتطابق والمعلومات الواردة في التقارير التي أشار إليها فتحي الديب في كتابه.
< تشكيل خلايا بعثية في مصر < أما في ما يتعلق بالمؤامرة التي كانت تستهدف حياة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، فيقول فتحي الديب ان البعثيين العراقيين قد شكلوا خلايا في القاهرة يصل عدد اعضائها الى اكثر من 700 شاب وفتاة، ومعظمهم قد جاء بحجة تلقي العلم والدراسات في جامعات ومعاهد مصر، ما بين القاهرة والاسكندرية، وكانت كل خلية لا يزيد عدد اعضائها عن الـ 10 أفراد، وكان من ضمن مهمات خطط هذه الخلايا المساهمة بخلق نوع من البلبلة في اوساط الجماهير المصرية الغاضبة اثر هزيمة 67. والمثير للدهشة ان بعض المثقفين المصريين انخرطوا في حزب البعث ومن بينهم عدد من الكتاب والشعراء والنقاد، حيث وجد من بين منشوراتهم بعض الشعارات مثل: «سيتحقق الحلم البعثي في مصر، بعد أن كان يعتبره البعض خرافة شبه مستحيلة» وبالطبع كانت هناك أموال تضخ، تقدم على شكل مساعدات تشجيعية وهدايا من العراق لتكريم المبدعين من الشعراء والكتاب والنقاد.
والأغرب من كل هذا وذاك ان اعضاء التنظيم كانوا يتدربون على استخدام السلاح في مناطق صحراوية بغفلة عن المخابرات المصرية.
ويؤكد فتحي الديب انه تم اختراق التنظيم البعثي باستخدام بعض اعضائه من البعثيين انفسهم، فتمت معرفة اسمائهم جميعاً، واماكن تحركاتهم، ويضيف انه اتصل بجمال عبد الناصر، ثم ذهب اليه في بيته، وقبل ان يتناول طعام الافطار، روى له كل تفاصيل المؤامرة وبينما هما يتناولان الشاي، أطلعه على ما كان يحتفظ به من وثائق ومعلومات تؤكد على مؤامرة صدام حسين، ومحاولاته التخريبية في مصر، وبالتالي اغتيال جمال عبد الناصر نفسه.
فلم يصدق الرئيس المصري ما سمع، بل شكك فيه، فآخر ما كان يتصوره أن يلعب البعثيون في عقر دار الملاعب الناصرية، ويسعون الى تصفيته! لكن فتحي الديب لا يطلق الكلام من فراغ، فأكد للرئيس المصري بكل ما لديه من أدلة، عن حقيقة المؤامرة، وكان ناصر يناقشه في جميع التفاصيل.
ولما أراد الديب الانصراف بعد ان اطلع رئيسه على كل شيء، طلب اليه جمال ان يتريث حتى الغداء، حيث انضم اليهما كل من وزير الداخلية (شعراوي جمعة)، ومدير المخابرات العامة (حافظ اسماعيل)، ومحمد حسنين هيكل الذي كان وزيراً للاعلام حينذاك.. وطلب عبد الناصر من فتحي الديب ان يضع تقرير المؤامرة أمامهم، ثم سأل وزير الداخلية عما يعرفه عن هذا التنظيم؟! فأجاب: ان وزارته على علم بهم، وتتابع حركاتهم، فقال له عبد الناصر، وهل لديكم معلومات عن موعد تنفيذ خطتهم؟! فلم يجب وأبدى مدير المخابرات العامة (حافظ اسماعيل) عدم وجود معلومات كافية لديه حول هذا التنظيم!! وشعر عبد الناصر بالصدمة، وهو يستمع الى وزير داخليته ومدير مخابراته العامة، في ما أبدوه من نقص بمعرفة هذا التنظيم!! فأبدى كل من شعراوي جمعة وحافظ اسماعيل استعدادهما التام لتحمل مسؤوليتهما، وتقديم استقالتهما الى الرئيس، فقال لهما جمال عبد الناصر: ان اخطر ما في اجهزة الأمن أنها لا يجوز ان تتصرف على طريقة رغاوي المياه الغازية، التي تفور وسرعان ما تخمد!! ثم زودهم جميعاً بالتقارير المحتوية على تفاصيل المؤامرة، وعلق قائلاً:
«تركنا الحبل على الغارب حتى استطاع البعث العراقي تسريب هذه الاعداد الكبيرة داخل البلاد في غفلة من اجهزة الأمن!!».
* ثم صدرت الأوامر بإلقاء القبض على قيادات الشبكة البعثية، وباشرت نيابة أمن الدولة التحقيق مع اعضائها وظلت تفاصيلها محفوظة طي الملفات الى ان كشف عنها فتحي الديب بعد31 سنة من رحيل جمال عبد الناصر.
< القضاء على ميشيل عفلق < «على طريق النوايا الطيبة».. هذا عنوان الكتاب الذي ألفه خالد علي الصالح الذي كان واحداً من كبار البعثيين، وأحد المخططين، والمنفذين لمحاولة اغتيال عبد الكريم قاسم.
وبعد أن آثر ان يتوارى عن العمل الحزبي والسياسي، كتب ما يشبه السيرة الذاتية، وقدمها كإهداء: «الى كل قطرة دماء أريقت على أرض العراق من جسد يحمل ضميراً نبيلاً». ويقول: انه لا يسعى من وراء نشر ذكرياته الى مهاجمة أحد أو النيل من أحد، انما يسعى الى ابراز الحقيقة، خاصة انه قد ابتعد عن العمل السياسي منذ ما ينيف على الـ 30 سنة. والمؤلف يتكلم بحسرة عن ذلك الوقت الذي اضاعه بين خلايا حزب البعث، وحلقاته، حيث البون الشاسع ما بين النظرية والتطبيق، حيث الممارسات التي لا يرى انها تصدر إلا عن عصابة.. وهو يرى ان كل عضو في هذه العصابة يخطط من اجل مصالحه الخاصة، مما جعل معظم اعضاء حزب البعث الآن وكأنهم اعضاء في (مافيا) بعد ان انتشر بينهم التآمر والقتل، خاصة بعد ان انضم صدام التكريتي الى الحزب!! ومما كتبه عن محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم يقول: «عدت الى الوكر وقد وصلته، وانتظرت وصول المهاجمين، وكان أول من وصل أحمد طه العزوز وسمير عبد العزيز النجم ثم تبعهم عبد الكريم الشيخلي، وصدام التكريتي، كل على انفراد. وعندما سمع صدام من أحمد طه العزوز اعتقاده بأن قاسم لم يمت، قال صدام: «لقد مات قاسم فأنا صوبت اليه رشاشي بشكل مباشر، حيث اقتربت من السيارة، وادخلت الرشاش اليها وصوبته نحو جسد عبد الكريم قاسم، واطلقت عليه الرصاص!!» والذي يبدو ـ والكلام لا يزال لخالد علي الصالح ـ أن صدام التكريتي لم يسمع بعد ما أذيع بشأن اصابة عبد الكريم قاسم، وانه سيوجه كلمة الى الشعب عبر الاذاعة، فقلت لصدام: أين ذهب الرصاص الذي اطلقته؟! ان عبد الكريم قاسم لم يصب إلا بجرح طفيف وتستمع لصوته بعد قليل من الاذاعة، فإذا كنت حقيقة قد وصلت الى السيارة فلماذا لم ترم احدى القنابل التي عدت بها داخل السيارة كما كان مقرراً سلفاً؟! فسكت صدام ولم يجب بشيء!!».
قرر خالد علي الصالح الخروج من حزب البعث الذي اعتبره ليس سوى عصابة غير منضبطة.. لكن اعضاء القيادة في الحزب اتخذوا قراراً بعدم قبول استقالته، وأوفدوا له صدام التكريتي لكي يقنعه بالعدول عن قراره.. فكان رد خالد علي الصالح: مهما كانت قرارات القيادة بعودتي، فإنني اعتبركم عصابة، ولستم حزباً.. فقال صدام اننا تتلمذنا على يديك، فكيف تقول هذا عن تلامذتك؟! فكانت إجابة خالد له: أنت يا صدام من اكثر الناس تجاوزاً على تعاليم الحزب، وصدر اكثر من تعميم بتصفيتك، فكيف سمحت لنفسك ان تعاود العمل في تنظيم كان موقفه منك الطرد؟! ثم أي حزب هذا الذي يرأسه ميشيل عفلق؟! إنني لن أعمل في هذا الحزب اطلاقاً!! فكانت اجابة صدام له: اذاً فلنعمل أنا وانت للتخلص من ميشيل عفلق، وبقية الرفاق، لكي نمسك بزمام القيادة فقلت له: ألم أقل لك ان هذا التنظيم البعثي قد سيطرت عليه روح التآمر، وها انت يا صدام تعطيني البرهان الساطع والدليل على ذلك!