محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي-د. نزار مصَّصاتي
مقابلات /
سياسية /
1991-08-30
مقابلة مع
الدكتور نزار مصَّصاتي
بتاريخ، الجمعة 30 آب 1991 ـ حلب
الموضوع: محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي
من خلال التجربة الشخصيَّة ـ حلب
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي: … أخي الدكتور نزار (مصَّصاتي) أودّ في بداية حديثنا عن حركة سياسية قومية لعبت دوراً أساسياً في المنطقة العربية وليس فقط في سورية، سواءً كنا نؤيد هذه الحركة أو لم نؤيدها، أعني بها حركة حزب البعث العربي الاشتراكي، وقبل أن نبتدئ الحديث في نشوء وتطور الحزب في مدينة حلب والمنطقة أودّ، لو سمحت، أن تقدِّم لي ما نسميه بـ "بطاقة هُوية": سنة الولادة، الدراسة والتخصص العلمي والجو العائلي، ومتى كان انتسابك إلى حزب البعث؟..
الدكتور نزار مصَّصاتي: … إنني من مواليد مدينة حلب عام 1935، تخرجت وحصلت على البكالوريا من مدرسة المأمون، التجهيز الأولى، ثم بدأت دراستي الطب في فرنسا وأنهيته في الكلية اليسوعية في بيروت، وبعدها عدت وتخصَّصت في فرنسا في أمراض الدمّ. هذا في ما يتعلق بالهُوية الذاتية، أما في ما يتعلق ببدايات حزب البعث العربي في حلب، فأعتقد أنها تعود إلى العام 1947 على وجه التقريب، حيث بدأ بعض الوافدين من طلاب الجامعة السورية في دمشق، الذين انتسبوا إلى حزب البعث، وبدأوا يعودون إلى حلب أو يتردَّدون إليها في فترة الصيف أو في العطلات الجامعية ويجرون التماس مع شباب حلب ويعقدون الاجتماعات معهم، وبخاصة مع الطلاب الثانويين على وجه التحديد. ومن هنا بدأت انطلاقة حزب البعث العربي، على ما أعتقد. وكنا نذكر هذه الأسماء الأوائل في حلب: الدكتور عبد الخالق مرعشي والدكتور عبد المنعم شريف وهو ليس من حلب، وإنما من "باق"، وتوفيَ في آخر سنة من تخرجه من معهد الطب في دمشق مباشرة في عام 1947. ويمكننا إذن أن نحدِّد نشوء حزب البعث العربي في حلب في الأعوام 1946 ـ 1947، في هذه الفترة… ثم بدأت الانطلاقة الذاتية في حلب، اعتماداً على العناصر الحلبيَّة التي انتسبت إلى حزب البعث بعد التَّماس الذي جرى مع الطلبة الجامعيين من دمشق. وهكذا تشكلت الحلقات الأُوَل في العام التالي 1948. وكنا نجتمع وقتئذ في عيادة الدكتور عبد الخالق مرعشي في جبّ القُبَّة في حلب. ولم يكن العدد يتجاوز العشر من الأعضاء الحزبيين. ثم وَفَد من أوائل الحزبيين إلى حلب الشاعر سليمان العيسى الذي ساهم في زيادة عدد الحزبيين بحكم تماسه مع الطلاب كمدرس للُّغة العربية وكشاعر مقبول في أوساط الطلاب. وقد بدأنا نجتمع في قَبْوه الكائن في الجميْليَّة، في بيته الخاص. وبدأت هذه الانطلاقة الحزبية وبدأ عدد الحزبيين يزداد تدريجاً. وأول تجربة نضالية للحزب، المعركة الحقيقية التي خاضها الحزب في حلب، هي "معركة الريجي، تأميم شركة حصر التبع والتنباك في العام 1950. ويمكننا أن نقول إن هذه التجربة أفادت حزب البعث جداً، لأنها وضعته فعلاً في تماس نضالي حقيقي، ولا سيما أن شركة الريجي تمثِّل مصلحة اقتصادية كبيرة ومهمة جداً هنا في المنطقة وخصوصاً في حلب، مركزها الرئيسي، وزراعة الدخان وتصنيعه وإلى ما هنالك، وهي تطال شرائح عديدة وكبيرة من المجتمع. هذه التجربة، في الحقيقة، أغنت الحزب والحزبيين في وعيهم الاجتماعي والنضالي، لأنها كانت معركة شرسة سواءٌ مع الحكم أو مع المصالح الأجنبيَّة المرتبطة بشركة الريجي بالذات.
س: … في هذا الجانب، كيف يمكن أن نحدِّد الوضع أو الانتماء الاجتماعي للبعثيين الأوائل؟!…
ج: … البعثيون الأوائل في حلب كانوا كلهم من الطلبة الثانويين ومن شرائح اجتماعية برجوازية وطبقات وسطى…
س: … هل كان هناك من بينهم مَن كانوا ينتمون إلى عائلات كبيرة أو إقطاعية في حلب؟!…
ج: … إن أعداد البعثيين، في الحقيقة، في أعوام 1947 و 1948، كانوا قليلين جداً في حلب، ومجمل عددهم لا يتجاوز العشرين أو الثلاثين حزبياً، وهم مثقفون وطلاب ثانويون ـ فلم توجد بعد الجامعة في حلب ـ ومن شرائح اجتماعية وُسطى، وليس من شرائح اجتماعية شعبية أو من عائلات برجوازية كبيرة جداً أو عائلات إقطاعية…
س: … مَن هم أشهر العائلات السياسية والإقطاعية في حلب والمنطقة؟…
ج: هذه العائلات في حلب والمنطقة هي معروفة: الكيخيا، الجابري، برمدا، مدرِّس، الكيالي… أما عائلة الدواليبي فهي ليست عائلة كبيرة، فأول شخص وآخر شخص فيها هو معروف الدواليبي، ليست هي بعائلة غنيَّة ولا بعائلة إقطاعية ولا بعائلة عريقة. معروف الدواليبي هو إنسان عصامي، وقد كان كوَّن نفسه بنفسه…
س: … وهذه العائلات، تتعاطى أيَّ نوع من الأعمال؟!..
ج: … هي تتقاسم العمل الصناعي والتجاري والزراعي… أما انتماءاتها الحزبية، فكانت موزَّعة بين حزب الشعب والحزب الوطني. وفي حلب بالذات، فقد كانت مركزاً لجميع الأحزاب التقليدية في سورية، بمعنى أنها معقل للحزب الوطني ومن ثمّ حزب الشعب، مركز قواهما.
س: … من المعروف أن حزب الشعب هو القوة السياسية الأساسية في حلب…
ج: … في حلب، طبعاً، حزب الشعب خلف الحزب الوطني، وقسم من قياداته كان من الحزب الوطني في الأصل، بعدما انشقت عنه. فهناك نوع من الاستمرارية في العقلية ولم يتغيَّر أيُّ شىء، إنما تمثِّل العقلية التقليدية الكلاسيكية في العمل السياسي والتي تعتمد على المجتمعات الإقطاعية والتجارية والصناعية الغنيَّة وهي المهيمنة على مرافق المجتمع من خلال وسائل الإنتاج في المنطقة..
س: … هذا يعني أننا يمكن أن نحدِّد حلب ومنطقتها اقتصادياً في جوانب ثلاثة: الصناعة والتجارة والزراعة….
ج: … وهذا تحديد تاريخي وليس بالحديث. والشىء الملفت للانتباه، هو هذا الوفاء في حلب لاتجاه سياسي معيَّن: إما للحزب الوطني وإما لحزب الشعب، بمعنى أننا لا نرى شخصيَّة سياسية بارزة تخرج عن الأحزاب التقليدية. مثلاً في دمشق، قد نجد قائمة في الانتخابات تتشكل من مجموعة من الأشخاص متباينة الانتماءات السياسية أشدّ التباين، فيها الشيوعي والحزب الوطني وحزب الشعب والأخوان المسلمون، في حين أنه في حلب التصويت في الانتخابات: إما لحزب الشعب وإما للحزب الوطني، والاقتراع للائحة كاملة.
س: … في هذه الحال ما هو دور الأحزاب القومية أو العقائدية الأخرى؟!..
ج: … لم يستطع أيُّ حزب من الأحزاب التي ذكرتها، أن يُدخل إلى المجلس النيابي أيَّ نائب طوال هذه الفترة إطلاقاً، أبداً… الحياة السياسية النيابية مكرَّسة هنا إما للحزب الوطني وإما لحزب الشعب، وذلك حتى عام 1958. حلب، هكذا، وفاؤها مطلق (بمعنى أن الانتماءات السياسية، إنما هي انتماءات قبلية عشائرية في الجوهر والمضمون، كما هو الانتماء إلى القبيلة أو العشيرة سواء بسواء…)، إما لحزب الشعب وإما للحزب الوطني، والاقتراع إنما يكون للقائمة الكاملة فقط، إما لهذا وإما لذاك لا غير… ومن المستحيل في حلب أن يبرز مرشح وينجح من خارج القائمة..
س: … كيف يمكن تفسير ذلك؟!…
ج: … أعتقد أن هناك عدة أسباب: أولاً الشخصيات السياسية كانت بارزة جداً، في البداية في الحزب الوطني، ثم في حزب الشعب. ثم، القيادات الأخرى لم تستطع أن توجد البديل، البديل المنافس. يضاف إلى ذلك "عقلية الحيّ" المرتبطة بالعقلية التي هي خليفة العقلية العشائرية. فالحيّ يصبّ سياسياً في اتجاه كامل، وهو يمثَّل "عشيرة" لمراكز القوى التي هي تصبّ في اتجاه سياسي كامل. يبقى هناك أحزاب المثقفين الأخرى، الأحزاب التقدميَّة: الشيوعيون، البعثيون، القوميون. أنا هنا أذكر انطلاقاً من انتخابات عام 1954، وقد ترشح فيها أربعة (4) أعضاء من حزب البعث. ونال أكثر واحد فيهم ألقَيْ (2000) صوت، حتى يستطيع أن يدخل الدورة الثانية في هذه الانتخابات. والمرشحون الثلاثة الآخرون لا يحق لهم متابعة الانتخابات والمشاركة في الدورة الثانية (البالوتاج). والبعثيون الأربعة الذين ترشحوا لهذه الانتخابات هم: عبد الفتاح الزلط، محمد السيد، أديب نحوي، يوسف إليان…
والعودة إلى ما كنا نقوله: إن أول تجربة تماس فعلاً نضالية خاضها حزب البعث الناشىء هي معركة "الريجي" عام 1950، لأنها معركة حدث فيها تماس مع السلطة واحتكاك ومواجهة معها والمشاركة في المظاهرات والإضرابات، مما أبرزت حزب البعث كوجه نضالي لأول مرة في تاريخ الحزب في حلب ومنطقتها. فهي أول معركة سياسية يخوضها الحزب فعلاً هي معركة "الريجي"، وليس في حلب فقط وإنما في جميع أنحاء القطر. فأنا لا أعرف أن هناك معركة سياسية نضالية خاضها الحزب قبل معركة "الريجي". لماذا معركة "الريجي" مهمة؟… لأنها حصلت في عدد من المحافظات في سورية. فالدخان يصنَّع في حلب ويزرع في المحافظات السورية الأخرى. فهناك بالتالي محافظات عديدة مرتبطة بصناعة التبغ وزراعته. ومن ثمَّ، ابتدأت تتتالى التجارب النضالية وتتتابع والتي أفادت فعلاً حزب البعث في مراحله الأولى ووضعته في تماس مباشر مع الحركة العمالية والجماهيرية بصورة عامة، يعني الربط بين الحركة العمالية كحركة نضالية ونضال الحزب نفسه. ومباشرة بعد معركة الريجي 1951، ابتدأت إضرابات العمال مطالبين بحقوقهم الاجتماعية وتعويضات العمل، فحصل لأول مرَّة في حلب خروج مظاهرة عمالية ضخمة إلى الشارع وتصطدم مع الشرطة وقوات الأمن وتلجأ إلى مقرّ حزب البعث فيحصل اتصال عفوي أو نوع من التَّماس مع بعض العمال، فقادوا مظاهرة حتى مكتب الحزب. وحصل هذا الارتباط الذي تكرّس فيما بعد بين نضال العمال وبين نضال حزب البعث، كحركة قائمة، مما ساهم في خلق قيادات عمالية بعثية شابة رفدت الحزب مستقبلاً في العشرين سنة المقبلة.
س: … قلت، وهذا صحيح، بأن مدينة حلب هي موقع لجانب مهم من الصناعة وكذلك مركز تجاري وزراعي أيضاً، كيف يمكن أن نفسِّر عدم انتشار بقوة حزب كالحزب الشيوعي، خصوصاً وأن الحزب الشيوعي ينتشر أول ما ينتشر بين صفوف العمال؟!… هل هناك من تفسير لهذه الناحية؟…
ج: … إنني أعتقد أن عدم انتشار الحزب الشيوعي في الأوساط العمالية بكثافة في حلب، فهناك سببان: إما لوجود الانتماءات الدينية، وإما الانتماءات العائلية، العشائرية، وهي تمنع انتشار الحزب الشيوعي. يضاف إلى ذلك ارتباطات الناس العائلية العشائرية وبالتالي الحزبية التقليدية القديمة ـ حزب وطني وحزب شعب ـ . وكان رائجاً في تلك الأيام أن الحزب الشيوعي هو حزب إلحادي أو لاديني أو عَلماني أو حتى كافر، إلخ.. بمعنى، أن المسحة الدينية من ناحية، ثم الارتباطات العائلية العشائرية من ناحية أخرى، كانت تمنع الانتساب أو الانتماء إلى الشيوعية. أحد أفراد عائلة كبيرة، عائلة بَرّي على سبيل المثال، وهي عائلة كبيرة جداً وهي تنتمي سياسياً إلى الحزب الوطني تقليدياً، لا يمكن أن يخطر في بال أحد أفرادها أو أنصارها أن يكون شيوعياً. هذا يعني أن الارتباطات العائلية أقوى وأكبر رابط اجتماعي وبالتالي سياسي، لا يمكن لأحد أن يخرج عن قرار زعيم العائلة ومواقفها السياسية. مثل آخر، لا أحد يخرج عن آل قولي، وهي عائلة حلبية كبيرة، كانت تؤيد حزب الشعب وتدعمه. وقد خطر لهم أن يتمرَّدوا على حزب الشعب وأن يرتبطوا بحزب البعث، كعائلة، ونحن كنا نجد صعوبة في تقبل هذا المنطق فعلاً، بمعنى أن نكون نحن البعثيين ورثة (لجمهور) حزب الشعب وهذا غير مقبول بالنسبة إلينا عقائدياً. فكنت ترى، في هذه الحالة، أن هذه العائلة ستتفكَّك، في الوقت الذي ينسحب فيه مرة واحد من أفرادها، من موقع سياسي إلى موقع سياسي آخر… وأعتقد بأن هذا الواقع ينطبق أيضاً على باقي المحافظات السورية وعلى جميع أنحاء الوطن العربي بصورة عامة…
س: … هنا، وبما أننا نتحدَّث عن الحزب الشيوعي، والحزب الشيوعي كمحاولة إدخال نمط جديد في العمل السياسي والتنظيم الحزبي وعلى المستوى الفكري، فلو أردنا أن نقوم بمقارنة بسيطة وسريعة بين حلب والشام، (دمشق)، فإننا نرى بأن نفوذ الحزب الشيوعي ما بين الحزبَيْن 1934 ـ 1938، أقلَّه على الصعيد الفكري والثقافي، قد كان بارزاً، فهل برز شىء من هذا القبيل أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها في مدينة حلب؟!…
ج: … حتى أستطيع أن أعطيَ فكرة عن حجم الحزب الشيوعي، ولكي أكون موضوعياً في حكمي، ففي الانتخابات النيابية لعام 1954، على سبيل المثال، فإن حزب البعث العربي الاشتراكي نال 2000 صوت في حلب في الحدِّ الوسط، في حين أن الحزب الشيوعي حصل على 7000 صوت. فهذا يعني أن للحزب الشيوعي قواعد شعبية وأصوات انتخابية أكثر، وهذا يترجم أن القاعدة الشعبية للحزب الشيوعي أوسع من حزب البعث قطعاً. فهناك أكثر من سبب: أولاً، له (الحزب الشيوعي) تجربة عالمية وأقدم بكثير في العمل السياسي. وثانياً، فإن هُوية الحزب الشيوعي السياسية والنضالية كانت واضحة في تلك الانتخابات، وحزب البعث لم تكن بعد هُويته السياسية والنضالية قد توضَّحت.
وفي المقارنة مع دمشق، فأنا أعتقد أنها (دمشق) نموذج خاص، ذلك أنه في تلك المرحلة استطاع الحزب الشيوعي وعمل على إنجاح نائب في المجلس النيابي، وهو خالد بكداش. مع العلم أنه لم ينجح لأنه ماركسي شيوعي، بل لأنه كردي. نجاح خالد بكداش، يعني كذلك نجاح علي بوظو، وهو أيضاً كردي ومن حزب الشعب. لذلك، فلنعد مرة ثانية إلى موضوع العائلية والعشائرية: فإن الارتباطات العائلية والعشائرية أقوى من الارتباطات الحزبية. ومع ذلك، فإن خالد بكداش وعلي بوظو استطاعا أن ينجحا في دمشق، والإثنان كرديان، واحد حزب شيوعي والآخر حزب شعب. وآل بوظو عائلة كردية معروفة. فلو رشَّح خالد بكداش شخصاً شيوعياً آخر معه في القائمة، فإنه قد يحصل على ربع الأصوات التي حصل عليها خالد بكداش. وهذا يعني أن التصويت في الانتخابات، لم يكن على أساس حزبي أو ماركسي، وإلاّ لحصل الإثنان على الأصوات بالتساوي تقريباً…
س: … كيف يمكن أن تقدِّم لي صورة عن علاقة حزب البعث العربي عند نشوئه، وهي المرحلة التي تهمني أن أستوعبها أنا شخصياً، علاقته مع القوى الموجودة في الساحة السياسية، سواءٌ القوى التقليدية أو القوى السياسية الأخرى؟!…
ج: … الواقع، أن الصراع الحقيقي لم يكن مع القوى السياسية التقليدية بصورة مباشرة وفي المواجهة، أقصد حزب الشعب والحزب الوطني. فلم يكن هناك من مجال، أولاً كحجم سياسي واجتماعي، للمقارنة بين مثلاً حزب الشعب وخصوصاً في تلك الفترة، وبين انطلاقة حزب البعث المتواضعة جداً. بمعنى أنه لم يكن يخطر في بالنا آنذاك أن ندخل نحن في منافسة مع حزب الشعب، لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية الجماهيرية. ولكن الصراع الحقيقي قد كان مع الشيوعيين والأخوان المسلمين والحزب السوري القوي. وحتى تتوضَّح لنا الأمور، فلم نكن نعتبر الأحزاب التقليدية خصماً لنا أصلاً، لأنها في الواقع تمثِّل قيادات (وزعامات سياسية) وليس لها قواعد (تنظيمية حزبية على الأرض) حتى نتناقش معها أو نتصارع. إنني أتحدث هنا عن المرحلة ما قبل الخمسينات (من القرن العشرين). أما في المدرسة وفي الثانوية، فكان الصراع والنقاش يحتدم مع الشيوعيين والسوريين القوميين والإخوان المسلمين، هذا هو الصراع الحقيقي فكرياً وعقائدياً وسياسياً. أما الأحزاب التقليدية، فلم يكن هناك من تماس على هذا الصعيد بيننا وبينهم. متى ابتدأ التَّماس معهم، عندما أخذ النضال الحقيقي من خلال المظاهرات والإضرابات وإلى غير ذلك. ومن ثمَّ، التَّماس مع السلطة، لأن السلطة تمثِّل هذه الأحزاب التقليدية، أي بعد الخمسينات (من القرن العشرين)، ومعركة "الريجي" قد كانت بالمعنى الحقيقي هي انطلاقة النضال وبدايته ضد هذه الأحزاب والقوى التقليدية…. هل هذا واضح؟!….
س: … أجل، واضح تماماً، وهذا ما يهمني أن نتعمق في هذا التحليل الاجتماعي السياسي، يهمني هذا الموضوع أنا شخصياً وهذه الطريقة أو المنهج في التحليل الاجتماعي، مما يُلقي أضواءً على الجوانب السياسية الأخرى. لذلك فأنا أؤكد وأشدِّد كثيراً على هذا الجانب…. لقد تحدثنا وقدمت لي لمحة عن الحزب الشيوعي، ومن أجل أن نكمِّل الصورة عنه، فمن هي الوجوه القيادية الشيوعية البارزة في حلب وانتماءاتها الاجتماعية؟!…
ج: … إن الوجه البارز جداً في مدينة حلب هو أحمد المحفِّل وشخص آخر أرمني اسمه بيار شادرافيان. وكان هناك أعضاء كثيرون آخرون من الأرمن أيضاً. وهؤلاء لم يكونوا من الطبقة العمالية، وإنما هم مثقفون…. وكان لهم نشراتهم وبياناتهم الدورية وتصريحاتهم في الظروف السياسية. وإذا لم يكن لهم مجلة خاصة بهم، إلاّ أنه كان لهم جريدة تصدر في دمشق… وبطبيعة الحال، كان لهم مطبوعات خاصة بهم توزَّع فيما بينهم وبين جمهورهم.
س: … هنا ننتقل إلى الحديث عن نشاط الحزب القومي السوري، بداياته وإلى أيِّ مدى كان يتمتع بقوة جماهيرية في حلب…
ج: … الحقيقة، إن بدايات الحزب السوري القومي في حلب، كانت متواضعة وبقيت واستمرت متواضعة. بمعنى أنه لم يبدأ وجوده ونشاطه، حتى انتهى. (أي على أثر اغيتال العقيد عدنان المالكي). كان له نشاط ملحوظ في بعض المناطق. وهذا النشاط مرتبط بوجود بعض الأشخاص المعيَّنين، يقومون بنشاطات سياسية. وكانوا من الوجوه المقبولة في أوساطهم، فاستطاعوا أن يقيموا لهم بعض القواعد الحزبية، ليس في مدينة حلب بالذات، وإنما في محيطها. ومن وجوههم البارزة، على سبيل المثال، عمر أبو زلام وهو شخص معروف. وقد استطاع أن يبرز في المنطقة، والمنطقة كانت تفتش عن وجوه قيادية مقبولة، لوجود فراغ في هذه الناحية. ولكن فترة وجود الحزب السوري القومي ونشاطه كانت فترة قصيرة جداً.
س: … الأخوان المسلمون، هل جذورهم قوية في حلب؟!…
ج: … الأخوان المسلمون: في الحقيقة، إن ما ساعدهم، إنما هي المسحة الدينية في مدينة حلب. وقد يستطيعون أن يقيموا قاعدة جماهيرية واسعة مثل الأحزاب التقليدية الكلاسيكية، مثل الحزب الوطني وحزب الشعب. ولكن الحزب الوطني وحزب الشعب كانا يُمسكان بمجمل النشاط السياسي (بالإضافة، كما رأينا، إلى النشاط الصناعي والتجاري والزراعي) دون أن يكون لهما قواعد تنظيمية واسعة. ومن الجائز في هذه الحالة أن يتعاطف الناس مع الأخوان المسلمين كأجواء ذات مسحة دينية وكاتجاه ديني، من غير أن يكون لهم تنظيمات حزبية بين جماهير الشعب. ولكن، بوجود الأحزاب التقليدية الكبيرة، الحزب الوطني ومن ثمَّ حزب الشعب، فقد أُلغيَ دور الأخوان المسلمين نهائياً في حلب. أما في دمشق، فإذا لم يكن هناك تنظيم لقواعد الأخوان المسلمين واسع، إلاّ أنه يمكنهم أن يُنجحوا نواباً. مثلاً، الشيخ مصطفى السباعي الوجه البارز ومؤسس الإخوان المسلمين في دمشق، أو غيره، قد ينجح في الانتخابات النيابية. ولكن، هنا، في حلب، لا يمكن أن ينجح، لأن غالبية أصوات الشعب تبقى في تأييدها وتصبّ لمصلحة الحزب الوطني أو لحزب الشعب.
س: … هنا، وكما لاحظت، كواقع سيسيولوجي سياسي…
ج: … هذه الأحزاب التقليدية الكبيرة عائق كبير جداً في وجه انتشار الإخوان المسلمين كقوة سياسية فاعلة. هذا يعني، بكلام آخر، أن حلب لا "تُحْسِن" أن تصوِّت إلا للقائمة بكاملها. وفي الوقت الذي يخرج فيه المرشَّح عن القائمة، يرتبك ويضيع. ولم نعرف قط أن أحداً نجح من خارج القائمة. العكس في دمشق، لم يُعرف في تاريخها السياسي الانتخابي أن نجحت القائمة بكاملها، والسبب في ذلك، ربما، هناك الأصوات الدينية وهناك الأصوات الكردية، وأصوات التجار والشعب…
س: … إذن، فإن الدراسة السسيولوجية السياسية حول دور العائلات ودور الواقع العشائري والعلاقات التقليدية الراسخة في حلب ومنطقتها، هذا الجانب من الدارسة يأخذ هنا كل الأهمية العلمية. فهل هناك من دراسات منشورة حول هذا الموضوع؟!..
ج: … لا أعتقد… ولكن أنا أتصور أنه إذا أخذ الواحد منا اللوائح الانتخابية والأحياء، حياً حياً، وبحسب عدد الأصوات، فيستطيع أن يستنتج من ذلك كلِّه، عن طريق "الراجع" ـ كما نقول في الطب ـ rétrograde، ويحصل على التكوين الاجتماعي للحزب الشيوعي في حلب، وللأحزاب الأخرى ( وهذا ما يُسمى بـ "علم الاجتماع الانتخابي"، وهو غير مستخدم حتى الآن في دراساتنا وبحوثنا السياسية الاجتماعية وبخاصة في جامعاتنا..) ولكن، للأسف الشديد، ليس هناك من دراسة، وأنا واثق من ذلك، حول هذا الموضوع،…. إننا نستطيع بالاعتماد على علم الاجتماع والمناهج الإحصائية أن نرى في أيّ منحى تصبُّ أصوات الناخبين ونستنتج كيفية توزُّع الاتجاهات العائلية والعشائرية (والعمالية والطبقات الوسطى والبرجوازية التجارية والزراعية، وسائر الشرائح الاجتماعية الأخرى…).
س: … هذا الجانب مهم جداً…. هنا أودّ أن أنتقل إلى موضوع آخر، وهو موضوع حسّاس جداً، أعنى به: علاقة الطائفة أو الطائفية بالعمل السياسي والحزبي. بمعنى آخر، هل الحزب الشيوعي، على سبيل المثال، كان قد انتشر في أوساط طائفية معيَّنة؟… وكذلك حزب البعث العربي هل نشأ وتوسع انتشاره في بيئات اجتماعية طائفية أو مذهبية معيَّنة؟!….
ج: … في حلب، هناك طائفتان: الأرمن والمسيحيون. يوجد عدد هائل من المسيحيين يصل إلى ثلث سكان حلب…. طبعاً، هنا يدخل في هذا العدد كل المسيحيين ومعهم الأرمن. أما الأرمن، فبحكم وجود أرمينيا وأحزاب "الطاشناق" و"الهشناق"، فلا يشكلون عددياً قسماً كبيراً في الحزب الشيوعي، وعلى الأقل إذا لم يكونوا شيوعيين منظمين، إلاّ أنهم يدلون بأصواتهم في الانتخابات للمرشحين الشيوعيين، وخصوصاً اليساريين من "الهشناق"، في حين أن "الطاشناق" يضم في صفوفه إلى حد ما الرأسمالية الأرمنية. من هنا، على الأقل، جزء من الأرمن ملتزم مع الحزب الشيوعي، قطعاً، ولو أنه ليس هناك من تماس أو التصاق بينه وبين الأرمن إلى حدٍّ كبير، ذلك أن الأرمن في حلب منغلقون قليلاً على أنفسهم، كما في بيروت.. والمسيحيون، فهم بشكل عام أقرب إلى السلطة وأصواتهم الانتخابية تصبّ في هذا الاتجاه، وذلك ككل الأقليات بمعنى ما. وهم يصوِّتون في أغلب الأحيان للوائح حزب الشعب الانتخابية.
س: … هل برز وجوه مسيحية قيادية على الصعيد العمل السياسي؟..
ج: … جداً، جداً… لنأخذ الحزب الوطني في حلب، على سبيل المثال، فقد كان المنظِّرون للحزب من المسيحيين ومن قادته الكبار وفي المنطقة أيضا: ميخائيل إليان وهو من قادة الحزب الوطني في حلب. وكذلك في حزب الشعب ظهرت قيادات مسيحية كانت بارزة جداً: ليون زمريّا، إدمون حمصي، جبرائيل غزال، إنطاكي. وكان منهم وزراء وسياسيون كبار ومفكرون ومثقفون ثقافة عالية… إذن، هناك تكتل جماهير كبير وواسع وجمهور مثقف وهو ذو مستوى ثقافي منتشر وعالٍ جداً. ولهذا الجانب له أسبابه التاريخية: علاقة المسيحيين ثقافياً ودينياً بلبنان، معرفتهم للِّغات الأجنبية، امتيازاتهم أثناء الحكم الفرنسي في سورية، فقد كانوا مميَّزين قطعاً…
س: … هذا الجانب الطائفي، الأرمن والمسيحيون، هل كان يبرز على صعيد الصراع السياسي؟… بمعنى آخر، هل كان هناك ما يمكن أن نسميه بـ : "صراع طائفي"؟!…
ج: … لا أعتقد ذلك أبدا…. لا أعتقد أنه كان هناك صراع طائفي، والسبب هو عندما كان الحزب الوطني، مثلاً، يدخل الانتخابات، فإنه يسعى إلى إنجاح القائمة بأكملها، المسيحيين والمسلمين سواء بسواء. لمدينة حلب خمسة عشر (15) نائباً، ثمانية (8) نواب من المسلمين، وسبعة (7) نواب من المسيحيين…… فلا أعتقد أنه قد ظهر أيُّ تمييز أو أيُّ خلاف أو اختلاف طائفي، لا، أبداً… بالعكس من ذلك، فإن حلب كانت نموذجاً جيداً، لأن القيادات السياسية كانت قيادات حزبية بالدرجة الأولى وبالتالي فإن هذه المشاركة حذفت المشكلة الطائفية وألغتها… فقد ارتبطت أسماء مسيحية بارزة بنضالهم السياسي ضد الاستعمار الفرنسي. من هنا، فإن هذا التزاوج بين نضال القيادات المسيحية ضد الانتداب الفرنسي، عزَّز معهم التآخي والتلاحم سواءٌ مع قيادات الحزب الوطني أو حزب الشعب….
ثم، عندما جاءت الأحزاب الأيديولوجية، العقائدية: الحزب السوري القومي أو حزب البعث العربي، كذلك كانت قياداتهما من المسيحيين: أنطون سعادة، ميشال عفلق، وهذا بشكل عام، لم يؤدِّ ذلك إلى أيِّ تمييز بين دين ودين أو بين مذهب ديني وآخر…
س: …. في هذا المجال، هناك سؤال يُطرح بإلحاح: هل ظهر داخل حزب البعث ومنذ البدايات الأولى، أيُّ تمييز طائفي أو مذهبي بين الأعضاء البعثيين؟!..
ج: … أبداً… أبداً… على الإطلاق… لم يظهر ذلك بين صفوفنا كحزبيين ولم نكن نعرفه قط طوال حياتنا الحزبية ولم نسمع به إطلاقاً. على الأقل، في حلب، لم نعرفه وليس من أحد بيننا شعر به، علماً أننا علمنا فيما بعد أن بين القيادات في الحزب أعضاء من طوائف معيَّنة، ونحن لا نعرفها ولا يمكن لأحد منا أن يسأل لمعرفتها….
س: … أودّ هنا أن أطرح سؤالاً حول زكي الأرسوزي ودوره، كما يُشاع ويُقال، في تأسيس حزب البعث العربي، وقبل أن نصل إلى بحث هذه النقطة بالذات، هل حصل معرفة شخصية بينك وبينه، وكيف؟!…
ج: … لقد جاء زكي الأرسوزي إلى حلب عام 1948 ـ 1949، وكنا نحن من أوائل تلاميذه، سواءٌ في الصف أثناء الدَّرس أو على المستوى الشخصي. وقد استمر في التَّدريس في مدينة حلب ثلاث سنوات وكان يدرِّس مادة المنطق والفلسفة. وهو كان يعتبر نفسه ـ أو هكذا يقول ـ أنه واضع أفكار الحزب الرئيسية وأن ميشال عفلق "سرق" هذه الأفكار. وهذا ما كان يكرِّره بشكل دائم ومستمر. ولكن، فيما عدا ذلك، لم يكن له أيُّ نشاط حزبي أو سياسي أو فكري أو غير ذلك على الإطلاق…. أبداً… أبداً… وبالمقابل، فإن النشاطات الحزبية الحقيقية، فقد كانت لأوائل الحزبيين في حلب: سليمان العيسى، ثم جاء أدهم مصطفى، ثم فائز إسماعيل… أما زكي الأرسوزي، فلم يكن له أيُّ دور حزبي أو فكري سياسي يذكر في هذا النطاق. إنه إنسان كان يعيش في برجه العاجي المغلق، وهو يحمل أفكاراً غير منظَّمة…
س: … إلى هنا، دكتور نزار (مصَّصاتي)، إذا سمحت، هل يمكن، وحسب ذكرياتك، ونتحدث هنا ونحن عام 1948 ـ 1949، وأنت في الصف وزكي الأرسوزي أستاذ لك، هل يمكنك أن تقدِّم لي صورة عن شخصيَّته، كأستاذ، كمفكر، وبحسب انطباعاتك الشخصية في تلك الفترة؟!…
ج: …. إن ما يبرز في شخصيته إنما هي أفكاره التقدمية وذلك على أساس أنه إنسان تقدُّمي. وهي المرة الأولى التي كنا نتعرّف فيها على إنسان مثقَّف ثقافة فلسفية علمية. وهذا الشيء لم نكن لنعرفه في السابق. فأكثر المدرسين الثانويين، لم يكونوا بعد من خريجي الجامعات العليا. فكان زكي الأرسوزي يبرز بثقافته الغربية ويدلي بآراء فكرية طريفة، غريبة علينا في ذلك الحين. إلاّ أن فكره غير منظَّم والأمور مختلطة بذهنه بصورة عجيبة، هذا هو الانطباع الذي تركه في نفسي وأنا أتحدث في هذا الموضوع من الذاكرة. إن الانطباع الذي كان يتركه دائماً أنه إنسان يحمل فكراً غير منظَّم وغير واضح وغير قادر على العطاء المنظَّم (في التأليف والكتابة الواضحة في الشكل وفي المضمون….)، يعني أنه عبارة عن أفكار تتَّسم بكثير من الغموض وغير محدَّدة، سواء من النواحي السياسية أو من ناحية شروحه لدروسه في الفلسفة والمنطق بصورة خاصة. إنما إنك أمامه تشعر أنه إنسان يملك ثقافة غربية بالنسبة إلينا نحن الطلبة الثانويين آنذاك وبمقارنتها مع ثقافة المدرسين الآخرين الذي كانوا يدرسوننا، فإن ثقافته تتميَّز عنهم في هذه الأشياء.
س: … لقد بدا لي من خلال ما عرضته لي وكأن هناك شيئاً من التناقض، بمعنى أن الأرسوزي إنسان مثقف وعلى معرفة بالثقافة الغربية من جهة، أما فكره فهو فكر غامض وغير منظَّم من جهة أخرى….
ج: … أفكاره السياسية غير واضحة. فعندما يطرح أفكاراً سياسية، فإنك تحسّ أن الغموض إنما يأتي من بين شروحه وشروده. فله شرود من الصعب ضبطه (أو الإحاطة به)، فيدخل أحياناً في الخيال وفي الأحلام…
س: … هل كان ذلك يستهويكم كثيراً؟!…
ج: … يعني، لم نكن نحن كبار السن، وهو قد كانت شخصيته قريبة، "مهضومة"، (وليست بالنسبة إلينا كطلبة منفِّرة) وهذا الشىء مميَّز وجيد. فكان يقوم بتدريس مادة جافَّة، المنطق والفلسفة، بأسلوب مشوِّق. من هنا كان يستهوينا، نحن الطلاب، بأسلوبه وطريقته في الحديث، وخلطه بين الأحلام الحقيقية وأحلام اليقظة، ومعالمه الفكرية لم تكن واضحة كثيراً وفكره لم يكن منظَّماً وواضحاً، فكان يخلط بين المنامات الحقيقية ومنامات اليقظة…. ولتوضيح ذلك أقول، على سبيل المثال: لقد كان الأستاذ زكي الأرسوزي يروي لنا كثيراً ويردِّد في الصف أنه هو الذي وضع الأفكار الأساسية لحزب البعث، ثم جاء الآخرون المؤسّسون وسرقوا هذه الأفكار منه، وبالأخص يذكر ميشال عفلق بالذات. ويروي أيضاً أنه رأى في المنام أنه سيصبح رئيس جمهورية، لأن الحمائم البيضاء تأتي وتحطّ على رأسه على شكل تاج، وكثير من الأشياء والروايات على هذا الشكل. فهو كان يخلط بين المنامات والحقائق الواقعية…
س: … هل كان لديه اعتداد وادِّعاء بشخصه؟… هل كان يتصوَّر نفسه "زعيماً"؟…
ج: … لا أعتقد أنه كان يتصوَّر نفسه زعيماً، ولكن من الصعب تقييمه، ولا أعرف إذا كان هذا الإنسان لديه، أو مصاب بما يمكن أن نسميه: أحلام يقظة أو ازدواج وانفصام في الشخصية…. من الصعب عليّ أن أوضِّح أكثر هذا الجانب من شخصيته، وأنا في تلك المرحلة من العمر، أن أتخيَّله الآن. وإنما، لا شك في أنه كان ميتافيزيقياً (بمعنى غَيْبِيّاً، ماورائياً) إلى أبعد الحدود، هذا إذا لم يكن طبيعياً…
مداخلة مصطفى بكّور السيِّد: … إذا سمحتم لي بهذه الكلمة: زكي الأرسوزي، كان يعتبر نفسه هو "الزعيم"، لأنه، كما تذكر ، كان دائماً يقول لي"قصة الموزة"، عندما تزحلط بقشرة الموز ووقع على الأرض وانكسرت يده أو رجله، فاعتبر أن الاستعمار الإنكليزي هو الذي وضع له هذه القشرة من الموز خصيصاً للقضاء على زعامته. وكذلك، عندما نُقل من التجهيز الأولى للبنين إلى التجهيز الأولى للبنات، في حلب، اعتبر ذلك مؤامرة حيكت ضدَّه لإبعاده عن الشباب ويلحقونه بالنسوان….
س: … يُقال إن زكي الأرسوزي مرَّ بمرحلتَيْن: مرحلة استلم فيها قيادة الحركة القومية في أنطاكية وفي سورية عشيَّة الحرب العالمية الثانية والمرحلة الثانية هي المرحلة التي أصيب بنوع من الاهتزاز في شخصيته. فالصورة، كما يقول أصدقاؤه، هذه الصورة المهزوزة عن شخصيته هي الصورة عن المرحلة الثانية وليست عن المرحلة الأولى من حياته.
ج: … (مقاطعاً) نحن، في الحقيقة، نعرفه في المرحلة الثانية من حياته (يضحك)، ولم نعرفه في المرحلة الأولى.
س: … لقد قلت لي البارحة أن ليس للأستاذ زكي الأرسوزي مرحلتان… هي مرحلة واحدة…
ج: … أنا لم أر المرحلة الأولى ولم أعرفها أو أعايشها. وأنا لا أريد أن أتحدث: قيل عن قال. فأنا لم ألحق إلاّ المرحلة الثانية. زكي الأرسوزي، بالنسبة إليّ، إنسان وطنيّ، قطعاً، مخلص، يحب العطاء، ولكنه ليس تلك الشخصيَّة المنظَّمة واضحة التفكير… قد يكون لديه المعلومات الثقافية الكثيرة (بالنسبة إلى الطلبة والمتعلمين الآخرين في تلك الفترة الزمنية)، ولكن المهم في فكره هو إعجابه المطلق بالقضية العربية وخصوصاً بالإنسان العربي، وتركيزه فقط على هذه القضايا. ولم يأت على ذكر الإسلام قط، وإنما تركيزه على اللغة العربية، على ما أذكر، مع أن هذا الموضوع قد مضى عليه فترة زمنية طويلة. فقد كان معجباً جداً باللغة العربية وأن عبقرية العرب إنما هي في لغتهم. وإذا قارنت الأرسوزي مع ميشال عفلق، فإن ميشال عفلق يرى عبقرية العرب في الإسلام. إن الأمة العربية كانت قد أعطت كثيراً للحضارة العالمية، وذروة العطاء هو الإسلام. بينما يعتبر الأرسوزي أن ذروة حضارة الأمة العربية هي لغتها. وهذا فرق جوهريّ: يعني بين اللغة والتاريخ….
س: … ومن حيث معيشته ولباسه وأكله وسكنه…
ج: … لقد كان الأرسوزي أنيقاً في لباسه وهندامه إلى أبعد حدود الأناقة، وفي منتهى الأناقة، وفي ذروة الأناقة، على الرُّغم من عمره وكان في تلك الفترة قد تجاوز سن الخمسين. وكان يضع دائماً على رأسه القبَّعة الأجنبيَّة ـ le chapeau ـ فقد كان يهتم بأناقته جداً جداً ويبدو نموذجاً للأناقة، على الرُّغم من تقدُّمه في العمر. وهذا الجانب مُلفت للانتباه…
س: … وكيف كان وضعه المادي والمعيشي بحسب معرفتكم له، ذلك أن الأناقة المفرطة والمقصودة تستدعي حكماً أن يكون وضعه المادي جيداً؟!…
ج: … لقد كان يعيش لوحده، فهو غير متزوج وليس له أولاد… وفي تلك الأيام. فإن الراتب الشهري للأستاذ الثانوي يكفي لكي يعيش في بحبوحة في حياته. فالمعلم في المرحلة الابتدائية كان يمكنه أن يعيش في بحبوحة، فما بالك بالأستاذ الثانوي الذي كان يُعتبر راتبه الشهري نسبياً ضخماً جداً وبالنسبة إلى مستوى المعيشة في تلك الفترة وبخاصة في مدينة حلب وإذا لم يكن للأستاذ أعباء عائلية. ولقد كان من المعروف لدينا أنه يتناول دائماً طعامه في المطعم ويجلس في مقاهي النخبة، مقاهي المثقفين في المدينة، وهي معروفة في حلب، وفي أجواء أنيقة جداً. بكلمة، لقد كان الأستاذ زكي الأرسوزي في كل حياته أنيقاً…
س: … لننتقل الآن ونتحدَّث عن المخيَّم الذي أقامه حزب البعث في بلودان، وذلك فيما يبدو ـ وكما سمعت من حديثكم ـ كمرحلة لها أهميتها في تطور مسيرة الحزب…
ج: … أنا لا أريد أن أعطيَ مخيَّم حزب البعث أكثر مما ينبغي من المعنى السياسي الحزبي. إنني أعتقد أنه كان تقليداً، في تلك المرحلة، للأحزاب التي تُسمى "الأحزاب الحديدية". لقد جرَّب الحزب أن ينهج نهج تلك الأحزاب وأن يأخذ مظهر القوَّة…. ولكن هذه المظاهرة الخارجية لا تناسبه ولا تليق به، ولذلك كانت تجربة فاشلة ولم تتكرَّر. وهي لا تنسجم مع فكر الحزب وأيديولوجيته. فقد حاول أن يقلِّد الأخوان المسلمين الذين سبقوه في هذا الاتجاه….
مصطفى بكّور السيِّد: … إن الغاية أيضاً من عقد هذا المخيَّم هو تهيئة كادرات قيادية للحزب….
د. نزار مصَّصاتي: … لقد كان في تفكير الحزب وبرنامجه أن يقيم مخيَّمات صيفية دورية. وأنا في قناعتي أنه كانت "الموضة" في تلك المرحلة أن الأحزاب الصاعدة، مثل الحزب السوري القومي وحتى الأخوان المسلمين ربما، وحزب فيصل العسلي الحزب الوطني الاشتراكي، كانت تقيم مخيَّمات تدريبية، فحاول حزب البعث العربي أن يجاري هذه الأحزاب الحديدية في تصرفاتها. ولكن أنا أعتقد أن تفكير هذه الأحزاب بعيد عن أيديولوجية حزب البعث وفكره السياسي. وفي رأيي أن أول تجربة نضالية لحزب البعث، وهي بمثابة مفترق الطرق، "معركة الريجي"… وفي ما يتعلق بالمخيَّم، ومن ناحية عدد الأعضاء المشاركين فيه، فلا بد هنا من الإشارة إلى أن هناك ميِّزة في هذا المخيَّم وهي أن عدد الأعضاء نسبياً في تلك المرحلة مقبول، ومن ثمَّ أعداد الحزبيين البعثيين من الأقطار العربية المشاركة فيه. فكان المشاركون بعثيين سوريين ولبنانيين وأردنيين وعراقيين ويمنيين…. هذه التعدُّدية أعطت انطباعاً أن الحزب في الأصل منطلقه منطلقاً قومياً وتكريساً لأيديولوجيته أكثر منها أيّ شىء آخر…
س: … المدَّة التي أمضاها المخيَّم في بلودان؟…
ج: … قرابة الشهر. وبرنامجه اليومي، رياضي صباحاً، ثم يعقبه فطور وبعده دروس وحلقات فكرية، ومن ثمَّ مسيرة رياضية. وبعد الغداء، يتبعه بعد الظهر دروس وحلقات أيضاً فكرية، ثم في المساء ندوة فكرية يشارك فيها في الغالب أحد قياديي الحزب: صلاح الدين البيطار، وهيب الغانم. ولكن المحاضر الأساسي طوال أيام المخيَّم كان الأستاذ ميشال عفلق وبصورة دائمة وبشكل دوري…. أما جلال السيد فلم يشارك في هذا المخيَّم ولم يحضر ولو لمرة واحدة، مع أنه كان يتردَّد إلى بلودان… إن السؤال الذي طرحته عليَّ البارحة ومؤداه: كيف يمكن أن يضمّ حزب البعث في صفوفه ويكون من مؤسِّسيه بعض رجال العشائر سلوكاً وعقلية وفكرياً وثقافياً…. وهم، البعثيون، ومنذ البداية، قوميون عروبيون تقدميون اشتراكيون؟!….. وأنا لا أزال حتى الآن أفكر في سؤالك. وهذا غير طبيعي…
س: … طيِّب، مَن هي الوجوه البارزة الأخـرى التي جذبتكم إلى حزب البعث ودفعتكم إلى الانتماء إليه؟…
ج: … لا شك في أنه كان الدكتور وهيب الغانم، وهو إنسان مثقف جداً وكذلك من مثقفي الحزب: جمال الأتاسي، عبد البرعيون السود وهو إنسان مثقف إنساني… وكثير غيرهم من مثقفي حزب البعث… وهؤلاء المثقفون، في الحقيقة، كنا نعرفهم ونحن في حلب من خلال جريدة "البعث"…. وأعتقد بأن أعداد الذين شاركوا في المخيَّم يصل إلى (150) مشاركاً…. وهناك رسوم مالية تدفع للمشاركة في هذا المخيَّم للمساهمة في تغطية التكاليف واللَّوازم الضرورية طوال مدة الإقامة… فلم يكن إطلاقاً مخيَّماً مجاناً للأعضاء المشاركين، لا، أبداً… وأكثرية المشاركين كانوا من الطلبة الثانويين ومعظمهم من الطلبة الجامعيين. علي جابر من لبنان، آخر سنة طب، وعدد كبير من الطلبة الجامعيين الأردنيين والفلسطينيين والعراقيين. (أحمد خريس من الأردن….)..
مصطفى بكّور السيد: … الشىء العجيب الغريب أن أحداً منا لم يُسجِّل يوميات هذا المخيّم ولا أسماء الحضور وأعدادهم أو عناوين المحاضرات والندوات التي ألقيت…
س: … بل الأكثر من ذلك أن الشىء العجيب الغريب هو عدم وجود محاضر جلسات المؤتمر التأسيسي الأول، فهناك خلاف واختلاف حول الحضور وأسماء الحضور، ومَن هو أمين السر للمؤتمر والتقارير التي قدمت إلى الهيئة العامة للمناقشة ومَن قدّّمها ومَن هي لجنة الصياغة، إلخ.. فهذه الأشياء جميعها وغيرها، عليها حتى الآن خلافات ليس لها أول ولا آخر، وكل واحد يقدِّم معلومات قد تختلف أو تتناقض مع الرأي الآخر وهكذا…. بمعنى أنه لم يكن هناك أيُّ اهتمام بالوثائق أو أرشيف الحزب على الأقل غير السريَّة…
وفي كل الأحوال، أودّ الآن أن أنتقل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة مهمة جداً في تاريخ حزب البعث وتطوّره السياسي، أعنى بذلك عملية الاندماج بين حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي وما مدى تأثير ذلك في وضع الحزب وواقعه سلباً أم إيجاباً، هنا في حلب، ولنُبق الحديث عن البعث في حلب؟!… ولا بدّ فقط للتذكير أن انطلاقة الحزب العربي الاشتراكي برئاسة أكرم الحوراني، كانت من هنا، من حلب، وهي تُحدَّد عام 1950 بانعقاد مؤتمر الفلاحين…. فما يهمني أن أعرفه هو مدى تأثير عملية الدمج في مسيرة الحزب في حلب بالذات، هل كنتم أنتم كحزبيين بعثيين مع أو ضد الدمج؟…
ج: … بالعودة إلى طرح هذا الموضوع ومناقشته، فلا شك في أن الحزب العربي الاشتراكي، في البَدء، لم يكن وجوده في حلب، بقدر ما هو في الريف، كما هو أكرم الحوراني كسياسي وكقوة شعبية في الريف. (بمعنى أن قواه السياسية إنما هي بين الفلاحين في الأرياف). وزعامة أكرم الحوراني أصلاً، ليست في مدينة حلب، وإنما في ريف حماه. وكان دائماً يصرّ على أن تجري الانتخابات في ريف حماه مع مدينة حماه، لأن ذلك يضمن نجاحه. وكثير من المعارك السياسية الكبيرة التي كانت تحدث، هي بين الريف ومدينة حماه، وهذا هو الخلاف الحقيقي… وما كان يردف الحزب العربي الاشتراكي وأكرم الحوراني ـ والحقيقة، الحزب هو أكرم الحوراني ـ هو الريف دائماً. وفي مدينة حلب، وما كان يردف الحزب العربي الاشتراكي، هو أيضاً الريف. وبتعبير آخر، فإن أكرم الحوراني كان يعرف ويحسن مخاطبة الفلاحين، أكثر مما كان يعرف أن يخاطب سكان المدن (في المدن، إقامة الملاكين الزراعيين الكبار والبرجوازية الزراعية والتجارية الكبيرة، حيث نفوذهم الواسع ومركز مصالحهم التجارية الكبرى…). وتوجهه السياسي والاجتماعي ينصبّ لمواجهة الإقطاع بالدرجة الأولى أكثر من مواجهة البرجوازية الصناعية أو المالية.
فأول ما تأسَّس الحزب العربي الاشتراكي في حلب، كان رئيسه شخصاً اسمه محمد مهدي الزعيم. وآل الزعيم أصلهم من حماه، وأقاموا في حلب. ولكنه لم يستطع أن يُنشِّط الحزب وبقي على هذا المنوال سنتيْن دون أيّ نشاط يذكر، ويقتصر على بعض الأشخاص لا أكثر…
س: … مَن هي الوجوه البارزة في الحـزب العربـي الاشتراكي في حلب؟!.. وما هو دور عبد الفتاح زلط؟
ج: … الواقع، لم يكن من الوجوه البارزة سوى محمد مهدي الزعيم. أما عبد الفتاح زلط، فقد كان له اهتمامات تقدمية اجتماعية أكثر منها حزبية. وهو حتى ذلك الحين لم يستقر فكرياً وسياسياً بعد. إنه من دون شك إنسان تقدمي، ولكنه كان يُحسب مرة على الماركسيين، ومرة أخرى على التقدميين. فلم يرسخ فكره السياسي بعد على شىء محدَّد. ثم جاءت مرحلة الانقلابات العسكرية وعهد الشيشكلي وحلّ الأحزاب. ودمج الحزب العربي الاشتراكي بحزب البعث العربي، قد حدث في مرحلة النضال السلبي ضد حكم الشيشكلي. لذلك، عندما نكون في مرحلة نضال سلبي والحزبيون ملاحقون وفي عهد حكم عسكري دكتاتوري، والديمقراطية لم تكن ممارسة بشكل حقيقي داخل الحزب، فلم يحصل مناقشة أو استفتاء أو تصويت حول موضوع الدمج أو عدمه، يعني عندما يقول الأستاذ ميشال عفلق بالدمج، يحصل الدمج، وعندما يقول بحلِّ الحزب يُحلُّ الحزب… ففي هذه الظروف الداخلية العامة التي كانت قد تمَّت فيها عملية دمج الحزبَين……
هذه واحدة، وهي مهمة جداً. ومن ناحية أخرى، ففي مرحلة النضال السلبي ضد الحكم العسكري الدكتاتوري، لا تحصل أصلاً المناقشة الديمقراطية داخل الجهاز الحزبي بصورة صحيحة وسليمة. لذلك في هذه "العفطة" (أي في خضمِّ هذه الأحداث السياسية والعسكرية الداخلية)، وفي هذه المرحلة من النضال السلبي ضد الشيشكلي: البعثيون متفرِّقون أو مختبئون أو في السجون، حصلت عملية الدمج بين الحزبَيْن، وليس هناك مَن أولى هذه العملية الاهتمام الكلي الكافي…. وحتى أنه لو كان الوضع طبيعياً، صحياً وسليماً، فلربما لم يحدث الدمج بين الحزبَيْن. والواقع، قلائل من البعثيين مَن رأى في هذا الدمج الناحية السلبية. بل العكس، لقد رأوْا في أكرم الحوراني الجانب الذي يُخرج حزب البعث من طوباويته… وبتعبير آخر، في تلك الظروف، لم يفكر أحد من البعثيين في النواحي السلبية نتيجة دمج الحزبَيْن. بل الشىء الوحيد الذي يمكن أن أقوله هو أن أكرم الحوراني سوف يعطي حزب البعث من واقعيته، مضافة إلى الجانب النظري لديه. ذلك أن حزب البعث حتى تلك المرحلة بقي حزباً نظرياً في ذهن الرأي العام، على الرُّغم من أن هذا غير صحيح.
طبعاً، لقد انتهت مرحلة حكم الشيشكلي العسكري الدكتاتوري، وابتدأت مرحلة حزب البعث العربي الاشتراكي الموحَّد، وظهرت معها تناقضات جديدة بحكم وجود عقليَّتَيْن: عقلية قديمة بعثية مثالية وعقلية تتمثَّل بالجانب العملي وهي عقلية في الغالب يمثلها أكرم الحوراني….
س: … مَن كان يمثِّل "عقلية" أكرم الحوراني السياسية؟!… أنتم كنتم تمثلون عقلية البعث النظرية المثالية الأخلاقية؟!….
ج: … نحن طبعاً كنا نمثِّل حزب البعث العربي. وكان أمين سر فرع الحزب في حلب قبل حلِّه وقبل قيام دمج الحزبَيْن، الدكتور عبد الخالق مرعشي، وبعده جاء عبد الفتاح الزلط أمين سرّ فرع حزب البعث العربي الاشتراكي.
س: … هل جاء أمين سر فرع الحزب في حلب من قيادات الحزب العربي الاشتراكي لأن قيادات البعث كانت ضعيفة؟!…
ج: … لا، وإنما كانت شخصية عبد الفتاح الزلط قطعاً بارزة، ويتمتع بصفات قيادية واضحة ولافتة واستطاع أن يستقطب حتى جزءاً من البعثيين، بالإضافة إلى عنا