المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات-انتصر الشعب اللبناني لقضيته، وأصبح سحب السلاح مطلب شعبي لا سياسي- حسان القطب
الإثنين 14 آذار 2011
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
انتصر الشعب اللبناني لقضيته، وأصبح سحب السلاح
مطلب شعبي لا سياسي..
الأحد، 13آذار/مارس، 2011، كان يوماً تاريخياً حيث احتشدت الجماهير بكثافة من كل الطوائف دون استثناء، ومن كافة القوى السياسية حتى (أعضاء بعض القوى التي كانت قد أعلنت عدم رغبتها بالمشاركة) في ساحة الحرية للتعبير بحرية ودون خوف، وبقوة، عن رفضها لمنطق الهيمنة والتسلط والترهيب بالسلاح، وللتأكيد على أن العدالة الحقيقية والفعلية، هي المقدمة المنطقية للاستقرار الثابت والفعلي في لبنان... وان لغة التهديد والتهويل والترهيب التي اتبعها حزب الله بتامين التغطية الإعلامية اللازمة لتهديدات تابعه وئام وهاب، والأخر ميشال عون، لم تثن، ولم توهن، عزيمة اللبنانيين عن النزول إلى ساحة الحرية، رغم أن بعض الذين أعلنوا غيابهم، استعانوا بالإشاعات للتبرير، والتسريبات الضمنية طلباً للمعذرة وللدلالة على حسن نواياهم.. ولكن إرادة الشعب كانت أقوى من كل الإشاعات، والرغبة في الخلاص من مرحلة الهيمنة والوصاية كانت الدافع الأساس، ليحتشد المواطنون اللبنانيون للمرة السادسة على التوالي في مشهدٍ تاريخي معبر، كان مفاجئً لدرجة أنه أعجز الخصوم عن التعبير، ولكنه بالتأكيد أرضى القائمين على تفعيل هذه الثورة الشعبية السلمية.. وأتاح الفرصة لهذه القيادات أن تفاوض من موقع قوة، وما على الرئيس المكلف من قبل حزب الله بتشكيل الحكومة سوى مراجعة حساباته ضمن طائفته أولا، لأنها كانت الحاضر الأبرز في الساحة، وعلى مستوى الساحة الوطنية التي كانت حاضرة بفعالية، والمشهد الشعبي الرائع لا بد سيترك انطباعاً مهماً لدى المراقبين المحليين والإقليميين والدوليين، لأنه يعطي الدلالة الفعلية على حقيقة توزع القوى السياسية اللبنانية، وعلى عدم تراجع قوة وحضور شعبية قوى الرابع عشر من آذار/مارس... رغم ما كانت تشيعه الماكينة الإعلامية لحزب الله ونبيه بري... هذا الحضور الشعبي اللافت الذي مثّل كافة مكونات الطيف اللبناني دون استثناء في انسجامٍ وتكاملٍ ملفتٍ للنظر، يدفعنا لقراءته بتأنٍ وموضوعية، مع الإشارة إلى انه يرتب على قادة هذا الجمهور مسؤولية كبيرة:
- لقد لاحظ اللبنانيين أهمية وجدية دور القوى الأمنية بكافة مفاصلها ومؤسساتها في حماية التظاهرة والمتظاهرين رغم انتشار أصحاب المعاطف السوداء والدراجات النارية عند بعض المفاصل والطرقات لترهيب المشاركين..
- لقد تأكد للبنانيين جميعاً عدم جدية حزب الله وملحقاته في العمل على تفعيل دور الدولة ومؤسساتها، رغم مشاركتهم في الحوار الوطني برعاية فخامة رئيس الجمهورية، للبحث في الإستراتيجية الدفاعية وتحديد الوجهة الحقيقية للسلاح الموجود خارج سلطة الدولة.. وبالتالي أي حوار مقبل حول هذه النقطة بالذات أو سواها لن تكون ذات جدوى إلا إذا تم وضع جدول أعمال واضح لمناقشته، ومدة زمنية محددة لانجازه..
- حجم الحشد الجماهيري الضخم والمتنوع يؤكد أن مطلب سحب السلاح غير الشرعي من الميليشيات، و(إلغاء احتكار طائفة بعينها) للمقاومة وشعاراتها وسلاحها وأدبياتها، رغم محاولات تلوينها ببعض التابعين والأتباع من الطوائف الأخرى، أصبح مطلباً شعبياً لا سياسياً.. وأي تهاون في متابعة هذا الأمر ومناقشته بجدية وتحقيقه فعلياً، ستكون عواقبه كارثية..
- لقد أصبح من الضروري بل من الواجب، أن تقوم قوى الرابع عشر من آذار/مارس، بالانتقال من مرحلة التعبئة التي تعيشها حالياً، إلى مرحلة طرح قراءتها للواقع السياسي اللبناني ورؤيتها بل برنامجها للتغيير، لتستطيع أن تبقى مواكبة لجمهورها ومؤيديها الذين يتطلعون إلى تغيير فعلي في واقع لبنان..
- إن مشاعر اللبنانيين المحتشدين كافةً ودون استثناء تتوق وتتطلع إلى قيام الدولة القوية القادرة والعادلة، بمؤسساتها الدستورية والقضائية والأمنية وأجهزتها الإدارية..حيث تتكافأ الفرص في العمل العام، ويتنافس الجميع في خدمة الوطن والمواطنين لا الطائفة وميليشياتها.
- إن هذه الدولة يجب أن تستند في شرعيتها إلى انتخابات حرة تتمثل فيها الطوائف اللبنانية بحرية ودون خضوع لتجمعات بشرية معينة، سواء على مستوى القضاء، حيث تم ضم بعض الأقضية للبعض الأخر بهدف ابتلاع عدد من نواب هذه الطائفة أو تلك.. أو على مستوى المحافظة بهدف ممارسة سياسة فرض أسماء وأحزاب معينة على ناخبي طائفة معينة بأصوات ناخبي طائفة أخرى .. كما يطالب البعض اليوم، ولو تحت عنوان إلغاء الطائفية السياسية، لأنهم أي المنادون بهذا الشعار أكثر الناس طائفيةً ومذهبية.. ومشهد تضامنهم مع متظاهري دولة البحرين خير دليل..؟؟؟
- على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن يقرا بموضوعية هذا المشهد الجماهيري المعبّر والحاشد والذي جاء يطالب بالعدالة وسحب السلاح غير الشرعي..وبالتالي لم يعد ممكناًً بل أصبح مستحيلاً عليه تشكيل حكومة ذات لونٍ واحد وتوجه أوحد وتخضع ورئيسها لسلطة حزبٍ ديكتاتوري شمولي.. وما عليه سوى أن يعيد النظر بمواقفه وأن يراجع ما أقدم عليه من خطوات غير مدروسة، لا تحظى برعاية شعبية محلية ولا بموافقة عربية ودولية..
- من الواضح أن حزب الله لم يعد يعرف كيف يتعاطى مع هذا الواقع الشعبي المتنامي والمتصاعد والمتنوع..طائفياً وحزبياً.. وانه لا يزال يعيش في مرحلة التوجيه السياسي المبرمج، فردة فعله الأولية على حجم التظاهرة كان تقزيم حجمها وتخفيض عديد المشاركين فيها وتناقضت تقديراته بشكل ملفتٍ مع معظم وكالات الأنباء وحتى مع تقديرات حلفائه ووسائل إعلامهم.. فحزب الله قدر حجم المشاركين بحوالي 70000، متظاهر في حين أن تقديرات حليفه ميشال عون كانت تقارب 200000، فيما المشهد الجماهيري كان يعبر عن نفسه ولا حاجة لتقديرات مضحكة وغير موضوعية من حزب الله والناطقين باسمه..
- لا يزال حزب الله يظن أن استعمال سلاح الترهيب هو خير وسيلة لحماية سلاحه، فتم مهاجمة وتعطيل مواقع الكترونية تابعة لتيار المستقبل، وتم الاعتداء على احد علماء بلدة شبعا الجنوبية وهو من أهل السنة، وكذلك احد المواطنين المسيحيين المشاركين في المسيرة في مدينة صيدا من قبل عناصر مؤيدة وتابعة لهذا الفريق، كما أفاد شهود عيان" أنّ شباناً قطعوا الطريق في بلدة مقنة (البقاع الشمالي) بالإطارات المشتعلة، وذلك للحؤول دون وصول المشاركين في التظاهرة إلى منازلهم. وعُلم أن الجيش اللبناني يتدخل لمعالجة الوضع. وبدا الانتشار الأمني لهذا الحزب بادياً للعيان عند كل المنعطفات ومداخل الأزقة من راكبي الدراجات الملثمين وغيرهم..
ما يمكن قوله في نهاية الأمر أن استقرار لبنان وديمومته مرهون بسحب السلاح غير الشرعي من كافة القوى، وفي اعتراف الطرف الأخر المسلح والمرتبط بمشروع إقليمي، أن المصلحة الوطنية تقتضي وقف سياسته الإعلامية القائمة على نهج التخوين والتحريض.. وان يدرك أن اللعب بالأرقام وحجم الحضور وقناعات المواطنين لا يغير من الحقيقة شيء..وان فرض رؤساء وقيادات وتغيير تحالفات بقوة السلاح لن يجدي نفعاً مع هذا الشعب الذي تجاوز بحضوره السلمي ومشاركته المتنوعة والكثيفة كل أشكال الترهيب والتخويف والتحريض ليقول في نهاية الأمر .. لا للسلاح غير الشرعي.. لا للميليشيات التي تتلطى خلف شعار المقاومة.. نعم للدولة الواحدة ونعم للعدالة ووقف الاغتيال السياسي...
حسان القطب