النهار ــ سينودس أساقفة الشرق أصدر نداء واليوم يختتم بتوصيات
سينودس أساقفة الشرق أصدر نداء واليوم يختتم بتوصيات
روما – من حبيب شلوق:
يختتم سينودس اساقفة الشرق الأوسط اعماله اليوم بتوصيات تظل في عهدة البابا بينيديكتوس السادس عشر، بعد تصويت اعضاء السينودس عليها. وكانوا صوتوا أمس على "النداء" الرسولي، وهو نداء جاء بناء على الحاح اعضاء السينودس على البابا لاصداره.
والنداء الذي تكتم المشاركون على مضمونه كاملاً، أمكن الحصول على جزء كبير منه، وهو الى حد ما النص النهائي الذي اجري التصويت عليه مساء، وسيكون منطلقاً أساسياً للتوصيات التي تصدر اليوم وتختتم الجلسات العملية للسينودس على ان يكون قداس غد برئاسة البابا، تتويجاً وبركة لهذا السينودس. ويلي القداس غداء بابوي.
وجاء في النداء الذي يقع في 23 صفحة فولسكاب، وهو نص شبه نهائي أمكن الحصول عليه بترجمة غير رسمية، مقدمة وشرح لهدف السينودس وهو "تثبيت المسيحيين وتقويتهم في هويتهم بفضل كلمة الرب والاسرار المقدسة، وانعاش الشركة الكنسية بين الكنائس ذات الشرع الخاص حتى تتمكن من تقديم شهادة حياة أصيلة وفعالة، ويشكل البعد المسكوني والحوار بين الاديان، والتوجه الرسولي جزءاً لا يتجزأ من هذه الشهادة".
وفي النداء أيضاً "تأمل في ضوء كلمة الله"، وفصل اول عن "الحضور المسيحي في الشرق الاوسط"، ثم عن "اوضاع المسيحيين في الشرق الاوسط"، وعن "لمحة تاريخية سريعة: الوحدة في التعدد"، و"جماعات رسولية في أرض رسولية".
وكذلك النداء فقرة عن "دور المسيحيين في المجتمع على رغم قلة عددهم". وفي النداء تحديات تواجه المسيحيين"، ومنها الصراعات السياسية. وفي هذا المجال جاء في النداء: "ترتد الاوضاع السياسية والاجتماعية في بلداننا بتأثيرها المباشر على المسيحيين الذين يعانون معاناة كبيرة من نتائجها السلبية. وإننا اذ ندين العنف من اي مصدر جاء، وندعو الى حل عادل وثابت للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، نعبر عن تضامننا مع الشعب الفلسطيني الذي قد تؤدي حالته الراهنة الى الاصولية. كما نطلب من السياسة العالمية ان تأخذ في الاعتبار اوضاع المسيحيين في العراق الذين يشكلون الضحية الاساسية في الحرب وتبعاتها. وفق ما تسمح به ظروف البلد، يتوجب على المسيحيين ان يؤثروا الديموقراطية، والعدالة والسلام، والعلمانية الايجابية في التمييز بين الدولة والدين مع احترام كل ديانة. فإن الالتزام الايجابي في المجتمع هو الجواب البناء للمجتمع كما للكنيسة.
وإن كنائس الغرب مدعوة الى ان تمتنع عن الانحياز الى طرف متناسية مواقف الطرف الآخر وظروفه".
وقال في المسيحية وتطور الاسلام المعاصر: "ابتداء من السبعينات، تبين لنا تعاظم الاسلام السياسي في المنطقة، وذلك من خلال تيارات دينية مختلفة. وهذا التعاظم يؤثر في الوضع المسيحي في العالم العربي حين يسعى الى فرض نمط عيش اسلامي على جميع المواطنين، وحين يلجأ في بعض الأحيان الى بلوغ ذلك بالعنف. وهذا الأمر يشكل تهديداً للجميع. ولذا بات علينا جميعاً أن نواجه معاً هذه التيارات المتطرفة".
الهجرة
وعن الهجرة جاء فيه: "إنها احد اكبر التحديات التي تواجه الحضور المسيحي في بعض بلدان الشرق الأوسط. وهذا الموضوع الذي يثير قلقاً مشتركاً عند جميع الكنائس، لا بد ان يؤخذ في الاعتبار ضمن مشاورات مسكونية. وان الاسباب لهذه الظاهرة المقلقة تكمن في الاحوال الاقتصادية والسياسية، وفي تعاظم التطرف، والحد من الحريات، وتقلص مجال المساواة التي تفاقمت كثيراً بسبب الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، والحرب في العراق. وقد بات الشباب والنخبة المثقفة والناس الميسورون اول الذين يغادرون المنطقة فيحرمون الكنيسة والبلاد الطاقات الثمينة حتى صارت الهجرة ظاهرة شاملة تطال المسيحيين والمسلمين على حد السواء. الهجرة تحرم كنائسنا وبلداننا من العناصر المهمة والمعتدلة. وقد يشكل هذا الأمر موضوع حوار رصين وصريح مع المسلمين للتباحث في أسباب الهجرة ولا سيما المسيحية.
إن الهجرة حق طبيعي وموضوع اختيار حر من قبل الاشخاص والأسر، ولا سيما أولئك الذين يواجهون ظروفاً قاسية. ولكن واجب الكنيسة يقتضي منها ان تشجع ابناءها على البقاء كشاهدين ورسل وبناة سلام وسعاة هناءة في أوطانهم (…).
في المقابل، يجب تحسين الظروف التي تشجع على خيار البقاء. ويتوجب على المسؤولين السياسيين تثبيت السلام والديموقراطية والانماء لتأمين جو من الطمأنينة والاستقرار. والمسيحيون مدعوون مع جميع ذوي الارادة الحسنة الى الالتزام الفاعل لتحقيق هذا الهدف. وإن تحفيز السلطات الدولية على المساهمة في تحقيق النمو في بلداننا قد يساعد كثيراً في هذا المجال (...)".
وتشكّل الهجرة أيضاً سنداً مهماً للأوطان والكنائس. ولذلك لا بد لكنيسة الوطن الأم من ان تجد الوسائل الكفيلة بضمان الروابط الوثيقة مع المؤمنين المهاجرين، وتأمين الرعاية الروحية لهم من خلال توفير الليتورجيا بحسب الطقس الخاص بأبناء الكنائس الشرقية الموجودين على أرض لاتينية.
وإن بيع الممتلكات في الوطن الأم أمر مؤسف حقاً لأن الحفاظ عليها او اقتناءها حافز للعودة. فالأرض تثبت وتقوّي الهوية والانتماء اللذين يتطلبان بدورهما التمسك بالأرض. وعلى عاتق الجماعات المهاجرة والمنتشرة تقع مسؤولية تشجيع الحضور المسيحي في الشرق وتدعيمه في سبيل تقوية شهادته، ومساندة قضاياه، لأجل خير الوطن العام. ولا بد للتدبير الراعوي من ان يعنى أيضاً بالهجرة داخل البلد الواحد.
وفي موضوع "هجرة مسيحيين من العالم الى الشرق الأوسط"، جاء في النداء: "تعرف بلدان الشرق الأوسط ظاهرة جديدة وخطيرة الا وهي ظاهرة وفود الكثير من العمال الافريقيين والآسيويين اليها، وغالبيتهم من النساء. ويجد هؤلاء انفسهم في محيط اسلامي غالب، وفي بعض الأحيان، قد لا يتمكنون من ممارسة شعائرهم الدينية. ولذلك يشعر كثيرون منهم بأنهم مهملون ومعرضون لشتى أنواع الاستغلال وسوء المعاملة، في حالات من الظلم، وخرق القوانين والمعايير الدولية حتى عمد بعضهم الى تغيير اسمه ليكون مقبولاً، أو لينال المزيد من العون.
ينبغي لكنائسنا ان تبذل مزيداً من الجهد في مساعدة هؤلاء من خلال تأمين الاستقبال اللائق لهم، ومرافقتهم، واحتضانهم الانساني والروحي والاجتماعي. ففي كل من أوطاننا، لا بد أن تسعى كنائسنا الكاثوليكية الى اعداد تدابير راعوية خاصة بهؤلاء ضمن خطة متناسقة بين الاساقفة والجمعيات الرهبانية والمؤسسات الاجتماعية والجمعيات الخيرية. وهذا الأمر يتطلب كذلك تعاوناً بين السلطات الكاثوليكية المحلية والسلطات الكنسية في البلدان الأم.
يجب علينا تشجيع العلاقات بين الكنائس، ليس فقط بين كنائس الشرق الأوسط ذات الشرع الخاص، ولكن أيضاً بين الكنائس الشرقية والكنيسة اللاتينية في بلاد الانتشار، وذلك ضمن وحدة ثابتة مع الاب الأقدس، والكرسي الرسولي، والسفراء البابويين (…)".
ويتضمن النداء أيضاً فصلاً مستقلاً عن "الشركة الكنسية"، ثم فصلاً ثالثاً عن "الشهادة المسيحية"، وفيه بند عن التعليم المسيحي، والليتورجيا، ثم فقرة عن العلاقة مع اليهود.
العلاقة مع المسلمين
وعن العلاقة مع المسلمين جاء في النداء: "إن بيان المجمع الفاتيكاني الثاني "في العلاقات الديانات غير المسيحية" يضع الحجر الاساس لعلاقات الكنيسة الكاثوليكية مع المسلمين. ففيه نقرأ: "تنظر الكنيسة بتقدير الى المسلمين الذين يعبدون الله الأحد، الحي القيوم، الرحمان الجبّار، الذي كلّم الناس" (رقم 3). وبعد المجمع، جرت لقاءات عديدة بين ممثلين عن كلتا الديانتين. وفي مطلع حبريته، أعلن البابا بينيديكتوس السادس عشر: "لا يمكن حصر الحوار الديني والثقافي بين المسيحيين والمسلمين واعتباره خياراً عابراً. فهو في الواقع ضرورة حيوية، يتعلق بها بشكل كبير مستقبلنا" (اللقاء مع ممثلي الجماعات الاسلامية في كولونيا، 20 – 8 – 2005).
إن للقاءات الحوار التي يرعاها المجلس البابوي للحوار بين الأديان أهمية بالغة، وهي توصي باقامة لجان محلية للحوار الديني. فمن الضروري اعطاء المركز الاول لحوار الحياة، الذي يقدم مثالاً للشهادة صامتة وبليغة، ويكون احياناً الوسيلة الوحيدة لاعلان ملكوت الله. وحدهم المسيحيون الذين يقدمون شهادة لايمان اصيل، مؤهلون لاقامة حوار ديني يكون جديراً بالثقة. من هنا حاجتنا الى تثقيف مؤمنينا على الحوار. هذا ويمكن المسيحيين الشرقيين ان يساعدوا مسيحيي الغرب للدخول بشكل أعمق على لقاء بناء مع الاسلام.
إن أسباب نسج الروابط بين المسيحيين والمسلمين متعددة. فالجميع شركاء في المواطنة، يتقاسمون اللغة والثقافة عينهما، وكذلك الافراح والمعاناة. زد على ذلك أن المسيحيين يحملون رسالة للعيش كشهود للمسيح في مجتمعاتهم. هذا وقد وجد الاسلام منذ نشأته جذوراً مشتركة مع المسيحية واليهودية. من هنا ينبغي إيلاء الأدب العربي المسيحي قيمة أكبر، واستخدامه كمصدر إثراء في الحوار مع المسلمين.
إن قربنا من المسلمين قد تمتن عبر أربعة عشر قرناً من الحياة المشتركة، بما في ذلك الصعوبات، ولكن أيضاً الكثير من الايجابيات. فلكي نتمكن من اجراء حوار مثمر، يجب على المسيحيين والمسلمين التعرّف بعضهم على بعض بشكل أفضل. كيف لا، وهم يتقاسمون الاركان الخمسة الرئيسة. ثم إن هناك العديد من المبادرات التي تشهد على امكانية اللقاء والعمل على اساس القيم المشتركة (السلام والتضامن ومكافحة العنف). هذا ولقد أتى على ذكر العديد من الأمثلة التي تصف مبادرات ناجحة أو واعدة في ما يخص الحوار والعمل المشترك بين المسيحيين والمسلمين، في سوريا ولبنان والارض المقدسة ومصر كما وفي أماكن أخرى. لذلك ينبغي لنا تشجيع النشاطات المشتركة في المجالات الثقافية والرياضية والاجتماعية والتربوية. وهنا تأتي الاهمية القصوى لمؤسساتنا التربوية، التي تفتح ابوابها للجميع، منشّئة بذلك على الصداقة والعدالة والسلام. كذلك فان الحركات الكنسية تقدم مساهمة قيمة في هذا المجال. فالله المحبة يحب المسلمين. ولكن ربما يتعين علينا ايجاد لغة لاهوتية جديدة للتعبير عن هذا السر وجعله اكثر منالاً، تساهم فيه قوة شهادة حياتنا. ومن هنا تأتي أهمية حوار الحياة، أو حوار الجوار.
لقد أُتي غالباً على ذكر الحوار مع المسلمين وعلى التوصية به وتشجيعه. فالحوار هو التعبير عن شركة ابناء الله. ونحن جميعاً نسكن الارض ذاتها، بيت الله نفسه. بل ولقد تم التأكيد أنه لا سلام بدون الحوار مع المسلمين. والقديس فرنسيس، في لقائه مع الملك الكامل في مصر عام 1219، يعطينا مثالاً على الحوار عبر اللاعنف وحوار الحياة.
إن على المسيحيين أن يتمسكوا بجذورهم في شكل أفضل في مجتمعاتهم، وأن لا يستسلموا لتجربة الانطواء على الذات لأنهم باتوا اقلية. عليهم العمل معاً من أجل تعزيز العدالة والسلام والحرية وحقوق الانسان وحماية البيئة وقيم الحياة والعائلة. اما المشكلات الاجتماعية والسياسية، فلا بد من معالجتها، لا على أنها حقوق للمسيحيين تجب المطالبة بها، بل على أنها حقوق شاملة يدافع عنها المسيحيون والمسلمون معاً من أجل الخير العام. علينا الخروج من منطق الدفاع عن حقوق المسيحيين لنلتزم في العمل على خير الجميع. في هذا المنظور، يتلقف الشبان أمر القيام بأعمال مشتركة بسخاء واريحية. ولمواجهة المشاكل الحالية الملحة، مثل الحرية، والمساواة، والديموقراطية، وحقوق الانسان، والاغتراب والهجرة، ونتائج العولمة، والازمة الاقتصادية، والعنف والتطرّف، والحياة، فلا غنى عن التعاون جنباً الى جنب مع جميع ذوي الارادة الصالحة.
إنه لمن الضروري تنقية الكتب المدرسية من كل حكم مسبق على الآخر، ومن كل اهانة او تشويه (...)".
خلاصة
وفي خلاصة عن "اي مستقبل لمسيحيي الشرق الأوسط"، جاء في النداء: "إن الظروف الحالية هي مصدر صعوبات وهموم. ولكن إذ يحيينا الروح القدس ويقودنا الانجيل، فاننا نواجهها بالرجاء والثقة البنوية بالعناية الإلهية. إننا اليوم "قلة باقية"، بيد أنه يمكن سلوكنا وشهادتنا أن يجعلا منا حضوراً له وزنه. فينبغي لنا ان نضطلع بدعوتنا ورسالتنا في الشهادة، خدمة للانسان وللمجتمع ولأوطاننا.
يتوجب علينا أن نعمل يداً بيد لنحضر للشرق الأوسط فجراً جديداً. وفي هذا لسنا متروكين لحالنا، فصلاة جميع أخواتنا واخوتنا في سائر اصقاع الأرض وتفهمهم ومحبتهم تؤازرنا. لقد أتاح لنا هذا السينودس أن نشعر بذلك بشكل ملموس جداً، وكما قال ممثل مجلس اساقفة اوقيانيا (اوستراليا ونيوزلندا): "نريد أن يعلم اخوتنا وأخواتنا في الشرق الأوسط أننا نقدر الشركة معهم، وأننا نلتزم البقاء متضامنين معهم، في الآمال والآلام، وأننا سنسندهم من خلال الصلاة والدعم العملي في التحديات التي يواجهونها اليوم".
وعلم انه بعد المناقشات الأخيرة، اضيفت ثلاث فقرات الى النداء، تتعلق بالمرأة والشبيبة والمعوقين.