د. دندشلي - مـقـابـلـة مـع الأستاذ صلاح الدين البيطار(2)
مـقـابـلـة
مع الأستاذ صلاح الدين البيطار
الزمان والمكان : 27 آذار عام 1972 ، بيروت
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
من الخطأ القول بأنّه لم يكن للحزب أيديولوجيّة ، أيديولوجية الحزب هي العروبة ، العروبة الجديدة لا العروبة التقليديّة . ولذلك سُميَ بالبعث العربي ( كان يمكن تسميته بالحزب الاشتراكي ، أو الحزب القومي العربي ) لا !
لقد سمّيَ بـ" البعث العربي ". وهذا يدل دلالة كبيرة على أن الحزب يستهدف بعث الأمة العربيّة . لم يكن يستهدف إجراء ثورة محدودة ، بمعاني الثورات الحديثة : أي الثورة الاشتراكيّة . كان البعث العربي يعني : ثورة ثقافيّة حضاريّة ... بناء حياة عربية جديدة .
وإذا كان للبعث أيديولوجية ، إلاّ أنّه لم يكن له نظريّة . والنظريّة هي عبارة عن دليل عمل فكريّ لتحقيق مضامين العقيدة . النظرية هي ضوء تكشف فيه طريقك ، طريق تحقيق العقيدة . فهذا لم يكن موجوداً في الحزب ، وهو ما أدّى إلى فشل الحزب . لقد التقينا بالفكر النظريّ : نشرح الشعارات : ما هي الوحدة ، ما هي الاشتراكية ... ولكن قصَّرنا في بناء نظرية للعمل لتحقيق هذه الأهداف .
الوحـدة
الوحدة هدف ، من أجل تحقيقها كان الأمر يتطلب فهم الأوضاع العربية كلها وهي أوضاع تجزئة : اقتصاد متخلف هنا ومتقدم هناك ، ومجتمع قبلي وعائلي ، إلخ ... يجب الانطلاق من تحليل هذه الأوضاع لنقود العمل نحو تحقيق الوحدة .
إنَّ الأخطاء الممكن الوقوع فيها عند قيامها ، لا تلغي الهدف : الوحدة . وكلّ هدف صعب الوصول إليه . من هنا أهمية النظرية . والنظرية تتنبأ بالعراقيل التي تقف في وجه تقدم الوحدة وتعطيك العلاج لتخطي هذه الأخطاء .
قيمة البعث
أهمية البعث أهمية تاريخيّة . أهمية البعث أنّه جعل الموضوع الاجتماعي جزء من تفتح العروبة . إنّه قال : " البعث " (بالمعنى اللغوي) العربي . إذا تحقّق فلا بدّ من أن يقترن تحقيقه بتقدم اجتماعي واقتصادي وبناء : إنسان عربي جديد . هذه المضامين جعلها حزب البعث جزءاً من كل . هذه هي أهمية حزب البعث . نظرة البعث شمولية . لا تجزئ الأهداف بل تجعلها كلها عناصر في كيان العروبة . التنظيم أو مفهوم التنظيم جزء من النظرية . النظرية فكر يهديك الطريق الصحيح لتحقيق الأهداف . ضعف التنظيم (في حزب البعث) جزء من فقدان النظرية والاستراتيجية .
البيطار وعفلق
( يرفض الأستاذ البيطار أن يتحدث عن عفلق ويقتصر الحديث عن نفسه). أختلف عن الأستاذ عفلق بأنّني أعطي أهمية كبيرة لإيجاد دليل عمل مستند إلى تحليل الأوضاع العربيّة السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة . وبحثت في تهيأة الحزبيين من أجل القيام بدراسات ...
ـ عقيدة البعث موجودة، ولكن النظريّة ناقصة ، وضمن النظريّة يدخل ضعف التنظيم. وهنا مسؤولية القيادة كبيرة في هذا الموضوع .
الحزب في الحكم وسورية
أعطى العسكريون للتنظيم طابعه العسكري : الإرهاب الفكري ، عبادة التنظيم الآلي . لا يجوز انتقاد أحد . في مقابل الديمقراطيّة التي بلغت حدّ الفوضى في الماضي ( فقدان التنظيم ) جرى تنظيم حديدي بلغ حدود التنظيم العسكري ، حيث إنّ كلّ تحرك لا يكون إلاّ بالأمر والنهي . وهذه هي علّة الحزب أو أحزاب البعث الآن ( العراق ، سوريا )، تنظيم بروقراطي .
ـ عندما يصبح الحزب قطعة من الجيش ، يصبح الحزب جيشاً أو يخرج عن طبيعته التي هي توعية الجماهير بالدرجة الأولى . الانحراف الكبير الذي وقع فيه الحزب اليوم ، هو وقوعه في البروقراطيّة والعسكريّة ، وعزلته عن الشعب والجماهير . (أعترف بمسؤوليتنا التاريخيّة في ضعف التنظيم ...)...
La pensée de Aflaq puise d'un romantisme et idéalisme , tandis que , lui, Bitar , est réaliste …
مؤتمر برمانا
قابل الزعيم المراكشي عبد الرحمن اليوسفي أحمد بن بلا في سجنه ، وحمل منه رسالة شفوية إلى الرئيس عبد الناصر وقيادة البعث ، في صيف 1961 . وبن بلا يدعو الفريقين إلى التفاهم وإزالة الخلافات بينهما . ولكن عبد الناصر لم يقابل عبد الرحمن اليوسفي ، وإنما قابله المشير عبد الحكيم عامر وكمال رفعت وغيرهما ... وقال اليوسفي إنّ عبد الناصر يحقد على البعث حقداً أسود .
وفي تلك الأثناء ، كانت حالةٌ سيئةٌ جداً في سورية ، وحتى لو ذهب قادة البعث إلى مصر وسعْوا إلى إزالة سوء التفاهم بينهم وبين عبد الناصر ، فلن يتغيّر أي شيء في سورية ، لأنّ الشعب السوري هو المستاء ... وكان رأي قيادة البعث آنذاك ، حسب راي البيطار ، أن على مصر أن تخطو الخطوة الأولى .
في هذه الظروف ، عقد مؤتمر برمانا حيث ضمّ معظم قادة البعث سواءٌ في القيادة القومية أم لا . وقد جرى بحث الأوضاع في سورية : الوضع سيء جداً وقد شرحه البيطار في هذا الاجتماع بالتفصيل ، وقال : أخشى أن تنفصل الوحدة ...
وقد روى لي البيطار بأنّ طائرتين إسرائيليتين قد غارتا على دمشق . وقد صرح المشير عبد الحكيم عامر بأن للجمهورية العربية المتحدة أقوى قوّة جوية في الشرق الأوسط . وبعد ذهاب الطائرتين الإسرائيليتين ... أخذت المواقع المضادة للطائرات تطلق نيرانها . وهنا خرج الناس إلى الشرفات ... لقد ظنوا أنّ انقلاباً قد حدث ... ففرحوا ... ( لقد ذكر البيطار ذلك في مؤتمر برمانا ).
ومما يلفت النظر أنّ البيطار كان مختصراً عندما تحدث عما جرى في المؤتمر ، فلم يدخل في التفاصيل وتجنب كثيراً من المواضيع ... هل لأنّه في ذلك الوقت ، كانت وجهة نظره لا تختلف عن وجهة نظر أكرم الحوراني وكان من محبذي الانفصال ؟... توقيعه على وثيقة الانفصال ألا يدلّ على ذلك ؟...
أسباب انقلاب 23 شباط عام 1966
لقد طغت اليسارية المتطرفة في الجيش . وبعد المؤتمر القومي السابع ، حدثت سلسلة أزمات وبصورة خاصة بين مجموعة صلاح جديد ومجموعة أمين الحافظ .
تتألف اللجنة العسكريّة من 14 ضابطاً تجتمع هذه اللجنة سراً وتقرِّر وتأتي إلى مجلس قيادة الثورة برأي موحَّد ، وتفرض على المدنيين رأيها . وشعر كلّ طرف أنّ التعايش مع الآخر أصبح مستحيلاً وأنّ القيام بعمل ما أصبح ضرورياً لتصفية الطرف الآخر . وهنا ارتفعت شعارات اليمين واليسار، لتغطية التهيئة العسكريّة للانقلاب، أي أنّ الصراع هو صراع بين مراكز القوى العسكريّة .
يفهم من قول البيطار بشكل واضح وصريح أنّ عبد الناصر لم يكن ليريد أن يسهِّل مَهمة القيادة القومية وحكومة البيطار . ومع ذلك ، عندما عيّن بشير القطب في حكومة البيطار ، وزير دولة للشؤون الخارجية ، قابل الرئيس عبد الناصر ، وقبل أن يحضر إلى دمشق ، وقد جرى حديث ودّي مفاده التقارب بين مصر وسورية ...
ـ وكذلك الاتحاد السوفياتي كان ضدّ البعث بقيادته القومية التقليدية، وطبعاً لم يصرح بذلك الاتحاد السوفياتي ... ولكن كما يؤكد البيطار : مواقف الحزب الشيوعي السوري وتحركاته تدل على ذلك بشكل واضح .
ـ وهكذا عندما قام صلاح جديد بانقلابه في شباط 1966 ، لاقى تأييداً من السوفيات الذين ضغطوا بدورهم على عبد الناصر لكي يحسِّن علاقاته مع الحكم البعثي السوري الجديد .
وهكذا ارتكب عبد الناصر خطأ فادحاً بدعم حكم صلاح جديد ، هذا الحكم الذي أدّى إلى توريطه في حرب حزيران عام 1967 ...