مشروع ميثاق ثقافيّ
دراسات /
فكرية /
1993-12-17
وثيقة العمل الديمقراطيّ
مشروع ميثاق ثقافيّ (1)
هناك شعور عام وملحّ لضرورة قيام حركة فكريّة ـ سياسيّة ، أو نواة حركة واعدة : وطنيّة ، ديمقراطيّة ، اجتماعيّة ، ثقافيّة .. تكون تعبيراً عن :
* ضميرِ الشعبِ اللبنانيّ ،
* ووعيه السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ ،
* وطموحاتِه في الفكرِ والممارسة ، وآماله المستقبليّة ،
* وتحركه في المرحلة الراهنة (2)
وتعود أسباب هذا الشعور ، لدى الرأي العام ، إلى أمورٍ عديدة ، يأتي في طليعتها :
1ـ انهيار الدولة ومؤسّساتها العامة إثر الحروب الأهليّة المتتالية ، والصراعات العسكريّة والسياسيّة والطائفيّة ... والصراعات أخيراً داخل الطائفة الواحدة ، وداخل المذهب الدينيّ الواحد .
2 ـ وجود فراغٍ على صعيد القيادة السياسيّة والحزبيّة، والفكر الوطنيّ والممارسة اليوميّة، والثقافة الملتزمة بقضايا الشعب الحيويّة وقضايا الإنسان .
3ـ والمشاركة كانت دائماً مفقودة ، تمثيلاً وتعبيراً ، لأوسع الفئات والقطاعات الاجتماعيّة، في أيّ مشروع سياسيّ ، وطنيّ ، اجتماعيّ ، ثقافيّ .
4ـ والسياسة في لبنان لم تكن يوماً تعبيراً حقيقياً أو نتيجة لفهم حقيقيّ ، علميّ ، لواقع الاقتصاد والاجتماع والتربية والثقافة ، بل كانت ولا تزال تعبيراً عن المصالح الخاصة : مصالح العائلة أو العشيرة ، أو قوى الاقتصاد والمال والنفوذ في الداخل والخارج : من هنا ، تلك الهوّة السحيقة ، في الماضي والحاضر، بين جماهير الشعب الواسعة ، وبين القيادات السياسيّة أو السياسيّين والحكم والحاكمين ... ومن هنا أيضاً تلك الحالة العامة من اليأس والإحباط والقنوط لدى اللبنانييّن بأكثريتهم الساحقة ...
لذلك ، وانطلاقاً ممّا تقدم ، وفي هذه المرحلة بالذات ، تأتي الأهميّة الكبرى والملحّة لظهور قيادة جديدة ، فكريّة ، ثقافيّة ، اجتماعيّة ، وطنيّة ، جريئة ، ولتأسيس " حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان " :
1ـ تضمّ مواطنين ومثقّفين ديمقراطيّين ووطنيّين ملتزمين ، من بيئاتٍ وفئاتٍ اجتماعيّة ومهنيّة ونقابيّة وشبابيّة متنوّعة .
2ـ تعتمد الأسلوب الديمقراطيّ ، والفكر العلمي الاجتماعيّ ، وحقوق الإنسان ، منهجاً وسلوكاً وتنظيماً .
3ـ وتكون تعبيراً حقيقياً عن حاجاتنا الضروريّة ، ومتطلبات المرحلة الراهنة ، وذلك عن طريق :
أ ـ التزام الفكر الوطنيّ الديمقراطيّ ، والممارسة اليوميّة لقضايا الشعب الحيويّة وقضايا الإنسان …
ب ـ فهم السياسة على أنّها تعبير حقيقيّ وعمليّ عن النشاط الإنسانيّ والاجتماعيّ ، ونتيجة لفهم علميّ لواقع الاقتصاد والاجتماع والتربية والثقافة في مجتمعنا … من هنا العمل لإشراك جماهير الشعب الفاعلة والفتيّة ، لملء تلك الهوّة بين تطلعاتها وحاجاتها الواسعة ، وبين واقعنا الذي نعمل لتغييره وتحريره .
ج ـ وفي هذا السياق العام ، يأتي دور الطليعة الوطنيّة الديمقراطيّة ، ودور المثقّف والتزامه الواعي والمؤثّر في قضايا المجتمع وتغيّراته : وهو دورٌ من أولويات الأمور في المنعطفات التاريخيّة والأزمات المصيريّة ....
* * *
في التسمية :
وحول هذه التسمية : " حركة الحوار الديمقراطيّ "، نقول بشيء من التحديد :
حركة : تعني هنا الديناميّة والفاعليّة أو بمعنى آخر ، تياراً أو إطاراً يكون نقطة التقاء اتجاهات وطنيّة ، وقطاعات اجتماعيّة ومهنيّة وثقافيّة متنوّعة ، متكاملة ، تلتقي في القول والفكر والعمل ، حول برنامج مرحليّ يكون تعبيراً عن طبيعة الأوضاع الوطنيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة للمجتمع اللبنانيّ ، وضمن رؤية مستقبليّة من أجل التغيير الديمقراطيّ وتحرير الإنسان ... ويشير تعبير " الحركة " هنا أيضاً إلى تأكيد جانب الممارسة العمليّة أو الفعل في الحركة السياسيّة، باعتماد المنهج العمليّ ، لا الفكر النظريّ وحسب ، وذلك في سبيل بلورة الأهداف الوطنيّة وتحقيقها ، انطلاقاً من الواقع الاجتماعيّ والتفاعل معه .
الحوار : والحوارُ مفهومٌ عامٌ، متعدّدُ الوجوه والأبعادِ والمضامين الفلسفيّة والسياسيّة. ويَردُ هنا ليَرْتديَ معنىً خاصاً ومميّزاً في الفكر وفي الممارسة العمليّة ...
فالحوارُ ، كما نفهمه ونعنيه ، وكمصطلح عام ، إنّما هو هنا تلك " العلاقة الاجتماعيّة التفاعليّة " بين أفرادٍ أو جماعاتٍ ، واتصالهم في ما بينهم وتواصلهم عَبْر " ثقافة " المجتمع وقِيَمِها وعناصرها الأساسيّة ... ومحورُ الثقافةِ اللغةُ التي هي وعاءُ الفكرِ ومضمونُه ، وذاكرةُ التاريخ المجتمعيّة . ويتجلّى هذا الفكرُ بالإرادة . والإرادةُ قدرةٌ خلاّقةٌ ، فاعلةٌ ، تتمظهرُ عن طريقِ حريّةِ الاختيار ... والفكرُ حريّة . والحريّة إرادة . والإرادة وعيٌ . والوعيُ حتى يتحقّق ، عليه أن يُدركَ قضايا المجتمع المحيطة به ، ويستوعبَها ، ويفهمَها بمختلفِ وجوهها وتعابيرها ومستوياتها ، دونما تحيّزٍ أو تعصّبٍ أو تضليلٍ ، وذلك من أجلِ إحداثِ عملية التغيير ، التغيـير الاجتماعيّ ـ الثقافيّ ، وبالتالي السياسيّ ، ولمصلحة الإنسان في المجتمع ...
والإنسانُ الحرُّ ، الإنسانُ المثقّفُ الملتزمُ ، مسؤولٌ عمّا يجري في مجتمعه وفي عالمه ، وما يحدثُ فيه : مسؤولٌ عن إدراكه لما يحيط بوجوده ، وعن معرفة هذا الوجود وفهمه له . فلا حوار ، إذن ، مع الجهلِ ، أو التجاهلِ ، أو التجهيلِ ...
وكلُّ موقفٍ حواريّ ، نظرياً كان أم ممارسةً ، ينبغي أن ينطلق من الواقع الاجتماعيّ ـ الثقافيّ ، ويعتمدَ عليه ويعودَ إليه لفهمه وإدراكه عن طريق الفكر والعقل والممارسة ، كما هو في كنهه وحقيقته وبمختلف جوانبه ومستوياته …
فالنظرةُ إلى الواقع والعودة إليه باستمرارٍ في أيِّ حوارٍ ثقافيّ اجتماعيّ وطنيّ ، لمعرفته معرفةً حقيقيةً في أبعاده وتطوّره ونتائجه ، ضرورةٌ فكريّةٌ تغييريّةٌ ، اجتماعيّةٌ وسياسيّةٌ ، نظريّةٌ وعمليّةٌ ، حتى يستطيع الواحدُ منّا أن يَبنيَ أحكامه وآراءه بصورة موضوعيّة وواقعيّة ... وهي في الوقت عينه وسيلةٌ وغايةٌ في آنٍ معاً ، في كلِّ حوارٍ جديّ ومتكافئ .
غيرَ أنَّ هذا الواقعَ إنّما هو دائمُ التغيّر . والتغيّرُ قانونٌ اجتماعيّ طبيعيّ . فمن الضروريّ فهمُ هذا التغيّر الاجتماعيّ في حركته ، وفهمُ قوانينه وأسبابه وتحوّلاته بموضوعيّة وعقلانيّة .
وللحوار شروطٌ ، كما له مضمونٌ وعناصرُ وأهداف . وشرطُ نجاحِ هذه العلاقة الاجتماعيّة الحواريةّ ، اعتبارُ المتحاورين متساوين في القيمة الإنسانيّة ، المعنويّة والماديّة والسياسيّة ، ممّا يستلزم ضرورة إرادة الانفتاح ، وفهم الآخر ، ونفي الاستعلاء أو التّسلّط أو التبعيّة ... والانطلاق بالتالي من الكفاية والمساواة والنّديّة .. ويصبح الحوارُ هنا ، بمعناه الحقيقيّ ، فعلاً وتفاعلاً ، تأثيراً وتأثراً ، أخذاً وعطاءً ... وهو حضورٌ فكريّ وعقليّ ، ويرتبط بأهدافٍ وغاياتٍ واضحةٍ ...
ولا يمكنُ أن يتحقّقَ الحوارُ واقعاً دون وجود الحريّة . والحريّة ملازمة للديمقراطيّة : فلا حريّة حقيقيّة دون ديمقراطيّة . ولا ديمقراطيّة حقيقيّة دون حريّة . ولا حريّة ولا ديمقراطيّة دون حوارٍ حقيقيّ ، وبين متساوين في الحقوق والواجبات .
من هنا ، فقد أُعطيَ الحوارُ صفةَ الديمقراطيّة : الحوار الديمقراطيّ . بمعنى أن الحوارَ عنصرٌ أساسيٌّ ومحوريٌّ في مفهومِ الديمقراطيّة ومن مقوّماتها القِيَميّة الرئيسة ... وإنّ اقترانَ مفهومِ الحوار بمفاهيم الحريّةِ والديمقراطيّة وحقوق الإنسان ، يستتبع تفاعلاً جدلياً في المضمون الفكريّ ، والمنطلقات المبدئيّة والتوجّهات النظريّة والعمليّة على حدٍّ سواء ، بحيث لا يمكن تحقيق واحدٍ من هذه المبادئ دون العمل والسير في تحقيق الآخر ...
والحوارُ والحوارُ الديمقراطيّ ، الحقيقيّ والفاعل ، إنّما هو الذي يفترضُ وجودَ حالةٍ حواريّة في مجتمعٍ حواريّ ، في مجتمعٍ ديمقراطيّ . كما يفترضُ وجودَ رأي عامٍ ومواطنين لهم صفاتٌ حواريّة ، وفكرٌ حواريّ ، وأخلاقٌ حواريّة ، وواقع سياسيّ حواريّ ... ولا يمكن أن نصل إلى هذه الحالة الحواريّة العامة إلاّ إذا كان المجتمعُ ذاتُه بنظمِه السياسيّة ، وتكوينه الاجتماعيّ ، ومقوّماته الأساسيّةِ ، ديمقراطياً .
لذلك من الأهميّة بمكانٍ أن يعتمدَ الحوارُ الجديُّ المعاييرَ الجديّة ، والهدفَ الناقدَ المغيِّر ، وأن يتضمنَ بالتالي بُعداً اجتماعياً نابضاً بالحيويّة والعقلانيّة والواقعيّة ، في بعده الإنسانيّ ...
الديمقراطيّة : في الاصطلاح العام ، الديمقراطيّة تعني ، في ما تعنيه ، اعتماد :
أ ـ الحريّة السياسيّة والفكريّة والاجتماعيّة ، وحقوق الإنسان ، في القول والفعل والتنظيم السياسيّ ...
ب ـ المساواة وتكافؤ الفرص في إطارٍ من حريّة الرأي والتعبير والاعتقاد والاجتماع .
ج ـ المشاركة الفعّالة والحقيقيّة لأوسع القدرات والفئات الاجتماعيّة العاملة والمهنيّة والنقابيّة والشبابيّة …
د ـ الحوار ، الحوار المنفتح ، الهادف ، من أجل الالتزام بمصالح أوسع قطاعات الشعب وأهدافها وتطلعاتها المستقبليّة ، وذلك بغض النظر عن أيّ انتماءٍ لدين أو طائفة أو مذهب ، أو أيّ منطقة أو منشأ اجتماعيّ …
هـ ـ النظرة أولاً وأخيراً إلى الإنسان كقيمة عليا ، وكهدف وكوسيلة في آن ، في كلّ سياسة اجتماعيّة أو اقتصاديّة أو تربويّة .
غير أنّ هذا الإنسانَ ، إنما هو إنسانٌ مرتبطٌ بأرضٍ وبيئة ووطنٍ وأوضاعٍ اجتماعية معينة .
وأخيراً تأسيسُ علاقاتِ الحوار بين أعضاء " الحركة " في ما بينهم من جهة ، وبينهم وبين الآخرين من جهة أخرى ، علاقاتٍ يحكمها احترام حريّة الرأي والتعبير ...
كما أنّ سياسة " الحركة " الثقافيّة ، وخطّها الوطنيّ ، ومبادئها وأهدافها ، إنّما هي نتيجة عمل جماعيّ ، حواريّ ، منفتح وبنّاء ، وسلوكٍ سياسيّ واجتماعيّ قائم على المساواة واحترام رأي الآخر ...
* * *
التغيير : وحركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان، وكما أعلنت عن نفسها منذ بدايات التأسيس أنّها حركة ثقافيّة ، تغييريّة ، ديمقراطيّة ، فيستعمل هنا اصطلاح " التغيير " بالمعنى العام ، بمعنى الفعل الدؤوب ، والجهد الجاد والصبور من أجل :
أ ـ العمل على تغيير نمط الذهنيّة العشائريّة ، والعائليّة في العلاقات السياسيّة ، وفي العمل السياسيّ ، وفي ممارسة السلطة ...
ب ـ السعي بكلّ الإمكانات المتاحة ، الفكريّة والسياسيّة والثقافيّة ، إلى تغيير الواقع الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ والتربويّ ...
ج ـ العمل على تغيير كثير من المفاهيم ، أو المقولات المتوارثة ، أو حتى "الأساطير" السياسيّة السائدة في أذهان كثير من اللبنانيّين … نحن بحاجة الآن ، وفي الوقت الذي نناضل فيه من أجل تغيير النظام السياسيّ ، وأسسه الاقتصاديّة والاجتماعيّة ، إلى الانطلاق ، بداية ، من تغيير نمطيّة الذهنيّة أو العقليّة السياسيّة في لبنان ، ونظرة لبنان لذاته وللآخرين …
د ـ ولكن التغيير ينبغي أن ينطلق ويُمهّد له بتحقيق الوعي وتعميمه، الوعي السياسيّ، والوعي الفكريّ ـ الاجتماعيّ والثقافيّ .. واعتماد الأسلوب العلمي في معالجة قضايا لبنان ومشاكله السياسيّة في الداخل والخارج ...
والوعي هنا يسلتزم ، حتى يتحوّل إلى حيّز الفعل ، إلى إرادة صلبة ، قويّة ، تعرف ما تريد ، وتعرف إلى أين تسير ...
والإرادة تتحقّق عملياً وتُترجم في الممارسة ، من خلال تنظيم موحّد ، له برنامجه ، ومؤسّس على مبادئ واضحة وأهداف محدّدة ...
هـ ـ وعملية التغيير أخيراً ، التغيير السياسيّ والاجتماعيّ والثقافيّ ، لا تحتاج إلى الجهد الفكريّ والعلميّ ، ولا إلى العمل الدؤوب والمستمر وحسب ، وإنّما تحتاج وبوجه خاص إلى خوض معركة حضاريّة ، شاملة ، عميقة ، متواصلة ، مستمرة ، وذات أبعاد ورؤى مستقبليّة ...
والتغيير يستدعي في الوقت ذاته التحرير ويستلزمه :
أ ـ تحرير الإنسان اللبنانيّ من معوّقاته السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة … وبالتالي رفض استغلاله و" تشييئه "، بمعنى جعله " شيئاً " أو" سلعة " تُباع وتُشرى ...
ب ـ تحرير الإرادة اللبنانيّة ، وإرادة الإنسان اللبنانيّ ، من كلّ ما يكبلها ويُسَرْبِلها ويعيقها، سياسياً واجتماعياً، حتى تستطيع أن تعبّر بوعي وانفتاح عن مصلحة المواطن، ومصلحة الشعب ، ومصلحة الإنسان في المجتمع اللبنانيّ ...
ج ـ تحرير الأرض اللبنانيّة من الاحتلال الإسرائيليّ وهيمنته ومواجهة استراتيجيّته العدوانيّة ، وأطماعه التوسعيّة بكلّ الوسائل والإمكانات المتاحة لنا : ثقافياً ، وفكرياً ،وسياسياً ، وعسكرياً ، كلٌّ من موقعه ومجال عمله …
د ـ من هنا الأهميّة المطلقة والضرورة الملحّة لدعم المقاومة والمشاركة الفعليّة في عملية تحرير الأرض … فمسؤولية تحرير الوطن ، كلّ الوطن ، مسؤولية جَماعيّة ، وذلك عن طريق حشد جميع الطاقات ، وعلى مختلف المستويات الحكوميّة والشعبيّة ، وعلى صعيد السياسة والفكر والثقافة ...
فالعدوّ الرئيسيّ للبنان ، في الماضي والحاضر والمستقبل، هو إسرائيل تحديداً، والصهيونيّة العالمية وحلفاؤها في الداخل والخارج. فلا تحرير حقيقيّ ، ولا سلام دائم ومستقر للبنان : إلاّ انطلاقاً من تحرير الأرض وثرواتها الطبيعيّة من الاحتلال الإسرائيليّ .
* * *
المنطلقات المبدئيّة :
انطلاقاً من هذه المفاهيم الأساسيّة، والمبادئ الثابتة، فإنّ البرنامج المرحليّ " لحركة الحوار الديمقراطيّ " في لبنان ، يتحدّد في الظروف الراهنة ، في النقاط التالية :
1 ـ السياسة ، والسياسة الوطنيّة ، يجب أن تُبنى انطلاقاً من فهم واقع الاجتماع والاقتصاد والحياة المعيشيّة اليوميّة لأوسع القطاعات الشعبيّة في مناطقها المختلفة ، والتعبير العلمي عنها ، عن طريق الكلمة والرأي والموقف العمليّ ، وذلك من أجل تحقيق عدالة اجتماعيّة حقيقيّة غايتها الإنسان...
2 ـ العمل عن طريق حشد الطاقات والإمكانات الثقافيّة والفكريّة والوطنيّة والسياسيّة ، كلّ ذلك من أجل :
أ ـ إقامة أسس الحوار المتواصل البنّاء ، والوفاق الوطنيّ الثابت والحقيقيّ بين أبناء الوطن الواحد .
ب ـ نبذ الطائفيّة والمذهبيّة بجميع صورهما ومضامينهما ، بهدف تحقيق وحدة وطنيّة مجتمعيّة حقيقيّة ، الولاء فيها للوطن والانتماء إليه دون سواه .
ج ـ من هنا تأكيد الأهميّة دائماً والسعي لإرساء أسس ثابتة لوحدة الحياة والمصير والانصهار الوطنيّ اللبنانيّ ، ومتابعة الحوار الحياتيّ، وحوار الكلمة ، في كلّ الظروف والمناسبات ، لوضع حد نهائيّ لعودة الفتنة الطائفيّة وذيولها ...
3 ـ إنّنا نعتقد، من خلال التجربة والمعاناة أنّ لبنان الماضي، بمفاهيمه ونظمه الاجتماعيّة وعلاقاته السياسيّة الطائفيّة يجب أن ينتهي ... وإنّنا الآن أمام رهانٍ كبير ومنعطف تاريخيّ : نكون أو لا نكون ؟!…
لذلك ، فلبنان الجديد الذي تتطلع إليه الأجيال الشابة ومختلف فئات الشعب وجماهيره الصامتة ، المسحوقة ، المغلوب على أمرها ، إنّما هو :
* لبنان العدالة الاجتماعيّة الحقّة ،
* لبنان المساواة وتكافؤ الفرص في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تفريق أو تمييز ...
* لبنان الكرامة والقِيَم الأخلاقيّة ـ الإنسانيّة ، وحقوق الإنسان .
* لبنان الجمهوريّة الديمقراطيّة البرلمانيّة الحقيقيّة ، التي هي تعبير صادق عن مصالح الشعب اللبناني وطموحاته الوطنيّة ، في جميع مناطقه وفي مجموعه ...
4 ـ بذل الجهد والعمل المتواصل وعلى جميع المستويات ، من أجل تحقيق نظام سياسيّ ، اجتماعيّ ، ديمقراطيّ ، لا طائفيّ ... يعتمد في الفكر والممارسة ، في الاقتصاد والسياسة والإدارة ، في التربية والثقافة ... يَعْتمد العدل والكفاية وتكافؤ الفرص بين المواطنين والمساواة في الحقوق والواجبات ، دون تمييز بين جنس وآخر أو تفريق بين منطقة وأخرى ، ودون اعتبار لدين أو طائفة أو مذهب ...
5 ـ اعتبار وثيقة الوفاق الوطنيّ ( وثيقة الطائف )، وثيقة تاريخيّة وخطوة متقدّمة بالنظر إلى الظروف التي صيغت فيها وأُعلنت ، على الرغم من أنّها لا تُعبّر تماماً عن طموحاتنا ... وإذا كانت إيجابياتها كثيرة في هذا المجال ، إلاّ أنّ ثغراتها السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة ليست بقليلة ...
لذلك يجب العمل مستقبلاً لتجاوزها ، في الشكل والمضمون ، عن طريق النضال الثقافيّ ، الديمقراطيّ والاجتماعيّ والوطنيّ .
6 ـ التمسك، في هذا النطاق، بلبنان المتحرر الديمقراطيّ العربيّ المستقل، واعتبار وجوده ومصلحته الاقتصاديّة والثقافيّة ومجاله الحيويّ في شتّى الميادين ـ وذلك انطلاقاً من التاريخ والجغرافيا ـ إنّما يتأتّى من علاقاته الوثقى بمحيطه العربيّ ، وتفاعله الخلاّق معه …
غير أنّ هذه العلاقات ، يجب أن لا تُفرض عليه ، بل العكس من ذلك ، ينبغي أن تنبع من إرادة شعبه ، من ظروفه الاجتماعيّة المميّزة ، من تاريخه وثقافته ومصالحه المشتركة …
7 ـ العمل على تنمية الوعي ، والشعور بالانتماء إلى أرض واحدة ، وإلى تاريخ واحد ، وإلى ثقافة واحدة، وإلى مصلحة مشتركة ومصير واحد .. وذلك دون تمييز أو تفريق على أيّ أساس من دين أو طائفة أو منطقة ...
8 ـ الرفض بكلّ الوسائل والإمكانات لأيّ هيمنة أو أيّ مظهر من مظاهرها وأشكالها السياسيّة أو الاقتصاديّة أو الفكريّة ...
9 ـ النظرة إلى المجتمع اللبنانيّ نظرة شموليّة متكاملة في وضع أيّ سياسة اقتصاديّة ـ اجتماعيّة، انطلاقاً من الواقع الاجتماعيّ المُعاش ، وحاجاته الحياتيّة والإنسانيّة الضروريّة… ومعرفة هذا الواقع معرفة علميّة وإحصائيّة ، نظريّة وميدانيّة في آن معاً …
10 ـ من هنا ، في الظروف الراهنة ، تأتي أهميّة الجنوب اللبنانيّ بالنسبة للبنان الوطن الديمقراطيّ في حدوده الدوليّة المعترف بها.. إذ لا وجود للبنان الحرّ المستقل، بدون تحرير جنوبه...
11 ـ السعي ، باعتماد المنهج العلميّ والبحث الاجتماعيّ وتنشيط الطاقات المتنوّعة ، من أجل دفع عجلة الإنماء المتكامل في لبنان ضمن سياسة شموليّة ورؤية مستقبليّة ، وذلك في مختلف المجالات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والزراعيّة والتربويّة والعمرانيّة دون تمييز أو إجحاف بين منطقة وأخرى ...
12 ـ العلم والتعلم حقّ لجميع المواطنين دون استثناء . وهو إلزاميّ في مراحله الابتدائيّة، ومجّانيّ في المراحل المتوسطة والثانويّة والعليا ، النظريّة والتطبيقيّة ... وعلى الدولة تأمينه وتعميمه وذلك باعتماد الأساليب التربويّة الحديثة ، وفي مستوياته المختلفة ... وعليها أيضاً وخصوصاً مراقبته وتوجيهه والإشراف عليه في القطاعيْن الخاص والعام ، ضمن سياسة تعليميّة وطنيّة عامة ...
13 ـ الانفتاح على الطاقات والإمكانات ـ جميع الطاقات والإمكانات ـ الفكريّة والعلميّة والوطنيّة والديمقراطيّة ، وشتّى الاختصاصات والخبرات والاستفادة منها والتعاون معها ، ودعوتها للإسهام في نشاطات حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان ، دون انغلاق ، أو تردّد ، أو إحجام ...
14 ـ إنّ تفصيل هذه المفاهيم والمبادئ والأهداف وتحديدها على هذه الصورة ، لا يعني انفصالها بعضها عن البعض الآخر .. فهي تكوّن وحدة كليّة متفاعلة ، وينبغي أن يُنظر إليها كأهداف متكاملة دون فصل واحدها عن الآخر :
لا تغيير حقيقيّ دون تحرير الأرض والإنسان ،
ولا تحرير للأرض والإنسان دون الانطلاق
من تغيير عميق في واقع النظام والمجتمع والسياسة :
فهناك تلازم تفاعليّ ، جدليّ
بين التحرير والتغيير والنظام الديمقراطيّ الوطنيّ ...
15 ـ إذا كان لنا ، أخيراً لا آخراً ، أن نتخذ شعاراً لحركتنا ، فيمكننا صياغته كما يلي :
" إنّ الإنسانَ ، كقيمةٍ حضاريةٍ وإنسانيةٍ واجتماعيةٍ ، هو ، في نهايةِ المطافِ ،
أثمنُ رأسمالٍ في العالم " .
17 كانون الثاني 1993
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ) هذه الوثيقة ،" وثيقة العمل الديمقراطيّ "، أقرت بصيغتها المبدئيّة الحالية ،بتاريخ 17 كانون الثاني 1993 ... وهي مطروحة للحوار الديمقراطيّ العام ، ولمناقشة مشروع تأسيس تيار ثقافيّ ، وطنيّ ، اجتماعي ، تحت اسم : " حركة الحوار الديمقراطيّ " في لبنان
[2] ) لقد جرى التركيز ، في ورقة العمل هذه ، على مجموعة من المفاهيم النظريّة المكثفة ، والمنطلقات المبدئيّة والغايات الأساسيّة ... وذلك من أجل طرحها للمناقشة وإبداء الرأي فيها ... وهي تحتاج ، بعد إقرارها والموافقة عليها ، إلى جهد فكريّ وعمل جماعيّ لتفصيلها وتحديد جوانبها المختلفة ... وقد يتأتّى ذلك على سبيل المثال ، عن طريق عقد لقاءات دوريّة ضيّقة ومتخصّصة ، أو أيّة صيغة أخرى