السفير - مسيحيو الشرق ثروة تنضب... من المستفيد؟
إعلام وصحافة /
دينية /
2010-11-03
الأربعاء 3-11-2010
مسيحيو الشرق ثروة تنضب... من المستفيد؟
سامي كليب
يرفع الأب عطا الله حنا، مطران سبسطيا للروم الأرثوذكس في فلسطين المحتلة، قبضته أمام لحيته الكثيفة التي غزاها الشيب في منتصف العمر، ليقول متحدياً غطرسة إسرائيل «يجب أن يزول الاحتلال وأن يتمتع الشعب الفلسطيني بحريته». يبدو رجل الدين الزاخر حيوية واندفاعاً وشهامة على يقين بأن الاحتلال إلى زوال.
ويرفع عزمي بشارة (وهو بالمناسبة قريب الاب حنا) يده عبر أثير الفضائيات بعدما ضاقت إسرائيل به ذرعا في أرضه المحتلة، قائلا «إن المفاوضات الجارية بين السلطة وإسرائيل ليست لتفكيك الصهيونية والاحتلال، بل لتفكيك التاريخ والجغرافيا الفلسطينية».
ويلاحق البطريرك ميشال صبّاح، بطريرك الروم الكاثوليك السابق، أعضاء في مجلس الشيوخ الأميركي قرروا يوما ما التقدم بمشروع قانون للقول بأن المسلمين يضطهدون المسيحيين في فلسطين وعدد من الدول العربية، ويقول لهم اتركونا وشأننا! ان المسيحيين الجدد عندكم هم ضد المسيح. كيف لا يقول ذلك وهو الدارس حضارة العرب ولغتهم حتى ما قبل سيبويه؟
ويلاقيه في ذلك المطران جورج خضر، رئيس مطرانية جبل لبنان للروم الأرثوذكس، الذي قيل عنه انه «قرآن» الإنجيل و«إنجيل» القرآن، فيؤكد أن المسيحيين ليسوا عملاء للغرب، وان العروبة راسخة في قلوب مسيحيي الشرق كشجر الأرز.
كيف لنا أن نتصور هذا الشرق من دون مسيحييه؟ وكيف لفلسطين أن تحفظ تاريخها وذاكرتها وحضارتها وأديانها من دون مسيحييها؟ وكيف يمكن لمهد السيد المسيح أن يبقى من دون أبناء الرعية؟
لعل المفارقة أن مسيحيي لبنان هم الأقل عرضة للهجرة، ذلك أن هجرتهم تشبه إلى حد كبير هجرة الطوائف الأخرى، وتستند إلى الأسباب عينها، أي البحث عن مورد رزق بعدما ضاقت فرص العمل في لبنان. فوفق إحصائيات الفاتيكان مثلا، كان عدد الموارنة في لبنان عام 1990 مليونا و458،577 وصاروا عام 2005 مليونا و412,765.
أما فلسطين فهي النموذج الأكثر مأساوية لهجرة المسيحيين، ففي عام النكبة 1948 كان المسيحيون يشكلون خمس سكان القدس، وها هي نسبتهم اليوم تتقهقر إلى ما دون 2 في المئة. وهذه بيت لحم نفسها، بيت السيد المسيح وكنيسة المهد لا يزيد عدد مسيحييها على ثلث عدد السكان، بينما كانوا أكثر من 80 في المئة.
وفي العراق هاجر أكثر من نصف المسيحيين، بينما النصف الآخر قلق على مصيره بعدما تعددت الاعتداءات والتهديدات، وكان آخرها التفجير الدموي قبل أيام في كنيسة سيدة النجاة في منطقة الكرادة ببغداد. وها هو جان بنجامين سليمان، رئيس الأساقفة الكاثوليك العراقيين يطلق قبل فترة صرخة استغاثة وتحذير، قائلا: «أخشى انقراض المسيحية في العراق والشرق الأوسط».
وإذا ما صدقت إحصائيات أخرى، فإن أكثر من مليوني قبطي مصري يعيشون في المهجر، بعضهم لا يزال مواليا لبلده مصر والبعض الآخر اخترقته لوبيات إسرائيلية وأميركية لتوظيفه ضد مصر والإسلام، لا بل أيضا ضد الأقباط المناهضين لإسرائيل والداعين لتناغم الحضارات والأديان.
هل ينسى العالم العربي أن الكنيسة القبطية هي من أقدم الكنائس المسيحية، وهي أول من ترجم الكتاب المقدس إلى القبطية التي كانت لغة رسمية في مصر؟ أوليست هي الكنيسة نفسها التي اختلفت تاريخيا مع الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان؟ وهل ننسى أن الأنبا أنطونيوس القبطي الصعيدي هو أول راهب مسيحي في العالم؟ ألا يشكل أقباط مصر، البالغ عددهم وفق الأنبا شنودة، 12 مليونا أي حوالى 17 في المئة من عدد سكان مصر، ذخيرة قومية كبيرة تم توظيفها أكثر من مرة وبفضل شنودة نفسه للتأكيد على أن إسرائيل لا تزال عدوة للمسيحيين والعرب؟
وهل ينسى العالم العربي وجوهاً مضيئة في مسيرة النضال السياسي والمسلح من مسيحيي الشرق، على غرار وديع حداد وجورج حبش وكمال ناصر وليلى خالد وتيريز هلسة وجورج حاوي وميشال عفلق والمطران هيلاريون كبوجي مطران القدس للروم الكاثوليك سابقا والذي لوحق بسبب نقله السلاح بصندوق سيارته للمناضلين الفلسطينيين ... وغيرهم؟
وهل يمكن تصور الفكر والأدب العربيين القديمين والحديثين من دون جبران خليل جبران واليازجيين والبساتنة والمعالفة وجرجي زيدان وميخائيل نعيمة وادوارد سعيد، وحنا أبو حنا (الذي كان أول من نصح محمود درويش وقدمه للقارئ الفلسطيني والعربي) وإميل حبيبي والياس خوري وهدى بركات ودومينيك اده (التي ناهضت الإسرائيليين مرارا من قلب باريس)؟
وهل يمكن الحكم على كل مسيحيي الشرق لأن عددا محدودا منهم، وأقل بكثير من أعداد المسلمين، تعامل مع إسرائيل في لبنان أو مع المشاريع الأميركية في مصر والعراق؟ أوليست الوجوه المضيئة والمناضلة في الجانب المسيحي هي التي نبذت قبل غيرها بعض التيارات المسيحية اللبنانية حين مدت يدها إلى إسرائيل؟
كيف لكل هؤلاء المسيحيين الشرفاء أن يصمدوا على أرضهم العربية ما لم يجدوا عند مسلمي الشرق رغبة فعلية بوجودهم؟ أوليس ذلك يفترض عدم الاقتصار على الخطب الرنانة والمجاملات الاجتماعية والكلام المعسول، وإنما الانتقال إلى وضع خطة فعلية للحفاظ على هذه الثروة الكبيرة للعروبة واللغة والنضال.
ولعل السؤال الأهم في الوقت الراهن، إنما يتعلق بتفجير كنيسة سيدة النجاة في العراق، من المستفيد؟ هل تقتضي محاربة الصليبية الجديدة قتل مؤمنين جاؤوا للصلاة؟ وهل تريد إسرائيل واللوبيات اليهودية والمسيحية الجديدة في الغرب صورة أفضل من صور دماء الأبرياء المسيحيين لتشويه صورة الإسلام والمسلمين؟
إقرأ للكاتب نفسه
• كتاب فرنسي يكشف أسرار الزلزال اللبناني: هكـذا عمـل شـيراك لإسـقاط نظـام الأســد 28/10/2010
• الصفقة الأميركية في السودان درس للبنان 26/10/2010
• كيف للهدوء أن يستمر في لبنان وهل تبقى إسرائيل مكتوفة الأيدي؟ 23/10/2010
• فـخ السـودان يطبـق علـى العـرب 13/10/2010
• خريف المفاجآت يقترب... والتحول الجنبلاطي قيد الاختبار 01/10/2010