المركز اللبناني للأبحاث والإسِتشارات- ثروات البحر المتوسط تحدد مستقبل المنطقة ـ حسان القطب
الجمعة 31 كانون الأول 2010
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
ثروات البحر المتوسط تحدد مستقبل المنطقة..
سبق إعلان إسرائيل عن اكتشاف حقل للغاز حين أعلنت شركة «نوبل أنرجي» الشريكة في التنقيب عن الغاز والنفط في حقل (لفيتان) عن هذه النتائج التي توصلت إليها فحوصاتها الميدانية، والتي أشارت إلى أن مخزون هذا الحقل يجعله الاكتشاف الأهم في مجال الطاقة في العالم في العقد الأخير... سبق هذا التصريح، الإعلان عن توقيع اتفاقية سرية بين إسرائيل وقبرص تنص على تحديد المياه البحرية بين الطرفين شرقي الأبيض المتوسط بهدف تقاسم حقول الغاز الطبيعي المحتمل اكتشافها هناك... وقد تم توقيع هذه الاتفاقية بين عوزي لانداو، وزير البنية التحتية الإسرائيلي، وماركوس كيبريانو، وزير خارجية قبرص، في ختام مفاوضات استغرقت عدة أيام بين الطرفين.. وهذا الإعلان استدعى رد فعل تركي غاضب أدى إلى استدعاء الخارجية التركية السفير الإسرائيلي في أنقرة جابي ليفي، وأبلغته استياء أنقرة الشديد من الاتفاقية التي وُقعت مؤخرًا بهدف تقاسم البترول وحقول الغاز الطبيعي، المحتمل اكتشافها في المنطقة... وأكّدت الخارجية التركية معارضة أنقرة لتوقيع مثل هذه الاتفاقية قبل تسوية القضية القبرصية بشكل عادل وشامل... وباشرت مصر أيضاً تحركات دبلوماسية في أعقاب إعلان التوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية بين كل من إسرائيل وقبرص، وأكدت الخارجية المصرية أن «اتصالات تتم الآن بين كل من القاهرة ونيقوسيا حول هذا الموضوع»... أما الحكومة السورية فلم تعلق على الأمر بالمطلق، خاصةً وان رئيسها منشغل في عقد لقاء قمة مع بعض المواطنين اللبنانيين لدراسة الوضع الداخلي اللبناني، وحتى لا تعطل أو تشوش على عملية السلام المتوقعة أو المفترضة بينها وبين إسرائيل.. رغم أن النفط السوري في طريقه للنضوب والوضع الاقتصادي السوري بحاجة لدفعة قوية للخروج من أزمته..
أما في لبنان وبعد أن تم تعطيل عمل الحكومة بملف شهود الزور الوهمي والمفتعل بهدف تعطيل عمل الحكومة وشؤون الناس بهدف تهديد المجتمع اللبناني والدولي للتراجع عن دعم المحكمة الدولية، فقد استيقظ الرئيس بري ومحمد رعد نائب كتلة حزب الله على ضرورة تفعيل عمل الحكومة ... فقط...!! فيما يتعلق بقضية استخراج النفط والغاز من الحيد البحري اللبناني قبل أن تستولي عليه إسرائيل..وحذر (بري عبر جريدة السفير الموالية لحزب الله.. من أن استمرار اللامبالاة الحكومية حيال الملف النفطي سيثير الريبة حول حقيقة الدوافع الكامنة خلفها).. وأوضح (بري أن المدير العام التنفيذي للشركة الايطالية «enny» زاره في عين التينة وأبلغه أن شركته أجرت دراسة حول بئر نفطي واحد في المياه اللبنانية وتبين لها أن قيمته توازي 76 مليار دولار أميركي)... لم نسمع يوماً أن بئراً نفطيا أو محتوى أي منجم معدني أخر قد تم تقييمه بالمال أو بالدولار بل بالطن أو بالبرميل أو بالمتر المكعب..إلا في لبنان حيث قام الرئيس بري ومن باب حرصه على المال العام بتقييم قيمة البئر بالدولار دون الالتفات إلى السعر المتغير لبرميل النفط أو المتر المكعب من الغاز..
من الواضح أن دول شرق حوض البحر المتوسط قد بدأت في التفكير في كيفية استغلال الثروات النفطية المتوافرة في عمق البحر المتوسط...وهذا ما يتطلب استقراراً سياسياً في دول المنطقة وبالتحديد في قبرص ولبنان وقطاع غزة..حيث أن الاستقرار متوافر في كل من سوريا وإسرائيل وتركيا ومصر.. المشكلة القبرصية من الممكن معالجتها نتيجة تداخل المصالح التركية والاتحاد الأوروبي، وهذه الأزمة لم تشهد توتراً مسلحاً منذ عقود والمفاوضات حول تسويتها تسير بهدوء بين شطري قبرص ودون عوائق تهدد السلم الدولي أو بين تركيا واليونان..أو بين تركيا والاتحاد الأوروبي.. ومشكلة قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس.. وإن كان يشهد توتراً أمنياً ومناوشات مسلحة بين الحين والأخر.. فإنه لا يبدو إلى الآن حلاً قريباً في الأفق، سواء بين القوى الفلسطينية المتفاوضة في القاهرة وذلك بضغط من دمشق وطهران بهدف أبقاء الجرح الفلسطيني نازف والشعب الفلسطيني غير قادر على تحديد وتحقيق مصيره بنفسه..أو بين حكومة غزة والمجتمع الدولي الذي يصر على تجاهل حصار سكان غزة والمعاناة الإنسانية والاجتماعية التي يعيشها سكان القطاع..هذا القطاع الذي يشكل بؤرة تفجير محتملة أو أنه على وشك الدخول في حرب وشيكة على غرار الحرب الماضية (الرصاص المسكوب) والتي أمعنت فيها إسرائيل قتلاً وتدميراً بسكان القطاع وبنيته التحتية... فلا يبدو أن حكومة القطاع قد تشكل خطراً أو عائقاً على أية عملية تنقيب أو استخراج للنفط أو الغاز..كون تسليح مقاتلي قطاع غزة لا تتجاوز الصواريخ القصيرة المدى المصنوعة محلياً.. ثم إن حكومة حماس قد أعلنت وعلى لسان محمود الزهار أحد قادتها البارزين التزامها بالتهدئة طالما التزمت بها حكومة إسرائيل، وهذه إشارة إيجابية تقرأها دول المنطقة والعالم بموضوعية وبهدوء كونها مؤشر استقرار لا تفجير وتعطيل..
لكن يبقى الوضع اللبناني غير مستقر وينذر بالانفجار أو هكذا يبدو، حيث لا يزال الفريق المتحالف مع سوريا وإيران يهدد بافتعال الصراعات الداخلية وفتح الجبهات مع القوى اللبنانية الأخرى إن لم ترضخ لشروطه ومطالبه وإن لم تستسلم له بالكامل ودون قيد أو شرط..مما يعطل ويمنع الحكومة التي يشارك فيها هذا الفريق من العمل ومتابعة شؤون المواطنين.. وحتى من إقرار الميزانية العامة لعام 2010، الذي نوشك على وداعه.. ومن التحضير لميزانية العام 2011، فكيف في الانخراط في ترسيم الحدود البرية مع سوريا والحدود البحرية مع فلسطين المحتلة... وفي حين يطالب حزب الله ونبيه بري (الضغط على الأمم المتحدة لترسيم حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلة خشية من أن تكون إسرائيل قد مدت يدها على آبارنا مستغربا تقاعس «اليونيفيل» على هذا الصعيد) لا ريب هناك تجاهل واضح ومقصود من هذا الفريق في طلب ترسيم ما تبقى من حدود برية متنازع عليها في مزارع شبعا ومرتفعات كفرشوبا.. ربما لأن لا نفط ولا غاز ولا ثروات طبيعية متوافرة فيها..؟؟ فإن هذا الطلب يشكل ولا شك اعترافا رسمياً بالحدود الدولية البحرية لدولة إسرائيل بما يتناقض مع المواقف المعلنة من حزب الله في عدم الاعتراف بالكيان الغاصب.. وهذا الترسيم سوف يساعد دون شك، هذا الكيان على استخراج ثروات فلسطين المحتلة وحرمان الشعب الفلسطيني من ثروته الطبيعية..؟؟
لا شك في أن الأيام القادمة تحمل مفاجآت كثيرة، وثروات منطقة شرق البحر المتوسط قد ترسم وتحدد مستقبل المنطقة برمتها، فالعالم بأسره متعطش للطاقة التي يتزايد الطلب عليها يوماً بعد يوم، والعديد من الصراعات والحروب والاحتلال في العراق وأفغانستان وتقسيم السودان المتوقع وغيرهم، كانت في جانب منها بهدف وضع اليد على مخزونات النفط والغاز واليورانيوم المتوافرة في هذه الدول التي يتم استخراجها اليوم أو التي سوف يتم قريباً.. ولبنان احد هذه الدول التي تقع اليوم على جزءٍ مهم من موارد الطاقة إلى جانب الدول المجاورة، ولا يمكن استخراج واستثمار هذه الموارد دون وجود استقرار امني وحكومة مركزية قوية قادرة على حكم البلاد وفرض الأمن وحماية السلم الأهلي والاستقرار الداخلي والحدود الدولية وموارد البلاد وثرواتها..لأن الخلل في لبنان حتماً سوف ينعكس سلباً على الدول المجاورة والمتلهفة لاستخراج النفط والغاز لاستثمار هذه الموارد في تعزيز النهوض الاقتصادي فيها، والدول الراغبة في تامين موارد نفطية هي في أمس الحاجة إليها.. لذا على القوى اللبنانية التي لا تمارس سوى سياسة التعطيل والإفقار والتجويع وخدمة المشاريع الإقليمية والمصالح الدولية أن تلتفت لمصالح هذا الوطن وشعبه، لأننا في حال عجزنا عن تامين الاستقرار اللازم والمطلوب لاستثمار هذه الثروات لن تتردد القوى الكبرى والفاعلة الدولية والمحلية في وضع اليد علينا وعلى ثرواتنا لاستثمارها بما يخدم مصالحها لا مصالحنا.. وليبقى بري وحزب الله يبحثون في ملف شهود الزور الذي افتعلوه.. ليكونوا شهود زور على ما آلت إليه البلاد من حال اقتصادية صعبة وفوضى سياسية مقبلة...
حسان القطب