المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - اليوم تونس... وغدا سوريا...؟؟
دراسات /
سياسية /
2011-10-25
الثلاثاء 25 تشرين الأول2011
اليوم تونس... وغدا سوريا...؟؟
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز.. حسان القطب
لم يكن بمقدور أي مواطن عربي التصور يوماً، أن تغييراً بهذا الحجم والكم قد يصيب عالمنا العربي والإسلامي في فترة وجيزة، بل تكاد أن تكون قياسية، حيث أطيح بزعامات وقيادات وحكام، وبعضهم ما زالوا في طور الإطاحة، استبدوا بمواطنيهم وشعوبهم، ومارسوا شهوة السلطة، بكل ما تحمله الكلمة من معاني القهر والتسلط والجبروت والطغيان، وديكتاتورية الحكم من بطش وسطوة وتعذيب وسجن وقمع. والنزعة والرغبة العائلية والعشائرية والحزبية من السماح لمجموعة من أفرادها باحتلال مواقع متقدمة في جسم الدولة وهي بالكاد تملك الفهم والعلم والمقدرة اللازمة لممارسة السلطة وإدارة دفة الحكم وشؤون الدولة والناس، وتحقيق الاستقرار والتنمية الاجتماعية والاقتصادية اللازمة لتلبية حاجات المواطنين. لذلك كانت انتخابات تونس الديمقراطية والحرة التي تجاوزت فيها نسبة الاقتراع كل التوقعات مقدمة لتثبيت حالة التغيير في تونس وكذلك في دول المنطقة، وإشارة مباشرة إلى الدول والحكام الذين لا يزالون متمسكين بالسلطة، مفادها أن المستقبل هو للتغيير الذي يقرر شكله ونوعه وحدوده الشعب وحده فقط وعبر صناديق الاقتراع.
ما جرى مؤخراً في عالمنا العربي والإسلامي من أحداث، أضاء بالتأكيد على واقعنا المأزوم الذي كنا في غفلةٍ عنه، وفي بعدٍ عن فهم واقعه وتداعياته وما يحمله من مخاطر تتهدد مستقبل أمتنا ومجتمعاتنا واستقرارنا وعيشنا المشترك وتنوعنا الديني والعرقي، حتى بدأ الحراك الشعبي بكل عفويته وبساطته وجرأته وشجاعته وتضحياته التي تجاوزت كل تقدير وكل ما كان قد ذكر عمن سبقنا من بطولات وشجاعة وبذل وعطاء. وليكشف لنا هذا الحراك أيضاً عمق وخطورة هذه المسألة وغيرها من القضايا الهامة الأخرى، التي من الممكن سردها على الشكل التالي:
- إن حجم الظلم والقهر الذي تمت ممارسته طوال فترة طويلة من العقود، قد أنتج حالة التمرد والانتفاض والثورة هذه التي شهدنا وما زلنا نشهد بعض فصولها في أقطار عربية عديدة ومتعددة رغم أنها قد تختلف في توجهاتها السياسية وفي ارتباطاتها الخارجية.
- إن هذا الحراك لم يكن نتيجة تخطيط خارجي أو من وضع وإدارة قوى خارجية، بل هو وليد القناعة التي رسخت في أذهان المواطنين بضرورة الانتفاض والثورة وتحقيق التغيير المنشود.
- إن التأييد الخارجي سواء كان عربياً أو دولياً جاء نتيجة التحرك الشعبي ولمواكبته، ولم يكن سبباً له، ولا يجب أن نكون على التباس في علاقاتنا مع شعوب ومواطني هذه الدول العربية، بسبب قبولها بالتأييد والدعم أمام هول ما شاهدناه من حجم القمع والقتل الذي مارسته وتمارسه هذه الأنظمة بحق مواطنيها، وموقفنا دائماً يجب أن يستند إلى مدى مصداقية والتزام قادة هذا الحراك بالشعارات والعناوين التي تم طرحها في مسيرة الصراع مع هذه الأنظمة.
- إن موضوع الأقليات الذي تم طرحه لم يكن وليد صدفة، كما لا يجب أن نتجاهله، بل يجب أن يتم التعامل مع هذه المشكلة بجدية وموضوعية، ولا يكفي إصدار بيانات التطمين والتهدئة، بل يجب أن يسحب فتيل التأزيم ومعالجة حالة عدم الشعور بالاطمئنان والثقة بين الأقليات والأكثرية، وهو بالتأكيد نتاج ما زرعته أدوات الديكتاتوريات السابقة والحالية، لتستند في سلطتها على مجموعة من الخائفين من التغيير، وعلى خوف الأقلية من وصول أكثرية إلى الحكم ترغب يوماً في الانتقام من جلادها ومن كان متحالفاً معه.. فلا يجب أن نكرس هذا الفهم وهذا المنطق في مجتمعاتنا وبين أبناء الوطن الواحد. بما يسمح بتكرار سلطة الحزب الواحد والقائد الأوحد تحت شعار أن وجوده يشكل حمايةً للأقليات وكذلك ضبطاً لرغبات الأكثرية وطموحاتها.
- لقد تبين أن عالمنا العربي هو عالم واحد مترابط ومتجانس ومتفاعل مع بعضه البعض، وان الحدود البرية بين دول المنطقة لا تشكل حاجزاً بين هذه الشعوب وبين إحساسها بمعاناتها المشتركة، وهي التي تفاعلت وتناغمت في تحركاتها الشعبية ضد جلاديها، فانهيار نظام تونس كان كفيل بتتابع مسلسل الانهيار ليطال دولاً مجاورة وبعيدة ولكنها تعاني من الواقع عينه.
- لقد انكشف زيف شعارات المقاومة والتحرير واستعادة الأرض التي رفعتها هذه الأنظمة طوال عقود لطمس حقيقة وطبيعة أنظمتها الاستبدادية، وهي التي تم تغليفها بشعار التحرير والمقاومة والعودة لكم أفواه المواطنين واعتبار كل معارض عميل، وكل معترض خائن ومشبوه.
- من هنا لاحظنا أن شعارات هذه الانتفاضات تحدثت عن التنمية والتطوير والنهوض والديمقراطية والتعددية، وغابت عنها الشعارات الأخرى السابقة، لا تجاهلاً لها بل لأن التحرير لا يمكن أن يتم دون تنمية واستقرار سياسي وامني وتطور اقتصادي.
- لقد أكدت بعض الأحزاب والتنظيمات ارتباطها بهذه الأنظمة متجاهلةً مطالب هذه الشعوب المحقة ومؤيدةً في الوقت عينه سياسة البطش والتنكيل التي تمارسها هذه الأنظمة، ليس قناعةً بهذه السلطات بقدر ما تشعر بأن وجودها يشكل حماية وضمانة لاستمرارها وتفاقم قوتها مستندةً إلى سلطة القهر تلك.. وهذا ما لمسناه من كلام حسن نصر الله الذي أيد النظام السوري ودافع عن بطشه، وهو الذي يحدثنا كل عام في يوم عاشوراء، والمناسبة أصبحت قريبة، عن انتصار الدم على السيف، ويعطينا الدروس في مواجهة الظالم وسلاحه. وأي ظلم أفدح مما نراه في سوريا..؟؟
- قد لا تكون الفترة المقبلة في المنطقة وخاصةً في الدول التي تم فيها التغيير ذهبية، ناصعة ومشرقة مع أن هذا ما نتمناه، ولكن يجب أن نتعامل معها على أنها قد تكون مرحلة انتقالية صعبة تشكل فاصلاً بين مرحلة سابقة طابعها الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، وبين مرحلة جديدة تهدف لتثبيت حالة الديمقراطية والتعددية، ومن سلطة القائد الأوحد والحزب الحاكم المشرف والموجه، إلى حالة التعددية الحزبية والتنافس على السلطة سلمياً وعبر صناديق الاقتراع بين قوى سياسية متعددة ومتنوعة لا تستند في صراعها على بيانات التخوين ومواقف الترهيب، بقدر ما تعتمد على تقديم برامج سياسية وإنمائية واجتماعية في سعيها لتقديم الأحسن والأفضل.. وحينها يكون صندوق الاقتراع هو الحكم والفيصل في هذا الصراع وليس السجن والنفي والاغتيال..
- الترهيب المسبق من الحالة الإسلامية مرفوض، طالما أنها أي الحركة الإسلامية وطوال عقود كانت هي نفسها عرضة لإرهاب هذه الأنظمة وقمعها، وإخافة الأقليات والتجمعات والمكونات السياسية الصغيرة من خطر الأصولية غير مقبول، لأن الأصولية سلوك وليست دين أو مذهب، وليس أكثر أصوليةً وإرهاباً من أنظمة تحكم شعبها بالحديد والنار ثم تزرع في قلوب أبنائها الخوف والبغضاء من مكونات وطنية أخرى تحت أي شعار أو مسمى..
ما شاهدناه في تونس خلال هذه الانتخابات الحرة والديمقراطية مؤشر إيجابي يدل على مدى تعلق المواطن العربي بالتغيير ورغبته في إدارة شؤونه السياسية ومعالجة مشاكله الاقتصادية بروح منفتحة وبسلوك متميز.. ويبقى على الفريق الذي فاز سواء كان إسلامياً أو علمانياً أن يقدم رؤيته لإدارة السلطة والتزامه باحترام الرأي الآخر والنزول عند رغبة الناخب العربي، وما جرى في تونس نتمنى أن نراه قريباً في مصر وليبيا والعراق واليمن، وفي سوريا التي تعاني من سياسة القمع حتى يومنا هذا، وزيارة الوفد العربي المكلف بمعالجة ملف الأزمة السورية قد يشكل منعطفاً هاماً في تاريخ سوريا على أساسه يتحدد مصير ومستقبل الشعب السوري، فإما يخضع هذا النظام لمطالب الشعب السوري وينزل عند رغبته في التغيير، وإما فإن الثورة والانتفاضة سوف تستمر حتى يتحقق الانتقال من سلطة الشخص والعائلة والحزب الواحد إلى سلطة ديمقراطية تعددية ولن يكون هذا اليوم عنا ببعيد، حين تكون سوريا حرة ذات حكم ديمقراطي تعددي...
hasktb@hotmail.com