النهار - نجاد في "خطابين" بين بعبدا الدولة والضاحية الحاشدة: لبنان غيّر المعادلات... وجبهة مقاومة الشعوب تشكّلت
الخميس 14-10-2010
نجاد في "خطابين" بين بعبدا الدولة والضاحية الحاشدة:
لبنان غيّر المعادلات... وجبهة مقاومة الشعوب تشكّلت
الزيارة التي أثارت جدلاً واسعاً داخلياً وخارجياً قبل حصولها، لم تكن أقل اثارة للجدل بعد يومها الاول.
ذلك انه نادراً ما تسببت زيارة زعيم خارجي للبنان بتفاعلات واصداء كتلك التي اثارتها زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد منذ اللحظة الاولى لحلوله في بيروت ضيفاً على "الدولة والشعب" أمس.
ويمكن القول ان نجاد فاجأ الجميع بخطابي بعبدا والضاحية الجنوبية. خطاب بعبدا غلبت عليه نبرة الاعتدال ومراعاة التعامل "من دولة الى دولة" الى اقصى الحدود. أما خطاب ملعب الراية فاستعاد النبرة المتشددة المعهودة للرئيس الايراني. ومع ذلك لم يفت متتبعي الزيارة بكل تفاصيلها الشكلية ومضامينها السياسية الاشارة الى ثلاثة أبعاد اساسية واكبت الزيارة في يومها الاول.
البعد الاول تمثل في حرص الجانب الايراني على اظهار وجه الانفتاح على مختلف الفئات اللبنانية مقرونا في الوقت عينه بالاحتضان الكامل لـ"حزب الله". وهو ما فسره المتابعون بان ايران ارادت من هذه الزيارة اطلاق رسالة "مدوية" على المستوى الاستراتيجي عن نفوذها في لبنان، لكنها اظهرت في المقابل ادراكا عميقا لخطورة تفجر الحساسيات اللبنانية، خصوصا ان الزيارة تزامنت مع لحظة اقتراب الوضع اللبناني من متاهة بالغة الخطورة بفعل ازمة المحكمة الخاصة بلبنان. وانعكس ذلك على خطابي نجاد اللذين جمعا تبعا لمكان إلقائهما وطبيعة "الجمع" الذي توجه اليه نبرتين في التعبير عن الموقف الايراني.
البعد الثاني تمثل في انفتاح لبناني واسع على التعامل مع الزيارة من منطلق المصلحة اللبنانية الخالصة بعيداً الى حد كبير من المواقف الخارجية. فخطاب رئيس الجمهورية ميشال سليمان امام ضيفه كان لافتاً في التشديد على ثلاثة مرتكزات هي التزام القرار 1701 والحض على نبذ الفتنة وتأكيد اهمية التنمية الاقتصادية. كما ان توقيع 17 اتفاقا ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا مع ايران دلل على ادراك لبنان اهمية تطوير التعاون مع ايران حتى في عز العقوبات الدولية عليها، لكن لبنان تجنب المزالق والمحاذير الاخرى تفادي توقيع اي اتفاق عسكري معها.
وعلى المستوى السياسي الواسع بدت الصورة الجامعة لكل التلاوين السياسية التي شاركت في غداء قصر بعبدا، انعكاساً لبراغماتية لبنانية عامة وادراكاً للتأثير الايراني لدى جهات لبنانية، الامر الذي شكل تطوراً ايجابيا ورسالة الى ايران وسواها عن ضرورة ممارسة دور ايجابي في منع اي صدام داخلي بين حلفائها والفئات الاخرى.
اما البعد الثالث فتمثل في ضخامة الحشود الشعبية التي استقبلت الرئيس الايراني على طريق المطار صباحاً وفي الضاحية الجنوبية مساء.
ذلك ان هذه الحشود التي اضطلع "حزب الله" بالدور المحوري والاساسي والتنظيمي في ابرازها تعتبر الاضخم في كل المناسبات التي تولى الحزب تنظيمها سواء في مناسبات داخلية أو خارجية. وشكلت الرسالة الواضحة التي اراد اطلاقها في شأن ارتباطه الوثيق بايران بلا اي تحفظ. الامر الذي عبر عنه بوضوح الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته عبر شاشة كبيرة مرحبا بالرئيس الايراني في ملعب الراية، علما ان مهرجان الضاحية نظمته حركة "امل" والحزب معا.
في بعبدا
وقد حفل اليوم الاول لزيارة نجاد بمجموعة محطات عكست الجانبين الرسمي والشعبي لزيارته. وبعد استقبال تميز بمشاركة الالوف من قواعد "امل" و"حزب الله" على طريق المطار، استمرت محادثات نجاد ولقاءاته في قصر بعبدا زهاء ست ساعات، توزعت بين المحادثات بين الوفدين والخلوات بين نجاد وكل من الرؤساء سليمان ونبيه بري وسعد الحريري والغداء الرئاسي الحاشد الذي جمع مختلف ممثلي القوى السياسية والكتل النيابية والشخصيات.
وابرز المؤتمر الصحافي للرئيسين سليمان ونجاد "توافقهما على اهمية تطوير العلاقات الثنائية وتعزيزها في مختلف المجالات من دولة الى دولة بما يخدم المصلحة المشتركة للشعبين الصديقين ومقتضيات المرحلة الراهنة"، كما شددا على "اهمية صون الوحدة الوطنية اللبنانية وميثاق العيش المشترك ودعم الدولة ومؤسساتها وتعزيز دعائم الاستقرار والسلم الاهلي".
وحدد الرئيس سليمان ثلاث نقاط رئيسية "لصون لبنان وحدته وتعزيز صموده في مواجهة اسرائيل" هي "التزام القرار 1701 والزام اسرائيل تطبيقه بكل مندرجاته مع ابقاء الحق في استرجاع ما لا يزال محتلاً من ارضه بأي وسيلة مشروعة، ومنع الفتنة والحفاظ على الوحدة الوطنية، والتنمية الاقتصادية".
واكد نجاد من جانبه "ان هذه النقاط الثلاث كاملة وصحيحة"، مبدياً استعداد بلاده "للوقوف الدائم بجانب لبنان حكومة وشعباً". واعتبر ان "لبنان الآن غيّر المعادلات التي اتت من جانب واحد من الاعداء لمصلحة المنطقة وشعوبها". واذ ابرز "ضرورة تمتين الوحدة بين اللبنانيين"، قال: "انا ضيف فخامة الرئيس والحكومة اللبنانية والشعب اللبناني ورسالتنا الى الشعب اللبناني هي الوحدة والتضامن والتآزر المشترك من اجل البناء وعزة لبنان الشقيق".
في الضاحية
ثم كانت لنجاد عصراً لقاءات اقتصادية في مقر اقامته في فندق "فينيسيا"، قبل ان ينتقل مساء الى الضاحية الجنوبية. وافادت محطة "الجزيرة" القطرية ان نجاد التقى سراً الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قبل انتقال الرئيس الايراني الى ملعب الراية حيث اقيم مهرجان ضخم في استقباله دعت اليه حركة "امل" و"حزب الله". وغص الملعب ومحيطه بحشود كبيرة، كما شارك في المهرجان ممثلون لاحزاب وفصائل فلسطينية ورجال دين.
واطل السيد نصرالله عبر شاشة ملقياً كلمة ترحيبية بالرئيس نجاد "اخاً كبيراً وصديقاً عزيزاً وحبيباً غالياً وسنداً عظيماً للمقاومين والمجاهدين والمظلومين". وتوجّه في كلمته "الى العرب واللبنانيين" اولاً ثم الى الرئيس الايراني. ورد على القائلين "بوجود مشروع ايراني من موقع سلبي" قائلاً: "ايها العرب ما تريده ايران هو ما يريده العرب (...) وما تريده ايران هو ما يريده الشعب اللبناني (...) واشهد امامكم ان ايران لم تطلب منا في يوم موقفاً ولم تصدر الينا امراً ولم تتوقع منا شكراً". واضاف: "مع اننا نفتخر بايماننا العميق بولاية الفقيه العادل والحكيم والشجاع، ليس لدى ايران مشروعها الخاص ابداً".
وفي خطاب استمر اكثر من ساعة، توجه نجاد الى الحشد حاملاً بشدة على "المتغطرسين والمهيمنين (...) الذين اتخذوا منطقتنا منصة نحو اخضاع العالم برمته". وقال: "انعموا النظر جيداً فهل تجدون في سجل الصهاينة شيئاً سوى الجرائم والجنايات؟"، لافتاً الى "اجماع الدول المتغطرسة على تقديم الدعم المطلق لشذاذ الآفاق هؤلاء". واضاف: "يريدون الايقاع بين شعوب تتألف من فئات واديان متنوعة (...) ويريدون الحاق الاذى بالعلاقات الاخوية بين الشعوب كالعلاقة الموجودة بين الشعبين السوري واللبناني".
وتطرّق الى قضية المحكمة الدولية ضمناً فقال: "في لبنان نجد ان يد الغدر الآثمة قد امتدت الى صديق عزيز وشخصية غيورة على وطنها، ثم نرى بعد ذلك كيف تلفق الاخبار وكيف تستغل المجامع الحقوقية التابعة لانظمة الهيمنة لتوجيه الاتهام الى بقية الاصدقاء سعياً للوصول الى المرامي المشؤومة والباطلة عبر زرع بذور الفتنة والتشرذم".
وحذّر "الصهيونية الجوفاء" من ان "اي شرارة جديدة تبدر من هذا الكيان الصهيوني لن تجدي نفعاً الا بتقصير عمر هذا الكيان المغتصب (...) اعلن بصوت عال ان الكيان الذي اوكلت اليه مهمة السيطرة من النيل الى الفرات لصالح النظام الرأسمالي قد حبس خلف جدران بناها بنفسه (...) لقد تشكلت جبهة مقاومة الشعوب في فلسطين ولبنان وسوريا وتركيا والعراق وايران وكل هذه المنطقة واعلن بكل ثقة ان الكيان الصهيوني يتدحرج اليوم في مهاوي السقوط".
ويشار الى ان الرئيس الايراني سيلقي قبل ظهر اليوم محاضرة في مدينة الرئيس رفيق الحريري الجامعية في الحدت حيث يمنح شهادة دكتوراه فخرية في العلوم السياسية. ثم يلبي ظهراً دعوة الرئيس الحريري الى غداء يقيمه على شرفه في السرايا. ويتوجه بعد الظهر الى جولة في الجنوب ويعود مساء الى قصر بعبدا لوداع الرئيس سليمان قبل انهاء زيارته مساءً.