الحياة - إنّهـم يفـرّون منّـا
إعلام وصحافة /
إدارية- وطنية - طائفية /
2010-11-02
الحيـاة
الثلاثاء 2-11-2010
... إنّهـم يفـرّون منّـا
حازم صاغيّة
لم ينتظر جنوبيّو السودان الاستفتاء المتوقّع في 9 كانون الثاني (يناير) المقبل، فبادروا إلى وضع قصيدة باللغة الإنكليزيّة، تكون النشيد الوطنيّ لجنوب السودان. وبحسب «الأهرام» المصريّة، «أعلنت جوبا عاصمة جنوب السودان فوز قصيدة من بين 94 نصّاً تقدّم بها أبناء الجنوب كنشيد وطنيّ، عقب أكثر من شهر على فتح باب المسابقة بين الشعراء الجنوبيّين. وقال جوزيف أبوك رئيس اللجنة الفنيّة المكلّفة اختيارَ النشيد الوطنيّ (...) إنّ النشيد يعدّد مزايا أرض جنوب السودان وكونها جنّة عدن وأرض اللبن والعسل والعمّال الأقوياء وأرض النيل والجبال والغابات وموطن حضارات العالم. ويصف النشيد أهل الجنوب بأنّهم محاربون أشدّاء ومقاتلون سالت دماء الملايين منهم من أجل الحريّة والعدالة والدفاع عن أرض الجنوب وحمايتها. وأشار أبوك إلى أنّ النشيد الوطنيّ لجوبا يُختتم بالدعوة لأن يبارك الربّ الأرض الجنوبيّة».
إذاً، نحن أمام سيناريو قوميّ كلاسيكيّ كامل، حيث يناط بالنشيد الوطنيّ وملحقاته تقديم صورة الذات عن ذاتها المتخيّلة، فيما تُكلّف اللغة الإنكليزيّة توحيد جماعات تفرّقها اللهجات الشفويّة للإثنيّات الكثيرة.
لكنْ يبقى أهمّ ما في هذا أنّ السودانيّين الجنوبيّين يستعجلون الفرار من السودان العربيّ، وتأثيث بيت قوميّ لهم يكون بديلاً عنه.
بيد أنّ الموريتانيّين هم أيضاً في هذا الوارد. فحسب «العربيّة نت»، «أثارت دعوات سياسيّين موريتانيّين لتغيير اسم موريتانيا ونشيدها الوطنيّ وإعادة النظر في عروبتها، جدلاً واسعاً في البلاد التي تستعدّ للاحتفال باليوبيل الذهبيّ لمرور 50 سنة على استقلالها عن فرنسا».
وعلى ما يبدو، ترتبط الدعوات هذه أساساً بـ «حزب التحالف من أجل العدالة والديموقراطيّة» الذي يرى أنّ الاسم الحاليّ للبلاد «يعكس تمثيل فئة واحدة من مكوّنات المجتمع الموريتانيّ» (في إشارة إلى عرب موريتانيا). وتبعاً للمصدر نفسه، طالب رئيس الحزب السيّد صار إبراهيما مختار، المرشّح الرئاسيّ السابق الذي حصل على نسبة تصويت مهمّة في الانتخابات الأخيرة، بمراجعة النشيد الوطنيّ، واصفاً إيّاه بأنّه «يكاد يكون مجهولاً من قبل الشعب الموريتانيّ». كذلك طالب بإعادة كتابة تاريخ موريتانيا، وإعادة تنظيم الجيش «لتمكين جميع المجتمعات المحلّيّة من المشاركة، وجعله جيشاً جمهوريّاً قادراً على الدفاع عن البلاد، في إشارة تحمل اتّهامات مبطّنة بإقصاء الأفارقة من الانتساب إلى جيش موريتانيا».
ويمضي الخبر ناسباً إلى الحزب المذكور دعوته إلى إعادة تنظيم مؤسّسات الدولة الموريتانيّة «بحيث تتماشى مع واقع البلد»، وإلى «تقاسم السلطة بين الطوائف»، وحلّ مسألة التعايش، مطالباً بـ «طابع جهويّ يمنح فرصة للمجتمعات المحلّيّة ومنحها مزيداً من الحكم الذاتيّ» و «إعادة الاعتبار للغات الوطنيّة (اللهجات الأفريقيّة)».
ويضعنا الحدث الموريتانيّ الكبير أمام ما يشبه إعادة التأسيس من صفر، وإنكار «السنوات العربيّة» التي كانت، في نظر «حزب التحالف»، سنوات للهيمنة الفئويّة والتهميش العنصريّ.
وأمام حالات التصدّع في زوايا العالم العربيّ، لا تفوتنا الحالة الكرديّة التي ما إن أتيحت لها الفرصة حتّى تراجع اهتمامها بتعليم اللغة العربيّة، فيما راح غلاة العروبة يتّهمونها بتقديم العلم الكرديّ على العلم العراقيّ. وغنيّ عن القول إنّ تاريخ الوحدة العراقيّة، منذ عشرينات القرن الماضي، لا يشجّع الأكراد على الولع بالعرب وعلى مشاركتهم دولةً لا تنمو ولا تقوى إلاّ على حسابهم.
وهذا التآكل في أطراف العالم العربيّ يكمّله تآكل أخطر وأمرّ في دواخل البلدان، الواحد بعد الآخر، فلا يتبقّى لنا، حيال هذا الفرار الكبير منّا، نحن العرب، إلاّ التعويض بانتصارات تأخذنا إليها المقاومات جاذبةً قبضة من «المناضلين» الغربيّين الذين «يحبّون العرب».