د. دندشلي - لبنان والخروج من المأزق
تقديم
د. مصطفى دندشلي
… موضوعنا اليوم… لبنان والخروج من المأزق، رؤية مستقبلية.. إننا، كما نعلم جميعاً، نعيش الآن أياماً تاريخية، انعطافاً تاريخياً… ومصيرنا متعلق إلى حد كبير بكيفية تعاطينا مع هذا الحدث التاريخي.. وكيفية العمل على إعادة بناء لبنان على أسس سليمة، ديمقراطية، محاولة مستفيدين من تجربة مريرة، نحاول أن نخرج منها…
اسمحوا لي أن أطرح سؤالاً يقلقنا جميعاً، ويقلقني على الصعيد الشخصي، يمكنني أن ألخصه بما يلي: لبنان، هذا البلد الصغير الذي يحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً في المنطقة العربية والشرق العربي تحديداً.. وهو صلة الوصل ما بين الشرق والغرب.. هذا البلد المكوّن من طوائف ومذاهب دينية عديدة، ومن خلال التجربة التاريخية الطويلة، هل هو فعلاً قابل للاستمرار وللحياة؟ سؤال مطروح! وذلك على أساس أنه، هل نستطيع نحن، كلبنانيين، أن نحدّ من التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية، أم أن "قدر" هذا البلد الصغير هو أن يتم الاستقرار في داخله، بناء على ـ كما نقول ـ التوافق الدولي وموازين القوى الإقليمية أو الدولية.. نلاحظ، منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، أن الاستقرار يتم في لبنان، الاستقرار النسبي، عندما تتمّ الاتفاقات أو توازن القوى بين الدول الكبرى ويتم الاتفاق فيما بينها.. فتهدأ الأحداث الداخلية ويتم التوافق الداخلي في لبنان.. وعند أي صراع خارجي له تأثيرات كبير في الوضع الداخلي.. هذا واقع تاريخي…
وإننا نرى، في السياق ذاته، أن الطوائف الدينية في لبنان لها ـ كما نقول أيضاً ـ مرجعيتها الخارجية، ليس على الصعيد الديني فقط وإنما ـ وهنا المشكلة ـ على الصعيد السياسي والدبلوماسي والعلاقات الدولية أيضاً.. جميع الطوائف وجميع المذاهب الدينية… هذا واقع…
والواقع الآخر هو أيضاً أن القوى السياسية والقوى الحزبية في لبنان ـ في مختلف المستويات، كذلك لها علاقات متينة وأساسية في الخارج ـ بل أكثر من ذلك فإن قوتها الحقيقية، تستمدها لا من تأييد الرأي العام لها، بقدر ما تتلقى من الدعم السياسي والدبلوماسي والمالي من الخارج… وهذا الأمر أصبح معروفاً الآن من جميع اللبنانيين، الدعم الخارجي لأي قوة سياسية أو حزبية له أهميته في لعب هذه القوة دوراً سياسياً على الصعيد الداخلي… وأوضحت الأحداث اللبنانية.. الحرب الأهلية في لبنان، أوضحت ذلك في العلن، أوضحت أشياء كانت تتمّ في الخفاء.. لكل قوة سياسية أو حزبية، لكل طائفـة من الطوائف نرى بوضـوح أن لها مرجعيتها في الخارج وليس من الداخل…
والشىء الخطير في هذا الشأن ـ وهناك طبعاً أشياء خطيرة جداً أخرى، ولن أتوسع فيها أكثر من ذلك وإنما فقط إشارة ولإثارة النقاش… الشىء الخطير في كل ذلك هو شعور الرأي العام في لبنان بالعجز، بعدم الفاعلية، بعدم التأثير في مجرى الأحداث.. القوى الفاعلة على الساحة السياسية اللبنانية هي أولاً وأخيراً القوى العسكرية، الميليشيات وقوى الأمر الواقع العسكرية ومن ثمّ القوى السياسية المرتبطة بها.. بصورة أو بأخرى، دون إعاره أهمية كبيرة ـ إلى حد ما ـ لما يمكن أن نسميه "بالرأي العام"..
من هنا طرحنا هذا السؤال: كيف يمكن الخروج من المأزق، من الأزمة اللبنانية… رؤية مستقبلية بمعنى أنه ـ كذلك الحرب الأهلية اللبنانية أثبتت وأظهرت هذه الإرادة إرادة العيش المشترك، إرادة الانتماء النهائي إلى الوطن اللبناني على أساس من الاستقلال والانتماء إلى العروبة وبناء نظام ديمقراطي، اجتماعي اقتصادي أكثر عدلاً ومساواة…
لمشاقة هذا الموضوع في هذه الأمسية دعونا صديقين اختصاصيين في الموضوع…
ملخص مداخلة
الأب أنطوان ضـوّ
لبنان المستقبل يبنى بالتغيير. التغيير بالثقافة كون الثقافة هي أداة للتقدم والتغيير. فالاقطاع والتخلّف والجهل والتعصُّب والاستبداد مفاهيم يجب نقدها ومواجهتها بشجاعة وعلم.
فالتغيير بالنسبة لنا عليه أن يؤدي إلى
1 ـ أنسنة الإنسان.
2 ـ إنماء الإنسان كل الإنسان وتأمين العدالة والمحافظة على الطبيعة لتكون في خدمة الإنسان وتطوّره وترقّيه.
3 ـ روضة الإنسان.
4 ـ التركيز على حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.
5 ـ الدخول في عصر الوحدة. وحدة لبنان. وحدة العالم العربي والانفتاح على العالم كله والمساهمة في توحده وتوحيده وسلامه وإنمائه.
6 ـ انتماء لبنان إلى العالم العربي بالنسبة لنا ليس مسألة شكلية خارجية إنما هو مسألة جوهرية أي النضال في سبيل وحدة العالم العربي وتحريره وتحرّره. والعروبة بالنسبة لنا هي الإسلام. والمسيحية وغير المؤمنين أيضاً. فالعروبة أكبر من قومية إنها منزهة عن العرق والتعصب والعنصرية. كما أن العالم العربي هو أكبر من وطن. إنه جزء من هذا العالم الكبير.
7 ـ الانتقال من النظام الطائفي إلى نظام ديمقراطي حقيقي مدني ولا أريد أن أقول علماني لأن كلمة علماني لا تعبّر عن الحقيقة وهي تخيف البعض. أنا مع المحتوى، وتعالوا نختار كلمة جديـدة.
اللاهوت السياسي وموقفه من الطائفية
إن لفظة طائفة أو الطائفية لا وجود لها في قاموس المسيحية أي لا وجود لها في الإنجيل أو في التراث المسيحي الأصيل لذلك علينا التعامل مع هذا الموضوع بمنهجية علمية والتأكيد على أنه بإمكاننا تجاوز الطائفية كنظام سياسي واستبدالها بنظام ديمقراطي حقيقي فيه الكثير من الأخلاقيات والروحانية المسيحية الإسلامية.
تجاوز الطائفية ممكن وواجب لأن النظام الطائفي يتناقض مع مفهوم الإنجيل.
1 ـ لا وجود لمجتمع مسيحي بل لحماية مسيحية في قلب مجتمع مدني معيّن.
2 ـ لا وجود لدولة مسيحية. مملكتي ليست من هذا العالم. أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وليس لنا مدينة ثابتة هنا…
3 ـ لا وجود لأمة مسيحية وبالتالي لأمة مارونية بل لكنيسة مسيحية أو مارونية.
4 ـ النظام الطائفي هو نظام سياسي والكنيسة هي ضد النظام الطائفي.
لذلك الذين صوروا الموارنة بأنهم أرادوا إقامة المجتمع المسيحي أو دولة مسيحية هم على خطأ لأن المارونية في جوهرها ضد الدولة المارونية والذين يقولون بالمارونية السياسية فإنهم على خطأ لأنه لا وجود لمارونية سياسية. فالموارنة الذين يمارسون السياسة أو الذين يؤسسون أحزاباً هم أحرار في ذلك إلاّ أنهم لا يمثّلون الكنيسة المارونية إلاّ من خلال تعاليمها الحقيقية الدينية والروحية…
د. سناء أبو شقرا
ليست مشكلة لبنان تنوعه ولا هو خصوصية له وحده بين دول الأرض، المشكلة هي في التأزم السياسي الذي اكتسبه هذا التنوع تاريخياً، بالدرجة الأولى، حين أصبحت الانقسامات الطائفية أساساً لوحدة الكيان اللبناني، أي حين بدأت الدول الاستعمارية تستغل خلافات الفئات المختلفة للسيطرة على الشرق. وهو ما حدث في واقع الأمر وتمت السيطرة. هكذا تمفصلت علاقات الداخل اللبناني على مصالح قوى خارجية، أهمها المراكز الرأسمالية المتقدمة.
هل يمكن أن نستمر في بناء وطن دائم التفسخ ووحدة تعيد إنتاج انقسام ذاتها على نفس القاعدة التي كانت في أساس البناء؟ من هذا المنطلق يبدو اتفاق الطائف خطوة مهمة جداً. فقد وضع الاتفاق أساس نهاية الحرب والدخول في مرحلة مختلفة نوعياً. هي مبدئياً، مرحلة الحوار والصراع السلمي الديمقراطي من أجل الانطلاق في مسيرة إصلاح عميق.
ولبنان اليوم، في إطار تعقد الوضع الإقليمي من أزمة الخليج إلى انتفاضة الشعب الفلسطيني، يواجه مهمة وأساس تحديد هُويته الوطنية والقومية وإصلاح بناة السياسة والاقتصاد وأولها استعادة استقلاله وأرضه من برائ الاحتلال الإسرائيلي وبسط السلطة الشرعية على كل أرضه ويواجه مهمة تثبيت عروبته في الممارسة والتوجه، في تحديد مصلحته، من جميع النواحي، في مزيد من التكامل مع محيطه العربي وخاصة مع سوريا، الشقيقة الأقرب جغرافياً وحضارياً وبشرياً.
وفي هذا المجال يبدو الإصلاح أكثر من ضرورة لبناء الوطن: كيف نزيل نظام الطائفية؟ كيف نبني المجتمع الأهلي ليوازن السلطة والسلطات القائمة على الأرض. ثم كيف يتم الاعمار وعلى أية أسس؟ هل سيستمر نظام الامتيازات بقهر الفقراء أم سيتحمل مسؤولية البناء كل أبناء هذا الوطن. الأغنياء منهم قبل الفقراء وأكثر من الفقراء.
إن أداة هذه العملية الواسعة والشاملة فهو الحوار الديمقراطي، المنفتح حيث يبقى الخلاف خلافاً ولكنه مؤطراً في رغبة الوصول إلى جوامع وطنية مشتركة.