"الحاج" ميشال.. من شيحا إلى عفلق
"الحاج" ميشال.. من شيحا إلى عفلق
في يوم عيد الإستقلال قطع الجنرال ميشال عون الشك باليقين معلناً أنه يزور دمشق إيفاء لوعد قطعه لوزير الخارجية السوري باعتبار أن "وعد الحر دين"، وييمم وجهه صوبها كمسيحي مشرقي كونها "مهد المسيحية" ما يعني أنه يؤدي فريضة حج يستحق لدى عودته منها يافطة ترفع عند مداخل الرابية كتب عليها بالخط البرتقالي العريض: "حج مبرور وسعي مشكور... أهلاً بالحاج الجنرال".
قبل ذلك رد الجنرال بحدته المعهودة على الإنتقادات قائلاً: "أزور دمشق وأمثل من أمثل"، مع أن أحداً لا يناقش في حقه البديهي ولا في شرعية تمثيله الشعبي. فالأسئلة مطروحة عن التوقيت وعما إذا كانت الزيارة تساعد على حل المشاكل العالقة بين سوريا ولبنان والتي لا يخفى عليه انها في جوهرها سلة مطالب لخّصها فرنسوا فييون من السراي ويتوقف على تلبيتها تحقيق الندية وترجمة شعار "حرية، سيادة، إستقلال".
أما السؤال الأهم الذي تطرحه خطوة الجنرال فهو عن هوية الزائر الجديدة السياسية والفكرية وعن حقيقة أن المسيحيين الذين ينطق باسمهم يعطونه شيكاً على بياض ومستعدون للسير معه حتى النهاية في خيار الإصطفاف الإقليمي، وهل الجنرال الزائر هو نفسه الذي كانت تطلق السيارات على نغمة لقبه زمامير الإحتجاج.
ميزة الجنرال أنه صريح. فليواجه إذن الجميع بقوله إن التطبيع مع دمشق أولوية سياسية تسبق حل المعضلات، وليوضح أن زيارته تتويج لمسيرته السياسية منذ عودته من باريس متحرراً من قيد النفي المخملي ومكبّلاً بأصفاد الإلتزامات. فالزيارة "التاريخية" التي سيقوم بها لعاصمة الأمويين تكرس "الإنقلاب" الذي ادخله في صلب عقيدة التيار التي، بافتقادها السند الإيديولوجي، ارتكزت على شعار "مقاومة" ما كان الجنرال يسميه "احتلالاً" سورياً للبنان ويأخذ على الآخرين انهزامهم في توصيفه "هيمنة" أو "وصاية" أو "مخالفة لاتفاق الطائف". فالجنرال الحريص اليوم على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر لم يكن عضواً مؤسساً في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وجمهوره الذي يرفع أعلام "حزب الله" لم يتحمس يوماً لنصرة الأمة العربية والثورة الخمينية. بل كانت كل أدبيات "قصر الشعب" و"فيللا غابي" و"الهوت ميزون" على نقيض ذلك.
قال الجنرال أيضاً إنه يذهب إلى دمشق لـ "التعارف"، ربما صح الأمر لدى أدائه "العمرة" في طهران التي كانت في الظل حين لمع نجمه في لبنان، لكن أن يتعارف مع السوريين فهو أمر يدعو الى الإبتسام. عرفهم هو إلى حد كبير على مدى سنين ولم يتوقف عن اتهامهم بإضرام الحريق ولعب دور الإطفائي وانتهاك كيان لبنان ولذلك قال إنه قام بـ"حرب التحرير". وعرفوه هم عن كثب ولذلك تركوه يتورط في القصف المدفعي والكلامي في التوقيت الإقليمي الخاطئ وقت كانت سوريا منضمة إلى تحالف دولي بقيادة واشنطن لتحرير الكويت من براثن حليفه صدام حسين الذي كان يمده بالسلاح والمال.
لا حاجة للتعارف. درست دمشق الجنرال أطباعاً وأفعالاً، فعالجته بالعنف رداً على "حرب التحرير" و"تكسير الرؤوس" و"هز المسمار"، ثم تركته محاصراً يخوض "حرب الإلغاء"، ولم تتوان عن إنعاشه بجرعات من البنزين مررها حلفاؤها إليه لخوض المعركة التي قضت على المنعة المسيحية وفتحت الباب واسعاً لدخول دمشق إلى كل مفاصل الدولة في لبنان. ودمشق اليوم تعرف الجنرال أكثر مما يعرف نفسه. تعرفه من خلال معركته ضد "السنية السياسية" والسعودية، ومن خلال حلفائها و"حزب الله" الذين صاروا أهل بيته، ومن خلال أهدافها التي تبناها وتماهى معها، ومن خلال تبريراته الجديرة بمن يقدم أوراق اعتماد.
لا حاجة للتعارف. سبقت المعرفة. ربما هناك حاجة للمكافأة، وأقلّها إقناع الحلفاء الأقدمين والراسخين بالتخلي عن بعض المقاعد النيابية للحليف الوافد من خطابات السيادة والاستقلال والكيانية الضيقة إلى استراتيجية الممانعة وتعميم السلاح، والمتخلي عن روح ميشال شيحا الذي نظّر للكيان لاستشفاف روح ميشال عفلق الملغية للحدود والكيانات.
حفنة مقاعد لبعض الطامحين، أو بضعة معتقلين يمكن توظيفهم في الإنتخابات... إنه ثمن زهيد قد يناسب حفل تعارف تنكري، لكنه لا يليق حتماً بزعيم سياسي ينافس رئيس الجمهورية وبحاج مسيحي كبير يقارع رأس الكنيسة المارونية، وبقائد استثنائي يصف نفسه بـ "ديغول" متخطياً حواجز الجغرافيا ليخاطب التاريخ.