اشهار إسلام ميشيل عفلق
دراسات /
سياسية /
2007-04-29
الاحد 11 ربيع الثاني 1428 / 29 نيسان 2007
الشهيدان صدام حسين وطه ياسين رمضان تحدثا عن اسلامه منذ عام 1980
اشهار إسلام ميشيل عفلق بخط يده
■ الرئيس العراقي ونائبه كشفا إسلامه قبل وفاته بسنوات لمراقب عام الإخوان المسلمين السوريين الأسبق
■ الإسلام هورسالة البعث الخالدة في شعار الحزب وحبه للرسول جعل الناس ينادونه باسم أبومحمد
■ كتب الشهادتين بخط يده حين تعرضت طائرته لخطر السقوط في طريق عودته من باريس لبغداد
■ الدكتور محمد عمارة أكد إسلامه في كتابه عن التيار العروبي الإسلامي ومحمد عباس صدق ذلك بعد شكه
بقلم: شاكر الجوهري
لم يمت ميشيل عفلق على دين الإسلام فقط، لكنه عاش عليه أيضا..
هذه هي الخلاصة، والقناعة، التي توصلت إليها من خلال ما كتبه غيري، وما توصلت إليه استقصاءاتي الشخصية التي تركزت على عدد ممن عايشوا مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي، وتجربتي حكم الحزب القومي الأول في العالم العربي في كل من سوريا والعراق.
بدأ اهتمامي بشخص وفكر عفلق (رحمه الله) منذ مطلع شبابي الأول حين قرأت كتابه الأشهر "في سبيل البعث" الذي يحوي بين دفتيه مجموعة كتابات ومحاضرات الأستاذ ميشيل عفلق.
يصعب القول إنني في ذلك السن المبكر قد استوعبت كل ما ورد في الكتاب، ما استدعى مني قراءة أخرى، خاصة للمحاضرة التي القاها في مدرج جامعة دمشق بتاريخ 5 نيسان/ابريل 1943، وقد شجعني على إعادة قراءتها تقويم شريف حلاوة، الأمين العام المساعد لحزب البعث التقدمي الأردني لها بقوله "عندما نعود لكتاباته (عفلق) نجد أن حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) لم يكتب عن الرسول كما كتب الأستاذ ميشيل عفلق". وحلاوة هومن التيار الآخر في حزب البعث المختلف مع عفلق.
في قراءتي الثانية لهذه المحاضرة، بحثا عن نواة الإسلام في عقل وضمير عفلق هذه المرة، لا عن ينابيع الفكر القومي الذي كنت أبحث عنه في قراءتي الأولى، استوقفتني العديد من الجمل والعبارات التي يتحدث فيها عن الإسلام باعتباره أحد معتنقيه، وإن لم يبح بذلك:
■ "يجب أن تتحد الصلاة مع العقل النير مع الساعد المفتول، لتؤدي كلها إلى العمل العفوي الطلق الغني القوي المحكم الصائب".
■ "حتى الآن كان ينظر إلى حياة الرسول من الخارج، كصورة رائعة وجدت لنعجب بها ونقدسها، فعلينا أن نبدأ بالنظر إليها من الداخل، لنحياها. كل عربي في الوقت الحاضر يستطيع أن يحيا حياة الرسول العربي، ولوبنسبة الحصاة إلى الجبل والقطرة إلى البحر. طبيعي أن يعجز أي رجل مهما بلغت عظمته أن يعمل ما عمل محمد. ولكن من الطبيعي أيضا أن يستطيع أي رجل مهما ضاقت قدرته أن يكون مصغرا ضئيلا لمحمد، ما دام ينتسب إلى الأمة التي حشدت كل قواها فأنجبت محمدا، أوبالأحرى ما دام هذا الرجل فردا من أفراد الأمة التي حشد محمد كل قواه فأنجبها. في وقت مضى تلخصت في رجل واحد حياة أمته كلها، واليوم يجب أن تصبح كل حياة هذه الأمة في نهضتها الجديدة تفصيلا لحياة رجلها العظيم. كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب اليوم محمدا".
■ "فكل أمة عظيمة، عميقة الإتصال بمعاني الكون الأزلية، تنزع في أصل تكوينها إلى القيم الخالدة الشاملة. والإسلام خير مفصح عن نزوع الأمة العربية إلى الخلود والشمول، فهوإذن في واقعه عربي وفي مراميه المثالية إنساني. فرسالة الإسلام إنما هي خلق إنسانية عربية. إن العرب ينفردون دون سائر الأمم بهذه الخاصة: أن يقظتهم القومية اقترنت برسالة دينية، أوبالأحرى كانت هذه الرسالة مفصحة عن تلك اليقظة القومية".
■ "إن أوروبا اليوم، كما كانت في الماضي، تخاف على نفسها من الإسلام. ولكنها تعلم الآن أن قوة الإسلام (التي كانت في الماضي معبرة عن قوة العرب) قد بعثت وظهرت بمظهر جديد هوالقومية العربية. لذلك فهي توجه على هذه القوة الجديدة كل اسلحتها، بينما نراها تصادق الشكل العتيق للإسلام وتعاضده. فالإسلام الأممي الذي يقتصر على العبادة السطحية والمعاني العامة الباهتة آخذ في التفرنج، ولسوف يجئ يوم يجد فيه القوميون انفسهم المدافعين الوحيدين عن الإسلام ويضطرون لأن يبعثوا فيه معنى خاصا إذا ارادوا أن يبقى للأمة العربية سبب وجيه للبقاء".
■ "فالفكرة القومية المجردة في الغرب منطقية إذ تقرر انفصال القومية عن الدين. لأن الدين دخل على أوروبا من الخارج فهوأجنبي عن طبيعتها وتاريخها، وهوخلاصة من العقيدة الأخروية والأخلاق، لم ينزل بلغاتهم القومية، ولا أفصح عن حاجات بيئتهم، ولا امتزج بتاريخهم، في حين أن الإسلام بالنسبة إلى العرب ليس عقيدة أخروية فحسب، ولا هوأخلاق مجردة، بل هوأجلى مفصح عن شعورهم الكوني ونظرتهم إلى الحياة، وأقوى تعبير عن وحدة شخصيتهم التي يندمج فيها اللفظ بالشعور والفكر، والتأمل بالعمل، والنفس بالقدر. وهوفوق ذلك كله أروع صورة للغتهم وآدابهم، وأضخم قطعة من تاريخهم القومي، فلا نستطيع أن نتغنى ببطل من أبطالنا الخالدين بصفته عربيا ونهمله أوننفر منه بصفته مسلما. قوميتنا كائن حي متشابك الأعضاء، وكل تشريح لجسمها وفصل بين اعضائها يهددها بالقتل فعلاقة الإسلام بالعروبة ليست إذن كعلاقة أي دين بأية قومية. وسوف يعرف المسيحيون العرب، عندما تستيقظ فيهم قوميتهم يقظتها التامة ويسترجعون طبعهم الأصيل، أن الإسلام هولهم ثقافة قومية يجب أن يتشبعوا بها حتى يفهموها ويحبوها فيحرصوا على الإسلام حرصهم على أثمن شيء في عروبتهم. وإذا كان الواقع لا يزال بعيدا عن هذه الأمنية، فإن على الجيل الجديد من المسيحيين العرب مهمة تحقيقها بجرأة وتجرد، مضحين في سبيل ذلك بالكبرياء والمنافع، إذ لا شيء يعدل العروبة وشرف الانتساب إليها".
■ "قد لا نرى نصلي مع المصلين، أونصوم مع الصائمين، ولكننا نؤمن بالله لأننا في حاجة ملحة وفقر إليه عصيب، فعبئنا ثقيل وطريقنا وعر، وغايتنا بعيدة. ونحن وصلنا إلى هذا الإيمان ولم نبدأ به، وكسبناه بالمشقة والألم، ولم نرثه ولا استلمناه تقليدا، فهولذلك ثمين عندنا لأنه ملكنا وثمرة اتعابنا. ولا أحسب أن شابا عربيا يعي المفاسد المتغلغلة في قلب أمته، ويقدر الأخطار المحيطة بمستقبل العروبة تهددها من الخارج والداخل، ولا يؤمن في الوقت نفسه أن الأمة العربية يجب أن تستمر في الحياة، وأن لها رسالة لم تكمل أداءها بعد، وفيها ممكنات لم تتحقق كلها، وأن العرب لم يقولوا بعد كل ما عليهم أن يقولوه، ولم يعملوا كل الذي في قدرتهم أن يعملوه، لا أحسب أن شابا كهذا يستطيع الإستغناء عن الإيمان بالله، أي الإيمان بالحق، وبضرورة ظفر الحق، وبضرورة السعي كيما يظفر الحق".
وخلال بحثي عما يدعم، أويقوض قصة إسلام عفلق، خاصة وأنني كنت تشككت حين أعلن اسلامه يوم وفاته في 24/6/1989من قبل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والقيادة القومية لحزب البعث، وذلك لدى إجراء عملية جراحية له في أحد مشافي باريس، وقلت لنفسي، حتى لوكان قد أسلم، فقد كان من الأفضل عدم إعلان ذلك. وقد استندت في رأيي إلى ضرورات ومستلزمات الحرب النفسية، خاصة وأن وفاته جاءت في وقت كانت التداعيات الإعلامية، وتلك المتعلقة بالحرب النفسية لا تزال تتواصل بعد توقف الحرب العراقية ـ الإيرانية في 8/8/1988. وقد قلت لنفسي أخشى أن يفسر إسلام عفلق ـ إن كان صحيحا ـ تفسيرا سياسيا.
وأحسب أنني لم أكن الوحيد الذي تشكك في حقيقة إسلام عفلق، وإن لم أكن قد تشككت يوما في عروبته وقوميته، وإخلاصه لأمته العربية، وبذله كل جهد ممكن من أجل خدمتها، والإرتقاء بها بين الأمم.
مقال محمد عباس وكتاب الدكتور عمارة
الأستاذ الكاتب المصري الإسلامي الكبير محمد عباس تشكك هوالآخر، وقد عبر عن شكوكه صراحة في مقاله الذائع "هل أسلم أحمد ميشيل عفلق؟" وهوالمقال الذي كتبه في معرض مناقشته لكتاب الكاتب الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة عن التيار العروبي الإسلامي، وتناول فيه واقعة إسلام عفلق بالتمحيص الفكري، والتوقف عند نصوص أخرى لعفلق اوردها في سلسلة محاضرات أكد فيها على التراث الإسلامي لدى وصوله بغداد بهدف الإقامة فيها، بعد عدة سنوات من تولي حزبه الحكم في العراق.
يقول عباس "وفي كتاب الدكتور عمارة عن التيار القومي الإسلامي، فوجئت به يتناول ما حسبته شائعة سخيفة عن إسلام سيد التيار القومي دون منازع: ميشيل عفلق، ودفنه وفق أحكام الشريعة. وكنت أرى في ذلك ترهات سخيفة كإسلام نابليون، أوكالحاج محمد هتلر، أوحقوق الإنسان والديمقراطية الأميركية. أقول فوجئت بالدكتور عمارة لا يصدق ذلك فقط، بل يكتب كتابا كاملا لتأكيده. وأصارح القراء أنني انزعجت قائلا لنفسي: تالله لقد عاد إلى حنينه القديم!! ".
يتابع عباس "ولا أنكر أنني تناولته (كتاب عمارة) بريبة عظيمة، نضحت بها تعليقاتي على هوامش الكتاب، وهي تعليقات بدأت غاضبة عاتبة، ثم تحولت من الغضب والعتاب إلى الحيرة والتردد، لكن الأمر انتهى باعترافي بأن ما اورده من نصوص قطعية تعني فعلا ـ إن صحت ـ أن رائد القومية العربية قد وصل في النهاية إلى إسلام حقيقي".
ويستشهد عباس بقول عمارة " فاعتناق ميشيل عفلق للإسلام، وتدينه به- وهوالأمر الذي نصدقه ورفاقه فيه، ونسعد به كل السعادة- ليس بالأمر الذي يمر عليه أهل الفكر مرورهم على اعتناق "أحد من الناس" دين الإسلام.. لأن الرجل واحد من أبرز مفكري وقادة التيار القومي العربي في العصر الحديث.. وأستاذ تتلمذت وتتتلمذ عليه أجيال من المناضلين والمفكرين والمثقفين.. وأهم من هذا، فإذا كان اعتناقه للإسلام قد صحبه تطور في مكانة الإسلام بمشروعه الحضاري، كانت القضية أكبر من اهتداء قائد ومفكر إلى دين الإسلام.. وغدت تحولا في المشروع القومي الذي صاغه هذا المفكر، والذي تبناه، ولا يزال، تيار فكرى وسياسي مؤثر في واقعنا الفكري والسياسي..فالقضية ليست من القضايا التي طويت بانتقال الرجل إلى بارئه، وإنما هي واحدة من القضايا المطروحة، اليوم وغدا، على التيار الفكري".
ونقل عمارة عن عفلق قوله لقد أعلن ميشيل عفلق في خطاب مذاع: إنه كان يحب الإسلام كثمرة لحبه للعرب..أما الآن، فلقد أصبح الحب للإسلام.. وما العرب إلا أمة الإسلام.. وما العروبة إلا ضرورة لنصرة الإسلام!..
ويخلص عباس للقول "لم أفهم أبدا ولست على استعداد للاقتناع بالدوافع التي منعت ميشيل عفلق ورفاقه من إشهار إسلامه على الملأ بصورة واضحة حاسمة، ولماذا انتظروا فلم يعلنوا ذلك إلا بعد موته، وعلى الرغم من ذلك فإن الرحلة الطويلة عبر صفحات كتاب الدكتور عمارة جعلتني أدرك أن ما تصورته في البداية هزلا لا جد فيه، إنما هوجد لا هزل فيه. كما جعلتني أعجب بكثير من آراء الرجل الذي رفضته دائما، ومن ذلك آراؤه في العلمانية والحداثة والشيوعية والإستعمار والإمبريالية، كما جعلتني
دهش من انحيازه الحاسم للإسلام".
وأضاف عباس لقد رأى عفلق "أن الإسلام هوالذي يكون أولى مقومات الشخصية العربية وبالنسبة للثورة العربية، فقد رأى الإسلام روحها، وقيمها الإنسانية، وأفقها الحضاري.. إنه جوهر العروبة، وملهم ثورتها الحديثة.. ولذلك، فإن من الطبيعي أن يحتل الإسلام، كثورة عربية فكرية اخلاقية اجتماعية ذات أبعاد انسانية، أن يحتل مركز المحور والروح في هذا المشروع الحضاري الجديد لأمة واحدة ذات تاريخ عريق ورسالة حضارية انسانية".
وينقل عباس ما نقله عمارة عن عفلق "وعندما أقول عروبة، تعرفون بأنني أقول: الإسلام أيضا، لا، بل الإسلام أولا: العروبة وجدت قبل الإسلام، ولكنه هوالذي أنضج عروبتنا، وهوالذي اوصلها إلى الكمال، وهوالذي اوصلها إلى العظمة، وإلى الخلود.. هوالذي جعل من القبائل العربية أمة عربية عظيمة، أمة عربية حضارية- فالإسلام كان، وهوالآن، وسيبقى، روح العروبة، وسيبقى هوقيمها الإنسانية والأخلاقية والإجتماعية. هذا هوالإخلاص للشعب، هذا هوحب الشعب، هذه هي الحقيقة".
"بدافع من الحب للأمة العربية، احببنا الإسلام، منذ السن اليافعة. وبعد أن اقتربنا أكثر من فهم الإسلام، أضحى حبنا لأمتنا يتلخص في حبنا للإسلام، وفى كون الأمة العربية هي أمة الإسلام".."لقد ولد الإسلام في أرض العروبة، وضمن تاريخها وأهلها، لكنه أصبح هوأباها، لأنها ابتداء من الإسلام ولدت ولادة جديدة، وأضحت أمة عظيمة تاريخية، لها دور اساسي في تاريخ الإنسانية، وفى صنع مستقبل الإنسانية".
"فالوطنية..هي العروبة بعينها.. والعروبة- هي الإسلام في جوهره". "العروبة كثورة، فجرها الإسلام، فأصبحت ثورة إنسانية عالمية، وأعظم ثورة في التاريخ البشري، والعروبة كرسالة خالدة، لأن الإسلام، وهودين هداية للعالمين، كان العرب أول من حمل مسؤولية نشره، وسيظلون مسؤولين قبل غيرهـم عن حمايته ورفع لوائه وتجسيد قيمه في نهضتهم الحديثة".
ويختم عباس قائلا "كنت أتمنى ألا يغفل الدكتور عمارة جانبا هاما في حديثه عن ميشيل عفلق: هوهل اقترن القول عنده بالعمل؟ هل صلى وصام وحج إلى البيت الحرام و.. و..، ذلك أن ما أخشاه من كثير من القوميين واليساريين هوإسلام الحشد لا إيمان العقيدة، وذلك لا يغنيهم ولا يغنينا بهم.
شهادة شبلي العيسمي
تساؤلات الأستاذ عباس في محلها، ولذا فقد ركزت عليها وأنا أبحث عن شهادات من عرفوا عفلق وعاشوا معه عن قرب.
يفترض أن يكون واحدا من أقرب المقربين لعفلق، رفيق دربه، والأمين العام المساعد لحزب البعث الأستاذ شبلي العيسمي، الذي يقول في شهادته المسجلة "بالأصل كانت عند الأستاذ ميشيل ميول واهتمامات بالإسلام من قبيل ربط التراث العربي الإسلامي وظهور الإسلام بالفكرة القومية العربية".
"وألفت هنا إلى محاضرة مهمة ألقاها على مدرج جامعة دمشق سنة 1943 بعنوان "ذكرى الرسول العربي"، وهي تؤشر إلى خلفياته. كان لديه احترام واهتمام بالإسلام، لكونه الجزء الواضح الكبير في تعزيز العروبة، خاصة القرآن الكريم، وحكمه للغة العربية، وباعتبار أن القومية تستند في الدرجة الأولى إلى اللغة".
ويتابع العيسمي معلقا على الرسالة التي وجدت في المصحف الخاص بالأستاذ عفلق، والتي حصلنا على صورة عنها، واخبرنا بها الأستاذ العيسمي، ويعلن فيها اسلامه، وسنتناولها لاحقا، "من هذه الزاوية لا أستبعد أن يكون كتب هذه الوصية حتى يقول إنه كان صادقا فيما دعا إليه وآمن به، لكن إعلان اسلامه عندما كان على قيد الحياة ربما يفهم بشكل خاطئ، وأنه من قبيل الانتهازية، في حين أن إعلان اسلامه بعد وفاته يؤكد صدقيته أكثر..هذا هوتفسيري، وأنا لم أطلع على النص الذي قيل إنه كتبه بخط يده".
وبعد أن بدت جمل العيسمي السابقة غير واثقة، وغير مطلعة على إسلام عفلق في حياته، يتابع قائلا "ما يعزز إسلام عفلق أنه عندما جاء للإقامة في بغداد، بعد أن كان يقيم في بيروت، عمل سلسلة أحاديث بعنوان "البعث والتراث" نظّر فيها للتقارب مع الإسلام، ليس فقط من ناحية تاريخية ولغوية وحضارية، بل كذلك من ناحية دينية.عقائدية..زاد من عيار التقرب من الإسلام".
وأضاف العيسمي "أذكر في هذا المقام، أنه كان لنا صديق اسمه فؤاد الصواف، وهوبعثي قديم، كان يهتم كثيرا بالإسلام، وكان لصيقا بالأستاذ ميشيل، وكانا يعيشان في نفس الحي..قال لي الصواف ذات مرة بتقدر تعتبر الأستاذ ميشيل كأنه مسلم. وقد حدث ذلك عندما زارني في بغداد حوالي سنة 1980. ولذلك، فأنا أرجح أن يكون إسلام الأستاذ ميشيل صحيحا".
شهادة ناصيف عواد
ناصيف عواد، عضوالاحتياط السابق في القيادة القومية لحزب البعث، وأحد أقرب مقربي عفلق تحدث عن إسلام عفلق قائلا "إن عفلق سجل ذلك على قصاصة ورق دسها داخل مصحف كان يقرأ فيه أثناء رحلة جوية اعادته من باريس إلى بغداد بدايات الحرب العراقية الإيرانية، وذلك حين واجهت الطائرة مصاعب في الهبوط في مطار بغداد، ما اضطرها في النهاية للهبوط في قاعدة جوية قرب الحدود السورية".
ويروي عواد أن عفلق أخبره أنه قرأ كتابا للكاتب الإسلامي محمد حسين هيكل عن بعث الأمة فكان حزب البعث..! ويلفت إلى أنه "كان للأستاذ عفلق ابتداء موقف ثابت من الإسلام..الإسلام الحضاري. وهولم يسلم عن طريق شيخ، أوغيره". ويتابع "موقف حزب البعث من الإسلام واضح..ويمكن استقراؤه من محاضرة الأستاذ عفلق المعنونة: ذكرى الرسول العربي"..
ويضيف "كان الأستاذ عفلق معجبا جدا بشخص الرسول، ومعجبا بالإسلام من حيث أنه حضارة وثقافة للمسلمين وللمسيحيين العرب".
ويخلص عواد مما سبق أن "صدام حسين لم يعلن إسلام الأستاذ عفلق "من كيفه"..صدام كان محرجا لدى وفاة الأستاذ عفلق. وقد جمع جميع أبنائه، وابلغهم أن إعلان إسلام والدهم هوأصعب قرار اتخذه في حياته. قال صدام لهم لم يكن أمامي خيار إلا أن أعلن أن الأستاذ عفلق مات مسلما".
ويضيف عواد "يهيأ لي، وهذا هواستنتاجي الشخصي، أنه كانت هناك حرب تدور بين العراق وإيران، التي كانت أعلنت ثورة اسلامية. ولذلك، فقد خشي الأستاذ عفلق من أن يموت جراء قصف ايراني لطائرته، فكتب ورقة وضعها داخل مصحف قال فيها..إذا مت، فإنني أموت على دين الإسلام".
وحين نلفت عواد إلى أن حيازة عفلق وهوعلى الطائرة مصحفا كان يقرأ فيه، ووضعه للورقة التي كتبها داخله يعني أن كان قد أسلم منذ زمن قال "لا أعرف..لم أره يوما يصلي، ولم أعرف أنه كان يصوم..كذلك فإن عائلته لم تكن تعرف أنه مسلم..وقد تكلل عندما تزوج سنة 1959"..ويختم عواد مؤكدا أن أبناء عفلق جميعهم مسيحيون.
شهادة عدنان سعد الدين
وللمفارقة، فإن الشهادة الحاسمة التي تؤكد إسلام ميشيل عفلق كانت لعدنان سعد الدين المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، الذي كان مقيما في بغداد في منزل مجاور لمنزل عفلق.
يجيب سعد الدين حين سألناه هل كنت تعلم بإسلام ميشيل عفلق قبل وفاته..؟بكلمة "طبعا".. ثم يفصل قائلا إنه علم بإسلام عفلق قبل سنوات من وفاته، حيث أعلمه بذلك المرحوم طه ياسين رمضان نائب الرئيس العراقي، وذلك حين التقاه وكان معه الدكتور حسن هويدي في أوائل الثمانينات. وقال لقد ابلغنا أن الأستاذ ميشيل قد أسلم. ويضيف سعد الدين "حدث لدينا رد فعل متفاوت..الدكتور هويدي قال له لم لا تعلنون ذلك..؟ أما أنا فقد قلت جيد أنكم لم تعلنوا الخبر". وأشار سعد الدين إلى أن رمضان علق على ردتي فعلهما قائلا "كانت الرغبة عدم الإعلان حتى لا يفسر الأمر بأنه جاء في سياق الصراع مع ايران".
ويتابع سعد الدين كاشفا أن صدام حسين رحمه الله قد أخبره أيضا بإسلام عفلق سنة 1985، وذلك في لقاء جمعه مع الرئيس العراقي السابق، حيث قال صدام خلال حوار مع سعد الدين "إن الأستاذ ميشيل ليس عدوا للإسلام..الأستاذ ميشيل اقتنع بالإسلام وأعلن اسلامه، وتبعه اولاده، لكن زوجته لم تقتنع معه".
ونسأل سعد الدين كيف أسلم عفلق، ومن الذي أقنعه بأن يسلم..؟ألم يخبرك رمضان أوصدام حسين رحمهما الله بذلك..؟ فيجيب قائلا "لا..ولكن أنا أجيب من عندي. عفلق رجل مفكر قاده فكره إلى الإسلام، كما حدث مع روجيه غارودي وغيره. قادته دراسته وتفكيره وتأملاته وانطباعاته عن الإسلام إلى أن يسلم، ولم يتول اقناعه أحد رجال الدين".
وننقل له ما قاله عواد من أن عفلق لم يكن يصلي أويصوم، فيضيف كما أنه لم يقرأ له كتابا أومقالا جاء فيه أنه اعتنق الإسلام. وكنت اسأل البعثيين أيعقل أن مسلما لم يدخل المسجد مرة في حياته..؟! أولاده أميل أيضا إلى أن اسلامهم كان شكليا..ربما جاملوا اباهم أمام صدام. وقد أقيمت عدة احتفالات في ذكرى وفاته، وتحدث فيها إبنه الأكبر إياد دون أن يستخدم مصطلحات اسلامية، ولم يبدأ كلامه يوما بالبسملة. ويؤكد سعد الدين أنه لم يلحظ إسلام أبناء عفلق، كما أنهم لم يشيروا إلى إسلام أبيهم في الإحتفالات التي كانت تقام تكريما لذكراه.
ويقول سعد الدين إنه كان يقول لقادة بعثيين: هل يعقل أن لا يكتب عفلق شيئا عن اسلامه..كتابا أومقالا..؟ وفي ذات يوم جاؤوا ليقولوا لي إن ما كنت تطلبه قد حصل..إذ قالوا إن ميشيل عفلق كان يستقل طائرة عائدة لبغداد من باريس وأن عجلاتها تعطلت فلم تنزل من مكانها قبيل الهبوط، وبقيت تحلق في الجولسبع ساعات، حتى أفلح الفنيون في إنزال عجلاتها..وكان يوجد مع عفلق مصحف يقرأ فيه. وعندما رأى أن خطرا يداهمه، كتب على ورقة دسها بين دفتي المصحف إن مت فإني أموت على دين الإسلام، ووقع باسم أحمد ميشيل عفلق.
وقالوا إن ابنه وجد هذه الورقة داخل مصحف يعود لأبيه، وذلك بعد وفاته. وقد بعث ابنه بهذه الورقة للرئيس صدام حسين. وبدوره أمر صدام بوضعها داخل إطار زجاجي بحجم متر في مترين، وأمر أن تعرض في متحف ميشيل عفلق. وقد رأيت هذه الورقة بعيني.
ويبدي سعد الدين أن عفلق أسلم اسلاما حضاريا..ويقول "كان معجبا بإنجازات الأمة العربية بعد أن نزل عليها الإسلام، واستطاعت أن تستوعب حضارات الأمم كلها، وأن تهضمها وتصوغها في حضارة عربية اسلامية تليدة وخالدة، فكان معجبا بهذا، وتعمق فيه، ولذلك فقد أسلم". ويحرص سعد الدين على القول هنا "هذا تحليلي وليست معلومات".
شهادة شريف حلاوة
وبقدر ما كانت شهادة سعد الدين مثيرة، كانت شهادة شريف حلاوة، الأمين العام المساعد لحزب البعث التقدمي في الأردن، مثيرة هي الأخرى، خاصة وهويبين أن ما قصده عفلق بالرسالة الخالدة التي ثبتها في شعار الحزب (أمة عربية واحدة...ذات رسالة خالدة) هوالإسلام..!
يقول حلاوة "الحقيقة أن الرسالة الخالدة لم يكتب عنها كثيرا..كان في فهمي قبل أن أسمع على لسان آخرين أن رسالة العرب الخالدة تمثل ما قدمه العرب من خدمة للحضارة الإنسانية. كل ما قدمه الغرب للحضارة العالمية اعتمد اساسا على ما قدمه العرب. وكثير من الفلاسفة والعلماء الغربيين يعزون كل ما حصل في اوروبا من تقدم إلى ما ورثوه عن العرب. وبالطبع، فإن العرب اعتمدوا بدورهم على من سبقهم من أمم. لكن الجديد في الموضوع، وهذا ما استمعت إليه منذ حوالي 15 سنة من اكاديمي سوري كبير في جامعة حلب لا يحضرني إسمه الآن حين كنت أشرح فهمي للرسالة الخالدة، إذ فاجأني بقوله: الحقيقة أن الأستاذ ميشيل عفلق كان يقصد الإسلام بالرسالة الخالدة".
ووفقا لحلاوة فإن الشاعر الكبير سليمان العيسى، وهومن الأعضاء القدامى في حزب البعث، هوالذي أبلغ الأكاديمي السوري بذلك.. ويتابع حلاوة "طبعا هذا الكلام مقنع، عندما نعود إلى ما كتبه ميشيل عفلق عن الإسلام والرسول العربي، وأخيرا اسلامه نفسه. ولذلك، حين أعلن خبر اسلامه يوم وفاته لم افاجأ. والواقع أن اسلامه كان قد شاع في الثمانينيات".
ويتابع حلاوة "أريد أن أضيف أن الأستاذ عفلق حين وجه رسالة اعتذار للرئيس السوري الأسبق حسني الزعيم تعهد فيها من داخل سجنه بعدم العودة للعمل السياسي، شكلت له لجنة تحقيق حزبية برئاسة جلال السيد عضومجلس عمدة الحزب (القيادة القومية). وقد روي لي أن الأستاذ عفلق قال للسيد أثناء التحقيق يا جلال نحن نعيش في وطن عربي النسبة الأكبر من مواطنيه مسلمة، وحزبنا يدعولوحدة الوطن العربي، وعليه فإن هناك أحد احتمالين..إما أن أسلم أنا، أوأن تصبح أنت عميد الحزب..؟ أجابه السيد يا أستاذ ميشيل اسلامك لا ينقص المسيحيين فردا، ولا يزيد المسلمين فردا. جلال السيد لم يكن يعتبر كلام عفلق جادا، لنفاجأ لاحقا أنه كان مصمما على أن يكون مسلما".
ويؤكد حلاوة أن إسلام عفلق لم يكن سياسيا إنما عن إيمان. ويقول "عندما نعود لكتاباته نجد أن حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) لم يكتب عن الرسول كما كتب الأستاذ ميشيل عفلق".
كون الرسالة الخالدة لحزب البعث هي الإسلام هوما يؤكده كذلك الدكتور محسن خليل، آخر سفير للعراق قبل الاحتلال في القاهرة، وممثل العراق لدى الجامعة العربية، الذي شغل يوما مدير عام مركز الدراسات والبحوث في مجلس قيادة الثورة في بغداد..حين التقيت خليل، وهوصديق عزيز، في القاهرة مؤخرا، ورويت له ما يقوله حلاوة، وكان قد عرفني لتوه إلى الأستاذ علي عبد الله، آخر مستشار اعلامي للرئيس الراحل صدام حسين، فاجآني كلاهما بقولهما معا "هذه نعرفها من زمان..رسالة الحزب الخالدة هي الإسلام".
شهادة عفلق
ولكن من اطلع على الورقة التي سجل فيها عفلق إسلامه..؟
لقد حصلنا على صورة عنها، وكذلك على صورة من الرسالة التي وجهها إياد ميشيل عفلق للرئيس العراقي الراحل يبلغه فيها العثور على هذه الورقة بالغة الأهمية. يقول إياد عفلق في رسالته لصدام حسين:
السيد الرئيس القائد صدام حسين المحترم، حفظكم الله ورعاكم
تحية حب واحترام وبعد،
أبعث لسيادتكم طيا وثيقة بخط والدنا رحمه الله، عثرنا عليها بين صفحات إحدى نسخ القرآن الكريم الموجودة لدينا، وقد ارتأينا في الأسرة أن نرسلها لسيادتكم نظرا لأهميتها.
مع فائق التقدير والإحترام.
إياد ميشيل عفلق
19/3/1995
وهناك عدة أمور تستحق التوقف عندها في هذه الرسالة:
أولا: أنها تحمل تاريخا متأخرا بخمس سنوات وثمانية أشهر وخمسة وعشرين يوما عن تاريخ وفاة عفلق.
وهذا ينفي أن تكون واقعة إسلام عفلق قد فبركت لغايات سياسية تتعلق بتبعات الحرب العراقية الإيرانية. لقد تم إرسال الورقة لصدام حسين (رحمه الله) حين العثور عليها صدفة، ويبدوأن عفلق الذي كان قليل الكلام لم يكن قد أخبر أحدا بهذه الورقة قبل وفاته.
ثانيا: أنه يوجد في منزل عفلق أكثر من نسخة من القرآن الكريم "عثرنا عليها بين صفحات إحدى نسخ القرآن الكريم الموجودة لدينا". وهذا يعني احتمال وجود حاجة لأكثر من نسخة من القرآن، ليقرأ فيها بعض أفراد الأسرة إلى جانب عفلق نفسه. وأن من عثر على الرسالة يحتمل أنه كان يقرأ في هذه النسخة.
ثالثا: كما تؤكد هذه الرسالة أن عفلق كان يحمل معه مصحفا في حله وترحاله، ونسخة المصحف التي دس فيها هذه الرسالة هي التي كانت معه في طريق عودته من باريس لبغداد.
رابعا: أن عفلق كان قد أسلم منذ ما قبل سنة 1980. وهي السنة التي كتب فيها الورقة بالغة الأهمية التي يعلن فيها اسلامه.
أما ورقة عفلق، فيبدوأنه كتبها على عجل في ظرف غير اعتيادي، سواء تمثل في احتمال تعرض طائرته لقصف جوي ايراني، أواحتمال تعرضها للسقوط جراء عطل فني اصابها، وأخر نزول عجلاتها. الورقة التي دون عليها عفلق كلماته هي ورقة رسمية مروسة بـ :
حزب البعث العربي الإشتراكي
القيادة القومية
مكتب الأمين العام
تحريرا في 12تموز 1980
في الطائرة
الكلمة الأولى من كتابة عفلق غير واضحة، وهويقول بعدها "....إذا حصل لي حادث، فإني أموت على دين الإسلام. واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله".
التوقيع: أحمد ميشيل عفلق
وتعني هذه الورقة ما يلي:
أولا: أنها لم تكتب لغايات الدعاية السياسية، إذ أنها لوكانت كذلك، لما دست بين دفتي مصحف عفلق قرابة الست سنوات قبل أن يعثر عليها صدفة.
ثانيا: أنها غير موجهة لأحد بعينه..وإنما لمن يعثر عليها في حالة سقوط، أواسقاط الطائرة.
ثالثا: أن عفلق كان مسلما حقا، وأنه كان يقرأ القرآن الكريم.
رابعا: أنه كان قد غير إسمه بينه وبين ربه من ميشيل عفلق إلى أحمد ميشيل عفلق، بعد أن اعتاد الناس على مناداته منذ أمد بعيد بلقب أبومحمد، من شدة حبه البادي للرسول (صلى الله عليه وسلم).
وبعد، فهذا البحث تنقصه بعض الأمور مثل تاريخ إسلام عفلق، ومتى عرف أمر اسلامه لأول مرة، ومن الذي عرفه. وهوالأمر الذي يفترض أن أسرته تعرفه.
وهل أسلم فعلا افراد اسرته، أم لا..؟
لكننا للأسف لم نجد تجاوبا ممن اتصلنا بهم من افراد اسرته لتزويدنا بما ينقصنا، إذ لم يردوا على رسائلنا.
المصدر : الحقيقة الدولية