كلمة الدكتور مصطفى دندشلي في دفاعاً عن المثقفين
ندوات /
ثقافية /
2001-01-02
الدكتور مصطفى دندشلي : أولاً كلمة شكر أتوجه بها إلى السادة المحاضرين والمناقشين الذين أغنوا البحث والحوار بآرائهم وتصويباتهم ونقدهم واقتراحاتهم ، وبما أشاروا إليه من قضايا فكريّة وثقافيّة وسياسيّة ، قضايا المجتمع الذي نعيش فيه على صُعُد مختلفة ... هذه هي الغاية في الحقيقة ، من عقد هذه الحلقة الثقافيّة ، والتي سوف سيتبعها حلقات أخرى مع مشاركة مفكّرين آخرين من تيارات سياسيّة متنوّعة .
أريد أن أشير إلى أنّ ما ورد في هذا الكتاب حول مفهوم المثقّف والمثقّف الملتزم ، ليس دقيقاً أن نحيله إلى " جان ـ بول سارتر " بإطلاق . هو مفهوم خاص بالمجتمع الفرنسيّ وبالمثقّفين الفرنسيين ، انطلق بهذا المعنى الالتزاميّ اثناء قضية درايفوس 1898 . ولذلك أوّل مثقّف بالحقيقة اعتبر في فرنسا على هذا الصعيد ، " إميل زولا " هو الذي أعطى المعنى الجديد ، هذه نقطة توضيحيّة فقط . " جان ـ بول سارتر " أعطى لهذا المفهوم معناه ووجهة نظره الفلسفيّة الذي هو فيلسوف وجوديّ كما نعلم مركز الفلسفة الوجوديّة هو الإنسان وحريّة الإنسان ومسؤوليّة الإنسان . في المقدمة قد أشرت إلى هذا الجانب بوضوح .
الناحية الأخرى ، من حيث الترجمة ، الحقيقة كما قلت في المقدمة ، أنني لست مترجماً محترفاً ، أنا مترجم هاوٍ ، لقد سبق لي أن ترجمت كتاباً في العلوم الاجتماعيّة سنة 1981 نشر سنة 1983 تحت عنوان : " مدخل إلى علم الاجتماع العام "، فعلاً وجدت سهولة أكثر بكثير من ترجمة هذا الكتاب . إنما ترجمة " سارتر " كانت بهذا الكتيّب وجدت صعوبة وصعوبات كثيرة مع أنّ النصّ صغير . أولاً كثافة " الأفكار الرمزيّة " التي كان يستخدمها "سارتر "، بالإيحاء ، لا يمكن أن يترجم هذا النصّ مَن ليس على معرفة بالأدب الفرنسيّ ، بالتيارات الفكريّة الفرنسيّة ، بالقضايا الفلسفيّة الفرنسيّة ، من هنا تأتي الصعوبة . من هنا استعماله تعبيرات جديدة فهو " ينحت " " سارتر " كلمات جديدة غير مستعملة مثلاً بالمعاجم حتى الآن . وهنا كنت أتناقش مع بعض الأصدقاء الفرنسيين لتوضيح بعض المصطلحات باللغة الفرنسيّة . وهناك الأخصّ قضايا وأفكار حتى بالنصّ الفرنسيّ غير مفهومة وغير واضحة الدكتورة أرمال ابو مرعي فرنسيّة الأصل ، أستاذة الأدب واللسانيات في اللغة الفرنسيّة في الجامعة اللبنانيّة ، كنت أقرأ معها بعض الفصول ، فتقول لي : غير واضح ، ماذا يريد أن يقول ؟. السبب بسيط هو أنّها ليست على معرفة بالفلسفة الوجوديّة ، ماذا تعني هذه التعبيرات ، هذه الإيحاءات التي تقولها . هنا المترجم لا يمكن أن يسمح لنفسه أن يتصرّف بالنصّ ويترجم بتصرف ، اقتباس كما قيل ، إذ أنك ستسيء للمعنى ولما يريد أن يقوله " سارتر " هناك بعض الجمل لا يمكن إلاّ أن تقف أمامها طويلاً ، مثلاً Les amours في اللغة الفرنسيّة مفردها Un amour . فهي مذكر وفي الجمع مؤنث . غذاً كيف يمكن ترجمتها في اللغة العربيّة حتى تؤدّي معناها الفرنسيّ ، حتى يستطيع القارئ العربيّ أن يستوعب هذا الإبداع من الكاتب الفرنسيّ . ÷نا ، تقف أنت كمترجم أمام النصّ ، وهناك كلمة جديدة منحوتة غير موجودة في القواميس مثل les Désinformations . information يعني إعلام ، استخبار . Désinformations غير موجودة بأيّ قاموس استعملتها أنا بمعنى تشويه ، تمويه ، تضليل كما حصل في حرب الخليج ودور الإعلام وكيف موّه وضلّل الرأي العالميّ كلّه . تعبير آخر la praxis وهو تعبير فلسفسّ سياسيّ ، كيف يمكن أن نترجمه ! جميل صليبا ترك الكلمة كما هي مع تعريبها " براكسس ". إنما إذا كنت تريد من هذا النصّ أن يقرأ ويفهم من قِبَل القارئ العربيّ ومن المثقّف ، فلا تستطيع تركها كما هي . فإذا قلت له la praxis كلمة مهمة جداً كمصطلح ترجمتها أنا " الفعل " ، الفعل المُمارس العمليّ ، ليست كذلك أنا أعرف أن ليس هذا هو معناها الدقيق الإيحائيّ . معناها بالضبط النظريّة في الممارسة أو الممارسة ضمن النظريّة . إذاً هناك نظريّة وتطبيق في الوقت عينه تطلق عليه praxis . هنا لا بدّ وأن نتوقف ملياً أمام ترجمة هذا الاصطلاح ، ومن ناحية أخرى ، عندما ترجمته ، عرفت أنّ هذا الكتاب مترجم ومنشور وقلتها في المقدمة ، والمترجم هو جورج طرابيشي ، وجورج صديقي وأعرفه منذ زمن بعيد وهو مترجم محترف وخاصة لـ " سارتر ". ولو عرفت أنّه ترجمه قبل ذلك ، لما ترجمته ، كما أشرت إلى ذلك في المقدمة . وعندما انتهيت أردت أن أقوم بمقارنة ، إذ لا مانع من أن نستعين به ، لأرى إن كان هناك غموض ، وهو يحتاج إلى تأنٍ . ولذلك مَن يريد أن يقرأ هذا النصّ بسرعة وبغير تأنٍ ، فلا يقرأه . فحاولت البحث عنه لكنني لم أستطع أن أحصل عليه . وقد حصلت عليه أخيراً من مكتبة جامعة بيروت العربيّة . لم أقرأه حتى الآن خوفاً من أن أتأثر به وبمصطلحاته أو تعبيراته .
لذلك الهدف أولاً وأخيراً بالنسبة لي حول مفهوم المثقف ودور المثقّف وخاصة ، الآن ممكن أن تتوضّح فكرتي ن نحن اللبنانيين لم ننحت ابداً ولم نشتغل ولدينا أساتذة في علم الاجتماع والفلسفة والأنتروبولوجيا ، لا توجد كتابات وإن وجدت فهي قليلة جداً باللغة العربيّة وفي لبنان خاصةً حول المثقّف والثقافة والأيديولوجيا ، إلخ 000 فمنذ خمس سنوات صدرت بعض الكتب لإدوار سعيد وغيره وجميعها ترجمات . يوجد فقط كتابان وقلت ذلك في إحدى ندواتي حول الثقافة والمثقّف . وأنا أخذت هذا الرأي من مالك بن نبي الذي أصدر كتاب حول الثقافة ومفهوم الثقافة ، كتبه سنة 1959 ، ويشير فيه أنّ هذا المصطلح جديد في ثقافتنا ، إذ إنّه لم يستعمل ابداً في الثقافة العربيّة ، كان يستعمل الكاتب الفقيه العالم ، إلخ 000 إنما مصطلح مثقّف لم يوجد. ويشير مالك بن نبي أننا لا نملك الأبحاث والدراسات حول "تاريخيّة" هذا الاصطلاح . من الذي ترجمه من اللغة الفرنسيّة أو الإنكليزيّة للعربيّة للمرة الأولى ؟ حتى استعملنا هذا الاصطلاح بالمعنى الحديث ؟. لقد أخذت أبحث وأقرأ أو أناقش إلى أن أطلقت فرضيّة وهي أنّ أوّل من ترجم هذا الاصطلاح الدكتور محمود عزمي ، أحد المثقّفين المصريين، عند عودته من فرنسا بعدما أقام فترة زمنيّة في أثناء دراسته ، وعاد بعد الحرب العالميّة الأولى ويبدو ( وهنا علامة استفهام ) أن أوّل من ترجم Culture إلى كلمة ثقافة . ومثلاً في اللغة الفرنسيّة ، نحن نعرف اوّل من استعمل هذه الكلمة وكيف انتقلت وتطوّرت وتبدّلت وأنا في ترجمتي لكتاب " مقدمة في علم الاجتماع العام " Guy Rocher يشير إلى استعمالات عديدة وأصول هذا الاصطلاح المتنوع . Culture باللغة العربيّة تعني ثقافة أما بالفرنسيّة مثقّف يعني atellectuel . بينما باللغة العربيّة مثقّف كلمة هي مشتقة من نفس الجذر الثقافة . حول الثقافة Culture باللغة الأجنبيّة الآن في علم الاجتماع والأنتروبولوجيا ، تطلق على الثقافة والحضارة . ولا أحد من العلماء الآن يستخدم مصطلح " حضارة " وإنما تعبير ثقافة . هذا موضوع شائك وبحث طويل . ليس هنا مجال الحديث عنه ، المقصود أن نبحث ونناقش هذا الموضوع . أما تاريخيّة هذا الاصطلاح باللغة الفرنسيّة فهو معروف . أتمنى أن نلتقي بحلقات دراسيّة كاملة وشكراً .......
لقد أمضيت وقتاً طويلاً في ترجمة هذا الكتاب . إذ إنني لم أكن مستعجلاً للانتهاء من ترجمته . والآن أيضاً لست مستعجلاً لكي أنشره ، على اعتبار أننا برأيي ننشر الكتاب مرة واحدة على أن يكون محقّقاً بدقّة وعناية . ولأهمية هذا الكتاب من وجهة نظري ، ومضمونه والموضوعات التي يعالجها ، فلنر الآراء الأخرى حوله قبل النشر وذلك من حيث اللغة ، ومن حيث تركيب الجمل ، ومن حيث الترجمة ، إلخ |......