د. دندشلي - كيف نتجاوز الطائفيـة بخطة مرحلية؟
التاريخ في 3 نيسان 1993
أقام المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا، مساء السبت الماضي، ندوة سياسية ـ فكرية، في قاعة محاضراته، تحت عنوان: "كيف نتجاوز الطائفية بخطة مرحلية؟!"، شارك فيها محاضراً الدكتور عصام نعمان نائب بيروت، ومعقباً القاضي جوزيف اليازجي والدكتور ضاهر غندور والدكتور أحمد سرحال. وألقى كلمة التقديم وأدار النقاش الدكتور خالد قباني، وكلمة افتتاح الندوة للدكتور مصطفى دندشلي رئيس المركز الثقافي، وحضور حشد كثيف وواسع من هيئات المدينة والجنوب الثقافية والاجتماعية والسياسية والمهنية، يأتي في مقدمهم السيد محمد حسن الأمين قاضي شرع صيدا الجعفري، السيد محمد الزعتري رئيس غرفة التجارة والصناعة في صيدا، الأستاذ منح الصلح، السيدة نجلاء سعد رئيسة مركز معروف سعد الثقافي، السيد جعفر شرف الدين نائب صور السابق، الرائد مصطفى البركة مدير جهاز أمن الدولة في الجنوب، المحامي رياض شمس مدير كلية بيروت الجامعية فرع صيدا وعدد كبير من أساتذة الجامعة اللبنانية ومديري وأساتذة مدارس صيدا الرسمية والخاصة.
استهلّ المحاضر الدكتور نعمان كلمته بالإشارة إلى أن إلغاء الطائفية، إنما هو هدف وطني أساسي ويتأتى على مراحل، فهو مشروط بحسب المادة 95 من الدستور، أولاً بوضع خطة مرحلية من مجلس النواب وثانياً بتأليف هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية مهمتها دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء، وثالثاً بتمثيل الطوائف في مرحلة انتقالية بصورة عادلة في تأليف الوزارة باستنثاء وظائف الفئة الأولى فيها من قرار الإلغاء مع التعقيد بمبدأي الاختصاص والكفاية. وهكذا يغدو ـ كما يرى النائب نعمان ـ إلغاء الطائفية مساراً وليس قراراً، أو هو قرار ينطوي على مسار طويل مؤلف من مراحل يتصف: أولاً، بسلسلة مراحل متتابعة ومتداخلة تبدأ بقرار ـ خطة يتخذه مجلس النواب، ثم تتكامل حلقاته تباعاً على مدى زمني طويل نسبياً. ثانياً، الشمولية وهي تضفي على القرار (مجلس النواب) ومراحل اليسار (الهيئة الوطنية) طابع العمل الوطني الجماعي، ثالثاً، الموضوعية من حيث أن الجهة التي تصدر القرار هي غير الجهة التي تضع إجراءات تنفيذه وتتابع مراحل الخطة.
ويؤكد المحاضر الدكتور نعمان على أن معاني إلغاء الطائفية السياسية، إنما يستقيم على النحو الآتي: 1 ـ إلغاء الطائفية، لا يعني إلغاء الطوائف بل إلغاء منهجية استغلال العصبيات الطائفية لأغراض سياسية، 2 ـ يستلزم ذلك إلغاء نظام الحصص المحفوظة للطوائف في الإدارات والمؤسسات العامة، 3 ـ جعل المواطن لا الطائفة حجر الزاوية في بناء الدولة، 4 ـ أن يتمّ هذا الإلغاء في إطار من التوافق الوطني وتحقيق مساواة المواطنين أمام القانون وفي تكافؤ الفرص، 5 ـ إن إلغاء الطائفية السياسية لا يجوز أن يكون مجرد قرار فوري وإجراء قطعي بل هو مسار ونتاج دراسة وطور، يتمّ على مراحل وفي إطار من التوافق الوطني.
ويرى الدكتور نعمان، أن مجلس النواب يستطيع أن يضع الخطة المرحلية ويؤلف "الهيئة الوطنية" بقرار تتخذه هيئته العامة ويقترح مضموناً للخطة المرحلية رؤية الموضوعات الآتية:
ـ توصية بضرورة تنزيه مصادر القرار في السلطات العامة من رواسب التعصيب الطائفي والأحقاد والمحسوبية والمحاباة.
ـ توصية بالعمل من أجل إقام نظام العيش المشترك.
ـ إلزام الحكومة بالعمل من أجل وضع برنامج وطني للتربية والتعليم بمشاركة واسعة من أهل الفكر الوطني والخبرة.
ـ إلزام الحكومة بالعمل من أجل وضع خطة ثقافية وإعلامية متطورة.
ـ إلزام الحكومة بوضع مشروع قانون للتقسيم الإداري يؤمن الانصهار الوطني وتفعيل العيش المشترك.
ـ إلزام الحكومة بوضع خطة لإصلاح الإدارة تكون ركائزها اعتماد المباراة أساس للتعيين والتفتيش والتأديب منهاجاً للتطهير والتصويب.
ـ دعوة الحكومة إلى توحيد القضاء الناظر بقضايا الأموال الشخصية.
ـ اعتبار إصلاح النظام الانتخابي مدخلاً أساسياً لممارسة ديمقراطية صحيحة يؤمن انتخاب مجلس نيابي على أساس وطني، مترافقاً مع استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية. وتكريساً لذلك يجري اعتماد الجمهورية بأكملها دائرة انتخابية واحدة والانتخاب على قاعدة التمثيل النسبي. وذلك عن طريق التصويت للوائح مرشحي تتضمن حكماً ومناصفة شخصيات مسلمة ومسيحية دونما مراعاة للاعتبارات المذهبية.
ـ ضمان استقلالية السلطة القضائية يجعل المجلس الأعلى للقضاء منتخباً من أعضاء الجسم القضائي.
ـ وأخيراً، تطوير المجلس الدستوري إلى محكمة عليا تجعل من مراقبة دستورية القوانين أساساً لقيام دولة القانون.
ويقترح الدكتور نعمان في ختام مداخلته كآلية لتنفيذ هذا "السيناريو"، المباشرة في ذلك خلال دورة الربيع لمجلس النواب الذي يقوم بالتحضير لصوغ مضمون القرار التاريخي لجهتي الخطة المرحلية والهيئة الوطنية أو قد تمتد أعمال التحضير إلى دورة الخريف المقبل.
وفي كلمة التعقيب قال القاضي جوزيف اليازجي، المدعي العام السابق في الجنوب، أن لبنان ارتكبت فيه قبل الحرب الأخطاء والخطيئات الجسيمة وتراكبت فيه الأمراض والآفات السياسية ممّا أوصلنا إلى مأساة 1975… ومطلبنا اليوم هو الاصلاح الجذري… والطائفية أحد الأمراض المزمنة التي عانى منها لبنان وباسمها ارتكبت أكثرية الموبقات، فنحن نطلب استئصال المرض، نطلب إلغاء الطائفية فيقولون بإلغاء جزء منها فقط أي الطائفية السياسية. لماذا انصاف الحلول، لماذا عدم الجرأة، يقولون بإرساء دولة القانون ودولة المساواة، فكيف يكون ذلك، عندما نلغي الطائفية السياسية فقط نبقي على المظاهر الأخرى للطائفية ويبقى المواطن مرتبطاً بطائفته في كثير من النواحي.
الدكتور أحمد سرحال في مداخلته الطويلة يعتبر أن الدعوة أو التبشير بالعلمانية لا يكفي بحد ذاته لاختراق بنية طائفية كلية ومتكاملة. وكذلك التأكيد على أن الطائفية "قشرة خارجية أو بنية فوقية". ويرى أن القول بضرورة إزالة الطائفية من النفوس قبل إزالتها من النصوص أو أن شعار إلغاء الطائفية من النصوص مقدمة لإلغائها من النفوس إنما هو نتاج التمسك بالوعي الاجتماعي التقليدي لكل من المجتمعات المذهبية التي لا زالت متقوقعة على نفسها. لذلك فهو يقترح ختاماً إيجاد نمط من أنماط المشاركة الشعبية وإجراء أبحاث سياسية اجتماعية ميدانية وقياس للرأي العام اللبناني.
وأخيراً الدكتور ضاهر غندور قدم كحل للطائفية بعض الاقتراحات التالية: استرداد النفوس من أيدي الطوائف، توحيد القضاء الناظر في قضايا الأموال الشخصية، تعديل النظام الانتخابي الذي يبقى الأساس في أي إصلاح سياسي، وضع قانون جديد للأحزاب السياسية وأخيراً تطوير المجلس الدستوري إلى محكمة عليا لمراقبة دستورية القوانين.