الإجـابـة ( 1) - الدكتور مصطفى دندشلي
لقاءات /
ثقافية /
1994-08-21
الإجـابـة ( )
الدكتور مصطفى دندشلي ... كلمة توضيح فقط [...] بالنسبة إلى ورود كلمة " نظرياً "، حيث جاء في رسالة الدعوة ما يلي : ... " إذا كان الاتفاق قد تمّ نظرياً حول قبول فكرة العيش المشترك ، إلاّ أنّ الإشكاليّة تبقى مطروحة حول مَن يحمي هذا العيش المشترك ويحافظ عليه ويثبته"... بمعنى أنّ العيش المشترك مقبول من الناحية النظريّة في لبنان ، والجميع يكادون يوافقون عليه من الناحية المبدئيّة ... ولكن ، في الواقع وحقيقة الأمر ، أرى أنّه من الواجب علينا أن ننظر إلى الأشياء ، كما هي حقيقة ، إذا أردنا فعلاً أن نجد الحلول المناسبة لها . نظرياً ، المقصود من هذا التعبير أنّ ليس هناك من يُعارض في القول ومن حيث المبدأ فكرة العيش المشترك ، ومنذ خمسين سنة حتى الآن ، أي منذ الاستقلال اللبنانيّ عام 1943 ، القيادات السياسيّة وغير السياسيّة ، التيارات الروحيّة الدينيّة مثلاً ، جميعهم يشدّدون كثيراً ويُظهرون تمسكهم في وثائقهم ومواقفهم وأقوالهم بمقولة العيش المشترك ، وكما كان يقال آنذاك بفكرة التعايش الإسلاميّ المسيحيّ ، والوفاق الوطنيّ، إلخ ... ولكن ، حقيقة ، وعلى الأرض ، هنا يطرح السؤال !!... فلا يجوز أن يتسرّع الواحد منّا وأن يأخذ رغباته الذاتيّة كواقعة اجتماعيّة موضوعيّة محقّقة على الأرض ...
فأنا هنا أطرح السؤال : هل فعلاً ومنذ الاستقلال عام 1943 حتى الآن ، قد تحقّق الوفاق الوطنيّ في لبنان ؟... وتحقّق معه فعلاً العيش المشترك ؟... إذا كان الجواب بنعم ، لماذا إذن كانت تحصل دائماً وفي مراحل مختلفة ، هذه الاضطرابات والأزمات السياسيّة وغير السياسيّة والتي كانت للأسف ترتدي دائماً لباس الطائفيّة الدينيّة والمذهبيّة الدينيّة ، وتشكل طعناً مباشراً لمبدأ الوفاق الوطنيّ وفكرة العيش المشترك الخاص بلبنان ؟... هناك إذن خلل واضح في تطبيق الفكرة وتجسيدها في النظم السياسيّة ، في دولة ديمقراطيّة وطنيّة واحدة ... أما إذا كان الجواب ، بالعكس ، بكلمة لا ، فهنا من الواجب علينا أن نتساءل عن السبب في ذلك !!... فالإجابة عن هذين السؤالين ، بموضوعيّة وعلميّة وواقعيّة، توضح لنا كثيراً من الجوانب الملتبسة والغامضة في واقعنا الاجتماعيّ والوطنيّ في لبنان ... لقد تعلمنا أو بمعنى أكثر دقّة ، لقد علمتنا الحرب اللبنانيّة ، أو الحروب اللبنانيّة المتتالية ، أن نكون أو ينبغي علينا أن نكون أكثر واقعيّة، وأكثر عقلانيّة، وأكثر صدقاً مع الذات ومع الآخر... فيجب علينا أن ننطلق ـ كما شدّدت في كلمتي ـ من الواقع الاجتماعيّ ، من الواقع السياسيّ ، كما هو ... طبعاً ، لا للقبول به وتكريسه وإنّما لتغييره ، وتطويره نحو الأفضل ولمصلحة المواطن ـ الإنسان فيه ...
هناك لقاءات ومؤتمرات تعقد بين الفينة والأخرى ، حول فكرة العيش المشترك . وأخيراً ، عقد مركز الأبحاث والدراسات الراعويّة مؤتمراً وطنياً وعالمياً، بهمّة صديقنا الأب مارون عطا اللّه، في دير مار إلياس بأنطلياس ، وكان عنوانه " تجديد العيش المشترك ". إنّ تعبير " تجديد " المضاف إلى العيش المشترك يوحي بشيء من الرغبة فعلاً ، وهذه لفتة مهمّة ، في تثبيت هذا العيش المشترك وإقامته على أسس متينة ... وهذا الملتقى الثقافيّ الذي نعقده اليوم ، هنا في فالوغا ، إنّما هو تتمّة لذاك المؤتمر ، وسوف تتبعه تتمات أخرى وفي مناطق مختلفة .
إنّ هاجسنا في هذا الموضوع الخطير والمصيريّ هو التالي : كيف يمكن إعادة بناء قواعد سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة ، صلبة ، راسخة ، لفكرة العيش المشترك ومبادئه الحياتيّة النابعة من تاريخنا وتراثنا ؟!... هذا هو السؤال، أو هذه هي الإشكاليّة التي من الأهميّة بمكان عظيم أن نواجهها بكلّ جرأة فكريّة وشجاعة أدبيّة وحزم سياسيّ ... هنا ، أرى أنّه لا يمكن تثبيت العيش المشترك والمحافظة عليه وتمتينه، حتى لا يبقى عرضة للخضّات والهزّات السياسيّة، داخليّة كانت أم خارجيّة، إلاّ إذا أقمنا دولة القانون ، وحقوق الإنسان ، وقيادات الدولة وسلطاتها تُؤمِن فعلاً لا لفظاً ، بمبادئ العيش المشترك . غير أنّه للأسف أقول ، ما هو حاصل وواقع على الأرض، منذ قيام الاستقلال اللبنانيّ في العام 1943 حتى الآن ، هو عكس ذلك بصورة عامة ... لقد ورد في مقدّمة الدستور المعدّل 1990 أنّ : " لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة ، تقوم على احترام الحريّات العامة ، وفي طليعتها حريّة الرأي والمعتقد ، وعلى العدالة الاجتماعيّة والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل " . (ج) وكذلك أنّ " لا شرعيّة لأيّ سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك " ..( ي )... كلّ ذلك وغيره أيضاً جميل وجيّد .. ولكن . هنا ، أطرح السؤال : هل فعلاً منذ صدور هذه النصوص الدستوريّة وقيادات الحكم السياسيّة وعلى المستويات المختلفة ، قد خطت خطوات حقيقيّة وأساسيّة في هذا الاتجاه ، وفي تثبيت مبادئ العيش المشترك وتكريسها في السلوك السياسيّ وفي الممارسة العملية ؟!... سؤال !... الإجابة عنه متروكة لكم ، وللرأي العام الوطنيّ الديمقراطيّ في لبنان ...
كذلك ، وفي هذا المنحى ، ينبغي علينا أن نتجنب إطلاق الشعارات الانفعاليّة ، المثيرة ، الشعارات الملتبسة العامة الضبابيّة ، فهي تسيء أكثر بكثير ممّا نعتقد ونتصوّر ... لنأخذ مثلاً هذا الشعار الذي يتردّد كثيراً : حروب الآخرين على أرضنا ... كلمات أربع ، مصاغة صياغة ذكيّة ، انفعاليّة : غموضها في عموميتها ، وتثير التوتّر الوجدانيّ الوطنيّ العاطفيّ ، وتبرئ الذات وتلقي المسؤوليّة ، كلّ المسؤوليّة ، على الآخرين . دون تحديد طبعاً مَن هم الآخرون ... الشرّ كل الشرّ يأتي من الآخر ... أما أنا فمغلوب على أمري ، طيّب ، كان من الممكن أن نعيش بهناء وسعادة ، لولا حروبهم وتدخلاتهم ... كلّ فئات الشعب اللبنانيّ المختلفة ، أو بالأحرى التيّارات السياسيّة من يمين ويسار ، ومنذ قيام الدولة اللبنانيّة حتى الآن ، لهم آخروهم ، وإن كان هؤلاء الآخرون يتغيرون من حيث التعيين أو التحديد ، بتغيّر الظروف والأوضاع الخارجيّة أو الداخليّة . مرة بنظر فئات عريضة وواسعة من جماهير الشعب اللبنانيّ ، يكون هؤلاء الآخرون : قوى دوليّة ، عالميّة أو إقليميّة أو كلاهما معاً ، ومرة أخرى تيارات سياسيّة عربيّة أو إسلاميّة أو عقائديّة متنوّعة : "الممثلون " يتغيّرون ولكن المفهوم أو " الدور " يبقى واحداً ...
هذا الشعار ، أعتقد أنّه خطير جداً وهو يحتاج إلى أبحاث ميدانيّة ، لنرى كيف يجري "تجهيل الفاعل " الحقيقيّ وإلقاء البلبلة والغموض في أذهان كثير من الناس وتجييش العواطف والحماس ضد " عدوّ " الحاضر ... غير أنّ الحقيقة ، في الواقع ، وفي أيّ مجتمع كان ، وخصوصاً في عصرنا الراهن ، هناك تداخل جدليّ بين الداخليّ والخارجيّ ، بين العوامل الداخليّة ، والعوامل الخارجيّة ... والسؤال الأخير المطروح علينا في نهاية التحليل هو التالي : لماذا سمحنا نحن للآخرين ، وبغض النظر عن هويّة هؤلاء الآخرين ، أن يقيموا حروبهم على أرضنا ؟!!...[...]
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي ... في ما تبقّى لنا من وقت قليل، أودّ أن أقدّم ملاحظات سريعة، تتعلق بما يمكن أن نسميه " الأسئلة المقلقة "، ومحاولة الإجابة عنها يحتاج إلى جهد فكريّ جماعيّ... ففي الواقع ، فإن أخشى ما أخشاه هو أن تبقى طروحاتنا وتستمر نقاشاتنا وأجوبتنا على هذه الأسئلة المقلقة ، لها صفة العموميّة ... وأن نعوم دائماً على السطح وأن لا نحاول أن نغوص إلى الأعماق... كلّ ذلك ، ربما ، بسبب ظروف اندلاع الحرب أو الحروب اللبنانيّة ، وما أثارته ولا تزال من انفعالات وعواطف وغرائز من هنا ومن هناك ... وهي لم تستثن أحداً للأسف الشديد ...
سؤال : هل منّا مَن لا يزال يعتقد بأنّ الحرب اللبنانيّة الأخيرة قد اندلعت سنة 1975 ، مع اغتيال معروف سعد في صيدا ، أو في 13 نيسان عند وقوع حادثة " بوسطة " عين الرمانة ؟!... اسمحوا لي أن أقول كلمة عابرة في هذا السياق . لقد اشتغلت قليلاً حول هذا الموضوع ، ولعبت دور المؤرّخ لهذه الفترة الزمنيّة القصيرة ... أرخّت تأريخاً ظاهرياً تسلسلياً للحوادث والاضطرابات العامة... فأدركت أنّ هذه النظرة للأحداث في ظواهرها الخارجيّة خطأ فادح ، وغير صحيح علمياً وسياسياً واجتماعياً ، وهو يحجب عنّا بالتالي رؤية الواقع حقيقة وفي أبعاده الموضوعيّة العميقة... إنّ أيّ نظرة فاحصة ، عميقة ، متأنِّية تظهر لنا بأنّ الحرب اللبنانيّة ، أو الحروب اللبنانيّة المتتالية لها جذور تاريخيّة ، سياسيّة واجتماعيّة ، قد تمتدّ إلى بدايات الاستقلال ، وإلى كيفيّة تكوين الدولة اللبنانيّة الجديدة والأسس التي قامت عليها .. وما التدخلات الخارجيّة إلاّ كونها قد صبّت وانعكست في هذه التربة الاجتماعيّة السياسيّة المهيّأة لتقبلها ...
على أي حال، هذا سؤال مطروح للبحث والنقاش، علينا نحن كمثقّفين ديمقراطيّين ملتزمين أحرار، أن نتحاور فيه بعمق وجديّة علمية، وأن نشرك معنا في هذا البحث والحوار مختلف التيّارات السياسيّة والاختصاصات العلميّة المتنوّعة. بمعنى أن نحاول أن نهيّئ أو أن نطلق ورشة عمل ثقافيّة، بحثيّة ، منظّمة وهادفة ، حتى يمكننا أن نرى الأشياء بوضوح أكثر ، ونفهم واقعنا بموضوعيّة وواقعيّة ، كلّ ذلك بطبيعة الحال حتى نستطيع أن نبني لنا مجتمعاً أفضل ... وهذا يحتاج إلى جهد متواصل ودؤوب ، فكريّ وعلميّ ، لا أن نكتفي بما تقدّمه لنا المعطيات الخارجيّة ، الملتبسة والمتناقضة ، المشكوك أصلاً بصحتها وبصدقها ... إنني أكتفي هنا فقط بطرح التساؤلات ، علينا في ملتقياتنا الثقافيّة الحواريّة اللاحقة ، أن نتعاون جميعاً للإجابة عنها ...
ملاحظة أخرى حول تعبير " المجتمع المدنيّ ". وهو تعبير حديث العهد ، جرى التداول به في أدبياتنا السياسيّة ـ الاجتماعيّة منذ أكثر من خمس سنوات ... وابتدأنا منذ ذلك الحين ، نستعمل بكثرة هذا الاصطلاح ونتحدّث عن المجتمع المدنيّ دون تحديد المضمون والمعنى المتطابق مع مجتمعنا اللبنانيّ ... وأنا ، حقيقة ، لم أفهم ما هذا المجتمع المدنيّ ، عملياً ، موضوعياً ... وكيف يمكن أن يُطبّق هذا المفهوم على المجتمع اللبنانيّ، أو بتعبير آخر، ما هي معطياته الاجتماعيّة الأهليّة في لبنان ؟!... بمعنى آخر أيضاً ، هل هناك مجتمع مدنيّ أو مجتمع أهليّ واحد ، موحّد ، متجانس ، عضويّ ـ اجتماعياً ، طائفياً ـ أم أنّ هناك مجتمعات مدنيّة أو مجتمعات أهليّة وذلك بحسب الطوائف الدينيّة والمذهبيّة ، وبحسب أيضاً الفوارق الاجتماعيّة أو المناطقية !!... سؤال !!... علينا كذلك أن نحاول أن نجيب عنه عن طريق البحوث الاجتماعيّة الميدانيّة والدراسات العلميّة ...
أحد الحضور ... العيش المشترك كذلك مصطلح جديد ، وملتبس ، وعام ...
الدكتور مصطفى دندشلي ... صحيح !!... صحيح !!... مفهوم العيش المشترك مفهوم عام ، كمفهوم المجتمع المدنيّ أو المجتمع الأهليّ... وغيرها أيضاً من المصطلحات المستعملة حديثاً، والتي يجب علينا التوقف عندها طويلاً ، كما في هذا الملتقى الثقافيّ اليوم ، وبحثها أيضاً بالجديّة العلميّة المطلوبة ، مرّة ، ومرّتين وأكثر ... وبأسلوب ومنهجيات متنوّعة ...
هنا أقول إنّنا للأسف الشديد أصبحنا نستعمل مفاهيم ومصطلحات ـ مثلاً المجتمع المدنيّ ، المجتمع الأهليّ ـ قد لا تعبّر ، أو هي لا تعبّر تماماً عن طبيعة تكوين مجتمعنا اللبنانيّ ، بكلّ خصائصه المميّزة ... مصطلحات أو شعارات لا تزيدنا معرفة للواقع المعقّد للمجتمع الخاص والمميّز الذي نعيش فيه ... فهذه المصطلحات قد تكون ، أو قد كانت عند صدورها صالحة ، وتعبّر عن طبيعة المجتمعات المدنيّة الأوروبيّة في نشأتها وطبيعة صراعاتها الخاصة ...
وفي الواقع ، ما المقصود واقعياً ولبنانياً من مفهوم المجتمع المدنيّ أو المجتمع الأهليّ ؟!.. هل المقصود من ذلك الهيئات والجمعيات الخيريّة والاجتماعيّة والثقافيّة على أنواعها والتجمعات الأهليّة المتنوّعة ، والأحزاب ، والنقابات إلى غير ما هنالك ؟!... إذا كان الأمر كذلك ، وهو في حقيقة الأمر كذلك ، فإنّ هذه الجمعيات بمجملها ، ونظراً لطبيعة تكوين المجتمع اللبنانيّ الطائفيّ المذهبيّ العشائريّ ، هي طائفيّة مذهبيّة عشائريّة في أغلب الأحيان ... هذا إذا استثنيا منها طبعاً بعض التيّارات السياسيّة والاجتماعيّة العلمانيّة ...
ما أريد أن أقوله وأكرّره ، هو أن لا نكتفي بتصوّر المفاهيم الجديدة ، أياً كانت ، والتي قد لا تكون متطابقة ، منهجياً ، معرفياً ، مع طبيعة مجتمعنا وتكوينه ، ونتصوّر ذهنياً أو نظرياً أنّ الحلّ قد يأتي منها ... بل أرى أنّه علينا أن ننطلق من تكوين مجتمعنا وطبيعته ، ومن تركيبته المميّزة والخاصة ، وأن نبتكر الطروحات والمفاهيم النابعة منه والمتطابقة معه .. هذا هو ما نقترحه للحوار والنقاش ...
وأخيراً حول موضوع علاقة لبنان بعالمه العربيّ . هنا أيضاً اسمحوا لي أن أشير فقط إلى أنّنا نحن في حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان ، لدينا مجموعة كبيرة من التساؤلات حول مواضيع وقضايا ، نظريّة وتطبيقيّة ، متعلقة بالواقع اللبنانيّ ، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً ، نميل في الواقع إلى بحثها ومناقشتها على نطاق ضيّق ، وبمشاركة مختلف التيّارات الثقافيّة والفكريّة في لبنان ومن جملتها موضوع علاقة لبنان بعالمه العربيّ ... أو إذا أردنا صياغة أخرى ، عروبة لبنان ، من حيث تحديدها وتوضيح مضمونها ومفاعيلها الداخليّة والخارجيّة وعلى مختلف المستويات ... وذلك بعد ما تمّ الاتفاق بين اللبنانيّين بغالبيتهم العظمى بالإقرار بانتماء لبنان العربيّ ، كما ورد في وثيقة الطائف وأقرّ في مقدّمة الدستور اللبنانيّ المعدّل 1990 . فلبنان والحالة هذه جزء من العروبة ، جزء لا يتجزأ من هذه العروبة الحضاريّة ... ولكن السؤال الملحاح والمطروح الآن علينا ، والذي يستدعي منّا التوضيح الفكريّ والنظريّ ، في الممارسة العمليّة والعلاقات الخارجيّة هو " مضمون هذه العروبة " في لبنان . هذا هو السؤال الذي سنحاول مستقبلاً أن نجيب عنه بمشاركة جميع التيّارات الفكريّة والثقافيّة والوطنيّة والسياسيّة في لبنان ...
هنا ، يمكن أن يُطرح الموضوع بصيغة جديدة، مبتكرة ، تعبّر عن خصائص لبنان المميّزة وعن ظروفه التكوينيّة الخاصة والتي يمكن أن نعبّر عنها بالشكلِ التالي : إلى أيّ مدى يمكننا ـ حتى نتوافق مع واقعنا الخاص والمميّز ـ أن " نُلَبْنن العروبة "... أي أن نجعل للعروبة " نكهة لبنانيّة "، لها خصائص لبنان الذاتيّة ـ الموضوعيّة ، عروبة نابعة من ظروف لبنان ومن خصائص لبنان ... بمعنى آخر ، السؤال يطرح في هذا السياق ، أيّ عروبة للبنان ؟!... ذلك أنّ هناك ، فعلاً ، عروبة وعروبة وعروبة ، فأيّها يمكن أن يبتكره لبنان ؟!... فمن خلال هذه الأبحاث والحوارات الفكريّة والنظريّة والعمليّة ، يمكن أن يُطرح موضوع علاقة لبنان بمحيطه العربيّ ...
ختاماً ، اسمحوا لي مرة أخرى أيضاً أن أتوجّه إليكم جميعاً محاضرين ومعقّبين ومناقشين وحضور ، بالشكر العميق لتلبيتكم الدعوة ، وصدّقوني إذا قلت ، باسمي الشخصيّ وباسم أصدقائي في حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان ، بأنّ ما سمعناه من كلمات إطراء وتشجيع ، إنّما هو أحسن دافع لنا ، دافع معنويّ ، لكي نستمرّ في العمل الدؤوب والصبور ، بأسلوب جديّ حواريّ وبأسلوب علميّ ، نقديّ ، آملين أن نلتقي مرة أخرى في القريب العاجل ...