د. مصطفى دندشلي-مقابلة مع الأستاذ أكرم الحوراني - بيروت
مـقـابـلـة مـع
الأستاذ أكرم الحوراني
الزمان والمكان : 4 نيسان عام 1970 ، بيروت
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
ـ وُلد أكرم الحوراني عام 1912 في حماه . وهو من عائلة دينية عريقة ومعروفة ، وصاحبة " الطريقة الرفاعية ". والد أكرم من كبار ملاكي الأراضي . وقد حاول خوض المعترك السياسي في زمن الأتراك بترشيح نفسه في إحدى الانتخابات ، ولكنة لم يوفق .
* ظهور قبل الحرب العالمية الأولى مجلة " الإنسانيّة " التي كان يشرف عليها ويحررها الشيخ حسن رزق وهو من تلاميذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو . وهو أيضاً ذو أخلاق عالية، وله أثر كبير في تلك الفترة في تحريك الناس وبث الحركة الفكريّة .
* الصراع الاجتماعي في ذلك الوقت قبل الحرب الأولى وبعدها ، كان يأخذ شكل صراع بين ما كان يسمّى الأسر الكبيرة وبين عامة الناس . هذا الصراع في الحقيقة قديم ، ولكنه لم يأخذ شكل صراع حاد .
* إن أحد الأشخاص الذي كان يستقطب الشباب في تلك الفترة هو الطبيب صالح قمباز وهو من أصل عمالي ، بل يمكن أن يعتبر من روّاد الحركة العلمية والسياسية في تلك الفترة ، أي بعد الحرب العالمية الأولى . وقد ساهم مساهمة فعّالة في بناء مدرسة : دار العلم والتربية التي تخرج منها أكرم الحوراني . وهي أول مدرسة في حماه . وأيضاً توفيق الشيشكلي هو من قواد العمل السياسي وقطب من أقطاب الشباب في تلك الفترة ، وهو أيضاً طبيب ... ولكن الطبيب صالح قمباز كان قد قُتل في عام 1925 ...
* يمكن أن يُؤَرخ انتساب أكرم الحوراني إلى الحزب القومي السوري حوالي عام 1936، وذلك قُبيل تخرجه من الجامعة السورية ، وإنه يقول بأن انسحابه من هذا الحزب قد تم حوالي العام 1938 وذلك لأسباب عديدة أهمّها :
ـ عدم تقبل واستنسابه فكرة الأمة السورية .
ـ الأيديولوجية والبنية التنظيميّة الجامدة التي كانت تتصف بها الحركة .
ـ ثم ما يمكن أن يقال ما يشبه الاتصال والعلاقة بالمحور : ألمانيا وإيطاليا .
* تخرج أكرم الحوراني من كلية الحقوق في جامعة دمشق عام 1936، وقد مارس بعد ذلك مهنة المحاماة .
* ويمكن أن يحدَّد انطلاق العمل السياسي من هذه الفترة ، أي في الوقت الذي كان فيه أكرم الحوراني يمارس مهنة المحاماة . وفي أثناء الحرب العالمية الثانية ، كان قد حاول مع مجموعة من الشباب أن يقوم باغتيال بعض أعضاء حكومة المديرين ، ولكنه فشل ولوحق . ولم يُنقذ من الملاحقة لولا سقوط باريس ، ومجيء العهد الفيشي في سورية ولبنان .
* في هذه الفترة أيضاً قام مع مجموعة المثقفين في حماه بتأليف ناد سياسي أطلق عليه اسم " حزب الشباب "... وصادف في ذلك الوقت أن قام رشيد علي الكيلاني بحركته الانقلابية في العراق عام 1941، فجمع أكرم الحوراني خمسة ضباط وعدداً لا بأس به من شباب حماه وذهبوا جميعاً لنصرة حركة الكيلاني في بغداد . الغرض من ذلك هو محاولة دعم ومساعدة الكيلاني، ولكن أيضاً تحرر واستقلال سورية والعراق.
* ولكن قبل ذلك وبعد هذه الحركة ، فقد كان المحرك والواقع الأساسي لعمل أكرم الحوراني السياسي ، هو محاربة الإقطاعية الشرسة المتفشية آنذاك في سورية وفي منطقة حماه وريفها بالذات . بعض هذه العائلات الإقطاعبة الكبيرة هي : الكيلاني ، العظم ، البرازي ، الحراكي ، البارودي ، إلخ ... إلخ ...
إنّ محاربة الإقطاعية كانت تقوم تحت هذه الشعارات العامة فعلاً ولكنها واضحة ، وتتوضح أكثر فأكثر من خلال العمل ومحاربة الواقع الإقطاعي : هذه الشعارات هي : التحرر من الإقطاع والعشائرية والطائفية والعمل من أجل الاستقلال والوحدة والعروبة . تحت هذه الشعارات، والتركيز عليها كثيراً من قبل مجموعة الشباب المثقف ، التي كانت تلتف حول أكرم الحوراني ، تقدم أكرم الحوراني إلى انتخابات تموز عام 1943، ونجح ودخل لأول مرة إلى البرلمان النيابي .
علاقة أكرم الحوراني بالجيش
هذه العلاقة الوثيقة و" الغامضة " مع كثير من ضباط الجيش أو الذين سيصبحون كذلك ، هي علاقة قديمة جداً ، تعود إلى وقت ذهاب أكرم الحوراني مع بعض الضباط والشباب إلى العراق عام 1941 لنصرة الكيلاني . ثم عند اشتراكه مع بعض العسكريين الذين تركوا الجيش الإفرنسي والمثقفين والفلاحين ، في الاصطدامات العنيفة ضد الإفرنسيين عام 1945 ، من هذا التاريخ ابتدأت علاقة صداقة ، مثلاً ، مع الضابط عدنان المالكي ... ولكن حرب فلسطين عام 1948، هي التي كانت المناسبة الأكثر أهمية بالنسبة إلى أكرم الحوراني ، من حيث بناء صداقات وعلاقات وطنية مع كثير من ضباط وصف ضباط في الجيش السوري ، من أهمهم : أديب الشيشكلي ، وعبد الحميد السراج ، ومصطفى حمدون وعبد الغني قنوت (الأخيرين كانا لا يزالان في الكلية الحربية)... وفتحي الأتاسي وشفيق العباسي، الذين استشهدا في أثناء الحوادث ...
* إنّ مجموع الذين اشتركوا مع أكرم الحوراني في حرب فلسطين عام 1948 لا يقل عن 250 فرداً وذلك قبل تكوين جيش الإنقاذ ...
ـ ومما يؤكد عليه كثيراً جداً أكرم الحوراني هو أن حزب البعث العربي الاشتراكي لم يكن له أيّ تنظيم سياسيّ داخل الجيش حتى بعد الانفصال . أي أن ذلك يعني بوضوح أن العلاقة بين ما كان يسمّى بالضباط البعثيين والحزب ، إنما كانت تتم على أساس فردي وشخصي وخصوصاً بواسطة أكرم الحوراني . إنّ الضباط البعثيين لم يكوِّنوا خلايا (أو حلقات حزبية) في الجيش السوري إلاّ في فترة حوادث آذار عام 1962 . (في عهد الحناوي استلام وزارة الزراعة، ثم في أواخر عهده وزارة الدفاع . وعندما طرح موضوع مناقشة الدستور عام 1950 ، قام الأخوان المسلمون لفرض دين الدولة الإسلام . وهنا استغل الحوراني وزارة الدفاع للوقوف في وجه هذه الحركة . وجاء فقط في الدستور إن دين رئيس الدولة الإسلام ).
اندماج حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي
العوامل التي أدّت إلى دمج الحزبين : داخلية وخارجية . الداخليّة : هي شعور الأعضاء من كلا الحزبين بشكل عام بأن ليس هناك أي فارق لا نظري ولا سياسي بينهما . والعوامل الخارجية هي المحاربة العنيفة التي كان الحزبان يلقيانها من الأنظمة العسكريّة وخصوصاً حكم أديب الشيشكلي. وأما الأسس التي تم الاتفاق عليها من وجهة نظر أكرم الحوراني لدمج الحزبين هي: إعادة النظر بالدستور وإضافة كلمة الاشتراكية إلى اسم الحزب ، ثم تفرغ ميشال عفلق إلى القضايا ، الفكريّة والنظريّة .
الموقف من اتحاد سورية والعراق عام 1950
* في الأعماق ، لم يكن ليمانع أكرم الحوراني باتحاد سورية والعراق في عام 1950، لو كانت النيَّة جدية وسليمة لتحقيق هذه الوحدة . هل فعلاً كانت العائلة الهاشمية صادقة في دعوتها لوحدة سورية والعراق ؟... إذا كانت صادقة في دعوتها إلى الوحدة ، فلماذا لا تتفق أولاً فيما بينها وتحقِّق وحدة الأردن مع العراق ، ثم بعد ذلك تبحث وحدة سورية . الحقيقة ، في رأي أكرم الحوراني ، هي أن السياسة البريطانيّة كانت تريد وتسعى إلى إقامة عرش جديد في سوريا للوصي على عرش العراق : عبد الإله . أي أن العائلة الهاشمية في العراق ، لم تسع لإقامة وحدة بين سورية والعراق ، بقدر ما كانت تهيئ السبل لتنصيب عبد الإله ملكاً على سورية .
لأن هناك احتمالاً كبيراً ، والحوادث قد برهنت على ذلك ، فيما لو حصلت الوحدة حقيقة بين سوريا والعراق ، لكان بإمكان نضال الشعبين وجمع جهودهما ، التخلص من النفوذ والسيطرة الإنكليزية وبالتالي من وجود العائلة الهاشمية ...
ويروي أكرم الحوراني أن عبد الإله اتصل به بواسطة الصحافي اللبناني رياض طه ، وعرض عليه مبلغ 4 ملايين دينار لإغرائه ودفعه للوقوف على الحياد ، لا لتأييد الاتحاد في ذلك الوقت بين سورية والعراق ، وإنما للوقوف على الحياد أمام هذا المشروع .
الانقلاب على حكم الشيشكلي
إن الحركة التي قادت الانقلاب ضد الشيشكلي كان طابعها بعثي وقائدها من حلب مصطفى حمدون وهو بعثي أيضاً هذا بالإضافة إلى أن الحزب فعلاً قد أصبح، على الأقل ظاهرياً، قوياً جماهيرياً وتنظيمياً في سورية وسائر الأقطار العربية المجاورة . وهنا يطرح السؤال : لماذا لم تحاول قيادة البعث آنئذ أن تفكر باستلام الحكم ؟... الموضوع بُحث فيما يظهر جدياً بين البعثيين . وكان المتحمسون لاستلام البعث الحكم كحزب مع الحلفاء الذين يمكن الاتصال بهم ، هم البعثيون العسكريون ... ولكن كان موقف أكرم الحوراني أن مجرد التفكير بذلك هو أقرب إلى المقامرة منه إلى بناء نظام ثوري شعبي . إن دراسة الوضع السياسي في ذلك الوقت يظهر بوضوح العوامل التي كانت تحول دون تحقيق ذلك :
ـ العوامل السياسيّة الخارجيّة ، أي أن سورية كانت مهددة فيما لو فكر البعث استلام الحكم ، باجتياح خارجي من العراق وتركيا وباقي الدول المرتبطة بالغرب ...
ـ إن الوضع الدولي لم يكن ليسمح بذلك ( إن مصر كانت في تلك الفترة على علاقة حسنة مع الغرب وخصوصاً مع أميركا وقد وقفت موقفاً عنيفاً ضد الانقلاب على أديب الشيشكلي الذي كانت علاقته حسنة مع العسكريين المصريين ).
( يجب العودة إلى هذه المواضيع : رأي البعث بالنظام البرلماني ، نضال البعث ، ج4 ص 5 )
ـ ولكن المهم أيضاً وبوجه خاص هو ضعف الحزب آنذاك وافتقاره إلى الكادرات ـ إن من أسباب دمج الحزبين كان البحث عن كادرات سياسيّة وحزبيّة قوية ـ فكانت النتيجة أن وجدنا أنفسنا أمام أساتذة وطلاب ...
إن أكرم الحوراني يؤكد بأن إمكانية استلام الحكم فعلاً ، لو كانت النيَّة تتجه إلى ذلك ، قد كانت متوافرة منذ عام 1950 أي منذ تأسيس الحزب العربي الاشتراكي الذي جمع في مؤتمر له في حماه ( أو الأصح في ريف حلب ) أكثر من 50 ألف شخص من أصل فلاحي . إن طريق استلام الحكم كانت مفتوحة أمامنا منذ عام 1950 حتى تحقيق الوحدة مع مصر عام 1958. إن الاعتصام بـ"قطنا" مشهور وموقفنا منه أيضاً . إن سياستنا كانت تقوم بالدرجة الأولى على تقوية وتنمية الحركة الشعبية الثورية التقدمية الوحدوية . إن خطتنا في ذلك الوقت كانت تقوم على أساس بناء وتوسيع الحركة الجماهيرية التي تعني في الوقت نفسه ( باعتماد معاً على العناصر الثورية في الجيش ) تقلص القوى الرجعية والعميلة .
القيادة القومية وشخصية ميشال عفلق
إن ميشال عفلق الأمين العام كان ينفرد كلياً بأعمال القيادة القومية وهو الوحيد الذي كان يقوم بالاتصال بالفروع الحزبية الخارجية ، إما شخصياً ، وإما بواسطة طلابه والحزبيين المقربين له . هذا مع العلم بأن عفلق يفتقر كلياً إلى صفات قيادية . إنه من الصعب الكبير هو فهم ما الذي كان يريد . أما صلاح الدين البيطار ، فهو في الحقيقة أناني ويحب الوصول بسرعة وتبؤ المراكز السياسيّة الرسمية : وزارة ، رئاسة وزارة ، إلخ ... في هذا الجوّ ( يؤكد أكرم الحوراني ) كان لمرونة هذا الأخير فضل كبير في سير وتوسع الحزب بالشكل الذي رأيناه . إن ما يلفت النظر بوضوح لدى اهتمامات أكرم الحوراني السياسيّة هو النواحي العملية ، أي ما يسمّى الاحتكاك بالواقع السياسي والاجتماعي والتأثير فيه، وذلك مما لاشك فيه الانطلاق من مواقع تقدمية يسارية.
وحدة عام 1958
إن أكرم الحوراني ينفي بشدة أن السبب الذي دعا سورية ودفع حزب البعث للقيام بتحقيق وحدة فورية مع مصر هو دافع الخوف من السيطرة الشيوعية . إن الحزب الشيوعي السوري لم يكن في يوم من الأيام القوة السياسيّة القائدة والضاربة للحركة الوطنية في سوريا .
إن من دواعي أسباب هذه الدعاية المحمومة حول الخطر الشيوعي على سورية ( فترة عام 1957 ـ 1955 ) خصوصاً في الغرب ومن ثم في هذه المنطقة ، هو فك التلاحم الحاصل آنذاك بين حركة البعث الجماهيرية العريضة والحزب الشيوعي . ولكن مما يؤسف له أن الشيوعيين وقعوا في الفخ وأطلقوا العنان لدعاياتهم الطنانة ، ولكنها في تلك الفترة بالذات لم تكن لتصل إلى أعماق الجماهير من عمالية وفلاحية . إنها استقطبت بالفعل وفقط العناصر المثقفة التي نعلم أنها ليس باستطاعتها القيام بأي انقلاب . وهذا بالفعل ما جعل الشيوعيين أن يلعبوا لعبة الأميركان ويقع هذا الانقسام بين حزب البعث والحزب الشيوعي .
ومن ناحية أخرى ، فإن الالتقاء مع الاتجاه الناصري كان في ذلك الوقت كلياً . السفارة المصرية والسفير المصري محمود رياض بالذات ، يقيمون علاقات وثيقة لدعم مصر والاتجاه الوحدوي مع كل التيارات والقوى السياسية السورية في تلك الفترة من اليمين إلى اليسار مروراً بقوى الجيش . التفاهم الشكلي كان حاصلاً حتى ذلك الوقت بين حزب البعث والنظام الناصري : الدعم المتبادل قد برهن عن وجوده من أكثر من مرة . مثلاً لقد وردت رسالة من عبد الناصر لدعم العصيان في قطنا عام 1957 ووضع اليد على الحكم . إن هذا لا بدّ من أن يؤدي إلى الهدف الطبيعي : وهو الوحدة بين البلدين . وأما رفض عبد الناصر أو تظاهره بالرفض ، إنما هو في الحقيقة تكتيك سياسي لتأتي الوحدة بالشكل الذي يريد . إذ كيف نفسر أنه في الابتداء لا يريد الوحدة بأي شكل ، ثم لا يقبل إلاّ بالاندماج متجاوزاً بذلك فكرة مشروع الاتحاد الفدرالي .
إن الوحدة العربية بالنسبة إلى عبد الناصر ليست في الواقع إلاّ سياسة استراتيجية وورقة دبلوماسية رابحة ، أكثر بكثير من أن تكون هدفاً مبدئياً أو عقائدياً . المقصود من شعار الوحدة العربية إنما هو تقوية وضعه في مصر على الصعيد الدولي ، هذا إذا لم تتم الوحدة طبعاً بالشكل وبالأسلوب الذي يريد !... أما حول سؤال أن سورية قد ارتمت في أحضان مصر خوفاً من سيطرة الحزب الشيوعي على الحكم ، فإن أكرم الحوراني لم يستطع أن يتمالك أعصابه ، فيدمدم وهو منفعل ليجيب : هذا كذب وافتراء ....
الوحدة العربية، في اعتقاد أكرم الحوراني، إنما هي ثورة عامة وشاملة. إن تبلور الوعي القومي العربي لا يمكن أن يتم إلاّ من خلال النضال ضد الاستعمار وإسرائيل. والتحرر الداخلي لا يمكن أن يكون إلاّ انطلاقاً من العمل الثوري للتحرر الخارجي . إذن ، الثورة تتبلور من خلال الحرب ضد الاستعمار والصهيونية . وتصبح في الوقت نفسه الوحدة نتيجة ثورة اجتماعية واقتصادية ، أي بناء مجتمع اشتراكي عربي جديد .
* إن أكرم الحوراني يتحدث عن الاجتماع المشهور عام 1959، اجتماع مجلس الوزراء برئاسة عبد الناصر ، عندما كان أكرم الحوراني نائباً لرئيس الجمهورية ، حيث طرحت فكرة منع إسرائيل من تحويل مجرى نهر الأردن بالقوة . فكان أكرم الحوراني يدافع بحماس عن ذلك وبقوة أمام المشير عامر وعبد الناصر اللذين كانا يعتبران ذلك نوعاً من المغامرة . ولكن بالنسبة إلى أكرم الحوراني : لماذا إذن قامت الوحدة بين البلدين ؟!... مع مضي الزمن ، فإن أكرم يجد أنه لو قامت الجمهورية العربية المتحدة في تلك الفترة بعمل عسكري جدّي لوقف تحويل مجرى نهر الأردن، فلربما ما استطاعت كسب المعركة عسكرياً ، ولكن من المؤكد أن الهزيمة لكانت أقل بكثير من حرب حزيران عام 1967 ولكانت ، هذا هو المهم والنتائج على الصعيد السياسي الشعبي كثيرة جداً ولأثبتت أمام الجماهير العربية أن الوحدة قامت ولها هدف : محاربة الاستعمار والصهيونية وبكل القوى السياسيّة المتاحة وحتى العسكرية .
ثم بعد ذلك ، إن فترة عام 1959 للتحرش بإسرائيل كانت على الصعيد الدولي والعربي أنسب بكثير منها في عام 1967 . ولكن عبد الناصر آنذاك كان ملتقياً كلياً مع السياسة الأميركية في المنطقة ، فليس إذن بإمكانه ولا بنيته الخروج منها ، وهذا ما تكشَّف لنا بوضوح .
* الاتصال في زمن الانفصال بأكرم الحوراني ، بواسطة كمال رفعت ، لمحاولة القيام بإعادة الوحدة بين سورية ومصر ، ولكن الحوراني رفض ذلك .
* يظهر بوضوح أن المشكلة الفلسطينية تحتل أهمية كبرى في تفكير أكرم الحوراني السياسي . وإن محاربة الاستعمار والصهيونية هما هدف سياسي أساساً . إنه ينطلق في تفكيره بأن الدولة الإسرائيلية دولة توسعية قامت بالدرجة الأولى على مساعدة ودعم الاستعمار القديم فيما بعد وخصوصاً الاستعمار الأميركي الجديد ، إن الغاية إذن من وجودها هي التوسع والسيطرة وتملك المنطقة كلها. (وفي هذا ، فإن السياسة الإسرائيلية واضحة كل الوضوح . وهناك خط واضح كل الوضوح أيضاً من قبل الجماهير العربية التي تعي وتدرك أكثر فأكثر هذا الخط وهو رفض ومقاومة هذه القاعدة الاستعمارية ، هذا الاعتداء الصارخ ليس فقط من قبل اليهود، وإنما من قبل الغرب الاستعماري. غير أن ما هو غامض في هذا الموضوع فهو السياسات العربية المتتالية )... فلماذا إذن هذه الميزانيات الضخمة نحو التسلح ، إذا لم يكن الهدف منها هو عملية التحرير الكامل والاستقلال ؟!...
في إحدى الجلسات ، قال لي أكرم الحوراني : ربما لا تصدقني ، إنني أخشى المسؤولية. عندما جرى اتخابي لرئاسة المجلس النيابي في سوريا عام 1957، أصابني نوع من الخوف ... هذا يدل ، في رأيه ، على أن ما يهم بالنسبة إليه ، ليس الوصول إلى الحكم ، إنما هو الوسيلة لتحقيق الأهداف المطروحة ...