السفير - إنجازات الحضور الإقليمي الإيراني
إعلام وصحافة /
إعلامية /
2010-10-15
الجمعة 15-10-2010
إنجازات الحضور الإقليمي الإيراني
سمير كرم
قبل سبعة وخمسين عاما - بالتحديد في شهر آب عام 1953- أجبر شاه إيران، الحاكم المطلق لإيران، على الهروب من البلاد بسبب خلاف مع رئيس الوزراء آنذاك الدكتور محمد مصدق على تأميم ثروة إيران النفطية.
لم تمض ايام حتى كانت المخابرات الأميركية تنجح في إعادة الشاه الى عرشه، ليبقى جالساً عليه ضد إرادة الشعب الايراني، وليصدر حكماً بالسجن لعدة سنوات على رئيس الوزراء مصدق. وتحت حماية الولايات المتحدة العسكرية والامنية والمخابراتية بقي الشاه في السلطة لخمسة وعشرين عاماً اخرى ضد ارادة الشعب الايراني وطموحاته الوطنية والديموقراطية.
الى ان تفجرت الثورة الاسلامية الايرانية وانتهى حكم الشاه بخلعه نهائياً وخروجه من البلاد هارباً مرة اخرى. لم ينفعه تأييد اميركا العسكري والسياسي والمخابراتي.
وعلى مدى الاعوام منذ 1978 لم تنجح الولايات المتحدة، التي زادت قوتها العسكرية في المنطقة وفي العالم والتي اصبحت، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي والمنظومة العالمية الاشتراكية، تنفرد بمركز «القوة الأعظم» في عالم اليوم، في ان تفرض على إيران ضد إرادة شعبها وضد إرادة ثورتها اي قرار مهما كان صغيراً.
مع ذلك فإن الولايات المتحدة لم تع هذا الدرس الواضح طوال هذه السنين.
في ضوء هذه الحقيقة التاريخية الناصعة ينبغي النظر الى المشاعر المضادة التي كونتها الولايات المتحدة - وحليفتها إسرائيل - ضد زيارة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد للبنان. لقد حاولت الولايات المتحدة - في تصعيد ملحوظ لاعتراضها على هذه الزيارة التاريخية - ان تجبر إيران او لبنان على إلغائها. وبدا في الايام الاخيرة ان الولايات المتحدة وإسرائيل كانتا مستعدتين لقبول مجرد إلغاء زيارة الرئيس احمدي نجاد للجنوب اللبناني باعتبار ما لهذه الزيارة من دلالات ورموز تتصل بعلاقة إيران القوية والداعمة مع المقاومة اللبنانية ضد الاحتلال الاسرائيلي ممثلة في حزب الله. لكن الولايات المتحدة لم تستطع ان تستعيد كل دروس المواجهات بينها وبين الثورة الايرانية منذ قيامها حتى الآن.
مارست الولايات المتحدة أقصى ما بإمكانها من ضغوط ضد هذه الزيارة واعتمدت في جوانب من هذه الضغوط على وجود عناصر داخلية لبنانية مستعدة دائماً لأن ترى خطراً في كل ما تعتبره واشنطن خطراً، مهما كان الزيف واضحاً في مجرد تصور هذا الخطر. وكان واضحاً للغاية أن الهدف من هذه الضغوط الاميركية والاسرائيلية وما وضع في خدمتها من جانب العناصر الداخلية الممالئة هو الطعن في دور علاقة إيران بحزب الله وعلاقة إيران وسوريا بحزب الله لهدف ابعد هو إبقاء المقاومة في لبنان بلا حليف يعتمد عليه.
ودلت الضغوط الاميركية ضد زيارة الرئيس الايراني للبنان على ان الولايات المتحدة تريد إبقاء لبنان نفسه خارج إطار الاستراتيجية التي ادت في حرب صيف عام 2006 الاسرائيلية ضد لبنان، الى هزيمة قاطعة للقوة العسكرية الإسرائيلية، على الرغم من كل الدعم اللوجستي والسياسي الذي لقيته انذاك من النخبة الاميركية الحاكمة: المحافظون الجدد وسياساتهم المتطرفة. ودلت هذه الضغوط - التي ظلت غير مجدية من بداياتها الى ختام الزيارة - على ان الولايات المتحدة كانت تدخل حقل ألغام آخر، نحو فشل كثيف آخر في مواجهة ايران، وفي مواجهة لبنان، وبطبيعة الحال في مواجهة المقاومة اللبنانية، التي ترسخ مركزها السياسي في النسيج اللبناني على الرغم من كل الظواهر والمكونات المضادة.
إن الزيارة قد رسخت التحالف الإيراني مع المقاومة ومع لبنان الرسمي ومع سوريا الى الحد الذي يمكن اعتباره تأكيداً أشد وقعاً لتحرر المنطقة من النفوذ الاميركي، ومن إصرار اميركا على جعل نفوذ التحالف الاميركي - الاسرائيلي هو العامل الفاعل والفعال في توجيه سياسات المنطقة وتحديد أهدافها. ولو تصورنا ان الولايات المتحدة قبلت وتقبلت زيارة الرئيس الايراني للبنان وما تضمنته من دلالات سياسية واستراتيجية كمكونات حقيقية للواقع القائم في المنطقة، لكان من المؤكد ان تبدو الزيارة أقل إضراراً بالنفوذ الاميركي وبفاعلية التحالف الاميركي- الاسرائيلي ضد العرب وضد إيران.
حدث هذا الانحدار لفاعلية التحالف الاميركي - الاسرائيلي في مواجهة تحالف ايران - سوريا - المقاومة فيما الولايات المتحدة تحتفظ بمئات الآلاف من جنودها في ثلاث دول متاخمة لإيران هي العراق وأفغانستان وباكستان، وفيما الولايات المتحدة تملك في الشرق الاوسط وحول إيران اكبر قواتها المسلحة برية وبحرية وجوية. لقد تمت زيارة الرئيس الايراني للبنان - على الرغم من كل ما اظهرته الولايات المتحدة وإسرائيل من اعتراضات اتخذ بعضها صور تهديدات لدول المنطقة - بعد أيام من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران. وهي زيارة لم يفت المراقبين السياسيين في واشنطن أن لها أبعادها في التنسيق الاستراتيجي والسياسي للتحالف المقاوم المؤلف من سوريا وإيران والمقاومة. ولا يمكن ان يخامر احد اي شك في ان محللي المخابرات والمحللين الاستراتيجيين في واشنطن قد انكبوا على دراسة هذه الزيارة باعتبارها جزءا من الجهد الكبير لهذا التحالف لإحباط خطط التحالف الاميركي- الاسرائيلي في المنطقة.
وحدث هذا الانحدار بينما أدت حماقات السياسة الاسرائيلية الى إخراج تركيا من تحالف غير طبيعي كان يربطها بإسرائيل ووضع تركيا على صف التحدي في مواجهة النفوذ الاستراتيجي الاسرائيلي المرتبط عضوياً بالولايات المتحدة.
ولا يستطيع إلا قصير النظر الى اقصى الحدود ان لا يرى بجلاء، ان زيارة الرئيس الايراني للبنان حققت بالفعل الاهداف التي تخشاها أميركا وإسرائيل، أهداف إضعاف النفوذ العسكري والسياسي لأميركا وإسرائيل في المنطقة. ولعله ليس من قبيل الصدفة ان فوجئت الولايات المتحدة بقرار إيران ومصر توقيع اتفاق يتيح استئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطهران. إن هذا القرار الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة قد اتخذ قبيل ايام معدودة من وصول احمدي نجاد الى لبنان ... بل إن الاتفاق الايراني - المصري وقع بينما الولايات المتحدة تشدد مساعيها لإقناع دول المنطقة والعالم بتطبيق العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على مجلس الامن ضد ايران. وقد اعتبر استئناف الطيران المباشر بين القاهرة وطهران خطوة يمكن أن تتبعها في المستقبل القريب خطوات اخرى في الاتجاه نفسه لتحسين العلاقات بين البلدين. ولعله ينبغي أن يشار في هذا الصدد الى أن العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران لا تزال مقطوعة. وهي مقطوعة منذ عام 1981.
أليس هذا انعكاساً لشعور لدى السلطات المصرية بأنه لم يعد بإمكان الولايات المتحدة ان تفرض في المنطقة وحول ايران حصاراً يضر بالدول العربية ويحقق مصالح لإسرائيل؟
وسط هذا الاختلال الذي أصاب الاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط - والتضحيات التي تقدم مجاناً من اميركا لاسرائيل في اطار المفاوضات المباشرة مع السلطة الفلسطينية، يتضح اكثر من اي وقت مضى ان دخول ايران الطبيعي مع قيام ثورتها طرفاً أصلياً وأساسياً في الصراع العربي- الاسرائيلي بعد انسحاب قوى عربية اساسية منه اصبح عاملاً مؤثراً وفاعلاً في تطورات هذا الصراع سواء من جانب القوى التي تخوض هذا الصراع لإجبار الولايات المتحدة وإسرائيل على التسليم بالحقوق الوطنية والقومية والإنسانية للشعب الفلسطيني، او القوى التي تريد الاستمرار في نهج حرمان الشعب الفلسطيني من هذه الحقوق مقابل مكاسب ضئيلة لنخبة قليلة العدد تتولى امر السلطة عليه.
لقد عوضت إيران عن الاختلال الذي اصاب الوضع العربي نتيجة لتراجع قوى عربية من الصراع ضد اسرائيل. وفي اطار هذا التعويض ينبغي النظر الى زيارة الرئيس الايراني للبنان. انها لا تدعم تحالف ايران مع حزب لبناني والمقاومة وسوريا فحسب، انها تدعم مركز ايران الاقليمي الذي كبر واتسع واكتسب حيوية غير مسبوقة بدخول ايران في هذا الدور، الذي حال حتى الآن - على الاقل - دون انهيار الوضع العربي انهياراً كاملاً وكارثياً نتيجة للنفوذ الاميركي ونتيجة لأطماع اسرائيل التي لا تبدو لها حدود.
كيف كان يمكن ان تتطور تراجعات الوضع العربي في الصراع ضد الدولة الصهيونية لو ان ايران لم تستجب لمقتضيات الثورة والعقيدة وآثرت ان تنتهج سياسة انعزالية في المنطقة؟
كان يمكن ان يؤدي هذا الى طمأنة الولايات المتحدة الى انفراد تحالفها مع اسرائيل بصنع القرار الاستراتيجي والسياسي بشأن الصراع العربي - الاسرائيلي. كان يمكن قتل المقاومة الفلسطينية او على الاقل تجريدها من السلاح. كان يمكن تأبيد احتلال اسرائيل للجنوب اللبناني ومزارع شبعا. بل وكان يمكن توسيع أطماع اسرائيل في ارض لبنان ومياهه وثرواته الطبيعية ما ظهر بالفعل وما سيظهره التنقيب مستقبلا، وفي ارض فلسطين ومياهها وثرواتها.
وفي ضوء ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبيل ايام في حديث تفصيلي لقناة الجزيرة، وكذلك ما قاله الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الاخير الذي سبق الزيارة التاريخية للرئيس الايراني للبنان، يمكن التأكيد بلا تردد بأن حلف سوريا - ايران - المقاومة انما يهدف الى حمل الولايات المتحدة على الاعتراف بشرعية المقاومة، الفلسطينية واللبنانية. ومهما بدا اليوم ان هذا هدفاً بعيد المنال او صعب التحقق فإن ثمة مؤشرات واضحة على ان الولايات المتحدة تسير في طريق التراجع عن تهديد ايران عسكرياً لصالح الاستمرار في المفاوضات معها، كما انها تسير في طريق إجراء اتصالات جانبية مع المقاومة الفلسطينية (بالتحديد مع حماس) يمكن ان تتحول الى مفاوضات اساسية لا جانبية ولا سرية. يزيد من هذا الاحتمال ما تؤكده التطورات من ان الولايات المتحدة تسعى جاهدة من اجل تحسين علاقاتها مع سوريا، يحدوها في ذلك امل بأن تتمكن سوريا من القيام بدور فعال في تهدئة العلاقات بين طهران وواشنطن، مستخدمة في ذلك علاقاتها القوية والإيجابية مع إيران.
ينبغي إذن النظر الى الزيارة التي قام بها الرئيس احمدي نجاد للبنان في ضوء هذه الاوضاع المتشابكة المعقدة في المنطقة. وينبغي ان لا يغيب عن الذهن العربي ان المواجهة الحالية بين التحالفين المتصارعين على النفوذ في المنطقة تدل مؤشراته حتى الآن ومنذ قيام الثورة الاسلامية الايرانية على ان التحالف الاول قد برهن على ثبات وقوة في مواجهة التحديات الاسترايجية والسياسية وحتى الدعائية. في الوقت نفسه فإن التحالف الآخر، الاميركي - الاسرائيلي يبدو متخبطاً غير واثق من خططه ولا من مستقبله.