مقابلة مع الأستاذ منيف لطفي - التاريخ: 2 حزيران 1984 الموضوع: جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية/صيدا - أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي ***
مقابلات /
أدبية /
1984-06-02
مقابلة مع
الأستاذ منيف لطفي
التاريخ: 2 حزيران 1984
الموضوع: جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية/صيدا
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
***
الاسم: منيف مصطفى لطفي
تاريخ ومحل الولادة: 1904/صيدا
المستوى التعليمي: الشهادة النهائية من المدرسة الأميركية في صيدا
المهنة: أستاذ اللغة العربية في المقاصد مدة اثنين وأربعين سنة
***
أشار الأستاذ منيف لطفي في ابتداء حديثي معه إشارة مقتضية، فيها كثير من التلميحات إلى علاقتي الشخصية به ومحبَّتي له وتتبعي خطاه، أثناء الدراسة، منها مثلاً ما وقع بيني وبينه من حوار حول واو العطف وهل تكتب أو لا تُكتبُ في آخر السطر، ومنها ما حصل عند مجيء الشيخ مصطفى السباعي، مرشد جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، إلى كلية المقاصد عام 1953، في فترة حكم الشيشكلي العسكري في دمشق، وإلقائه كلمة تعرَّض فيها للنظام الدكتاتوري في سوريا. فأثارت هذه الكلمة حماس الحضـور ومنهـم الأستاذ منيف لطفي، وإشارتي له بعد ذلك قائلاً: "أراك تصفق له"..
وأخيراً إشارته إلى مقاليْن كان قد كتبهما في مجلة "وحي المقاصد"، في سنة 1952 و1953، فيما أظن، وعنوان أحدهما الذي ترك أثراً في نفسي: "ثورة دائمة لا فورة عابرة"، والمقال الآخر بعنوان: "الطوفان.." وكشف لي ولأول مرة، فيما أعتقد، أنَّ ميوله الخفيَّة الفكرية والسياسية هي ميول شيوعية، عند كتابته لهذين المقاليْن، مضيفاً رأساً بأنه تخلّى من زمن بعيد عن هذه الأفكار، إذ إنها أثبتت فشلها الذريع، وقال إني سألته عمّا يقصد ببعض ما ورد بأحد المقاليْن وعمّا يقصد خاصةً بزوال الأنظمة وانتشار الأفكار الجديدة. فكانت إجابته عامة غائمة وغير واضحة...
ثمَّ انتقل الحديث بعد ذلك إلى المقاصد، فقال: إنّ هناك إثنيْن لهما فضل عظيم وقدر كبير وأثر لا يمحى في تطـوُّر المقاصـد وهمـا الأستـاذان قبول الذوق وشفيق النقَّاش. قبول الذوق من طرابلس، ومدير المقاصد مع مطلع الحرب العالمية الثانية مدة سنتين، إنسان خلوق وقدير وكله ذوق فعلاً. وشفيق النقَّاش إنسان لامع ونشيط وأديب ، تطورت المقاصد في عهده الذي استمر ست سنوات (1945 – 1951) حتى بلغت أقصى درجات العطاء والازدهار، كله نشاط، شعلة ذكاء وتنبُّه، خطيب ومتحدِّث مفوَّه...
أمَّا الأستاذ محمود الشماع، فهو المؤسس الثاني للمقاصد. ففي فترة وجوده في مطلع الثلاثينات حتى نهايتها، انتقلت المقاصد من مدرسة ابتدائية إلى كلية ثانوية حديثة. فأعطاها كل جهده ووقته وماله. غير أنه كان دكتاتوراً، ليس لديه احترام لأحد أيَّاً كان، الأساتذة، الموظفون،جميعهم دونه وهو فوق، عصبيُّ المزاج حاد الطبع، إلاّ أننا لا بدَّ من الإقرار بأنه هو باني المقاصد الحديثة، فأوصلها حتى الشهادة الثانوية.
ومحمد المغربي: يا سلام، ما هذا الإنسان! إنه مستقيم، صادق، دمت الأخلاق، عظيم التهذيب والاستقامة، أبو طاهر، إنه فعلاً طاهر، لا أنقى ولا أصفى من هذا الإنسان.
ثمَّ يعود الأستاذ منيف لطفي ليتحدث عن الظروف التي أحاطت بدخوله إلى كلية المقاصد كمُدرِّس اللغة العربية فيها فيقول: بعد انتهائي من الدراسة في مدرسة الأميركان وحصولي على الشهادة النهائية منها آنذاك، تقدمت بطلب إلى المقاصد كي أكون مدرِّساً فيها. وكان رئيس الجمعية وقتذاك الحاج سعيد البزري، ولأسبابٍ شخصية رفض طلبي. فاضطررت أن أذهب مدة سنتين إلى الأردن وهناك وقعت لي حادثة قدمي. فعدت إلى صيدا.
وبعدها عاودت الكَرّة بتقديم طلب آخر إلى المقاصد، فحصلت الموافقة هذه المرة، فدخلت إلى التدريس في المقاصد في تسرين الأول 1927، وبقيت فيها مدة اثنيْن وأربعين سنة، أي أنني تركت المقاصد عام 1969. وظائفي في مادة الإنشاء العربي، كانت مضرباً للمثل. ما يقرب من سبع وعشرين وظيفة سنوياً، ممَّا كان يثير دهشة واستغراب المرحوم الأستاذ شفيق النقَّاش مدير كلية المقاصد آنذاك. وكانت تفوح رائحة الدخان من أوراق وظائف الطلاب الذين كانوا يشمونها في الحال عند استلام وظائفهم...
وأذكر أنه عند مغادرة المرحوم شفيق النقَّاش المقاصد بعد تعيينه مفتِّشاً في التربية، أقام هو نفسه، لا العكس، لأعضاء الجمعية والأساتذة، حفلة وداع وهي عبارة عن وليمة غنيّة فيها ما لذَ وطاب، ألقيتُ في نهايتها كلمة وداع للأستاذ النقاش يدور محتواها حول فكرة كان يردِّدها دائماً للأساتذة في الاجتماعات الدورية العامة وهي: "أنر الزاوية التي أنت فيها". فقلت متوجهاً إليه: "لقد أنرت فعلاً الزاوية التي وجدت فيها..." وبعد الانتهاء من إلقاء هذه الكلمة التي كتبتها وألقيتها بوحي من نفسي دون أيّ تكليف من أحدٍ، اتجه صوبي واقترب مني وأخذ يقبلني شاكراً، وطلب مني أن يحتفظ بهذه الكلمة، فقدمتها له.
وقد أبدى الأستاذ منيف لطفي قبـل ذلـك، ملاحظاتـه وذكرياته حول إدارة الأستاذ عبد الرحمن البزري لمدرسة المقاصد فقال: جاء الأستاذ عبد الرحمن البرزي إلى المقاصد بعد سنة من مجيء الانتداب الفرنسي إلى لبنان، أي في العام 1919. قبلها، كان مديراً الأستاذ حسيب شهاب (راتبـه الشهـري خمس لـيرات ذهبيـة، في حيـن أنّ راتـب الأستـاذ عبد الرحمن البزري سبع عشرة ليرة ذهبية) واستمر حتى سنة 1928 – 1929 تقريباً.. عقليته هي عقلية تركية وأسلوبه كذلك. متزمِّت، منغلق، كان يمنع التلاميذ من اللعب في ساحة باب السراي أو حتى من السباحة في الصف. وقد أعطى أرقاماً للتلاميذ. وكان رقمي أنا (الأستاذ منيف) 223.. فإذا حصلت مشاجرة بين اثنين، فكان يقال 223 ضرب 164 مثلاً. ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الرشدية وهي مدرسة رسمية حكومية.
وأذكر أيضاً بأنّ فكرة العروبة والعرب كانت مسيطرة في الأذهان والأفكار. فقبل الحرب العالمية العامة، كنا نتعلم الأناشيد الحماسية، منها مثلاً: إلى الحرب، إلى الحرب، إلى الحرب، إلى الحرب يا عرب.. وكان ينشر هذه الأفكار العروبية والأناشيد الحماسية بين تلاميذ المقاصد: توفيق البساط، الذي استشهد عام 1916. لهذا فقد استولت الدولة التركية على أملاك المقاصد وأوقافها وأقفلت أبوابها أثناء الحرب الأولى... ولم تعد سيرتها الأولى وأملاكها إليها إلاّ بعد مجيء الانتداب الفرنسي...