د. دندشلي - مـقـابـلـة مـع الأستاذ يسار عسكر
مـقـابـلـة مـع
الأستاذ يسار عسكر
الزمان والمكان : 13 آب عام 1965 ، دمشق
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
حين تمّ اندماج حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي في حزب البعث العربي الاشتراكي ... أدّى ذلك إلى استياء القاعدة البعثية ... وقد كانت السيطرة على الأجهزة الحزبية في أيدي البعثيين "العفلقيين". ومما يجدر ذكره أن التمييز بين شباب حزب البعث أو جماعة عفلق والبيطار وبين جماعة الحزب العربي الاشتراكي أو جماعة أكرم الحوراني ، بقي هذا التمييز بين الفئتين حتى بعد الدمج .....
وقد شاع أو زاد التأكيد في تلك الفترة على شعار عقائدي مضمونه : إن عمل البعث عقائدي أخلاقي ثقافيّ ... لا سياسيّ ... هذا الشعار ينبع عن رفض المدرسة العفلقية للأسلوب العملي والسياسي في تحديد الظروف الموضوعيّة والقوى السياسيّة ...
وفي تلك الفترة ، أي بعد الدمج ، حصلت انتخابات حزبية جديدة كانت مناسبة أو هي أصلاً كانت هدفاً لإبعاد جماعة أكرم الحوراني عن المناصب الحزبية ... والعقلية الحزبية البعثيّة كانت ترفض أصلاً منافسة أكرم الحوراني وجماعته لها ، أو سيطرتها على أجهزة الحزب... وكانت المآخذ على أكرم الحوراني واتهامه بالبرلمانية واعتماده على العسكر في عمله السياسي وإنه غير حاسم وعنيف في موقفه من الشيوعيين.
* المواقف السياسيّة العنيفة والحماسيّة التي اتخذتها حركة البعث بعد عام 1950 وخصوصاً في أواخر عام 1954 وتنظيم المظاهرات الحزبية البعثية والتصدي للأحلاف والمشاريع الاستعمارية والتدخلات الأجنبية ، كان الفضل في مواقف البعث من مختلف هذه القضايا ، يعود بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، للشيوعيين ... كان البعثيون يتبنون غالباً أو بشيء من تعديل بعض الشعارات في بعض الأحيان، ما يرفعه الحزب الشيوعي من شعارات مناوئة للتدخلات الاستعمارية... كان يتبناها البعثيون دون وعي مدفوعين بالحقد على الاستعمار ...
وكذلك من الناحية السياسيّة والموقف من التدخل الخارجي ، كان الفضل في تحديد سياسة حزب البعث العامة ، وعلى الأخص القاعدة الحزبيّة ، يعود للشيوعيين ...
* قد تعود مرونة أكرم الحوراني من الشيوعيين ، اطلاعه على المؤامرات والتكتلات الرجعية داخل الجيش وخارجه... هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يكن يعطي ذا شأن للشيوعيين... أما البعثيون ، فقد كانوا أقرب إلى التعلق بالمثل العليا والشعارات العامة ... سياسة الحزب الشيوعي ومواقفه من المشاريع الغربية ، كانت تؤثر في سياسة الحزب وسياسة البعثيين ، وإن لم يعوا في غالب الأحيان حقيقة هذه السياسة ...
* انتشر الحزب بسرعة فائقة وازدادت قوته في الأردن والعراق ولبنان بعد عام 1954، نتيجة للأحداث العربية وتطوّر الحركة العربية والتجاوب مع القاهرة والتفاؤل بهذه الحركة الناشئة ... أي أن البعث كان يرى أن كسب مصر للحركة العربية والتأكيد على عروبتها ، نصر لا ينبغي ولا يجوز فواته ...
* استمرار الخلافات الشخصية والسياسية بين صفوف القادة ، خصوصاً بين ميشال عفلق وأكرم الحوراني ... وأسباب هذه الخلافات وهذا الصراع الدائم بين عفلق والحوراني ، كانت خافية وغامضة عند القاعدة ... ولكن في كل مرة يقع فيها هذا الخلاف الغامض ، يلتف بعض القادة الحزبيين حول أكرم الحوراني وآخرون حول ميشال عفلق ... يلتف حول أكرم الحوراني القادة الذين انخرطوا في العمل السياسي والمقاومة السلبية للشيشكلي أمثال وهيب الغانم وعبد البر عيون السود ...
ومن مظاهر هذا الاختلاف طرد جلال السيّد من الحزب ، الذي يُعتبر منافس أكرم الحوراني البرلماني . وقد اُعتبر هذا العمل انتصاراً لأكرم ... ردّت عليه الفئة الثانية عفلق وجماعته ، بطرد النائب إحسان حصني ، وقادة آخرون يعتبرون من جماعة أكرم الحوراني ...
ومن الناحية العملية والتنظيمية ، فقد بقيت جماعة أكرم الحوراني خارج الحزب ، معزولين عن الأجهزة الحزبية ... طبعاً هناك تعاون في العمل السياسي كالانتخابات ، والمظاهرات ، إلخ ... إلاّ أن قواعد الحزب الحقيقية بشكلها التنظيمي ، كانت تتلقى أوامرها من ميشال عفلق نفسه وما إن يقع أيّ خلاف حول أي قضية من القضايا بين أكرم الحوراني وميشال عفلق ، ومن غير أن يعرف مجموع الحزبيين حقيقة الخلاف ، حتى نجد الأكرميين يؤيدون أكرم والعفلقيين يؤيدون عفلق ...
* وعدا القواعد الفلاحية الحزبية التي تؤيد في الحقيقة أكرم الحوراني نتيجة للصراع العنيف الذي خاضه ضد الإقطاعيين ... فقد كانت بنية الحزب الاجتماعيّة بغالبيتها من البرجوازية الصغيرة والطبقات الوسطى .. بل وبعض أفراد الحزب ينتمون إلى الطبقة البرجوازية الكبيرة .
* جلال السيّد شخصية حزبية عشائرية من منطقة دير الزور ، وهو على علاقة وثيقة بالطبقة الإقطاعية في العراق نتيجة للمصالح بينهما ... وبعدما انتشر الحزب في منطقته ووجود بعض الطلبة ومحاولتهم تطبيق التنظيم الحزبي ، مما أزعج جلال السيّد ، لأنه يعتبر نفسه الحاكم المطلق ... وفي عام 1947 وقف السيد في المجلس ، في المؤتمر التأسيسي الأول وعارض أن ينص " الدستور"، "دستور حزب البعث"، على كلمة الجمهورية ، كل ذلك طبعاً خوفاً من إغضاب العائلة المالكة والفئة الحاكمة في العراق ... وقد فُصل من الحزب بضغط من أكرم الحوراني ولورود اسمه ضمن الأشخاص الذين كان لهم علاقة بحلف بغداد ...
* لقد دخل النفوذ والتيار الناصري إلى سوريا ، لا بل وإلى صفوف الحزب ، نتيجة لمواقف عبد الناصر السياسيّة والعربيّة وللانتصارات التي حققها على الصعيد الداخلي والعربي والعالمي التي بلغت القمة والذروة في حرب السويس ... لقد دخل هذا النفوذ الناصري إلى سوريا عملياً عن طريق المخابرات ... ولقد كان البعثيون من أبرز القوى السياسية الفاعلة في سوريا ، لذلك أخذت أجهزة المباحث (المخابرات) الاتصال بهم فراداً . وقد اتصل كمال رفعت بـ" يسار عسكر " بواسطة الإرهابيين الفلسطينيين الذين أشرفوا على تشكيلات الفدائيين ، وطلب منه (من يسار عسكر) القيام بتوزيع المنشورات والاتصال بالفئات الفلسطينيين في الأردن ... وفي سوريا ... ولقد كان يتم هذا الاتصال على أساس فردي ...
وعندما علمت القيادة بذلك ، فقد كان رأي أمين عام حزب البعث ميشال عفلق ، متابعة الاتصال على أن يبلَّغ تدريجياً بذلك ، في حين أن رأي أكرم الحوراني كان من الواجب أن يتم الاتصال عن طريق القيادة القومية ... واستطاعت الأجهزة المصرية أن تتصل ببعض الحزبيين لتكليفهم القيام ببعض المهمات... فكان هؤلاء بدورهم يقدمون تقارير دورية مقابل إغراءات مادية... فمثلاً ، العضو الحزبي عدنان كامل فلسطيني الأصل ، كان يتعاون مع المخابرات المصرية مقابل راتب شهري ، وقد فُصل من الحزب لإخفاء هذا الاتصال عن القيادة .
* خلافات ميشال عفلق وأكرم الحوراني قديمة، ولكنها تبلورت وظهرت بحدَّة ما بين 1954 ـ 1956. وقد كان الناطق بلسان أكرم الحوراني عبد الكريم زهور الذي كان يُعتبر من المثقفين الحزبيين البارزين في سوريا في ذلك الحين ... لقد كان هذا الأخير يهاجم عفلق وينعته بالغيبيَّة واجترار بعض الكتب البرغسونية ... في حين أنه كان يُتهم (زهور) بأنه ماركسي لمحاربته وأنه يريد بذر الماركسية في صفوف الحزب ... وكانت هذه التهمة له كافية لإعراض القواعد الحزبية عنه ، ولا سيما الجامعيين ... الاستقالة من الوزارة عام 1959 كان برأي من القيادة القومية ...
الحزب في ليبيا
النواة الحزبية الأولى في ليبيا هي عبارة عن أفراد من الطلاب الليبيين الذين درسوا في القاهرة... ولكنهم ، بعد عودتهم ، لتخلف المجتمع الليبي والمجتمع القبلي المسيطر ، لم يستطيعوا القيام بتنظيم حزبي قومي ... وفي عام 1957 ـ 1958 تقريباً ، ابتدأ الحزب يأخذ شكله التنظيمي ، بفضل بعض العناصر من البعثات التعليمية من المشرق العربي ... والزاد الفكري والنظري لهؤلاء هو كتب ومقالات ميشال عفلق . والأسلوب الذي اتبع هو الأسلوب التقليدي الذي عُرف في المشرق.. والأوساط الليبية التي جرى الاتصال بها ، هي أوساط طلابية جامعية وثانوية وبعض الموظفين ... وبسبب الانشقاق في الحركة العمالية في ليبيا ، وانعكاس الخلافات العربية والعمالية والدولية على الوضع السياسي في ليبيا ، جرى الاتصال بكثير من العمال وكسبهم لجانب الحزب ... وهذا ما ميَّز الحزب في ذلك الوقت عن باقي الفروع في باقي الأقطار ... وذلك يعود إلى نشاطات فردية ... وقد استفاد الحزب من التيار الوطني بصورة عامة ، ومن ثورة الجزائر على الأخص والحركة الوطنية في مصر بقيادة عبد الناصر .
وكان البعثيون يقاومون محاولات الشيوعيين للانتشار بين صفوف الطلاب والعمال ... ومما ساعد البعثيين على ذلك ، موقف الشيوعيين الغامض في بادئ الأمر من الثورة الجزائريّة ، وموقفهم العدائي من عبد الناصر ... ليس هذا فقط ، بل نتيجة لذلك ، ونتيجة للتخلف الاجتماعي والثقافي في ليبيا ، ساعد البعث وسهل له سرعة الانتشار في هذه الأوساط . وقد حصل اتصال في ليبيا ببعثة جامعية جزائرية وتكوين نواة حزبية منها ... وفعلاً فقد نسب سبعة أعضاء (7) جزائريين ...
* وفي طرابلس ، العاصمة ، نشأت الحركة العمالية لكون موضعها يساعد على ذلك ... وقد تكوّن جهاز حزبي في هذه المدينة من العمال ... وكان المسؤول عامر دفيَّس وله الفضل الأول في تأسيس الحزب بين صفوف العمال. في منطقة برقة كان عدد الحزبيين ما يقرب من 40 من موظفين، وطلاب وجامعيين . وفي طرابلس مثل هذا العدد تقريباً ومعظمهم من الذين درسوا في القاهرة ... وهم من الموظفين والعمال... الأسلوب الحزبي والثقافي المتبع هو نفسه المتبع في المشرق العربي...
* قبيل الانفصال وبعد الاستقالة ، كان الجهاز المباحثي (المخابرات) موجهاً لمحاربة أكرم الحوراني وجماعته والتقرب من البعثيين العفلقيين ووعدهم بتحويل النشاط الحزبي إلى الاتحاد القومي... وقد ظهر أيضاً ومرة أخرى التناقض بين أكرم الحوراني وميشال عفلق في ما يتعلق بانتخابات الاتحاد القومي ... كان موقف أكرم الحوراني موقفاً سلبياً مع أنه رشّح نفسه دون أيّ نشاط وكوزير وقد أوعز إلى جماعته بعدم النشاط وبالانسحاب من الانتخابات .
أما ميشال عفلق ، فكان يوصي جماعته بالاشتراك في الانتخابات وأن الحزب سيتحول إلى العامود الفقري للاتحاد القومي .
* والصفة العامة في هذه الفترة ، أي فترة الوحدة وبعد الاستقالة : الغموض وعدم الوضوح: هل هناك حزب أم لا ؟... وقد حلّ الحزب نفسه فعلاً في فترة الوحدة والتنظيم اقتصر على فئة طلابية فلسطينية وأخرى أردنية وثالثة من اللاجئين السياسيين العراقيين ؟!... كنا نتصل شخصياً بصلاح الدين البيطار وميشال عفلق وبالقيادة القومية في بيروت ...
ومما يجدر ذكره أن عفلق كان دائماً ضد أيّ فكرة لإعادة التنظيم ... وقبيل الانفصال ، ابتدأت المحاولات من الحزبيين والمشاورات فيما بينهم للتكتل وإعادة التنظيم ، وقد برز في هذه الفترة دور العسكريين المسرحين ...