السفير - ماهر حمود - إلى شيخي العزيز خليل الميس
إعلام وصحافة /
إجتماعية /
2010-09-23
إلى شيخي العزيز خليل الميس
صيداويات - الخميس 23 أيلول 2010
ماهر حمود - السفير:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الله يعلم إننا نحبك في الله لأنك من القلة الذين حافظوا على تواضعهم والتزامهم الديني الشخصي رغم المتغيرات والمغريات، لم تغيرك الأيام على المستوى الذي يُشهد به للمرء بحسن دينه.
لقد فاجأتني وفاجأت من معي يوم الجمعة في 7 أيار أيضاً ولكن العام 2010 حيث رأيتك تنزل إلى صلاة العصر تقود سيارتك بنفسك وتلبس حذاءً خفيفاً من دون جوارب وتعتمر قلنسوة خفيفة كالتي يعتمرها أكثر الحجاج من دون زهو أو مفاخرة، وصلينا خلفك بخشوع لافت لأن شخصك الكريم يساعد على هذا الخشوع، وازداد إعجابي بك عندما دخلتُ إلى بيتك المتواضع الذي لا يزال كما هو منذ ثلاثين عاماً أو ما يزيد، فقط أضفت إليه قاعة استقبال واسعة متواضعة، لكن مدخله لا يزال محاصراً بمحلات الحدادة والميكانيك بكل ما فيها من ضجيج وفوضى وشحوم سوداء، وخلف البيت بيوت مكدسة كأنها جزء من مخيم لاجئين، كما أن كلامك الواضح في موضوع المروءة وكيف يجب أن يستقيل من يتعرّض لاتهامات ويحافظ على كرامته جدّد تقديري العالي لشخصك الكريم، وقبل ذلك بقليل في شباط 2010 كان بكاؤك على الشيخ خليل الصيفي ورثاؤك له من العلامات الفارقة التي يقدّرها العارفون بالله، وكما هو معلوم إن الإنسان يُعرف بالمعاشرة فقد عاشرتك في سفر العام 1972 وعاشرتك في أزمات متكررة ومتعددة واستقبلتني استقبال الفاتحين العام 2002 بعد إنجاز منسوب إليّ في مخيم عين الحلوة، ورأيت عن كثب تعاملك مع الناس في عرس من أعراس الضيعة المتواضعة.
كل ذلك وغيره مضافاً بالتأكيد إلى علمك الغزير ومرجعيتك في الفقه الحنفي تحديداً جعلني أقول في أكثر من مكان إنك من بقية السلف الصالح، وكأنك قفزت من تاريخنا المجيد إلى حاضرنا بعلمك وتواضعك ودماثتك، كل ذلك جعلني ابحث عن مبرر لمواقفك التي لا تتناسب بالتأكيد مع ما ذكرناه آنفاً وخاصةً في 25 كانون الثاني 2007 ما كان من فتنة في جامعة بيروت العربية ومنطقتها وقبل ذلك في موقف عجيب غريب عاتبتك عليه هاتفياً وقتها ولا أريد أن اذكره هنا...
يا بقية السلف الصالح، أيها العالم الزاهد المؤمن المتواضع،
ما الذي يحوجك لاستقبال رجل لوّث تاريخ لبنان وتاريخ الرئاسات بظلمه والاغتيالات والسمسرات والسرقات التي أفرغت خزينة الدولة، وقضّت مضجع الليرة اللبنانية فضلاً عن اتفاق 17 أيار السيئ الذكر؟ ولو افترضنا انك مضطر، وليس من ضرورة بالتأكيد فما الذي يحوجك إلى تكريمه بدرع، وإلى البحث عن رابط مزعوم بين اسمه واسم النبي الكريم، ولو «ابتلعنا» ذلك بصعوبة، حتى بشير أيضا نجد له نسباً مع رسول الله بسبب اسمه؟ إلى ذلك فإن عمرو بن هشام (أي أبو جهل) سيشفع له اسمه مثلاً أو لو زارك محمود رافع أو حسين خطاب هل ستجد من اسميهما باباً للمديح أيضاً، أو لعل عقل هاشم مثلاً سنجد له شفاعة لأنه ينتسب إلى الهاشميين... والله لقد فجعتنا والفجيعة تزداد قسوة لأنك خليل الميس ولأنك ابن البقاع ولأنك تخرج أجيالاً من العلماء ولأنك تستقبل هذا الرجل في «الأزهر» الذي يستمدّ اسمه من الصرح الإسلامي العريق، بل لقد وجهت الإهانة إلى الرئيس الشهيد الحريري الذي اقسم انه لن يسمح لأمين الجميل بالدخول إلى بيته وهو حي، لكنه دخل وهو ميت ولكن ماذا عن التكريم؟
ويا للهول كل هذا المديح في ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا؟ وبعد أيام قليلة من تفوّه ابن أمين «غير الأمين» وابن بشير «غير المبشّر» بأبشع المواقف السياسية يتفاخران بالعلاقة مع إسرائيل بوقاحة لم يسبقهما إليهما احد؟
تعلمنا أن الضرورات تبيح المحظورات وأن الضرورات فقط ما يهدد الحياة أو ضرورياتها الكبرى؛ فلست بموقع المضطر بالتأكيد؛ وهنا يتراكم حجم المصيبة إن افترضنا انك مقتنع بما تقول؛ لقد كان الأجدى بك وبتلامذتك الذين جلسوا حولك في هذه المهزلة أن تمتنع عنها حتى لو كلفك ذلك حياتك، ولكن هذا الموقف لن يكلفك شيئاً بل سيعيدك إلى أصالتك وعلمك وزهدك، وإلى حيث يرضى الله والمؤمنون.
ما فعلته ومن معك لا يقل أبداً عن اهانة الرسول من قبل رسام الكاريكاتير الهولندي ولا يقل بل يزيد عن الكويتي الحاقد ياسر الحبيب الذي شتم السيدة عائشة ولا يقل عن محاولة حرق المصحف في أميركا وإن كانت الإهانة تأتي هنا للرسول مغلفةً بغلاف شفاف وبشكل آخر على لسان مسلمين! وأتساءل مفجوعاً: كيف يثور المسلمون وعلماؤهم على مثل ذلك ولا يثورون على مثل هذا؟
لست متهماً بالأطماع بالتأكيد، ولكنك متهم وكثير من أمثالك على رغم قدرك بالغشاوة، فالمتعصب والذي يثق بالحاكم ثقة عمياء لا يرى الحقائق، ولو رآها لا يستطيع التعامل معها لكشفه تردده وقلة ثقته بنفسه. ليست الأطماع وحدها التي توصل إلى هنا بل بعض مما ذكرنا وغيره. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أرجو أن لا نصل إلى وقت نستشهد فيه بقول الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي