"الشرق الأوسط" اللندنية - ضد السذاجة.. نصيحة للمثقفين الجدد
إعلام وصحافة /
ثقافية /
2017-03-10
ضد السذاجة.. نصيحة للمثقفين الجدد
مأمون فندي
نشهد رحيل جيل من المثقفين العرب من ذوي الوزن المعتبر، محمد عابد الجابري في شمال أفريقيا، وأحمد البغدادي من الكويت، ونصر حامد أبو زيد من مصر، وكان لهم جميعا سمة مشتركة، وهي الإفراط في حسن النية بحكوماتهم والذي بلغ حد السذاجة. صدقوا مقولات حكوماتهم بأنها تدعم التنوير ضد التيار الأصولي المتشدد، فساقوا سياراتهم الفكرية على أقصى سرعة ظانين بأن سيارات الحكومة الفكرية المناوئة للأصولية تسير بالسرعة نفسها من خلفهم، وبأننا جميعا على النهج ذاته وبالسرعة ذاتها. كتبوا وصالوا وجالوا في تفكيك الفكر المتشدد، فكفروهم وحدهم، ولم يقف أحد إلى جوارهم، ماتوا بالحسرة وبفيروس السذاجة السياسية.
ففي مصر مثلا، اشترى نصر حامد أبو زيد مقولات الحكومة بأنها ضد الإرهابيين والمتطرفين، وصدق أنه مطلوب لهذه المرحلة مفكرون يقاومون الفكر المتشدد، صدق أن عربة الحكومة الفكرية التي انطلقت بسرعة مائة وخمسين كيلومترا في الساعة لمحاربة التطرف ستواصل المسير إلى آخر الطريق، فسبقهم وسار بسرعة مائة وسبعين كيلومترا أو مائتين من خلال كتبه العديدة وفكره الغزير، وبينما هو في منتصف الطريق توقفت سيارة الحكومة وعقدت صفقة مع المتشددين تحت مسمى فكر المراجعات وأطلقت سراح الكثيرين منهم، وسار نصر حامد أبو زيد على السرعة ذاتها بينما سيارة الحكومة توقفت منذ زمن في منتصف الطريق، ولما نظر خلفه لم يجد وراءه عربات الحكومة التي وعدته بالسير ضد المتطرفين بالسرعة نفسها.. تركوه واقفا مكفرا ومكفهرا ومطلقا من زوجته بحكم المحكمة، ولم يجد هؤلاء الذين شجعوه على السير في ركبهم، لم يجدهم في محنته، تركوه وزوجه لحالهما. تلك كانت سذاجة نصر حامد أبو زيد السياسية، فعلى الرغم من كونه مثقفا مركبا فكريا، فإنه ككل المثقفين كان ساذجا فيما يخص ألاعيب السياسة.
الشيء نفسه ينطبق على المفكر الكويتي أحمد البغدادي، فأستاذ العلوم السياسية التي درسها في الكتب وعلمها لطلابه، لم يع أن السياسة كدراسة شيء والسياسة كممارسة شيء آخر. وهذا أمر ينطبق علينا جميعا ممن درسوا السياسة في الغرب، صدقنا أن هناك مجتمعا مدنيا بينما نحن نعيش في عالم القبائل، قرأنا عن التنشئة السياسية وأثرها على النظام السياسي المفتوح وجئنا لنطبقها في نظام سياسي مغلق، آمنا بفكرة الدولة الحديثة ولم نع أن الدول التي نعيش فيها أشباه دول، لا هي حديثة ولا قديمة، وإنما هي قصة مختلفة تماما. ليس كل ما نتعلمه في الغرب يصلح للشرق، نحن نحتاج إلى علم خاص لدراسة سياسة الدولة العربية، دول لا تعرف فيها من معك ومن ضدك، وأين أول النظام من آخره، ومن بيده مقاليد الأمور.
البغدادي في الكويت صدق أيضا أن الحكومة ضد المتشددين، بينما كانت هناك أطراف تدفع أموالا طائلة للإتيان بالمتشددين إلى البرلمان، أيضا قاد الرجل سيارته بسرعة خيالية مقتنعا بأن الحكومة والليبراليين من خلفه، فعقدت الحكومة والتيار الليبرالي الـ«نص لبه» صفقة مع المتشددين مرة باسم الاستقرار، ومرة باسم الوطنية الكاذبة، ومرة باسم المقاومة ضد الخارج. سار الرجل بعيدا بسيارته الفكرية، ومثل نصر حامد أبو زيد، وجد نفسه وحيدا مكفرا ومكفهرا في ساحة كان أساسها عقد الصفقات وبيع الأصدقاء على قارعة الطريق. تسيد الأصوليون المشهد السياسي الكويتي، ولم يكن بيد الليبراليين يوم وفاة البغدادي ومن قبله أحمد الربعي إلا نعي خجول.
الجابري وقع في الفخ نفسه في المغرب، وها نحن نقع في الفخ ذاته في المشرق. ندافع عن الاستقرار وضد الفوضى فنجد أن الحكومة ذاتها قد تتحالف (وأحيانا تحتمي) مع جماعة الفوضى. غازي القصيبي، الشاعر والمفكر السعودي الذي رحل عن دنيانا منذ أيام، كان أكثر حظا من الباقين لأنه كان داخل نظام سياسي يحمي رجاله، ومع ذلك فقد أصابه من التكفير والتخوين ما أصابه.
لست هنا أكتب في مقام النعي، خصوصا بعد وفاة قامة خليجية أخرى هو الكاتب غازي القصيبي، رحمه الله، وإنما أكتب للمثقفين الجدد وأحذرهم من السير مع سيارات الحكومة بالسرعة نفسها، لأنهم سيتركونكم وحيدين في منتصف الطريق. ليس عيبا، بل هو مدعاة للاعتزاز، أن يدفع المثقفون بمجتمعاتهم إلى الأمام في وجه التشدد والإرهاب والتخلف، حتى لو كان الثمن غاليا لأنه قد لا يطالهم وحدهم بل يطال أسرهم وآخرين ممن يحب. ولكن السذاجة السياسية ألا يكونوا واعين بأنهم وحدهم في الساحة لا سند من الحكومات يحمي ظهورهم.. هم وحدهم بكل ما في الوحدة من تنكيل وتكفير وأحكام قضائية متخلفة وتصفية نفسية وجسدية.. فإن لم تكن عزيزي المثقف، واثقا من قدرتك على السير وحيدا في وجه هذه التيارات الظلامية العمياء، فألق بمفتاح سيارتك، وتوقف عند أول مفترق، حتى لو دفعوك للسير دفعا. رحم الله الجميع.
*نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية
تعليقات:
1 - نختلفالسيد (زائر) Thursday, August 19, 2010 م، 05:58 صباحاً (السعودية) 02:58 صباحاً (جرينتش)هؤلاء المثقفون الراحلون ليسو ساذجين سياسيا ، فالجابري كان منظر اتحاد القوى الاشتراكي حتى استقال منه في مطلع الثمانينات والقصيبي عمل وزيرا منذ شبابه حتى وفاته ، ونصر أبو زيد في كتاباته ينتقد السلطة السياسية بوضوح هؤلاء المثقفون الراحلون كانوا افرازا طبيعيا للمرحلة الثقافية ، مرحلة النقد والمراجعات ، وجاؤوا في وقتهم في السياق الطبيعي لهم ... المرحلة الثقافية كان لا بد أن تنتج أمثال هؤلاء .
2 - التنويريون - 1مصرى (زائر) Friday, August 20, 2010 م، 04:56 مساءً (السعودية) 01:56 مساءً (جرينتش)الأستاذ مأمون.. لا أعرف لماذا أنت..ممن يقولون أنهم رموز للتنوير و أنهم ضد المتشددين و الظلاميين دائما تتعالوا على المجتعات التى خرجتم منها فأنتم القادة و الشهداء...إلخ. و العجيب أن هؤلاء االتنويريون لم يخبرونا من أى معهد تنويرى قد تخرجوا و ما هى المعايير التى على أساسها يدمغون الآخر بالتشدد و الظلامية. و أريد أن أتكلم فقط عن نصر حامد أبو زيد فهو من مصر و أنا أعرف حكايته و لن أطيل عليك. فهذا الرجل الذى جعلت منه وحيد زمانه و مفكر عصره و زمانه قد ألف كتب وجد فيها بعض أساتذة الجامعة المتخصصين فى الأمور الشرعية أخطاء كثيرة ضد العقيدة
3 - التنويريون 2مصرى (زائر) Friday, August 20, 2010 م، 05:14 مساءً (السعودية) 02:14 مساءً (جرينتش)فذهبوا إلى المحكمة الشرعية فحكم القضاة الشرعيين بخطأ مفكرك العظيم و أنه قد أصبح مرتدا إذا أصر الرجل على أفكاره و قد أصر الرجل على ما كتبه فحكم القضاة الشرعيين بكفره. و الموضوع كما ترى ليس فيه أى ظلامية لأن الذى قال أنه مخطئ هم أساتذة جامعة و أن الذى أيد الحكم هم قضاة شرعيين – ..