الحياة النضالية للشيخ عبدالمجيد عبدالملك
شخصيات /
دينية /
2010-12-14
الحياة النضالية
(أبرز المحطات)
الشيخ عبدالمجيد عبدالملك
1952- بعد حضوري مهرجان تأسيسي للحزب التقدمي الاشتراكي (مهرجان المنارة) انتسبت لهذا الحزب وما زلت حتى الآن تصلني دعوات بصفتي أحد أوائل المنتسبين، ولم أنشط إلاّ أقل من ستة أشهر.
1951- كنت من أول الملتحقين بأول حلقة لحزب البعث في بيروت بدعوة من أستاذنا إنعام الجندي وأقسمت اليمين على يده (وغدوت من حينها مسؤول الحلقة، ثم أمين سر الفرقة، ثم أمين سر الشعبة، ثم أمين الفرع بالتزكية ودون انقطاع حتى انقطاعي عن العمل الحزبي، مع توسّع التنظيم وتبعاً لانتشاره. وقد اعتذرت بعد انتخابي بالتزكية كعضو للقيادة القطرية عن بيروت كي لا انقطع عن القاعدة الحزبية حيث كان لدي مشروعات كما سيلي الحديث عن ذلك (أي طوال 10 سنوات من مرحلة العمل السرّي)(1).
1953- 27/3/1953 دعونا لأول مواجهة طلابية مع نظام كميل شمعون، وقررنا بعد الاتصال بأحزاب أخرى ( الحزب التقدمي الاشتراكي- القوميون العرب وغيرهم)، قررنا الانطلاق من داخل حرم الجامعة الأميركية (حيث كانت التجمعات ممنوعة) ضد حلف بغداد، فأقفلت علينا المنافذ، وبعد صدامات مع الشرطة، كسرنا قفل الباب الشرقي، وكنت وحسّان أبو إسماعيل (عضو في الحزب التقدمي الاشتراكي، ويداوم في حلقة أصدقاء للحزب) ومصطفى نصرالله، فأطلق رجال الدولة النار بكثافة على الصف الأول، فسقط حسان شهيداً، وأصيب مصطفى إصابة في ظهره وعاش مشلولاً حوالي 50 سنة، وأُصبت برصاصة في رجلي وهربت معهما، ولكن استطعت الفرار جريحاً وأفلتُّ من الاعتقال. ونفَّذنا بعد ذلك اعتصاماً ثلاثة أيام في جريدة النهار.
1956- وبعد العدوان الثلاثي على مصر في 29 /10/56 ، أصدرنا قراراً بفتح باب التطوع للقتال خلف خطوط العدو في سيناء وأبلغنا الجيش السوري الذي نسّق مع الجيش المصري لتنفيذ العملية، وانتقلنا ( 40 متطوعاً) إلى حمص حيث تلقينا تدريبات على القتال الفدائي. وكنت بصفتي أمين سر شعبة حزب البعث في بيروت، المسؤول عن هذه الفرقة. ومن أبرز من كان معي: عاصم قانصوه، وأمين سعد (الأخضر العربي)، ولكن قرار الانسحاب من سيناء أوقف العملية قبل أيام معدودة من تنفيذها.
1956- قَبِلَ الدعوة زميلنا في الصف نبيه برّي، وأقسم يمين الولاء للحزب أمامي، وحصل اعتداء غادر عليّ من القوميين السوريين (معروف اتجاهه آنذاك)، ووقف نبيه برّي آنذاك موقفاً شجاعاً مشهوداً.
1956- خلال فترة التدريب العسكري التي تلقيناها في حمص، لا سيما بعد توقف المهمة، دعوت إلى حرب التحرير الشعبية طويلة المدى، استراتيجية لتحرير فلسطين. وطرحتُ هذه الفكرة داخل الحزب من خلال اجتماعات القيادات، ومؤتمرات الحزب. ولكن الفكرة لم تفز بالأكثرية، فيما أبدى الشهيد أمين سعد حماساً شديداً للفكرة، فقرّرنا أن نقيم تكتّلاً سرّياً داخل تنظيم الحزب لإقناع أكثرية داخل الحزب لتبنّي هذه الفكرة، قبل إعادة طرحها على التصويت، وتوسيع هذه الدعوة خارج نطاق القطر، وحيثما تيسّر، لا سيّما مع تنظيم الحزب في القطر السوري، لاعتبار مركزية سورية بالنسبة للحزب.
ثم أوفدنا أحدنا، فؤاد الخطيب (فلسطيني) الذي حصل على عمل في الكويت للعمل على تعميم هذه الفكرة، وتمويلها من خلال تبرُّع نسبة 2.5 بالمئة شهرياً من دخل متقبّلي الفكرة لتمويل هذا القتال. وكنا نتلقى تقارير عن تطوّر هذا التنظيم، إلى أن فوجئنا بأن ياسر عرفات استولى على هذا التنظيم، والأرجح بدعم من مخابرات عربية وأجنبية. وفي عام 1959 أو 1960 عملنا على ترشيح الشهيد المرحوم المهندس خالد اليشرطي لمنافسة ياسر عرفات، وكان لرجحان حظّه بالنجاح أن تمّ اغتياله (بحادث عمل مفتعل) وتمت السيطرة لعرفات وسَرِقةِ التنظيم.
1958- وفي مطلع العام، قدمتُ تقريراً بالخط الأحمر للقيادة القطرية بأن اليمين (الكتائب والشَّماعِنَة (نسبة إلى كميل شمعون) والحزب القومي السوري وحلفاؤهم) يتسلحون ويتدربون لحماية وفرض مشروع حلف بغداد وإخضاع اليسار وإرهابه، وأن علينا التسلّح والتدرُّب لمواجهة هذه المؤامرة. ولم تأبه القيادة القطْرية لذلك، فأعدّت رفعه للقيادة القومية، وحضرت إلى دمشق لدعم هذه الفكرة. فلم ألقَ تجاوباً حتى اغتيل نسيب المتني يوم 8/5/1958. وفي 10/5/1958 وفي اليوم الثاني للتظاهر شاركنا بكثافة كبيرة في التظاهرة. وفي ساحة السور (رياض الصلح حالياً) وُوجهنا برصاص كثيف جداً أوقع عدداً كبيراً من الجرحى بينهم بعثيون. ورغم ذلك أقمنا ثكنة لحزب البعث في ثانوية الطريق الجديدة، بقطعتي سلاح، وأرسلنا فرقاً (إلى سورية) لنقل السلاح سيراً على الأقدام عن طريق جبل الباروك نزولاً إلى الوديان، إلى بيروت. وضمّت الثكنة ما يزيد عن 150 متطوعاً وشاركنا في كل معارك بيروت وسقط لنا الشهيد سعيد الحاج، وكنت القائد العام لكل هذه الحركة طوال الثورة بحكم كوني أميناً للشعبة.
1958- أقسم اليمين أمامي الرفيق والصديق محمد عواضه (أبو خطار) توفي في شهر ايلول 2010.
1958- نشرت جريدة النهار تقريراً لـ CIA المخابرات المركزية الأميركية، ذُكِر فيه أنّ عدد المنتسبين لحزب البعث في بيروت ( 3000) ثلاثة آلاف، وعدد المناصرين يفوق 10.000 وكان العدد الرسمي للمنتسبين لدي ( كأمين سر) فقط ( 45) عضواً، ما يدل على الفاعلية الهائلة للتنظيم إبان العمل السرّي.
1957-1958- عارضت معارضة شرسة (مع كل تشكيلنا) شرط عبدالناصر حلّ الحزب لتحقيق الوحدة، مع تأييدنا المطلق لمبدأ الوحدة، وقلت بالحرف الواحد: "إن وحدة شرط قيامها حل التنظيم الشعبي الذي سيحققها، ستسقط وسيكون سقوطها كارثياً، لا سيّما بالنسبة لمبدإ الوحدة وفكرتها". ولكننا وفيما بعد تحولّنا إلى أشد المدافعين عنها والمعادين لكل كلمة يمكن أن تهدّدها، بعد أن غدت أمراً مفعولاً، في حين أنه قامت تيارات أخرى تصرّ على إدانة الوحدة كونها تسبَّبت بحل الحزب، (وقامت تكتلات داخل الحزب على قاعدة هذا التناقض يسود بينها توتّر).
15 تموز 1958- كانت سورية ( عبد الحميد السراج) قد أرسل خمسة من ( الفدائيين) الفلسطينيين لمساندة قواتنا المسلّحة، فاتفقتُ سرّاً مع هؤلاء على إقامة كمين في منطقة الرملة البيضاء وإطلاق النار حين نزول الأميركيين، أي الاتفاق على عملية استشهادية. فتوزّعنا كل 50 متراً واحداً منّا، لنقول للعالم بأنّ إطلاقاً للنار حصل حين الإنزال. ولكننا كُشفنا، وتم اعتقال الفلسطينيين الخمسة، واستطعت الفرار. وكان الأميركيون ما زالوا بعيدين عن مرمى نيراني، ففشلت العملية. وسجن الفلسطينيون في دمشق، حيث كانت مخابرات السراج هي التي ألقت القبض عليهم.
1958- أرغمنا القيادة القطرية على كتابة بيان تعتبر فيه انتخاب فؤاد شهاب في ظل الأسطول الأميركي غير شرعي. وبعد أن طُبِع البيان، ووُزِّع على التنظيمات الحزبية، أصدرت القيادة القطرية أمراً بعدم توزيعه، ولم يخالف هذا الأمر إلاّ أنا (أمين سر الشعبة) ومحمد عواضه. فبعثنا فِرَقاً مسلّحة وزّعته مزودة بأوامر بإطلاق النار على من يعترض ذلك. بعد أن أوقف توزيعه بالقوة قام أنصار صائب سلام وصادروا البيان، فاستعدناه ووزّعناه في المناطق التي تقع تحت سيطرتنا المباشرة، وتعرّضنا بعد ذلك أنا و(أبو خطّار) لمحاولتيْ اغتيال من المخابرات اللبنانية، ثم من أنصار صائب سلام، ما اضطرنا لطرد أنصار صائب سلام (بيت الحلبي) بالقوة من منطقة عائشة بكّار، ولم نقبل رغم كل الوساطات إعادتهم على مدى شهرين، أي حتى حل تنظيمات الثورة.
1959- نقلتُ مطبعة والدي إلى مقر جريدة الصحافة، ما مكّن الجريدة من الصدور بمطبعتها الخاصة.
1961- وقع الانفصال، ووقعت بلبلة كبيرة في الحزب، فطلبنا من القيادة القطرية الإدانة، فلم تفعل فشكّلنا وفداً برئاستي وعضوية كل من ( منصور هنود، إبراهيم قريطم، عبدالحفيظ دويري) وتوجهنا إلى دمشق. وفي قاعة ضمّت ما يزيد على مئة شخص ووفود تهنئة تدخل وتخرج برئاسة أكرم الحوراني وعدداً من القيادات الحزبية بينهم مصطفى حمدون وعبد الغني قنوت، فوقفت متكلماً باسم قيادة شعبة بيروت قائلاً بصوت جهور: "إنني وباسم شعبة بيروت نرى أن هذه مناسبة للتعزية لا للتهنئة، إننا لا نستطيع أن نقبل حصول الانفصال قبل سقوط عشرة الآف قتيل من الحزب، وإننا نعتبر ما حصل ارتداداً على كل مبادئ الحزب وعملاً مشيناً في تاريخه، سيترك أثره على مشروع الوحدة لنصف قرن قادم".
وسادت بلبلة كبرى في القاعة، ووقف اللواء عبدالغني قنوت شاهراً مسدسه ولقّنه لإطلاق النار مهدداً، موجّهاً إياه نحو رأسي. وتدارك أكرم الحوراني الموقف، فوقف صائحاً "إهدأوا، إهدأ يا عبد الغني، قد يكون الرفيق عبد المجيد على حق"!! وانسحبنا من القاعة غاضبين، وعدنا إلى بيروت غاضبين، وتقدمنا باسم قيادة الشعبة، تقريراً للقيادة القومية نطلب محاكمة كل ضالع بالانفصال وفصله، وأدّت تداعيات الخلاف بعد ذلك بـ (؟) عام؟ إلى تقديم استقالتي من الحزب، التي رُفِضت من قيادة الشعبة صعوداً للقيادة القطرية، وبقي الحزب يعتبرني عضواً عاملاً، بينما انقطعت عن أي نشاط (حزبي).
1959- انتخبت بالتزكية ممثلاً عن القاعدة الحزبية في المؤتمر القومي ( الثالث) الذي عُقد في بيروت، واخترت أن أكون عضواً في لجنة النظام الداخلي حاملاً مشروعاً إصلاحياً لتعزيز الديمقراطية وحرية الرأي داخل الحزب، وإيجاد ضوابط تحول دون شلل القيادة القومية. وكانت تلك مشكلة راهنة لخلافات داخل تلك القيادة. واصطدمتُ داخل اللجنة بمشروع ناصري يلغي الانتخابات من القاعدة إلى القمة ويخول القيادات القطرية بتعيين كل القيادات الأدنى. وكان ذاك مشـروع عبد الناصر الذي حمله عبدالله الريمـاوي ممثـلاً ببهجت أبـوغريبـة ( المحامي) ممثله في لجنة النظام الداخلي. وبعد أن أنهت جميع اللجان أعمالها أرجأ المؤتمر جلسته الختامية 48 ساعة. وكان المشروع يرمي للسيطرة على الحزب وجعله نسخة عن الاتحاد الاشتراكي. واستمرت السجالات بيني وبين بهجت أبو غريبة. فاضطررنا لمناقشة المشروعيَن بنداً بنداً وكلمة كلمة والتصويت على كل بند على حدة، وحين حاز مشروعنا بكل تفاصيله على الأغلبية وأبلغ أبوغريبة النتيجة لعبدالله الريماوي، أعلن عبدالله الريماوي انشقاقه، قبل تبلغ المؤتمر نتيجة أعمال المؤتمر.
* بعد حركة الثامن من آذار وتبني الحزب لشعار(حرب التحرير الشعبية)، حضر إليَّ "أبو خطار" وكان قد غدا عضواً في القيادة القومية، باسم القيادة القومية وباسمه الشخصي وقال لي: "لا يعقل بعد سيادة نظريتك أن تبقى متوقّفاً عن ممارسة نشاطك الحزبي، فنحن ندعوك للعودة كعضو فخري في القيادة القومية". وأجبته "إني أعتبر هذا الإنجاز على أهميته إنما تم خارج نطاق الشرعية الحزبية، ورغم شرعيته الثورية، فإنه يشكل سابقة ستنعكس على مستقبل الحزب والدولة. ورغم ذلك كله، فإني بكل إمكاناتي بتصرفكم، ولكن، واحتجاجاً، ليس من داخل التنظيم".
ومذ ذاك مارست كل صلاحيات عضو القيادة القومية، لاسيما فيما يخص إدارة جريدة الراية التي ساهمت عملياً بعملية تأسيسها، باستثناء حضور اجتماعات هذه القيادة، مطلعاً على أدق التفاصيل، ورفضت أي امتياز أو مقابل، إلاّ راتب حددته لنفسي كحد وسطي بين أعلى راتب وأدنى راتب كمدير لجريدة الراية التي رافقتُ تأسيسها من أول عمل لتحقيق المشروع، ثم توقفت في حينها عن الصدور(2)، وأنا نائب المدير العام للمؤسسة، وكنت المدير عملياً للمؤسسة، حتى تم نسفها، والتي كانت في آن معاً تستهدف اغتيالي، إذ وقت الانفجار، في النصف الساعة الفاصلة ما بين موعد خروج العمال وموعد خروجي، ولمجرد الصدفة، خرجت من المؤسسة قبل خمس دقائق من حصول الانفجار، لصداع عنيف جداً أصابني، إذ كنت بعد سنة 1970، ونتيجة لظروف مأساوية أصابتني على كل المستويات الشخصية والعائلية والعملية والسياسية، قد أصابني خلل في الجهاز الباراسمبتاوي parasympatie ، ما زلت أعاني حتى اليوم من عوارض شديدة التنوع، وذلك ما أنقذني، إذ دمَّر مكتبي بالكامل. وقد سمعت الانفجار إبان توجهي بسيارتي من "الراية" الساعة الثانية إلا ربع ليلاً، فعدت إلى المؤسسة، وكانت المسافة بين الراية ومنزلي تستغرق أقل من 5 دقائق.
* 16 تشرين 1970- أواخر 1972، كانت أعصب أيام حياتي، فبالإضافة للكوارث العديدة الشخصية التي حلّت بي، منها الإفلاس، فقد كان علي أن أحلّ كل تداعيات "الحركة التصحيحية" على الحزب في لبنان، من حجب وإيواء وتحمّل أعباء عائلات أعضاء القيادة القومية الذين لجؤوا (فرّوا) إلى لبنان، وتأمين ظروف خروج (من تبقّى منهم) بسرية من لبنان(3)، ومسؤولية بعض عائلاتهم، إضافة إلى أعباء ما تبقى من تنظيم كل ذلك منفرداً ودون معين. وقمت بذلك كله بالإضافة لإدارة مشاكلي الكثيرة المعيشية والعائلية الخاصة. وما حماني إذ ذاك أني كنت الدليل الوحيد الذي يمكن أن يرشد إلى أمكنة وجودهم، أو الوصول إلى المستندات التي بحوزتهم والأسرار الخاصة. ولم ينفع معي تهديد أو إغراء، وأكملت كل ذلك. وكان قد نفد كل المال الذي وُضع بتصرفي من قبل القيادة القومية، وكذلك صودرت ممتلكاتي بسبب الإفلاس.
في هذا الظرف الذي لم أكن أملك ما يكفيني كي أقتات، حضر إلي أحد الحزبيين (وكان موظفاً لدى محامي الجمارك اللبنانية) بأنه كلّف بتنفيذ (حكم سياسي) حكم غيابي من محكمة الجمارك بسجني 20 سنة (أو بدفع مبلغ 20.000 ليرة لبنانية كجزاء أو الحبس يوم مقابل كل ثلاث ليرات، وأنّ بإمكانه الاحتفاظ بهذه الأوراق وتأخيرها 15 يوماً كي أتدبّر أمري)، على خلفية مصادرة بعض ما تبقّى من السيارات التي حضر بها أعضاء القيادة القومية من دمشق والتي تُرِكت بأمانتي. واستطعت دون محام أن أرتّب إعادة محاكمة بحضوري، واستطعت الحصول على البراءة. كان ذاك آخر عهدي بالعمل الحزبي، وقرّرت أن أنصرف إلى النضال الفكري.
1975- حتى دخول الجيش السوري إلى البقاع عام 1976
-
استطعت وبعلاقاتي الشخصية أن أدسّ عمالاً في مطابع جريدة "العمل" الكتائبية كانوا يتسللون ليلاً إلى مكاتب حزب الكتائب ويزودونني بمعلومات ووثائق، كنت أرسلها بدوري وبالواسطة إلى مخابرات فتح، ثم ربطت الطرفَين مباشرة.
-
بدعوة من الإعلام الفلسطيني الموحّد، أخذت أكتب التعليق اليومي لإذاعة لبنان العربي حتى أطلقوا عليَّ لقب "الدماغ المفكّر للإذاعة". وحين دخول الجيش السوري إلى البقاع، طلب بعضهم إليَّ أن أكتب عن "مثالب" النظام السوري وأنا أعرف ما في الخبايا، فامتنعتُ وأوضحت أن موقفي هذا "لأسباب قومية بالدرجة الأولى وأمنية بالدرجة الثانية". وانقطعت عن كتابة التعليقات.
1976-1982- نتيجة لوجود مكتبتي في منطقة الجامعة العربية وسط القوى الفلسطينية، جعلني على احتكاك بمختلف القوى، ما أوجد لي صداقات ونصائح في مسائل عديدة، كما خلق لي عداءات شخصية من بعض الأشخاص الذين اختفوا قبل الاجتياح وظهروا حين الاجتياح على حواجز إسرائيلية، أي كانوا من المخابرات الإسرائيلية، والأرجح أن سرقة محتويات مكتبتي، قبل أن تدمرها القذائف الصهيونية، كان هؤلاء وراءه.
1991- وفي اجتماع دعا له المنتدى القومي العربي لبحث العدوان الأميركي على العراق بعد اجتياحه للكويت، كنت أولَ طالبي الكلام وقرأت اقتراحَ بيان يدين مفاعيل تقسيم الوطن العربي واتفاق سايكس بيكو وكل ما يحافظ على حدود الدول في ميثاق الجامعة العربية والأمم المتحدة التي تحول دون توحيد الأقطار العربية. فأثار كلامي ضجة كبيرة وغادرت الاجتماع على وقع الكلمات التي تشن هجوماً ساخطاً علي.
1993- طرحتُ استراتيجية التحالف السوري ـ العراقي ـ الإيراني ( اللبناني ضمناً) لمواجهة أحادية القطبية الأميركية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في مقال في مجلة "الحسام" حمل عنوان "كي يصبح النصر القريب ممكناً" في العدد المؤرخ 24 كانون الثاني 1993 رقم العدد 62، والذي نزعته الرقابة في سورية من الأعداد الداخلة إلى سورية وأرسل لي مسؤول الإعلام تحية شفوية للدلالة على الرضى، ووجّه دعوة لرئيسة التحرير لزيارة دمشق.
1996؟ - خضت معركة داخل المنتدى القومي العربي لتغيير موقفه من حزب الله، إذ كانت الخطة الأميركية تعمل لحرب قادمة بين العلمانيين "والدينيين" (المؤمنين)، ما أدى لانشقاقات داخل المنتدى، سبق تبدل موقف المنتدى تجاه حزب الله وتحوله لمؤيد له، وذلك في نقاشات من خلال من يزورني من مختلف الاتجاهات السياسية.
1999- عُرض عليَّ قبولي من قبل القيادة القطرية لحزب البعث(سوريا) عضواً في القيادة القطرية فاعتذرت.
1999- أسست مع مجموعة من المناضلين السابقين في الأحزاب اليسارية لا سيما البعثيّين باتجاهيهما وبعض ناشطيهما، أسسنا "الهيئة الوطنية لدعم القضايا العربية" مفتوحة لكل من يتبنى طروحاتها مع احتفاظه بانتمائه الحزبي لأي حزب انتمى. وأصدرنا كتيباً تأسيسياً وتقدمنا بطلب رخصة، على ألا تعلن هذه الهيئة أيّ موقف من أية قضية دون قرار في اجتماع رسمي لهيئتها القيادية، وانتشرت بسرعة النار في الهشيم. إلا أن ثمة تدخلات وضغوطاً مورست علينا، مما اضطر بعض مؤسسيها لمغادرة لبنان هرباً من هذه الضغوط (ولم نستطع ممارسة هذا النشاط إلاّ لبضعة أشهر).
2000- استدنت 1000$ للمساهمة في طبع كتابي الإقطاع في لبنان، بغية شرح الأهمية الاستراتيجية لجبل لبنان بالنسبة للأمن العربي. واستغليت ندوة الكتاب بالتنسيق مع المنتدى القومي العربي لإجراء "مصالحة" بين وليد جنبلاط وسورية، استباقاً لما حصل فيما بعد. وكنت ارتقب خطورة التحالفات التي تحضَّر وأهدافها. ورفضت دعوة رسمية لزيارة سوريا برفقة مروان حمادة، والتي وُجهت لي بواسطته خلال الندوة لموقفي المعارض لنظام حافظ الأسد ودوره في لبنان.
نصحت حزب الله بالتقرب من المسيحيين، فكان أن استجابوا فوراً بسلسلة طويلة من الحلقات مع ميشال اده وبذلك بدؤوا نهجاً أوصل إلى أن يكون ميشال سليمان وإميل لحود وميشال عون، هم درع حزب الله في السنوات الأخيرة.
2001- نشرت جريدة "تشرين" على حلقات كتابي "ساحل بلاد الشام" ج1، وعلى أثر اتصال بي من د.خلف جراد مدير مؤسسة تشرين، وجهت وزارة الإعلام السورية دعوة لزيارة دمشق بصفتي ممثلاً لاتجاه النظام السابق الداعي إلى حرب التحرير الشعبية، وحيث إن الرئيس بشار الأسد كان قد تسلّم السلطة. قبلت الدعوة وحين وصولي بسيارة رسمية سورية أقلتني من منزلي في الشويفات، ابلغني د. خلف الجراد أنّ الدعوة تمت بإيعاز من الرئيس الأسد وأنني بمثابة ضيفه. وكانت الزيارة إعلان مصالحة بين شقي البعث في سورية.
كتبت كتابي ساحل بلاد الشام والصراعات الدولية بثلاثة أشهر، استباقاً لما كنت أراه من مشروع الهجمة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة واستعجلت طباعته، تأييداً لمواقف إميل لحود وسوريا، وتحذيراً من اجتياح العراق.
2002- في 5 تموز 2002 سلّمت السفير العراقي في ندوة "نصرة العراق" أقامها المنتدى القومي العربي في فندق الكومودور، نسخة من كتاب ساحل بلاد الشام ـ الكتاب الأول مع تحليل يؤكد أن أميركا ستحتل العراق وأن المواجهة النظامية لن تكون مفيدة، وأن حرب التحرير هي الأسلوب الوحيد للمواجهة، ما تبناه الرئيس الشهيد صدّام حسين وجعل مواجهة الاحتلال تأخذ مسارها. 13 (أو14) آذار 2005- تلقيت اتصالاً من قيادة الجيش اللبناني(4) يناشدون "حكمتي" بكيفية التصرف في اليوم التالي، فقلت لهم بعد تحليل للوضع الإقليمي والدولي بأن الحرب الأهلية لم تنته إلا على طاولة الحوار، وأن عليهم الاتفاق داخل المؤسسة العسكرية على ما يضمن وحدة المؤسسة، (وأنا أعرف ضمناً أن ميشال عون هو الطرف الآخر)، وأن يسمحوا في اليوم التالي بالتظاهر شرط ألاّ ترفع التظاهرة شعارات ضد سوريا، وفي اليوم التالي وبعد أن سمح الجيش للمتظاهرين بالوصول إلى ساحة الشهداء، هرع غازي العريضي ونايلة معوض مناشدين المتظاهرين ألا يهتفوا ضد سوريا ولم تبث كلمة عون المقررة (أي نفذت الخطة والتفاهم)، وقد هدفت من ذلك إلى:
-
حفظ وحدة الجيش.
-
شق صف الفريق الآخر (إخراج عون، دعامة الحركة في الجيش).
-
تجنيب البلاد حرباً أهلية قد تجبر حزب الله على الانخراط فيها (أي نفاذ المؤامرة الأميركية الصهيونية) والتأسيس لمجتمع جديد.
-
تجنيب سورية مواجهة وضع دولي وإقليمي لن تستطيع تحمله.
-
إيجاد سيرورة لوضع داخلي أكثر قدرة على مواجهة المؤامرة. وبذلك يصبح خروج الجيش السوري(تكتيكياً).
2005- حضر إلى منزلي قيادتان من حزب الله بعد الخلل الذي أنتجته الانتخابات النيابية والاتفاق الرباعي لسؤالي حول رأيي بالوضع القائم، وبعد تحليل مطوّل للأوضاع قلته لهم وتحليل شخصية عون وتجربته وأن بإمكانه كعسكري أن يفهم ضرورة "الاستراتيجية الدفاعية" وعدم قدرة الجيش على الدفاع عن لبنان وهو يفهم تجربة انقسام الجيش عام 1976، وطلبت إليهم أن يتصلوا به ويجتمعوا معه قائلاً: "لا تخرجوا من المفاوضات معه قبل الوصول إلى التفاهم".
2006- بذلت جهوداً إبان حرب تموز برسائل شفوية لقيادة الجيش لإقناعهم بأن حزب الله يرحب بدخول الجيش إن كانت مهمته حماية الحدود والتعاون مع المقاومة لإقامة استراتيجية دفاعية. وقد هدفت من ذلك :
-
تغطية حزب الله بعد "وقف الأعمال الحربية" بالتواجد الشعبي الكثيف.
-
التنفيذ (الظاهري) لأهم ما هدفت إليه القرارات الدولية.
-
إيجاد تلاحم بين الجيش والمقاومة، وإكمال ما بدأته يوم 14 آذار.
-
منع استمرار الاعتداء على لبنان،لانتفاء المشروعية الدولية ويصبح أي اعتداء اعتداء على الدولة والشرعية اللبنانية.
وبذلك يكون البساط قد سحب من تحت أقدام التحالف الدوليـ الداخلي في المناسبتَين، وإكسابهما انتصارَين وهميَّين، سرعان ما تبيّن لهما أنهما فخّان كبيران، ويتيح لنا الاستفادة من مخططاتهما لصالحنا خلافاً للقاعدة. وهو الأمر الذي صرّح فيلتمان في مقابلة مع الـ lbc أنه أصابه بإحباطات تجعله يرفض العودة كسفير لبلاده في لبنان.
-
- نصحت السوريين بعد اجتياح العراق بأن عليهم قتال الأمريكان في العراق، وإلا لن يستطيعوا الدفاع عن دمشق، لأن الأمريكان سيجتاحون دمشق للوصول إلى المتوسط، إذا ما استتب لهم الأمر في العراق. وإن على السوريين أن يوجهوا حرب عصابات ضد اللواء اللوجستي للجيش الأميركي، وذلك بضرب كل الإمدادات على طرق المواصلات الطويلة، لا سيما سيارات خزانات المياه والوقود والمؤن ونهبها، وإحراقها، لعرقلة عمل الجيش، ولأن الأميركيين تهمّهم كلفة الحرب المالية أكثر من سلامة جنودهم وعدد القتلى بينهم (وقد نقلت هذه الاستراتيجية مؤخراً إلى أفغانستان).
(1) - منذ انتسابي للحزب وبحكم مسؤولياتي، كان المركـز السـري لنشـاط قيـادة الحـزب واجتمـاعـات هـذه القيـادة في مكاتـب المطبعــة (مطبعة الاتحاد التي كان يملكها والدي) في مبنى على رأس شارع المعرض (اتجاه التياترو الكبير). وكان كل أحزاب المعارضة منذ أيام الانتداب تطبع منشوراتها المعارضة في مطبعة والدي الذي كان عضواً في كثير من تلك النشاطات بما فيها أعمال عنف ليلية ضد جنود الاحتلال. ومنذ تسلّمي المسؤولية العليا في حزب البعث في بيروت، غدت المطبعة مركزاً للاجتماعات السرية للقيادة ومكاناً لإخفاء مستنداته، ولذا غدا التكتم والتستر على شخصي في مرحلة العمل السري بغاية الصرامة، لحمايتي الشخصية وحماية مستندات الحزب، وللحفاظ على دور المطبعة في طباعة كل ما يتعلق بمنشورات الحركة الوطنية. وقد تعرضت المطبعة في مناسبات عديدة لمداهمة من قِبَل مخابرات الجيش اللبناني، كما كانت تتعرض من حين لآخر أيام الانتداب. وحصلت آنذاك حادثة أثبتت لي أن المخابرات السورية قبل عام 1958 كانت تراقب تحركاتنا، ولم تسفر المداهمات المتكررة عن وضع اليد على أي مستند، نظراً للحرص الشديد على التمويه عليها. وفي هذه المطبعة، أقسم يمين الانتساب للحزب علي يدي عديدون من أبرزهم أمين سعد (الأخضر العربي) ونبيه برّي.
(2) - بعد انقلاب عام 1970، بقيت الراية تحت سيطرتنا (القيادة القومية) وحولناها إلى صحيفة أسبوعية (لقلة المال)، وبدأت بنشر المحاضر السرية للمؤتمر القومي (1970)، وكنا نتلقى التهديدات المتوالية من المخابرات السورية لإيقاف نشر هذه الوقائع، واستمريّنا بنشرها، إلى أن نصحت القيادة بعد توالي التهديدات بالتوقف عن النشر، فلم يستجب لنصيحتي. وكان أن وضعت عبوة ناسفة في المطبعة بعد أقل من أسبوعين ما أوقع شهيداً وهو عامل صف في المطبعة علّه خليل (جرادي)؟ ونجوت أنا منه بأعجوبة.
- (3) وقد ساعدني على ذلك إصدار الأمن العام اللبناني لجوازات سفركم لا سيما للدكتور فؤاد شاكر (العراقي) بأسماء مموهة، بعد أن أقنعت الأمن العام بأن تسليمهم لسورية سيسبِّب أحداثاً أمنية داخلية وعدم تسليمهم سيخلق مشكلة للدولة مع سورية.
(4) - اتصل بي من قيادة الجيش (و.ع) وما زلت حتى اليوم لا أعرف من أوعز له بهذا الاتصال رغم قربه مني، وأبلغني أن قلقاً عميقاً وتوتراً يسود في قيادة الجيش بعد أن أعطيت إليه الأوامر بقمع تظاهرات 14آذار، وقال إنه سيقفل الخط وسيتصل بي بعد قليل وإنه (خائف جداً)؟!! وفعلاً اتصل بعد قليل ولاحظت أن خطاً أو أكثر(؟) مفتوح على المخابرة وسألني رأيي. وبعد تحليل سياسي مطوّل باستبعاد الخطر الخارجي فأشرت بما قلته أعلاه. وفي اليوم التالي 14آذار وبعد أن تمت تسوية، تدخل الجيش أخرجت ميشال عون من 14آذار وعندما وصل الخبر إلى عمر كرامي وكان يلقي كلمته في مجلس النواب، وتبلّغ أن الجيش لم ينفّذ الأوامر، أعلن استقالته ما فاجأ نبيه بري الذي صاح "لأ، لأ، لأ يا دولة الرئيس". ولكن ذلك حال دون انقسام الجيش في ساحة الشهداء والاشتباك بين عناصره. (وكان قنَّـاصة ينتشرون على أسطح البنايات المحيطة بالساحة والخطة التي كان رمسفيلد الذي كان سفيراً في لبنان، ورفع إلى رتبة مساعد وزيرة الخارجية رايس وأرسل للمرابطة في السفارة الأميركية لمتابعة تنفيذ هذه الخطة، وكانت مجزرة ساحة الشهداء وانقسام الجيش سيؤدي إلى اندلاع حرب أهلية، لم يكن على الأرجح معظم أطراف 14 آذار يعلمون بوجودها، وستؤدي إلى جرّ حزب الله إلى فتح الحرب الأهلية (وإعادة سيناريو 1975 برد السلاح الفلسطيني إلى الداخل).
وكان نزول العريضي ونايلة معوض إلى ساحة البرج إشارة بالنسبة لي أن ما أشرت به قد نفّذ، بعد