الجمهورية العربية السورية وزارة الخارجية - القسم الثاني
مقالات و تحقيقات /
سياسية /
2007-09-12
الجمهورية العربية السورية
وزارة الخارجية القسم الثاني
بعد الحديث عن ذهاب الوفد العسكري إلى مصر من وجهة نظر زهر الدين ، وهيكل ، عثرت على هذه الأوراق ، وهي على الأرجح إحدى الكلمات التي ألقيت في شتورة ، وهي تتحدث عن ملابسات ذهاب الوفد العسكري ، وأظن أن الموضوع قد ورد ذكره في هذه الفترة .
سيدي الرئيس
أيها السادة
لقد قال مندوب حكومة مصر إن من جملة المكاسب التي حققها عهد الوحدة أن هيأ لسورية الاستقرار في النطاق الفكري باعتبار أن الجيش كان قبل الوحدة لا يقوم بواجبه الأساسي في الوقوف في وجه العدو على الحدود . وعلى هذا لم يكن باستطاعته أن ينصرف إلى مهمته الأساسية في الذود عن كيان الوطن واستقلاله بل كان عليه عبء حماية الوطن والمواطنين من أعدائه في الداخل .
فاسمح لي يا سيادة الرئيس أن أسرد فيما يلي ما فعله عهد الوحدة من تحطيم للجيش السوري ومحاولة للقضاء على كل إمكانياته لكيلا يلعب دوره في الحيلولة دون تحقيق اطماع إسرائيل والاستعمار وذلك أيضاً لكي يتخلص حكام القاهرة من القوة الضاربة التي لا بد لها أن تعترض سبيلهم وتثور على استغلالهم لسوريا واضطهادهم لشعبها . وها هي الوقائع التي تدل دلالة ساطعة على أن عهد الوحدة كان مفتّتاً لقوى الجيش ومدمراً لإمكانياته .
1 ) لقد أقصى حكام القاهرة كبار ضباط الجيش والقيادة العامة وفصلوهم من القوات المسلحة فأُخذ بعضهم إلى الوزارات وسرِّح وشُرَّد البعض الآخر أو اعتقل بحجة إبعاد الجيش عن السياسة وبحجة مكافحة الحزبية .
وقد جرى ليلة اعلان أول وزارة في 27 آذار 1958 على أثر قيام الجمهورية العربية المتحدة قراءة قائمة بأسماء 60 ضابطاً من رتبة مقدم وما فوق وبحضور المشير عبد الحكيم عامر في دمشق لتسريحهم من الجيش السوري آنذاك بحزمٍ أمام هذه المحاولة التخريبية الأولى في صفوف الجيش ، فقد قيل للمشير عامر في هذه الليلة : هل هذه تباشير الوحدة التي نزفّها إلى ضباط الجيش وهل هذه هي الهدية التي تقدم إلى القوات المسلحة في باكورة أعمال حكم الوحدة ؟... وقد تراجع القائد العام عن عمل عزم عليه وكان تراجعاً موقتاً لينفذ بعد مدة .
إن هذه الواقعة وما رافقها من توتّر بين القيادة للجيش السوري وبين عبد الحكيم عامر يعرفها السيد جادو عز الدين عضو الوفد المصري ، كما يعرفها طعمة العودة الله الموجود حالياً في مصر حيث ذهب إلى المشير وكلمه بعنف محتجاً على فكرة تسريح الضباط وفي أول يوم لتطبيق الوحدة عملياً .
2 ) لقد عمد حكام القاهرة إلى نقل الضباط السوريين إلى مصر لابعادهم ولم يعطوا أعمالاً ولا قيادات في مراكزهم الجديدة فتركت الوحدات في الجيش السوري في أيدي صغار الضباط .
ولما فوتح القائد العام في هذا الأمر وفي سبب ابعاد الضباط السوريين ، أجاب انه لا حاجة له للضباط من رتبة مقدم وما فوق وان الكلية الحربية تخرّج له سنوياً 500 ضابط يستطيع وضعهم في قيادة الوحدات والحلول مكان الضباط الكبار مباشرة .
ولا بدّ انكم تتصورون مصير سرية يقودها ملازم تخرج حديثاً من الكلية أو كتيبة يقودها ملازم أول ، وتأثير ذلك كله في استعدادات الجيش .
3 ) ولقد سلكت القيادة العامة للقوات المسلحة مسلكاً جديداً في إضعاف الجيش وذلك بالتخلص من الضباط في القوات المسلحة وبنقلهم إلى الوزارات الأخرى وإلى وظائف في المؤسسات والدوائر المدنية حتى ولو لم يكن لهم عمل فيها .
4) وكانت إحالة الضباط إلى التقاعد في سن مبكرة من الأساليب التي استحدثها الحكم التي تسلط زمن الوحدة ، وقد أُحيل إلى التقاعد أكثر من 200 ضابط لم يبلغوا الخامسة والعشرين من عمرهم .
ومن المعلوم ان قوة الجيش هي في نواته الأساسية المحترفة وهي الضباط والنقباء الذين تزداد معارفهم العسكرية والعامة بفضل الدورات التي تيبعونها وبفضل جهدهم الشخصي في الاستزادة من المعرفة . غير أن " حمى " إصدار النشرات المتتابعة بتسريح الضباط بشكل تعسفي والتي كانت تتبعها الطبقة الحاكمة جعل الضباط في وضع نفسي قلق فكان هؤلاء يتوقعون ورود اسمهم في قائمة المسرحين ، كلما صدرت نشرة عسكرية ، فانصرفوا عن توسيع معارفهم وهيؤوا ألبستهم المدنية لارتدائها . وذلك ولا شك نموذج من الاستقرار الذي هيأه عهد الوحدة في الجيش حسبما ورد على لسان الوفد المصري .
5 ) ولقد مهدت القيادة العامة للقوات المسلحة الأرض لضرب الانضباط والنظام والطاعة في الجيش ، كما فقدت مظاهر الاحترام الخارجية وأصبح التبذل في المعاملة بين الآمر والمرؤوس الشكل العام للانضباط .
وقد شجع عملاء عبد الناصر في الجيش المصري والموفدين إلى سورية النقباء والجنود السوريين ضد ضباطهم السوريين . كما حاولوا تطبيق عقوبة الجلد في القطاعات ، تلك العقوبة التي طبقها الإنكليز في الجيش المصري لإذلال جنوده والحط من كرامتهم .
6 ) كما شجع هؤلاء العملاء والمخربون الذين تحكموا في الجيش ، إثارة الطائفية والإقليمية والعنصرية والنعرات في صفوف الجيش ، كل ذلك بقصد تمزيق وحدته الوطنية وإضعافه .
7 ) وكان من المهازل والمسرحيات التي كان يتندر بها الضباط تشكيل لجنة صورية ممن بقي من الضباط السوريين ودان بالولاء للمتحكمين في الجيش ، وقد عرفت هذه اللجنة باسم " لجنة الضباط ". وكانت مهمتها تسريح الضباط وإحالتهم على التقاعد وتشريدهم وإبعادهم إلى الدوائر الأخرى أو نفيهم إلى القاهرة .
وكان بتصرف في أمر هذه اللجنة الضابطان المصريان عبد المحسن أبو النور والعقيد أحمد زكي ، وعلى الرُّغم من وجود قائد الجيش الأول فيها ووجود العقيد أكرم ديري والعقيد جادو عز الدين فيها فإنهم كانوا يوافقون على كل ما يأتي إليهم مهيأ من القاهرة بخصوص تسريح الضباط .
لقد جرى في تلك الفترة المشؤومة تصفية الجيش السوري من أكفء ضباطه ، فسرح أكثر من 1100 ضابط و3000 نقيب .
8 ) لقد تمَّ بناء على موافقة " لجنة الضباط " نقل 500 ضابط سوري إلى مصر تحت شعار تبادل العسكريين وتدعيم الجيش دون أن يكون لهؤلاء أعمال في مراكزهم الجديدة سوى قراءة الصحف كل يوم . ولكي تُصرف أنظار هؤلاء الضباط عن وضعهم الجديد ، جرت المحاولات لافسادهم بشتى الإغراءات المالية فزيدت رواتبهم .
وكانت هذه التدابير تلاقى استغراباً واستهجاناً من قبل الضباط السوريين . وقد أرسل بدلاً من الضباط السوريين أكثر من 2300 ضابط مصري إلى سورية حيث كان يتقاضى أصغرهم رتبة مبلغاً لا يقل عن 800 ليرة سورية شهرياً كتعويض تدفعه الخزينة السورية علاوة على راتبه الأصلي .
9 ) وقد أعد حاكمُ الجمهورية العربية المتحدة قائدَ الجيش الأول لدور تهريجي وذلك بتكليفه بتدشين وافتتاح المقاصف والمياتم والمبرات الخيرية وتوزيع الدقيق الأميركي لصرف هذا القائد عن دوره العسكري الأساسي ، كما كان رئيس الجمهورية العربية لا يتورع عن وصف قائد الجيش الأول بأنه "جحش للركوب ".
10 ) وكان سلاح الطيران أحد الأسلحة التي انصبت عليها عمليات التطهير من قبل حكام القاهرة . فقد سرحوا الضباط الطيارين والفنيين الذين اتبعوا دورات في خارج سوريا والذين صرفت الدولة على إعداد كل منهم أكثر من مليون ليرة سورية .
11 ) ولقد كانت عمليات السلب المنظمة لمعدات وتجهيزات الجيش السوري من الأعمال الفذة في تطبيق الوحدة بشكلها الناصري الحديث . فقد استولت مصر على تلك المعدات والتجهيزات وأخذتها إلى المستودعات في القاهرة ، بدلاً من إبقائها في سورية ودعمها بمعدات من مصر وذلك لوجود سورية في خط النار الأول وعلى احتكاك مباشر ودائم مع إسرائيل . ومن المفيد أن يعلم السادة أعضاء الوفود العربية أن سورية لا تزال حتى الآن تدفع بقية أقساط هذه الأسلحة التي استولت عليها مصر . وتبلغ قيمة هذه المعدات أكثر من 200 مليون ليرة سورية.
تشمل هذه المعدات السورية التي استولت عليها مصر :
ـ عشرات الألوف من البنادق الحديثة والرشاشات .
ـ دبابات حديثة لا توجد في الجيش المصري .
ـ مدفعية ضد الطائرات وضد الدبابات لا توجد في الجيش المصري .
ـ قاذفات صواريخ لا توجد في الجيش المصري .
ـ طائرات ليلية لا يوجد لها مثيل في الجيش المصري .
ـ ذخائر لأسلحة لا توجد في الجيش المصري .
ـ غواصات
ـ كاسحات ألغام
ـ ناقلات جنود مدرعة
ـ سيارات شحن مختلفة
وبمناسبة الغواصات أود أن أذكر أنه منذ أوائل الوحدة ارتأى المصريون أن تتمركز الغواصات السورية في الاسكندرية بحجة عدم وجود مرفأ في سورية وأنه يمكن توحيد التدريب البحري لهذه الوحدات بوجود السوريين والمصريين معاً .
وقد بقيت هذه الغواصات طيلة أيام الوحدة في الاسكندرية ولم يسمح لأي سوري أن يتدرب عليها . وفي أواخر أيام الوحدة وجهت قيادة الأسطول المصري إلى قيادة الجيش الأول قائمة بمبلغ 10 ملايين ليرة سورية تكاليف صيانة وتصليح الغواصات السورية والمحروقات ، مع أن الغواصات أصبحت مستهلكة. ومن الطريف أن نذكر أن أسراب الطيران الليلي التي نقلتها مصر إلى أرضها لا يحسن استخدامها واستعمال تجهيزاتها الأرضية إلا الطيارون السوريون والفنيون السوريون ، لأن هذا النوع من الطيران لم تعرفه القوات الجوية المصرية . ولا تزال هذه الطائرات قابعة في المستودعات المصرية . وقد صنفوها في المتاحف والمستودعات ، بعد أن دخلت مصر عصر الصواريخ وغزو الفضاء.
وبهذه المناسبة نحب أن نصحح الواقعة التي وردت على لسان الوفد المصري عن مقابلة الضباط لعبد الناصر ، يوم أن ذهب هؤلاء الضباط إلى مصر في مطلع عام 1962 . إن الغاية من ذهاب هؤلاء الضباط إلى مصر ، لم تكن كما ورد على لسان جمال عبد الناصر لمفاوضته على إعادة سيطرته على سورية .
ونحن نورد هنا تقرير العميد الطيار زهير عقيل ، كما قدمه إلى قيادته بعد عودته من مصر. لقد قال العميد الطيار زهير عقيل :
أرسلت القيادة العامة لجنة مؤلفة من ثلاثة ضباط وهم : العميد الطيار زهير عقيل والعقيد (ا.ح) محمد منصور ، والرائد فائز رفاعي ، للاتصال بالمسؤولين في القاهرة لبحث الأمور الآتية :
1 ـ إيقاف الهجمات الإذاعية التي تشنها إذاعة القاهرة وصوت العرب ،
2 ـ البحث في إمكانية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وسورية ،
3 ـ البحث في إمكانية تحقيق اتفاق عسكري بين مصر وسورية ضد إسرائيل والأخطار الخارجية الأخرى ،
4 ـ إمكانية تبادل الرسائل بين الحكومتين لتكون فاتحة لعودة العلاقات الطيبة بين البلدين ،
5 ـ البحث في استعادة الأسلحة السورية الموجودة في مصر .
وفي اليوم الثاني لوصول هذه اللجنة تمت المقابلة فيما بينها وبين العميد صلاح نصر . وفي اليوم الثالث حُدِّد موعد زيارة الرئيس جمال عبد الناصر وهو الساعة الثانية عشر والنصف وفي منزل الرئيس بالذات .
وقد استهل رئيس اللجنة الحديث بشرح موجز للأوضاع العامة في الشرق الأوسط وتعرض لأخطار الصهيونية وغيرها من الأخطار وخلص إلى ضرورة إيجاد نوع من التعاون بين البلدين للوقوف أمام هذه الأخطار ويكون ذلك بأن يشرع أولاً بإيقاف الحملات الإذاعية الموجهة ضد سورية ثم الاعتراف بالوضع القائم في سورية ، ثم إعادة العلاقات الودية بين البلدين كما كانت قبل الوحدة . وقد أجاب الرئيس عبد الناصر أنه مضطر للرد على من يهاجم قوانينه الاشتراكية ، كما أنه اعتذر عن الاعتراف بالوضع القائم . وقد انتهت هذه المقابلة دون الوصول إلى نتيجة .
المرحلة الثانية
ذهبت نفس اللجنة إلى القاهرة وكانت مهمتها :
1 ـ الاتفاق على أسس القيادة المشتركة لإقامة اتفاق عسكري بين مصر وسورية ضمن نطاق الجامعة العربية .
2 ـ تحديد موقف مصر إزاء تحويل نهر الأردن، فيما إذا دخلت سورية بحرب مع إسرائيل لمنع تحويل هذا النهر .
3 ـ البحث في استعادة الأسلحة السورية الموجودة في مصر .
وقد سأل الرئيس عبد الناصر اللجنة عن الشروط التي يمكن معها إقامة اتحاد ووحدة ، وما هي تلك الشروط بنظر اللجنة . فاعتذرت اللجنة عن ذلك لجهلها بهذا الموضوع . غير أن الرئيس جمال عبد الناصر تابع حديثه مستعرضاً أشكال الاتحاد في العالم . ولما قاطعه رئيس اللجنة شارحاً الموقف الدولي والأحداث في الشرق الأوسط وخطر إسرائيل وتحويل مجرى نهر الأردن وتصميم الجيش السوري على مقاومة هذا التحويل بالقوة ولو أدى ذلك إلى دخول حرب سافرة مع إسرائيل، وتساءل عن موقف مصر إذا ما تعرضت سورية لحالة حرب مع إسرائيل ومدى تجاوبها وما هي فكرتها العسكرية في هذه الحالة ، سكت الجانب المصري . كما أفاد الرائد فايز رفاعي أنه لما طلب الوفد العسكري السوري استرداد الأسلحة ، أجابهم عبد الناصر : إننا سنشكل لجنة لبحث هذا الموضوع لنرى فيما إذا كان لكم عندنا أسلحة حسب إدعائكم . ولما طلب الرائد فايز رفاعي إلى جمال عبد الناصر أن يبين موقف مصر في حال اشتباك سورية مع إسرائيل ، أجاب رائد القومية العربية حرفياً : "ده حاجات مش فاضين ليها".
وقد اغتنم جمال عبد الناصر عرض قيادة الجيش للمهادنة حرصاً على وحدة الصف العربي وحبًّا في التفاهم الأخوي والتعاون المشترك ضد إسرائيل ، حاول إقناعهم بالإطاحة بالحكم النيابي القائم آنذاك في سورية واستلام السلطة قائلاً لهم : إنه ليس حاقداً على من قام بانتفاضة 28 أيلول (1961) وإن كانت موجهة ضده بالذات . غير أنه مستعد أن يتفاهم معهم بالشكل الذي يريدونه بعد أن يطيحوا بالحكم القائم.
هذه هي حقيقة المفاوضات والأحاديث التي جرت في مصر يرويها الضباط الذين ذهبوا إلى تلك المفاوضات . وإن ما ورد على لسان وفد مصر إن هو إلا خيالات وأحلام يقظة ودَّ أن يراها رائد القومية العربية في الخطوط التي سطرها مستشاره الفني الصحفي محمد حسنين هيكل ، بعد تحريف الوقائع وتشويه الحقائق .
وإن هؤلاء الضباط الذين شهدوا مأساة الوحدة بكل فواجعها على الشعب السوري ليسوا من الغباء والجهل بحيث يقدمون بلدهم في تجربة جديدة إلى عدو الوحدة الذي حطم الوحدة .
12 ) وقد فرضت القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية المعدات التالفة والهالكة على الجيش السوري لشرائها ، وصدّرت إلى الجيش السوري السيارات التي ابتاعتها من ألمانيا الغربية وأخذت ثمنها بالعملة الصعبة .
ومن هذه المعدات التالفة التي كان يراد فرضها على الجيش الدبابات الفرنسية A. M. X ولما رأى ضباط الجيش السوريون ذلك رفضوا التوقيع على الفواتير .
13 ) لقد حصر المصريون المناقصات والتعهدات في الأشغال العسكرية بالمتعهدين المصريين ، كما جُلب العمال المصريون إلى ورشات الجيش وطرد العمال السوريون . وقد جرى ذلك في كثير من المناطق ، نذكر على سبيل المثال منطقة القنيطرة والجدخدار والسويداء والكسوة وغيرها من المناطق .
14 ) فرضت القيادة المصرية المصطلحات العسكرية المستخدمة في الجيش المصري على الجيش السوري ، تلك المصطلحات التركية والإنكليزية والعامية .
15 ) شجع حاكم القاهرة الضباط المصريين من مخابراته على التدخل في السياسة السورية على الرُّغم من التصريحات التي كان يذكر فيها عبد الناصر أنه يود إبعاد الجيش عن السياسة .
فكان عبد المحسن أبو النور معاون قائد الجيش الأول يتصل بالسياسيين والصحفيين ويحرض العسكريين بعضهم على بعض ويمنّى من يتعاون معه بأرفع المناصب .
16 ) شجعت القيادة المصرية إعادة الكثير من النقباء الذين ارتكبوا جرائم شائنة والذين لا يجوز إرجاعهم إلى الجيش وذلك عن طريق تقديم الرشاوي إلى زوجة العقيد أحمد زكي رئيس الشعبة الأولى في القيادة .
17 ) تغاضت القيادة المصرية وتسترت على الجرائم التي كان يرتكبها الضباط وصف الضباط المصريون في سورية ومنعت إحالتهم إلى المحاكم العسكرية بحجة أنهم مصريون ، وكانت تكتفي بإعادتهم إلى مصر .
18 ) شجعت سلطات القاهرة العليا تهريب الحشيش من قبل عملاء عبد الناصر في الجيش المصري العاملين في سورية وسعت جاهدة لنشره في صفوف الجيش السوري وعلى رأس هؤلاء العملاء المخربين العقيد عبد المحسن أبو النور معاون قائد الجيش الأول الذي كان يستخدم الطائرة العسكرية المخصصة للبريد العسكري لنقل الحشيش والمخدرات إلى مصر . وقد قبض على مرافقه بالجرم المشهود ولا تزال اضبارته في المحكمة العسكرية ونحن على استعداد لإبرازها .
19 ) مزاولة عملاء عبد الناصر في الجيش المصري والموفدين إلى سورية التجارة ، فكانوا يجمعون ما يصادفونه في المخازن والصيدليات من أدوية وساعات وراديوهات وأدوات تجميل نسائية وأقمشة حريرية ونايلون وغيرها وينقلون كل ذلك إلى مصر ليباع بأثمان فاحشة هناك ، لفقدان مثل هذه المواد في أسواق مصر .
وقد أصبحت المؤسسة التعاونية العسكرية وقفاً على هؤلاء العملاء لأخذ البرادات والغسالات والأدوات الكهربائية دون رسوم جمركية ومن ثم لنقلها إلى مصر للتجارة والربح الكبير على حساب الخزانة السورية . كما كان هؤلاء العملاء يقومون بالمتاجرة بالعملة ، وذلك بجمع الجنيهات المصرية من الأسواق الحرة بأسعار رخيصة ونقلها إلى مصر، في حين كانوا يتقاضون تعويضاتهم بالسعر الرسمي . ولقد بلغ ما كان يدفع سنوياً إلى الضباط المصريين من الخزينة السورية مبلغ 50 مليون ليرة سورية .
20 ) القضاء على الفكرة الأساسية من مبدأ خدمة العلم وذلك بالتوسع في قبول البدل النقدي الذي لا يقدر عليه إلا الطبقة الموسرة . ومن المعلوم أن خدمة العلم منذ أن طبقت في سورية ، كانت الغاية منها أن يقوم كل مواطن باداء هذا الواجب القومي ولا يعفى منه أحد إلا في المجالات الاستثنائية التي يبينها القانون .
وقد كان لتطبيق خدمة العلم قبل الوحدة الأثر الكبير في تطوير المجتمع السوري وجعله منسجماً بحيث ينصهر في بوتقة الوطن وفي القطعة الواحدة المواطنون السوريون من مختلف الطبقات والاتجاهات والأماكن .
21 ) لقد ألغى حكام القاهرة شروط الانتساب إلى مدرسة الضباط الاحتياط ، ونقلوا الكلية العسكرية وكلية الطيران إلى مصر بحجة توحيد التدريب . وقد أدى ذلك إلى قصر الدخول إلى هذه الكليات على المصريين وعلى عدد قليل من السوريين الذين كانوا ينتقون انتقاءً خاصاً فريداً في نوعه حيث كان يعرض هؤلاء على لجنة نفسية تتولى أمرهم .
ومن جملة ما كان يتعرض له هؤلاء الطلاب من تجارب ومحن هو أن يدخل الطالب غرفة اللجنة ، ثم يفاجأ بصفعة على وجهه ليعرف أعضاء اللجنة رد فعل هذا الطالب .
وكان يتعرض الطالب أيضاًإلى أسئلة نورد نماذج منها :
أ ـ ما هو موقفك إذا شتمك آمرك .
ب ـ ما هو شعورك إذا كنت وحيداً بين النساء
ج ـ ما هو موقفك إذا راودك رئيسك عن نفسك
د ـ ما هو موقفك إذا فوجئت بزوجتك أو بقريباتك في وضع مشين مع آمرك أو مع رجل
غريب .
هـ ـ وكثيراً ما كان يفاجأ الطالب من الوراء بأحد أعضاء اللجنة وقد استدبره بيده .
وكان بدهياً أن يرسب في مثل هذا الفحص الغالبية العظمى من الطلاب السوريين الذين كان من الطبيعي أن تكون أجوبتهم متفقة مع الكرامة والشرف والمروءة والنخوة العربية الحقَّة .
ونود أن نذكر نبذة عن كلية الطيران في حلب وكيف عوملت تنفيذاً للمخطط الناصري . لقد كانت كلية الطيران في حلب تخرج كل عام ما بين 20 ـ 30 ضابطاً طياراً ، على الرُّغم من قلة إمكانياتها. وقد ألغيت في عهد الوحدة هذه الكلية وأخذت جميع طائراتها التي تزيد على 30 طائرة إلى كلية الطيران بمصر ، وكذلك جميع الورشات والمستودعات الخاصة بها . وفي خلال عهد الوحدة تخرج من كلية الطيران بمصر من الضباط السوريين العدد التالي :
في السنة الأولى للوحدة : تخرج 3 ضباط من أصل 7 دخلوا الكلية
في السنة الثانية للوحدة : تخرج 3 ضباط من أصل 8 دخلوا الكلية
في السنة الثالثة للوحدة : تخرج 2 ضباط من أصل 5 دخلوا الكلية
ولا نذيع سراً إذا ما قلنا إن سلاح الطيران السوري يعاني اليوم أزمة عنيفة في عدد الطيارين نتيجة المخطط الناصري الذي وضعته القيادة العامة للقوات المسلحة أثناء الوحدة بُغية تحطيم سلاح الطيران السوري وتركيز قوة سلاح الطيران في مصر ذاتها .
22 ) عمدت القيادة المصرية إلى إظهار السوريين في الدورات بمظهر التخلف الفكري والتأخر العلمي وذلك بإعطائهم الدرجات الأخيرة بالنسبة للضباط المصريين وبمعاملتهم معاملة سيئة مما أدى كثيراً إلى حوادث مؤسفة ، نذكر على سبيل المثال منها ، الإضراب العام الذي قام به الضباط السوريون في كلية الأركان الحرب وفي كلية البوليس وفي الكلية الحربية والذي ذهب قائد الجيش الأول في ذلك الحين إلى مصر لمعالجته .
كما أدى سوء معاملة الجنود السوريين من قبل عملاء عبد الناصر في الجيش المصري الموفدين إلى سوريا إلى حوادث دامية ذهب ضحيتها كثير من الضباط المصريين برصاص البنادق وبشظايا القنابل اليدوية . ونذكر على سبيل المثال ذلك المجند السوري الذي شتم عرضه أحد هؤلاء العملاء ، فما كان من المجند إلا أن انقض على بندقيته يحاول تصوبها إلى صدر الضابط المصري الذي فر أمام المجند. ولما وجد المجند أنه قد لا يستطيع إصابة الضابط المصري ، ترك البندقية وقبض على رمانة يدوية وألقاها على الضابط المصري . ولكن وجود الأشجار حال دون إصابة الضابط ، وما زال هذا المجند يركض وراء شاتمه ولقذفه بالقنابل اليدوية حتى نفذت منه القنابل دون أن يصاب الضابط بأذى .
ولا بد أن السيد جادو عز الدين يذكر هذه الواقعة وقد كان آنئذٍ آمراً للجبهة الجنوبية الغربية في بلاده سورية . وعلى الرُّغم من اعتذار الضابط المصري بعد هذه الحادثة إلى المجند السوري فقد أصر السيد جادو عز الدين على إحالة هذا المجند إلى المحكمة العرفية . وقد شكل لهذا المجند محكمة عرفية خاصة تنظر في هذه الجريمة . وقد كان حماساًَ منقطع النظير من السيد جادو عز الدين ، عندما كان يطلب إلى أعضاء المحكمة أن يحكموا على هذا المجند بالإعدام ، ولكن المحكمة قضت بسجنه عشر سنوات .
23 ) قد سلط عبد الناصر مباحثه على ضباط الجيش السوري فلم يكتف بتسريحهم وتشريدهم بل عمد إلى اعتقالهم . وتلك هي المرة الأولى في تاريخ الجيش السوري التي يتعرض فيها الضباط للتوقيف والاعتقال بالجملة بتهم كاذبة ، بالإضافة إلى ما كانوا يلاقونه في سجن المزة من تعذيب وتنكيل جسدي لم يتعرض له ضابط إلا زمن الوحدة . وقد خرج أكثر هؤلاء الضباط المعتقلين من السجن وهم مصابون بعاهات جسدية وعقلية دائمة نذكر منهم على سبيل المثال :
الضابط عبد الرزاق يحيي : اختلال في قواه العقلية نتيجة التعذيب الجسمي والنفساني .
الضابط عقل محمود : آلام في لسانه مما جعله عاجزاً عن النطق لمدة طويلة .
الضابط يوسف اليازجي وبهجت عبد الأمين ومحمد زلفو وليون يارانوسيف ومطيع منصور وعلي بشناق وأسعد دبور وغيرهم ، ممن خرجوا من السجون بعاهات مستديمة في أجسادهم وممن لا يزال التشويه في أجسادهم ماثلاً وظاهراً حتى الآن .
كما عُذِّب بعض الضباط بإدخالهم في أفران كهربائية استوردت من ألمانيا وأميركا ، فكانت مباحث عبد الناصر تحرق أجسامهم بالنار ، كما كانت تدخل بعضهم في براميل ملأى بالماء بعد وصلها بالتيار الكهربائي .
وقد تفنن هؤلاء المباحثيون في وسائل التعذيب التي اتقنوها على يد خبراء معسكرات الاعتقال النازية والذين استقدمهم جمال عبد الناصر لإقناع الشعب وضباط الجيش السوري بالزحف المقدس .
24 ) وقد سرحت القيادة المصرية جميع الضباط الفلسطينيين من الجيش والإبقاء على أربعة منهم فقط وزج معظمهم في السجون وتعذيبهم وتشريدهم وملاحقتهم ومحاولة اغتيالهم .
25 ) عمدت القيادة المصرية إلى نقل النقباء (صف الضباط) إلى مصر تمهيداً لتصفية الجيش السوري تصفية نهائية ، وذلك بإحلال قطعات مصرية بأكملها في سورية . وقد وجد في أحد أدراج مكتب قائد الجيش الأول بعد انتفاضة 28 أيلول عام 1961 نشرة عسكرية بنقل 5000 رقيب اعتباراً من 15 تشرين الأول عام 1961 والاستعاضة عنهم بعدد مماثل من مصر ، كما وجدت أيضاً نشرة عسكرية بتسريح ونقل أكثر من 150 ضابطاً اعتباراً من 1 تشرين الأول 1961 .
26 ) لقد عرّض عبد الناصر سلامة الجيش السوري وسلامة أرض سورية إلى خطر كبير، وذلك بتجريد الجيش السوري من السلاح وبتسريح الضباط وبإعطاء التعليمات الصارمة إلى قطعات الجبهة بعدم التعرض لليهود مهما كانت الأسباب ، مما جعل اليهود يعتقدون أنهم يستطيعون الوصول إلى أهدافهم ، فحاولوا ليلة 29 كانون الثاني 1960 الهجوم على التوافين ، وعلى الرُّغم من فقدان الأوامر بإطلاق النار من قبل القطعات المرابطة على الحدود على اليهود ، فإن آمر القطاع الجنوبي قد وضع قيادته في موقف محرج للغاية ، عندما فتح النار بمبادرته الشخصية على اليهود . ولم تتدخل القيادة إلا بعد أن وضعها هذا الضابط تحت الأمر الواقع ، وأن ما سبق قوله هو تصحيح لما ورد على لسان وفد القاهرة في ذكر حادثة التوافين وقد كوفئ هذا الضابط بأن ابعد عن الجبهة .
27 ) تعرَّض ضباط الجيش المصري الباسل لنفس أساليب التصفية والابعاد والتعذيب والتنكيل والتشريد والتقتيل . كما فَقَد الانضباط العسكري والتسلسل في القيادة . ونذكر على سبيل المثال بأن الرائد شمس بدران هو القائد الفعلي للجيش المصري . فهو يصدر التنقلات والترفيعات والتعيينات وانتداب الضباط إلى الوزارات وإرسالهم في بعثات . وقد يظن البعض أن عبد الحكيم عامر هو القائد العام للجيش ، إلا أن الحقيقة هو أن عبد الناصر يتدخل في كل صغيرة في الجيش المصري عن طريق شمس بدران مباشرة ، ذلك الشخص الوحيد الذي يستطيع الدخول في أي وقت إلى القصر الجمهوري ومنزل عبد الناصر ، لأنه خطيب بنت الرئيس، ولا يتاح الدخول على عبد الناصر لنواب الرئيس ووزرائه أو أقاربه.
هذا هو عهد الوحدة وأثره المؤذي المشؤوم على قواتنا المسلحة . إنه سجل طافح بالخزي حافل بسوء القصد واضح في تعمّده الإساءة والتدمير لقواتنا المسلحة تمهيداً لتكبيل أيدي الشعب ورسفها بالأغلال وتمكيناً لحكم استغلالي استبدادي لا يمت إلى العروبة بصلة .
والآن بعد أن استعرضنا الوقائع السوداء التي أنزلها حكم الوحدة بقوات سورية المسلحة . ننتقل إلى بيان الأعمال الرائعة التي قامت بها هذه القوات المسلحة نفسها في سبيل مصر والقضية العربية بعامة . وذلك لندلّل أمام افتراءات القاهرة على الروح العربية الطاهرة المخلصة التي استوحتها سورية والتي قابلت بها كل تلك المخازي والإساءات التي صدرت من الحكم المصري ، وأن الشعب العربي السوري ذلك الشعب المكافح الذي كان أول من حطم احتكار السلاح من قبل الغرب وزوّد جيشه منذ عام 1955 وقبل مصر بزمن طويل ، بمعدّات حديثة اشتراها من الدول الاشتراكية دفاعاً عن حريته واستقلاله ، قد وقف بجانب مصر في أشده أيامها عام 1956 .
فقبل الوحدة بعامين ، عندما دقت ساعة الخطر على مصر ، هبّت سورية هبّة رجل واحد للدفاع عن شقيقتها العربية ضد العدوان الثلاثي . إنها لم تنتظر أمر القائد العام ، بل استبقته في تنفيذ الاتفاق العسكري الثلاثي ، يدفعها إلى ذلك حماستها القومية وشعور رائع بالتضامن العربي . فأرسلت على الفور " المجموعة العسكرية " وحشدتها على الضفة الغربية حيث بقيت تنتظر أوامر القائد العام باختراق حدود إسرائيل والدخول في المعركة دعماً لقوات مصر الشقيقة في حربها مع المعتدين .
وكانت قيادة الجيش السوري قبل ذلك الحين قد أرسلت إلى القيادة المشتركة المعلومات التي حصلت عليها عن تحشّد القوات البريطانية والفرنسية في قبرص وأبلغتها عن عزمها على الاعتداء بصورة أكيدة قاطعة . كما أنبأتها عن استدعاء قوات الاحتياط اليهودية واحتشادها على الحدود المصرية . وقبل 48 ساعة من الهجوم اليهودي ، أرسلت القيادة السورية إلى القيادة المشتركة تحذيرات أخرى تنبؤها عن موعد الهجوم وعن أن أسراب الطائرات الإنكليزية والفرنسية في قبرص قد غيّرت طلاءها واستبدلت شاراتها بشارات إسرائيلية استعداداً للهجوم .
وقد علمنا فيما بعد أنه على الرغم من كل هذه المعلومات المؤكدة والتحذيرات المتكرّرة ، لم يتخذ عبد الناصر أي إجراء وقائي ، بل ظلّ لا يصدّق وقوع العدوان حتى بعد مشاهدته من مقره في مصر الجديدة انفجار قنابل الطائرات في سماء القاهرة . وهذا ما صرّح به هو نفسه مرّات عديدة في خطبه . فلا شك أنه كان مطمئناً كل الاطمئنان إلى التأكيدات والضمانات المعطاة من أميركا بعدم السماح بوقوع أي عدوان مسلّح على مصر .
وفي الأيام الأولى من العدوان ، قام الجيش السوري بنسف أنابيب البترول إداءً لواجبه القومي وشعوراً منه بحمل مسؤولية تاريخية في الدفاع عن الشعب العربي الشقيق في مصر . ومعروف ما نجم عن ذلك بالنسبة لإنكلترا من انخفاض في استعدادها الحربي وخسارة في مواردها واضطرارها لشراء النفط من أميركا بالعملات الصعبة ، ووقوع بورصة لندن في الاضطراب والهلع.
ومعروف أيضاً أن قَطْع النفط عن أوروبا الغربية بأسرها ، يلحق بها خسارة تقدر بمليارات الدولارات ويحملها على الضغط على المعتدين لإيقاف العدوان . كما أنه معروف أيضاً ما لحق بسورية من خسارة مادية بنتيجة انقطاع عائدات البترول قرابة ستة أشهر . إلا أن أهم من هذا كله ، إن إقدام القوات المسلحة على عملها القومي الرائع هذا ، كان بمثابة إعلان واضح لا يقبل اللُّبس عن تصميمها القاطع على الزجّ بقواها جميعاً ودون ما تحفظ في المعركة الناشبة . وجدير بالذكر أن أحد الضباط الذين اشتركوا في عملية نسف الأنابيب عام 1956 قد صُرع إبان فتنة حلب في آذار 1962 بيد الغدر الناصرية .
أما المجموعة السورية المرابطة في الأردن على الحدود الإسرائيلية فقد استطاعت أن تسقط طائرة قائد القطاع الشمالي في إسرائيل واستولت على وثائق وأوامر عمليات الجيش الإسرائيلي ضد مصر ، وأرسلت هذه الوثائق إلى القاهرة . وما كان من عبد الناصر إلا أن استخدمها في الدعاية لكفاءة مخابراته وإطراء براعتها .
تلك هي مواقف جيشنا الباسل وذلك هو سجله الناصع . فقد قام بواجبه تجاه الشقيقة مصر على الوجه الأكمل والأمثل . وكان رفيقاً في السلاح وفياً أميناً . ولقد كافأ السيد جمال عبد الناصر على ذلك بوضع خطة محكمة لتهديم كيانه وتحطيمه منذ الأيام الأولى للوحدة . وقد استمرّ تنفيذ هذه الخطة طوال سنوات الوحدة المشؤومة دون توقّف أو تردّد باسم القومية العربية والوحدة والاشتراكية . إلا أن معين الرجولة والكرامة لا ينضب في جيش سوريا العربي ، كما أنه لا ينضب في الشعب السوري . فقامت انتفاضة 28 أيلول (1961) ووضعت حداً لخطة إفناء الجيش وتمزيقه وتشريده على يد الرئيس جمال عبد الناصر .
ومما يذكر عن تلك الأيام التاريخية الحاسمة التي رافقت فجر سوريا العربية الجديد، أن أي واحد من الـ 2300 ضابط مصري الموجودين في سوريا والذين يفوقون عدداً بإضعاف ضباط الجيش السوري ، لم يتحرك ولم يتصدَّ للدفاع عن الحكم البائد ، وذلك لعلم هؤلاء الضباط جميعاً بما يعانيه كلا الشعبين السوري والمصري من اضطهاد واستغلال في ظل الحكم الناصري ولاقتناعهم التام بمشروعية الثورة على هذا الحكم وحتمية انتصارها . بالنسبة إليهم أيضاً ، لم تكن وحدة عبد الناصر (العربية) سوى وحدة كاذبة . فقد أبدى أكثرهم استعداده للبقاء في سورية والتضامن معها والعمل في صفوف جيشها على تقويض هذا الحكم في مصر وتحرير الشعب المصري من ثقل وطأته الضارية .
لقد كانت هذه الإجراءات التي قام بها عبد الناصر ضد الجيش السوري والجيش المصري مقدمة لتصفية قضية فلسطين بالاتفاق مع أميركا ، بالإضافة إلى الخطوات التي قام بها على الصعيد السياسي والاقتصادي في هذا السبيل .
ولا يزال الكثير من السفراء والدبلوماسيين يذكرون التعليمات المشدَّدة التي كانت توجَّه إليهم بعدم التعرض لقضية فلسطين في أحاديثهم أو تصريحاتهم السياسية . (وارد هنا نص المذكرة الخطيرة) لقد أصبح جميع الناس في الدول العربية يعلمون أن لأميركا مخططاً لتصفية قضية فلسطين ينفذها بكل إخلاص جمال عبد الناصر ويتلخص هذا المخطط بالأمور الآتية :
1 ـ توطين اللاجئين في أراضي الدول العربية وعدم السماح لهم بالعودة إلى فلسطين .
2 ـ بتحويل مجرى نهر الأردن لإحياء النقب وزيادة استيعاب إسرائيل من السكان .
3 ـ فتح خليج العقبة أمام السفن الإسرائيلية .
4 ـ السماح للسفن الأجنبية الآتية من إسرائيل والتي تشحن البضائع لها
بالعبور في قناة السويس .
5 ـ استمرار بقاء قوات الطوارئ الدولية على حدود مصر وغزة .
6 ـ فرض الصلح بين العرب وإسرائيل .