المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - بري الخائف من سقوط النظام السوري، يبحث عن شعار ودور جديد للمرحلة القادمة
دراسات /
سياسية /
2011-09-04
الأحد 4 أيلول 2011
بري الخائف من سقوط النظام السوري،
يبحث عن شعار ودور جديد للمرحلة القادمة
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
التحول السياسي القادم إلى ربوع سوريا نتيجة انتفاضة شعبها ضد حكم آل الأسد يقلق بعض اللبنانيين، وهم الذين استفادوا من هذا النظام طوال عقود لبناء إمبراطوريات مالية وأمنية وحضور سياسي وازن ومؤثر في الداخل اللبناني وكذلك في الخارج.. وإذا كان هدف النظام السوري حين سعى لإنشاء وبناء هذه المنظومات هو حماية نظامه واستقرار سلطته وهيمنته على الشعب السوري ومقدراته مستنداً إلى دور هذه المجموعات المرتبطة به، فإن هذه المجموعات في لبنان فشلت بل لم تستطع أن ترسم لنفسها دور وطني لبناني خارج الإرادة السورية والإيرانية، فبقيت سياساتها ومواقفها أسيرة المواقف والعناوين والشعارات السياسية التي يطلقها نظام الأسد ومرشد دولة إيران..ولذلك فهي لا تملك كما لم تقدم يوماً رؤية سياسية واضحة نشعر من خلالها أن هذا الفريق يستطيع أن يقود البلاد بجدية وموضوعية، ويؤمن لها الاستقرار والتقدم والمنعة والازدهار.. فكل ما نسمعه من قبل الناطقين باسم هذا الفريق وهو بالتحديد حزب الله وحركة أمل وأتباعهم من التيار العوني وغيرهم هو الحديث عن الممانعة المقاومة والتحذير من المؤامرات الأميركية والصهيونية والمحور العربي المرتبط بهذه السياسات، وهي شعارات أطلقت لتبرير سياسة القمع والتنكيل التي يمارسها هذا المحور في لبنان وسوريا وإيران، أما الحديث عن كيفية قيادة دفة الحكم وتوجيه البلاد سياسياً واقتصادياً وامنياً بشكل متوازن وفعال فهذا الكلام لا نسمع منه شيئاً على المستوى اللبناني، اللهم إلا التشكيك بحكومات الفترة الماضية منذ العام 1993، وحتى استلام الميقاتي دفة الرئاسة الثالثة، بقرار سوري وبتنفيذ محلي.. وكأن بري ومن معه وحوله لم يكونوا جزءاً أساسياً ومكونا بارزاً في هذه الحكومات وتحديد سياساتها ورسم خطوطها العريضة، حتى يظن البعض أن بري كان خارج السلطة التشريعية التي أسست لقوانين وتشريعات كثيرة استندت إليها الحكومات السابقة في تنفيذ سياساتها التي تتم مهاجمتها اليوم على لسان بري.
مشكلة بري وحزب الله الحالية، هي عدم قدرتهم على قيادة دفة السلطة التنفيذية بجدارة، وهم الذين اعتادوا مراجعة النظام السوري قبل القيام بأي خطوة مهما كانت أهميتها، وانشغال بشار الأسد وفريقه المولج بإدارة الشأن اللبناني، في معالجة مشاكلهم الداخلية يعمق ويفاقم أزمة فريق بري وحلفاءه، خاصةً وان فريق بري وحزب الله كان دورهم خلال الفترة الماضية منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، هو الاستفادة من مغانم السلطة عبر تعطيل عملها إلا بشروط، دون تحمل تبعات المحاسبة والمساءلة التي يلقونها اليوم على كاهل كل الحكومات المتعاقبة بمن فيهم الرئيس الحص إلى جانب الرئيس الحريري والرئيس السنيورة، واكتفى هذا الفريق طوال القترة الماضية بلعب دور امني يقوم على تعزيز حضور ميليشياته وإعطائها طابعاً مقاوماً و(وطنياً) لحماية دوره ومشروعه الذي انطلق من طهران ونما وترعرع في أحضان دمشق، والارتباط بالأجهزة الاستخباراتية السورية التي كانت تشرف على الشأن السياسي والأمني اللبناني بكل تفاصيله..هذا العجز الواضح اليوم للعيان ولكل مراقب، يوضح لنا أسباب هذه الحملة السياسية التي يقودها بري وحزب الله وأتباعهم، وربط مصير لبنان حكومةً وشعباً وكياناً واستقراراً، بمصير النظام السوري ورئيسه وليس الشعب السوري ومكوناته، لأن حقيقة تحالف هؤلاء هي مع أركان النظام السوري وليس مع الشعب السوري، لذلك نرى إعلام هذا الفريق يشكك في أهداف انتفاضة الشعب السوري الذي يزيد عدده عن 23 مليون نسمة، وفي الوقت عينه يتبنى موقف الأقلية الشيعية في دولة البحرين التي لا يتعدى عددها 300 ألف مواطن، ونحن هنا لا نناقش مشروعية مطالبها أو ارتباطها، ولكن من الواضح أن هذا الفريق (بري وحزب الله) قد اختار معاداة الشعب السوري برمته والتحالف مع النظام الذي يوشك على الرحيل، ونحن في لبنان في أمس الحاجة إلى صداقة الشعب السوري واحترام خياراته وتطلعاته، وفي الوقت عينه يتطلع هذا الفريق إلى التحالف مع جزء من شعب البحرين ومعاداة الجزء الأخر إلى جانب النظام في تناقض بالغ وفاضح..وسبب تحالف هذا الفريق اللبناني مع الأقلية البحرينية هو الرغبة الإيرانية ولو أضر هذا الموقف بالجالية اللبنانية في البحرين، وتأييد النظام السوري مرده إلى الشعور بأن بقاء هذا النظام هو ضمانة استمرار هيمنة سلاح هذا الفريق وميليشياته على الشأن الداخلي اللبناني، وفرض سياسة خارجية على الشعب اللبناني معادية للمجتمع الدولي والعربي على غرار ما شاهدناه وسمعناه من مواقف يندى لها الجبين ولا تمثل مطلقاً توجهات معظم اللبنانيين كالتي أعلنها وزير خارجية حزب الله وحركة أمل وسوريا في حكومة الميقاتي السيد(عدنان منصور) حول الموضوع السوري في الجامعة العربية وعلى شاشات التلفزة..
هذا القلق هو ما يدفع نبيه بري اليوم إلى نقل الحوار إلى جملة قضايا داخلية، بعد أن كان النقاش يتمحور حول موضوع العلاقة مع سوريا ونظامها ومعاداة شعبها وتجاهل معاناتهم وإنكار جهادهم وتضحياتهم، وهو الذي كان قد فتح هذا الباب قبل أيام خلال مهرجان الصدر الذي أقامه في بعلبك حين قال:(سأل بري في حديثه عن الوضع في سورية: «لماذا نقف مع سورية نظاماً وشعباً؟ وقال: «من غير الصحيح أننا لا نستطيع السكوت عما يجري هنا وهناك، لأن هناك من يرى ونحن منهم في التحركات الجارية انخراطاً في مؤامرة أجنبية، وهي ستضع لبنان غداً أمام استحقاق أزماته التي لن تكون سورية فحسب. وشدد على تحديث النظام في سورية، معتبراً أن «المؤامرة» عليها «تستهدف تقسيمها، ما يشكل خطراً على العراق وتركيا ولبنان، فهل تسمعون. لذلك نرفض وندين كل تدخل أو تحريض أو تخريب عابر للحدود، ونؤكد دعمنا لكل أشكال الحوار في سورية للمضي بعزم على طريق الإصلاحات السياسية»). بعد هذا الخطاب الذي ألقاه بري معلناً ولاءه وارتباطه بالنظام السوري ومتهما الشعب السوري بالانخراط في مؤامرة على الكيان وملمحاً إلى إمكانية تقسيم سوريا كنتيجة لهذه الانتفاضة.. جاءت العقوبات الدولية الجديدة لتطال نظام الأسد وهي التي تتطور مع استمرار صمود الشعب السوري في مواجهته مع النظام الذي يستخدم كل الإمكانيات العسكرية المتاحة بما فيها الطيران لمواجهة شعبه ومطالبه المشروعة، ومع ارتفاع منسوب التفاهم الدولي على ضرورة تغيير النظام السوري الحالي الذي لم يعد يشكل قاعدة أمان واستقرار في المنطقة كما كان دوره دائماً.؟؟ هذه المستجدات كانت سبباً لتدفع بري إلى إعادة النظر في العناوين والشعارات السياسية التي رفعها قبل أيام وليقوم بإطلاق مواقف جديدة تتمركز حول موضوع النفط والثروة الوطنية اللبنانية والإستراتيجية الدفاعية وذلك حين قال: ( يبدو أن البعض في الداخل اللبناني لم يستكمل أو لا يريد أن يستكمل بناء خطوط دفاعه الوطني، ولم يستعِدْ أو لا يريد استعادة الوعي السياسي والوطني والاستراتيجي على النحو الذي يمكّن لبنان واللبنانيين من حفظ حقوقهم والاستثمار على ثرواتهم في البر والبحر) هذا البيان الذي أصدره بري في معرض الرد على موقف إسرائيلي يتعلق بحماية الغاز والنفط في البحر المتوسط، هو بهدف نقل الخلاف من الإقليمي إلى الداخلي، وليتمحور النقاش حول نقطتين أساسيتين: (الأولى) الإشارة إلى وجود ثروات هامة في البحر المتوسط يجب التفاهم على استغلالها بمعزل عن المتغيرات الإقليمية التي تصيب سوريا وسائر دول الجوار، و(الثانية) تهدف لتثبيت دور ميليشياته وميليشيا حزب الله في حماية الثروة الوطنية إلى جانب الجيش اللبناني، وذلك لرغبة هذا الفريق في إبقاء هيمنة سلاحه على الواقع السياسي والاقتصادي اللبناني وليستفيد إلى أبعد مدى تحت سقف القانون من هذه الثروة، وليحفظ حضوره السياسي والأمني المهيمن المستند إلى اتفاق وطني بناءً على ما يسمى (الإستراتيجية الدفاعية) التي ستتفق عليها القوى السياسية اللبنانية حول طاولة الحوار في حال تم ذلك..؟؟
إذاً بري الذي يستشعر خطورة زوال النظام السوري وسقوطه الحتمي، يسعى إلى جانب حلفائه لحماية حضوره ودوره وامتيازاته في السلطة اللبنانية خلال المرحلة المقبلة، لذلك هو يستعجل إطلاق شعارات وعناوين سياسية تشكل في حال إقرارها والاتفاق عليها بديلاً وغطاءً وطنياً ومحلياً يستبدل به الرعاية والحماية الإقليمية التي كان يؤمنها له النظام السوري وراعيه الأخر في طهران. ولكن يبدو أن الأوان قد فات، لأن السياسة الإعلامية التي يقودها هذا الفريق تجعله في حال عداء ليس مع الشعب السوري وحده بل مع كافة الشعوب العربية التي بدأت تتلمس حقيقة ارتباط وتوجهات وأهداف هذا الفريق الذي يعاني من تسلطه الشعب اللبناني برمته.
hasktb@hotmail.com