الواقع السياسيّ وإشكالية العمل الثقافيّ الديمقراطيّ في الجنوب اللبنانيّ
لقاءات /
سياسية ثقافية /
1995-03-26
الملتقى الثقافي
الواقع السياسي وإشكالية العمل الثقافي
في الجنوب اللبناني
كلمة التقديم(1)
أرحِّب بكم جميعاً أطيبَ ترحيب وأحسنَه باسم حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان وباسمي الشخصيّ. وأشكر لكم تلبيَتكم دعوتنا والمشاركة معنا والإسهام في إغناء هذا الملتقى الثقافيّ الحواريّ والديمقراطيّ الذي نعقده طوال هذا اليوم الجميل وذلك لمعالجة موضوع يهمُّنا جميعاً نحن كمثقّفين جنوبيّين، وعنوانه: الواقع السياسيّ وإشكاليّة العمل الثقافيّ الديمقراطي في الجنوب اللبناني.
واسمحوا لي بداية أن أتوقَّفَ في كلمتي الموجزة لأُشيرَ إلى ثلاث نقاط:
1- التعريف بالحركة وبمنهجيَّتها.
2- الغاية المرجوة من عقد هذا الملتقى الثقافيّ.
3- لَمحة موجزة للواقع الجغرافيّ والسياسيّ في الجنوب اللبناني.
أولاً التعريف بالحركة: لقد انطلقنا منذ بداية التأسيس بالتركيز على أنّ حركة الحوار الديمقراطي في لبنان إنّما هي حركة ثقافيّة، فكريّة، حواريّة، ديمقراطيّة، تغييريّة، وطنيّة: وطنيّة بمعنى هنا أنّها تأخذُ لبنان وتنظرُ إليه كوطن عربي واحد مستقل نهائيّ ولجميع أبنائه، تنظرُ إليه ككل في بعده الوطنيّ الشموليّ العام، لا المناطقيّ أو الجهويّ أو الفئويّ أو الطائفيّ المذهبيّ....
وهي تنطلق في عملها السياسيّ والاجتماعيّ العام مِن الفكر ومِن الثقافة، لمعالجة قضايا المجتمع والإنسان فيه، تنطلق مِن العقل الموضوعيّ الملتصق بالواقع الاجتماعيّ والمعبِّر عنه إدراكاً ووعياً ومنهجاً.
وحركة الحوار الديمقراطيّ باعتمادها الاستقلالية الكليّة فكرياً، وسياسياً، مادياً ومعنوياً، إنّما تسعى إلى أن تعطي للثقافة وللمثقّف، الحوار والحوار الديمقراطيّ، هذا المفهوم الجديد النابع مِن التجربة والممارسة العمليّة والمعاناة، هذا المعنى الجديد معنىً متفاعلاً مع الواقع الاجتماعيّ والمؤثِّر فيه. فهي تحاول مِن خلال نشاطاتها الثقافيّة والفكريّة الحواريّة المتنوِّعة أن تقوم بقراءة الواقع الاجتماعيّ الحيّ المعيوش قراءةً نقديّة موضوعيّة، فيها شيء من الإبداع، فيها شيء من الخلق والابتكار، كل ذلك من أجل بَلْورة رؤية أو مشروع برنامج ديمقراطيّ وطني يكون تعبيراً حقيقياً عن هذا الواقع الذي نعيش فيه ونحن جزء منه.
فحركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان كحركة ثقافيّة تعتمد الحوارَ منهجاً وأسلوباً في العمل، الحوارَ البنّاءَ الهادفَ المنفتحَ على الواقع وعلى الآخر... وكحركة ثقافيّة ديمقراطيّة، هي إذن في صميم العمل السياسيّ الاجتماعيّ الحقيقيّ، ليست بعيدة عنه لا فكراً ولا أسلوباً ولا منهجاً، وإنّما تسعى بالاعتماد على الفكر وعلى الثقافة إلى فهم واقعنا المتحرّك وتجربتنا الغنيّة وتحديد دورنا وفاعليّتنا بموضوعيّة وعقلانيّة على حدٍّ سواء.
فالهدف، وهذه هي النقطة الثانية، الهدفُ الذي تبغيه حركة الحوار الديمقراطيّ من وراء عقد هذه الملتقيات الثقافيّة الحواريّة والتي تضمُّ مثقّفين ومفكّرين سياسييّن وهيئات ثقافيّة من تيارات وطنيّة ديمقراطيّة متنوّعة، إنّ الهدف من وراء ذلك كله، أقول، إنّما هو من جهة فسحُ مجال تعارف المثقّفين الديمقراطيّين الأحرار من شتّى التيارات الوطنيّة فيما بينهم وتواصلهم مع أعضاء حركة الحوار وأصدقائها، ومن جهة أخرى مناقشةُ موضوعات وقضايا لها طابعٌ فكريّ وثقافيّ واجتماعيّ ملحٌّ، وذلك لفهم مجتمعنا فهماً واقعياً والانطلاق منه لتوضيح الرؤية الفكريّة والمعرفيّة، ورسم خطوات العمل الثقافيّ والاجتماعيّ في الحاضر والمستقبل.
طبعاً، إنّنا لا نهدفُ من وراء عقد هذه النَّدوة أو تلك الملتقيات الثقافيّة، طرحَ الحلول، الحلول الجاهزة الناجزة، أو اجتراحِ المعجزات اللفظيّة... بل ما نبغيه ونسعى إليه هو أن نحسنَ طرحَ التساؤلات المقلقة والقضايا المُلِحَّة والتحدِّيات التي تقف حجر عثرة في سبيل أيّ عمل جَدّي والتي تستدعي منّا جميعاً، كمثقّفين ديمقراطيّين أحرار أجوبةً هي الأخرى جَديّة... إنّه لمن الأهمية بمكان أن تُعقد الملتقيات الثقافيّة الفكريّة الحواريّة كي نفهم واقعنا السياسيّ والاجتماعيّ وعلاقاته في الداخل والخارج وأن نُفسِّر هذا الواقع تفسيراً موضوعياً علمياً معرفياً بكل تعقيداته، وقراءته قراءة صحيحة من أجل التأثير فيه والتفاعل معه بُغية تعيين الخلل فيه ومن ثمَّ تغييره، أقلّه نظرياً، نحو الأفضل ولمصلحة الإنسان.
من هنا، فإنّ حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان هي بهذا المعنى حركة تغييريّة في الأسلوب وفي المضمون، في الفكر وفي الممارسة. لهذا ومن أجل تحقيق هذا الهدف، فقد اخترنا موضوعَنا لهذا اليوم وفي هذا الملتقى الثقافيّ الحواريّ الطويل، فالسؤال ــــ وهذه هي النقطة الثالثة والأخيرة ــــ فالسؤال الذي يُطرح هو: كيف يمكن أن نقرأ واقعَنا السياسيّ في الجنوب اللبنانيّ في بُعده الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ ومن زاوية مختلف القوى المؤثّرة فيه؟... كيف يمكن قراءة الخريطة الاجتماعية الجغرافيّة والخريطة السياسيّة بمعنى الخريطة الجيوسياسيّة كما يُعبَّر عنها الآن، للواقع الثقافيّ والاجتماعيّ اللبناني؟!...
من ناحية الخريطة الجغرافيّة ـــــ السياسيّة، فهناك المناطق المحتلّة مِن قِبَل العدوّ الإسرائيلي وهي مناطق تضمّ ما يسمّى بـــــ "الشريط الحدودي" وأقضية حاصبيا ومرجعيون وجزين وبعض قرى البقاع الغربي...
أما من ناحية الخريطة السياسيّة فيمكنّنا قراءتها على الشكل التالي، تمهيداً للبحث وتسهيلاً للنقاش:
أولاً: من ناحية القوى الحزبيّة اليسارية والقوى السياسيّة الوطنيّة، تلك القوى التي كانت قد أُصيبت، للأسباب السياسيّة والمواقف الداخلية المعروفة لدينا، أُصيبت بأزمة بِنيويّة تنظيميّة إيديولوجيّة عميقيّة الجذور والأبعاد ممّا أدّى إلى سقوطها... فهي لم تستطع بعدُ الخروج منها ولا يمكنها الخروج منها بالأساليب التقليديّة والشعارات أو البرامج المعهودة...
ثانياً: ثمّ هناك "حركة أمل" و "حزب الله"، وهما تيّاران سياسيّان يتقاسمان الواقع السياسيّ في الجنوب اللبنانيّ بصورة عامة. ولكلِّ منهما بِنيته التنظيميّة الخاصّة وعمله السياسي وأسلوبه وجمهوره وبرنامجه للاتصال بالرأي العام والتأثير فيه والتعاطي معه.
ثالثاً: يُضاف إلى ذلك ظهورُ، ولأول مرة بهذا الوضوح، سطوةِ رأس المال ونفوذهِ وسلطتِه السياسيّة والاجتماعيّة على الساحة اللبنانية انطلاقاً من الجنوب.
رابعاً: هناك أيضاً ما يمكن تسميته بالقوى السياسيّة والزعامات التقليديّة واستمراريّة وجودها وتأثيراتها إلى هذا الحد أو ذاك، مما يستعدي إدخالها أيضاً في الاعتبار في أيِّ تحليل سياسيّ كان.
خامساً وأخيراً، هناك النفوذ السياسيّ الدينيّ الإسلاميّ المتمثِّل الآن بالمجلس الإسلاميّ الشيعيّ الأعلى وتأثيراته السياسيّة في المنطقة. ووجود أيضاّ وبالإضافة إلى ذلك التيار الإسلاميّ "الأصوليّ" والتيار الإسلاميّ "السني" المتمثل بالجماعة الإسلامية وبعض المرجعيات الدينية الإسلامية ذات التأثير الديني ـــــ السياسيّ.
هذه هي في الشكل العام، فيما أرى، الخريطة السياسية للقوى الحزبيّة والسياسيّة في الجنوب اللبناني، وهي مُؤثّرة وفاعلة وإن بِنسَب متفاوتة وبأساليب وطُرق مختلفة، والتي يمكن تلخيصها واختصارها وتحديدها بالقوى الأساسيّة التالية:
• "حركة أمل"
• المقاومة الإسلامية المتمثِّلة بـــــ "حزب الله"
• التيار السياسيّ الدينيّ المتمثِّل بـــــ "الجماعة الإسلامية" والمرجعيات الإسلامية الشيعيّة أو السنيّة.
• القوى الحزبية اليسارية والوطنية واحتفاظها بنفوذها السياسي المحلّي في بعض القرى المدن.
• القوى والزعامات السياسية التقليديّة.
• أخيراً سلطة رأس المال السياسيّ.
فلهذه القوى مجتمعةً أو متحالفة أو متفرِّقةً، تأثيرُها السياسيّ والعسكريّ، الدينيّ والماليّ، تأثيرها المباشَر في الرأي العام في الجنوب اللبنانيّ.
فالسؤال المطروح علينا جميعاً في هذا "الملتقى الثقافيّ" الحواريّ، ونحن هنا مجتمعون لمناقشته بكل حرية وصراحة ووضوح، وبعلميّة وموضوعيّة على حدٍّ سواء، هل هذا الواقع السياسيّ العام الذي أشرنا إليه أعلاه يُعيق أو يعرقل أو يقف حدًّا مانعاً أمام النشاط الثقافيّ والديمقراطيّ وبالتالي السياسيّ المستقل بمعناه الحقيقيّ في المنطقة؟!... ومن جهة أخرى وتكملة للسؤال ونتيجة له، كيف يمكننا أن نفسِّر تفسيراً علميّاً وموضوعياً، سياسياً واجتماعياً، موقف المثقفين عموماً، هذا الموقف الانتهازيّ الانهزاميّ أو الموقف الحذر، موقف الحيطة والتردُّد والترقُّب أو هذه الحالة من العجز أو الإحباط السياسيّ العام؟... ما هي الأسباب الاجتماعية والسياسيّة لهذه الحالة المتردّية وكيف يمكننا تحليلها وتفسيرها سياسياً واجتماعياً؟...
وفي هذه الأجواء أيضاً فإن السؤال الذي يُطرح علينا جميعاً وبإلحاح، يمكن صياغته كما يلي: ما العمل؟... ما العمل لتنشيط الجو الثقافيّ العام؟!... وما هي مسؤوليتنا كمثقفين وهيئات ثقافية، وكيف يمكننا إشاعة جوٍّ من الديمقراطية والحركية الثقافية وتحريك القوى الديمقراطية الحيّة والنخبة المثقفة في منطقتنا عموماً، آخذين بالاعتبار طبعاً هذه الأزمة الاقتصادية ـــــ الاجتماعية المعيشية العامة في البلد؟!...
هذا هو موضوع ملتقانا الثقافيّ الحواريّ لهذا اليوم الطويل وهو موضوع مطروح علينا لمناقشته في هذه الخلوة الدراسيّة معتمدين في كلِّ ذلك: على الحوار، والحوار الديمقراطيّ المنفتح الصريح فيما بيننا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كلمة التقديم التي ألقاها د. مصطفى دندشلي في الملتقى الثقافي السابع، المنعقد في دار العناية، الصالحية – صيدا، طوال يوم الأحد الواقع فيه 26 آذار (مارس) 1995 تحت عنوان: الواقع السياسي وإشكالية العمل الثقافي الديمقراطي في الجنوب.