الحياة الاجتماعية والدينيـة - محمد أحمد البلولي
مقابلات /
إجتماعية /
1984-05-05
مقابلة مع
السيد محمد أحمد البلولي
بتاريخ الخامس (5) من حزيران عام 1984
الموضوع: الحياة الاجتماعية والدينيـة
العامة في مدينـة صيـدا
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
تحدَّث السيد محمد أحمد البلولي فقال: إن صيدا كانت تُعتبر منذ زمن بعيد وتعدُّ من ضمن البلدان الهادئة، الجميلة. والإنسان يجد فيها الرَّواق وبساطة الحياة وسهولتها. لهذا ومنذ القِدَم، كنا نرى أنه كلما أُحيل أيُّ مأمور أو موظف إلى التقاعد، كان يفضِّل أن يُنهي ما تبقى له من أيام باختياره الإقامة الدائمة في صيدا وإما في عكا. (هاتان المدينتان التوأمان المتشابهتان في جميع نواحي الحياة الاجتماعية والمعيشية والدينية…) ويمتاز أهالي البلدة وعُرف عنهم أنهم جماعة "أُنْجباريَّة"، الحياة في صيدا، فيها محبة وتعاون بين الناس، وفيها أمان واطمئنان وأمانة، وفيها دين وتديُّن، وفيها تقى وورع. فأغلب الأهالي متديِّنون أتقياء.
اللقاءات في الجوامع بعد أداء الفرائض الدينية والمناسبات الاحتفالية، مما يؤدي ذلك في أحيان كثيرة إلى الاجتماع بالأهل والأصدقاء وقضاء بعض الوقت في السَّمر والتسلية، عوضاً عن الذهاب إلى السينمات كما يحصل في هذه الأيام. فهناك الزوايا العديدة حيث تُعقد الحلقات لذكر الله، أو لتمضية بعض السهرات فيها في ليالي الشتاء. وهنا أذكر بعضاً منها على سبيل المثال:
1) زاوية آل جلال الدين، وشيخ الطريقة الصوفية فيها هو الشيخ أحمد جلال الدين، نقيب الأشراف آنذاك في صيدا، وهو والد الشيخ سليم جلال الدين (مفتي صيدا فيما بعد). وهي تقع في حيّ الزويتيني بالقرب من ساحة المصلبية ومجاورة لكنيسة الموارنة القديمة داخل صيدا. (وهذه الزاوية قد كانت في البداية مركزاً لطلبة العلم واشتهرت في زمن الشيخ أحمد جلال الدين. وبعد وفاته عام 1947، أُغلقت هذه الزاوية، ولم تُقم فيها حلقات الذكر منذ ذلك الحين. وهي متصدِّعة ومهجورة وتحتاج إلى إعادة بناء وترميم).
2) الزاوية الرفاعية أو زاوية آل الدقور وتقع في بناء واسع مستطيل في حي السبيل.
3) زاوية آل البابا، وهي تقع مقابل فرن معنيَّة بالقرب من سينما أمبير سابقاً داخل صيدا القديمة. وتوقفت حلقات الذكر فيها عام 1940.
4) زاوية آل كالو، وقد كانت عبارة عن غرفة كبيرة وتقع بالقرب من سينما أمبير، داخل صيدا القديمة، وزالت ولم يبق منها سوى اللوحة المنقوشة فوق باب الزاوية.
5) زاوية آل الزعتري أو الزاوية القادرية وتقع في منطقة ضهر المير وليس بعيداً عن الجامع العمري الكبير وفرن العربي سابقاً، داخل صيدا القديمة وهي تتكون من عدد من الغرف، تستخدم للتعليم الديني. وبعد تأسيس جمعية المقاصد الإسلامية في صيدا، انتهى دورها الفعلي وأغلقت عام 1927.
6) زاوية الشيخ محمود المغربي الملقب بالكبي وهي تنتسب إلى الطريقة الرفاعية وتقع في زاروب ضيِّق خلف ساحة باب السراي إلى الغرب. وهي عبارة عن غرفة متوسطة الحجم وتقام حلقات الذكر فيها.
يضاف إلى ذلك زاوية الشاذلية التي كانت في جامع الكيخيا وتكيَّة عبد القادر الجيلاني، تكية القادرية. وموقعها بين الجامع البرّاني ومدخل القلعة البحرية. وكانت تُستخدم فيما مضى مكان إقامة للعلماء ولعابري السبيل، وتُعقد فيها حلقات العلم والذكر. وحلقات الذكر تعقد مداورة مساء كل يوم في زاوية من هذه الزوايا في مدينة صيدا، مساءً بعد صلاة العشاء. مثلاً حلقات الذكر تُعقد في زاوية آل كالو مساء يوم الثلاثاء. وفي زاوية آل الزعتري مساء يوم الأربعاء، وفي زاوية آل الدَّقور في حي السبيل مساء يوم الخميس من كل أسبوع، وهكذا بقية الزوايا مداورة. فكان الأهالي يذهبون إلى هذه الزوايا بعد صلاة العشاء، منهم مَن كان يذهب ويشارك في حلقات الذكر بدافع الإيمان والتقوى والورع وذكر الله، والبعض الآخر ـ ولربما من الشباب ـ لتمضية الوقت والسَّهر في أيام الشتاء. وكانت حلقات الذكر تعقد في أيام الشتاء، في حين أنها تتوقَّف في فصل الصيف بسبب الحر.
* * *
الاحتفالات في مدينة صيدا كان لها رَوْنق، كان لها معنى الأفراح والمهرجانات العامة وتشمل جميع الناس والأماكن والأحياء، وذلك في مناسبات الأعياد أيام عيد الفطر، وقبله أيام رمضان ولياليه وسهراته، وأيام عيد الأضحى والمولد النبويّ الشريف والإسراء والمعراج. في أيام رمضان، السَّهرات تستمر حتى السحور، وإنك تجد ساحة باب السراي وشوارع المصلبية داخل صيدا القديمة، مزدانة وتشع بالأنوار في كل الأنحاء. وكان يأتي إلى صيدا المنشدون من مختلف البلدان مثلاً: أحمد المير من بيروت محمد العشق من سوريا والشيخ أمين حسنين من مصر وهو المقرئ والمنشد للموشَّحات الدينية، المشهور والمعروف في كل مكان. فقد جاء إلى صيدا مرات عديدة وفي مناسبات الأعياد والاحتفالات الدينية وفي رمضان خاصة.
وفي الأعياد عادة، عيد الفطر أو عيد الأضحى، فكانت تقام "المرْجَيْحات" والشُقُلَيْبات غالباً على شاطئ ما كان يُسمى "بحر العيد"، أو في ساحة باب السراي أو في حي القملة. وكذلك الشيء نفسه في عيد الأضحى، فكانت تُقام السهرات وتنتشر في الجوامع والزوايا قبل العيد بأيام طويلة. والأهالي كانوا يودِّعون مَن يذهبون لأداء فريضة الحج ويستقبلونهم عندما يعودون بالمظاهرات الدينية والأعلام واللافتات والزينة على مداخل بيوت الحجاج وأحيائهم.
وفي هذه المناسبات، مناسبات الأعياد الدينية، كانت تُقام حلقات الإنشاد والموشَّحات الدينية من على المآذن. والمنشدون المشهورون آنذاك منهم درويش البرزي ومصطفى عبد النبي (أبو حسيب) وغيرهما كثيـرون، أحيانـاً في جامع الكيخيا، وكذلك في مقهـى "الإزاز" ذات الشهرة التاريخية، ولكن يبقى جامع باب السراي وساحة باب السراي في هذه المناسبات هي الأساس والأكثر أهمية في هذا المجال.
الاحتفال بالمولد النبويّ الشريف أكثر ما يكون فيه الابتهاج وتعمّ الأفراح في كل مكان في المدينة القديمة. قبل عشرة أو إثني عشر يوماً، تُقام الزينة في الشوارع والمحلات التجارية والمقاهي والساحات العامة، البلدة القديمة كلها في حِلَّة من الزينة. ففي هذه المناسبة كما في غيرها من المناسبات الدينية، تخرج الطُّرق الصوفية جميعها من الزوايا بأعلامها ودفوفها وطبولها بصورة منظمة، كل طريقة صوفية بعد الأخرى ولكلٍ أعلامها وراياتها ورموزها وشعاراتها وألوانها، ويقومون بمسيرات جماعية مع أهالي البلدة في كل شوارع المدينة: من جامع الكبير، إلى المصلبية، إلى ساحة باب الخان، إلى جامع البحر وساحة الميناء، ومن ثمّ إلى بوابة التحتا، وشارع الشاكرية، وتنتهي المسيرة عند بوابة الفوقا. في هذه المناسبة والمناسبات الأخرى المشابهة أو المثيلة لها، تتحوَّل صيدا القديمة إلى جنَّة من الزهور من كل نوع ولون وحديقة من أغصان الأشجار والأنوار تُشع في أحياء ومساحات صيدا القديمة. وتستمر المسيرات الشعبية حتى الساعة الثانية أو الثالثة بعد الظهر، قبل أن تتفرَّق.
* * *
ومن المظاهر الشعبية التي تختصّ بها مدينة صيدا وكانت قد عُرفت بها هي "فرقة العتالة"، وتضمُّ ما يقرب من 100 إلى 150 شخصاً، ويسيرون في هذه التظاهرة الدينية كجماعة مميَّزة، لها تقاليدها وعاداتها الاحتفالية الخاصة، ويقومون بحمل ما سُمِّيَ "خَزْنة الملك"، وهي كناية عن "بيضة"، يضعونها على متوازيَيْن، تحمله على أكتافهم أربعةُ أشخاص من الجهات الأربع، ويسيرون بهذه الخزنة وهم يتظاهرون بأنهم متعبون منهكون من ثقل الحمل. وحولهم عدد من الأشخاص عراة الصدر والزنود عضلات نحاسية مفتولة، وجوههم مصبوغة بالسواد كأنهم عبيد، ويتظاهرون بأنهم يقومون بحماية الخزانة، كما وكأن هناك متآمرين يسعوْن إلى سرقتها. هذا المشهد الطريف وأكثر منه طرافة، أن شيخ العتالة وهو المعروف بشاربه المفتول الأغبر وقفطانه الأبيض ولفته أو طربوشه على رأسه، يسير أمامهم وفي مقدمة المسيرة، شيخ العتالة، يتمختر يمنة ويسرة، كشيخ الشباب.
ثم هناك فرقة البحرية والصيادين وعددهم أكثر من 200 شخص، يسيرون جماعة مميَّزة، يحملون على أكتافهم "فلوكا" صغيرة مزيَّنة، وهي ترمز إليهم وإلى مهنتهم في الصيد. ومحمود بديع، ذو الجسم القديم المديد والصياد بالشبكة المشهور على طول شاطئ صيدا من أوله إلى آخره، يحمل على زنده المفتول شبكته ويطرحها على جمهور المتفرجين… وتسير هذه التظاهرة من الميناء إلى بوابة التحتا مروراً بشارع الشاكرية حتى الجبانة القديمة حيث يتفرَّقون. وفي مقدمة المسيرة، يأتون بفرس مزيَّن تزييناً جميلاً يركب عليه طفل صغير.
ثم تأتي اللعبة الشعبية الفولكلورية، "السبت والترس" والتي يتحوْلق حولها جمهور المتفرجين الغفير، في دائرة واسعة وفي وسطها يتبارز المتبارزان بكثير من الخفّة والرشاقة والسرعة والجُرأة والشجاعة، وبكثير أيضاً من الحركات الفنية في الهواء بالسيف والترس، والتي تدل على مهارة وخبرة طويلة في هذه اللعبة الشعبية. واللاعبون الصيداويون المشهورون، يأتي في مقدمتهم: خالد أبو نبّوت، رضا النعماني، خليل العكاوي، علي طالـب، رشيد البابا وغيرهم.. ويرافقهم أثناء المبارزة في هذه اللعبة، الطبل والزمر، من أجل إثارة الحماس بين المتبارزين وشد أنفاس الجمهور المشاهد.
وقبل أن يتعلم الواحد لعبة "السيف والتُّرس" ويمارسها، يجب عليه أن يتعلم أولاً لعبة "الحَكم". ولعبة الحكم عبارة عن قضيب خيزران مخصوص يحلُّ محل السيف، وما يُسمَّى "الشميلة"، وهي عبارة عن قفيَّة من الجلد صغيرة مستطيلة الحجم وهي تحل محل التُّرس، كي تحمى اللاعب من ضربات خيزرانة المبارز المنافس.
بعد أن يتدرَّب الواحد على هذه اللعبة ويتقنها، ينتقل إلى اللعبة الأصعب وهي لعبة السيف والتُّرس.. وعمليات التدريب كانت تتمّ في ساحة باب السراي أو عند بوابة الفوقا أو في ساحة ضهر المير.. وكذلك ممارسة رياضة المصارعة على أنواعها كانت هي أيضاً تجري في هذه الأماكن، ولكن في أغلب الأحيان ساحة باب السراي قد كانت هي المكان المفضل.
أثناء هذه المسيرة أو المسيرات من هذا النوع في مناسبات الأعياد والاحتفالات الدينية الموسمية، وهي تخترق شوارع صيدا القديمة، فإن النساء من النوافذ أو من سطوح المنازل كنَّ يرشُنَّ على المتظاهرين ماء الزهر وماء الورد والعطور والملبس وما شابه. هذه العادات كانت سائدة في هذه المناسبات. وكنت تسمع الزغاريد تأتي من كل مكان في أجواء البلدة القديمة وفضاءاتها. وليس هناك من الأهالي مَن لا يشارك بشكل أو بآخر: الأطفال والنساء والشباب والشيوخ، في هذه المهرجانات والاحتفالات الدينية والوطنية على حد سواء.
أعود إلى الحديث عن المولد النبويّ الشريف: عشية ليلة المولد، تُقرأ السيرة النبوية في الجوامع. وصباح اليوم التالي، قراءة المولد في الجامع العمري الكبير، حيث توزّع صرَّة فيها ملبس وراحة. وبعدها تأتي الوفود من مختلف الأنحاء وبخاصة رجال الدين المسيحيين والمطارنة بالذات، يأتون جميعهم للتهنئة. بعد الظهر، قراءة المولد في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، ويُقام مهرجان كبير في هذه المناسبة في كلية المقاصد…. والشئ بالشئ يذكر، كذلك في نصف شعبان من كل عام وفي ذكرى الإسراء والمعراج، في هذه المناسبات الدينية الناس تذهب في المساء إلى الجوامع حيث تُتلا سيرة الرسول الكريم وقصة الإسراء والمعراج، كما هي واردة في التُّراث الإسلامي.
* * *
وفي هذا المجال، وبعد أن تحدثنا عن الزوايا الصوفية وطرقها العديدة، لا بدّ من التوقُّف قليلاً والإشارة ولو سريعاً إلى المقامات أو المزارات الدينية في مدينة صيدا وهي أيضاً كثيرة ومنتشرة في شتّى أنحاء البلدة. ويمكننا أن نذكر أكثر هذه المقامات شهرة بين أهالي صيدا والجوار وفي مقدمتها: مقام النبي يحيى وهو يقع في شرق صيدا ولا يبعد كثيراُ عن المدينة، ومقام شرحبيل بن حسنة عند مدخل صيدا من الجهة الشمالية، ومقام النبي صيدون في بوابة الفوقا، ومقام النبي شمعون في حي الوسطاني والمنطقة التي سُميت باسمه: "منطقة الشمعون"، ومقام الست نفيسة وغدت المنطقة كلها تُدعى حيّ الست نفيسة، ومقام "أبي روح". ويقع عند مدخل مدينة صيدا من الجهة الجنوبية وبمحاذاة خليج اسكندر، ومقام أبو نخلة الشهير داخل صيدا القديمة وبجواره زاوية صوفية، وهي تتحوَّل في بعض المناسبات الدينية إلى تكيَّة، توزّع الطعام على الفقراء والمحتاجين، ويُقدم إلى هذا المزار النُّذور لشفاء المرضى والضعفاء والمصابين بأيّ عارض جسدي أو نفساني أو ما شابه ذلك.
* * *
ثم، هناك ظاهرة غريبة بعض الشئ كانت قد حدثت في مدينة صيدا في وقت من الأوقات واستمرت فترة زمنية ليست بالقليلة، وهي ظاهرة الشيخ صالح الحوراني، وهو فيما يبدو، أنه كان قد جاء من حوران بعد الحرب العالمية الأولى وطوال السنين التي تلت هذه الحرب. ويبدو أنه كان قد درس في الأزهر في مصر، لأن معلوماته الدينية وثقافته الفقهية لا بأس بها. فكان الشيخ صالح متحدثاً من الدرجة الأولى وطلق اللسان بليغ الكلام ويحفظ الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. وقد اُعتبر في حينه بين أهالي صيدا، رجالاً ونساءً، على أنه داعية إسلامي، يعمل على نشر الدين الإسلامي وتوعية الناس بهذا الدين الحنيف.
وبما أن صيدا كانت تفتقد إلى العلماء والفقهاء في الدين الإسلامي والأهالي يتشوقون عطشاً لسماع رجال الدين يحدثونهم عن دينهم، فكانوا قد أقبلوا على الشيخ صالح الحوراني إقبالاً شديداً ومنقطع النظير في ذلك الحين، حتى أنه أصاب شهرة واسعة ما بعدها شهرة بين الرجال وبين النساء على حد سواء.. وأخذ يقوم بتدريس الرجال في بعض الأيام، والنساء في أيام أخرى. فكان يستعمل أسلوباً دينياً تخويفياً، إنه كثيراً ما كان يعمد إلى تخويف الناس تخويفاً شديداً بارتكابهم أعمال السوء والخروج على أوامر الدين الإسلامي الحنيف وأيّ عمل لا يُرضي الله ورسوله فجزاؤه جهنم وبئس المصير. لهذا، وضمن هذه الأجواء، أقبل عليه إقبالاً واسعاً أهالي صيدا، ولعب دوراً كبيراً في الساحة الصيداوية في هذا النطاق في فترة زمنية ليست بالقصيرة. وكما هي العادة في مدينة صيدا ولدى الأهالي المؤمنين الأتقياء الطيبين الكرماء، فكان هذا يعزمه في دارته وذاك يدعوه لينام عنده وهكذا الأمور استمرت تجري متداورة. حتى أنه في نهاية المطاف كان قد تزوج من إمرأة من صيدا. وهو لم يكن جميل الصورة، بل قصير القامة….
ولكن في ختام المطاف، كان قد افتضح أمره بين الناس، وبدت عيوبه وحتى دجله ونفاقه وانتشرت أعمالـه وتصرفاتـه وسلوكه غير المشرِّفـة حتى أنه كان قد قيل إنه في اجتماعه أثناء دروسـه للنسـاء، لم يكن ذا أخـلاق رفيعة شريفـة، تتماشى مع أبسط مبادئ الإسلام الخلقية النبيلـة. لذلـك انفضَّ الأهالـي عنـه وأخـذوا يكيلـون له الشتائـم والإهانـات: منها على سبيل المثـال:
الشيـخ صالـح ع البوابـة
بـإيـده مسبحـة كذابــة
حتى أنه لم يعد يقدر أن يبقى لحظة في صيدا فترك المدينة و"هشل" إلى غير رجعة.
* * *
وفي ختام حديثي، لا بدّ من أن أشير فقط إشارة سريعة إلى ظاهرة كانت منتشرة بين الأهالي في مدينة صيدا، وخصوصاً بين النساء وهي ظاهرة: "إربعاء أيوب"، وهي الإربعاء التي تأتي قبل خميس الجسد الذي يسبق الجمعة الحزينة. يجب أن نبحث عن تاريخ هذه المعتقدات الشعبية وحيثياتها التقليدية والتي كانت سائدة ومنتشرة في مجتمعاتنا منذ وقت طويل. وكان الاعتقاد أو الشائع بين الأهالي أن مَن لا يغسل وجهه بالبحر في هذا اليوم، يوم "إربعاء أيوب"، يذوب. فكانت النساء في العادة الشائعة بكثرة، تذهب إلى البحر مع أطفالنَّ وتأخذ معهنَّ أكلهن وشربهن وتنتشر على شاطئ صيدا وصخوره. وكنت تسمع أصواتهن العالية وصراخهن من بعيد بعيد. هذا يوم مشهود ومعروف في مدينة صيدا أيام زمان، زال الآن حتى ذكره من الأذهان.