الوفاق الوطني ومطلقات المستقبل في لبنان
دراسات /
سياسية /
1998-02-25
الوفاق الوطني ومطلقات المستقبل في لبنان
* * *
مداخلة الدكتور نزيه البزري
25 شباط 1988
تنبأ المراقبون والمحللون السياسيون والمؤرخون بانفجارِ الأزمةِ اللبنانيةِ قبلَ حدوثها سنة 1975 وصاغوا آراءهم في مقالاتٍ نشرَها الإعلام الأجنبي ودبجوا بعضَ الكتب في هذا الموضوع ونُشِرَت هذه الكتب بأكثرمن لغةٍ أجنبيةٍ وبعضها ترجمَ للعربية.. وفعلاً تحقق حدثُ الانفجار وتأججت نيرانُ الاقتتال بين الفئات والطوائف اللبنانية واخترقت المؤامراتُ العالمية والإقليمية جدارَ الأمنِ وأصبحَ اللبنانيون أداةً لهذه المؤامرات وتظللوا تحتَ شعاراتٍ وطنيةٍ فلا الشعاراتُ تحققت ولا إحدى المؤامراتِ المتعارضةِ تغلبت حتى تهدأ الأزمة ويرتاح اللبنانيون. لقد رأى المراقبونَ من الخارج قوة الدفاع في لبنان هشةً مظهرُها قويٌ ولكن التفرقة والفئوية والطائفية تعبثُ فيها فساداً وسبروا غَوْرَ الاقتصاد الحر الذي أفرط المفروضون المنتفعون من امتداحه وتغنوا بالازدهار والأمن..... ولم يثبت أمام العاصفة فتصدع تحتَ وطأةِ أوَّلِ صدمةٍ أتت من الداخل ومن الخارج ففضحت مثالبَهُ وكشفتْ عوراتَهُ.. ورأى العلماءُ أن الازدهار كانَ مظهراً خلاباً مزيفاً وأن الأمنَ كان سراباً فتدنت العملةُ اللبنانيةُ تجاهَ العملات الأجنبية من عالميةٍ وإقليميةٍ وتعطلت قواعدُ العرضِ والطلبِ واستولت الميليشيات على المؤسسات الاقتصادية والموانئ وأقامت الميليشياتُ موانئ خاصةً بها ومخازن للبترول تحت إمرتها فانهار الاقتصاد اللبناني الحُرّ انهياراً كاملاً لأنَّه كان اقتصاداً فوضوياً دونَ ضوابط أُبيحت فيه اللصوصُ التهريبُ والابتزازُ والتخريبُ وكلُّ المحرَّمات بما فيها المخدرات والإتجار فيها... وستبقى هذه العواملُ تُخرِّب اقتصادَنا طالما الأزمةُ باقيةٌ...
إن الذين آمنوا بعروبة لبنان انحرفوا عندَ مفترق الطرق والذين جاهروا بنصرةِ القضية الفلسطينية بأنها قضية كل عربي لبناني تنكروا لهذه الثورة والذين اعتُرِفَ لهم بأنهم الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني في نضاله ضدَّ المعتدي الإسرائيلي نسوا أن كل عربي هو ممثل للقضية الفلسطينية التي هي قضية العربِ المركزية والكبرى. فالعروبة بالنسبةِ لهم كانت سلعةً رابحةً تحولوا عنها لما قلَّ ربحُها بعواملَ إقليميةٍ ودوليةٍ والقضيةُ الفلسطينيةُ بعدَ أن كانت إيماناً أصبحَ دعاتُها بما أتوه من انحرافٍ وتجاوزاتٍ يتلهون بصراعاتٍ جانبيةٍ هامشيةٍ يفيدُ منها العدو الإسرائيلي وتضعُف وتُؤذى القضية والنضال من أجل تحقيق أهدافها بالتحرير وحق تقرير المصير وإنشاء الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين وخلقوا أو ساعدوا على خلقِ مشكلةٍ سياسيةٍ هي المشكلةُ اللبنانيةُ والأزمةُ اللبنانيةُ من أجل تعقيدِ الأمورِ وسُلِبت القضيةُ الفلسطينية بعضاً من وهجِها...
الكل ينادي بعودة المهجرين والكل شاركوا في طرد اللبنانيين من منازلهم وهجروهم من قراهم. إن إسرائيل كانت وحدها وراء التهجر ونحن تألمنا لتهجير شعبنا وأثرنا قضية المتهجر في كل الأندية الدولية فإذا بنا نهجرُ شعبنا ونهدمُ بيوتهم وندمرُ ممتلكاتهم حاربنا من أجل فساد الدولة والسرقة فإذا ببيوتنا تُسرقُ على مرأى من أعيننا وإذا ممتلكاتنا تُسرقُ ولا مرجع لشكو أمرنا إليه .
حاربنا لإزالة الهيمنة الطائفية والفئوية فإذا بنا نقعُ فريسة الطائفيةِ والمذهبيةِ،
حاربنا لإزالة الفسادِ والابتزازِ في المؤسسات فإذا بنا نضاعِفُهُ ونُعطيه صفةً وطنيةً ...
إن اللبنانيين ليسوا فريسة المؤامرات المتعارضة فحسب بل هم أيضاً أدواتُها الوطنية.
طالبنا بالعدالة والمساواة فإذا بنا نقع فريسة المظالم وسقطَ عشراتُ الآلاف من الأبرياء وتشوه عشراتُ الآلاف في حربٍ مدمرةٍ تترك وراءها المعاقين بالآلاف والخراب بعشرات المليارات من الدولارات. كنا نطالب بالطب والدواء للجميع فإذا بهذه الخدمات تأتينا مشوهة أو لا تأتينا كنا نفاخر بإعداد الأيادي الماهرة فإذا بها هربت طلباً للرزق والأمن... كنا نفاخر بمركزنا العلمي فإذا اختصاصييونا يهربون طلباً للرزق والأمن. سوف لا أتابع تعداد ما كنا وما حاربنا من أجل تحقيقه وماأصبحنا فيه وأكتفي بالقول بأننا لم نحسن صيانة استقلالِنا ولم نطور مؤسساتنا فدمرنا أنفسنا وبلدنا بأيدينا فاجتاحت إسرائيل لبنان متحالفةَ مع فريق لبناني... اجتاحت أرضَنا ودخلت عاصمتَنا وما زالت تحتل جزءاً من جنوبنا ونحن اليوم كما في الأمس نقاوم لتحرير أرضنا ونقاوم عملاء إسرائيل لتحقيق وحدتنا بعد أن أصبحنا مقسمين ومفرقين نجتاز من منطقةٍ لأخرى عابرين حدوداً وحواجز وكثيراً ما تُغلقُ هذه البوابات فنُمعنُ بتفرقةِ اللبنانيين ونزيدُ من معاناتهم أما إسرائيل فتدوسُ أرضنا دون مانعٍ ويصلُ جنودُها وعملاؤُها العاصمة... هناك مناطق على الحدود اللبنانية عزلتها عنا إسرائيل وقضمت بعضَها ومُنِعنا من التحقق من ذلك ولم تقدر الأممُ المتحدة على وقف هذه التحديات بالرغم من كلِّ القرارات التي اتخذتها والتي بقيت دون تنفيذ...
ها هي السنة الثالثة عشرة من عمر أزمتنا الداخلية تشرفُ على نهايتها واللبنانيون لا يزالون ينحدرون من أزمة إلى أدهى ومعاناتُهم تشتدُّ يوماً عن يوم فأصبحَ الشعب المُطالب بحقهِ يُطالب اليومَ بلقمة عَيْشه ولا يجدُها إلا من يدٍ محسنةٍ تأتي إلينا من مصادرَ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ وينتظرون يوم توزيعها...
غير متطلعين إلى يوم حلِّ أزمتهم وتحقيق مكاسبهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية وعلى كل الصعد.. ونسوا تثبيت حقهم في العدل والمساواة. بدأت الحرب وكلنا يتظلل تحت شعاراتٍ أجّجت نيران الاقتتال ووقع المستظلون تحت الشعارات في ورطةٍ تعارض المؤامرات الخارجية على أرض لبنان فلا الشعارات انتصرت ولا المؤامرات انتصرت إحداها... لنضع حداً لآلام المواطنين وهذا ما دعا الفريق الواعي والقوى الوطنية الواعية لتجديد الدعوة للوفاق كطريقٍ أو حدٍ لحل الأزمة اللبنانية وإنهاء الحرب الداخلية على أرض لبنان...
ليسَ من الضروري أن يُعيد التاريخ نفسه أو ذاتهُ وإنما تشابه الفُرص يفرض تشابه الحلول أو تقاربها والتاريخ مملوءٌ بالعبر أن القوة تفرض أمراً ما لزمنٍ ولكنها تحمل بين ثناياها بذور الثورة والانتفاضة...
أتى الاجتياح الإسرائيلي ليفرضَ حلاً بالقوة ودعمته قوات الأطلسي فما عتمت بعد شهورٍ حتى نبتَت بذور المقاومة في صفوف الشعب المقهور وبدأ العدو الإسرائيلي يُدبّر خطةَ انسحابه تحت صيغة إعادة انتشار القوات الإسرائيلية وتحتَ ضربات المقاومة انسحبت الأساطيل حاملة جثث المرينز Marines وكذلك جثث جيوش الأسطول الفرنسي وانكفأَ عملاء إسرائيل اللبنانيون من الجبل...
وتغيَّرت لهجةُ الحاكم آنذاك واستجار بالشقيقة سوريا كما استجار بها أسلافُه في السابق وبدأت مسيرةُ الوفاق تدعمها الشقيقة سوريا وتُحاربُها القوات اللبنانية الحليفة لإسرائيل والدُّوَل الإمبريالية وإسرائيل فأجهضوا عدة محاولاتٍ للوفاق كان آخرُها الوفاق الثلاثي الذي أجهضهُ الحكمُ والقوات ومن ساندهُما...
وكانت القطيعةُ وكانت الاغتيالات وكانت استقالةُ الحكومة لتفسحَ بالمجال أمام إمكانية تجديد الوِفاقِ... فاغتيل الرئيس كرامة على يد الجيش الذي كان يحرسُه وجرت عدةُ محاولات اغتيال لتسخين الأجواء وبلبلتها وإخضاع بعضٍ من المسؤولين لأمرِ القوة وكلها فشلت...
قرُبَ من استحقاقٍ دستوري كبير وهو انتخاب رئيسٍ للجمهورية فعادَ الفريقُ الواعي لتجديد الدعوة للوفاق وأن يتمَّ انتخاب رئيسٍ دستوري موافقاً للوفاق أولاً وها نحن اليوم نتكلم عن الوفاق وتطلعاتنا لمستقبل هذا الوطن... فشكراً للمجلس الثقافي للبحوث والتوثيق على هذه الدعوة لإتاحة فرصةٍ ثانيةٍ للتحدث عن شؤون أمر يشغل الأندية السياسية المحلية والإقليمية والدولية فلربما كان فيه وظهرَ عنه ما ينيرُ الطريق... فإضاءةُ شمعةٍ في الظلام خَيْرٌ من لعنِ الظلام...
الوفاق اللبناني وتطلعات مستقبله ....
حينما نتحدث عن الوفاق نفترض وجود فريقين أو أكثر لهما رأي أو آراء مختلفة حول موضوع أو مواضيع تتعلق بمصالح وقضايا مشتركة بينهم ... إن لبنان منذ أن نال الاستقلال الحقيقي في تشرين الثاني عام 1943 بعد صراعاتٍ مديدةٍ طيلة عهد الانتداب مع المنتدب الفرنسي دخلَ عهد تأسيس دولة توافقٍ أهمُ بنودها : مقابلُ تحرير الوطن من الانتداب الفرنسي يتعهدُ الفريق الذي أمضى عهد الانتداب معارضاً للانتداب وللكيان قبلَ أن يعترف بلبنان دولةً مستقلةً ذات حدودٍ دولية معترف بها ويتوقف عن المطالبة بالانسلاخ عن لبنان أو الالتحاق بدولة سوريا وقد ساهمت الدول العربية على الوصول لمثل هذا الاتفاق كلها دون استثناءٍ وخاصةً الدولة الشقيقة سوريا غير أن هذا الاتفاق كانت له ملاحقُ اتُفِقَ عليها كتقسيم الوظائف المؤسساتية دون تخصيصها مع تغيرٍ في الدستور حُذِفَ ما كان للمنتدب وأبقى كل صلاحيات المندوب السامي لرئيس الجمهورية الذي وفق الميثاق الوطني أُعطيَ للطائفة المارونية وبقيَ فقرة التعامل التقسيمي وفق الطائفية مع ذكر جملةٍ مؤقتاً فكان أن بدأَ الخلاف حولَ هذا التقسيم الذي عُرفَ بالميثاق الوطني ولم يُسجَّل على أي فريق إقراره به مما أدى إلى حدوث ثغرات بالممارسات الإدارية من أعلى الهرم رئاسة الجمهورية حتى آخر موظفٍ في الإدارة وبدأت الروح التي عملت للاستقلال اللبناني والانتماء للبنان تحلُّ محلَّها روحُ الانتماء الطائفي والفئوي التي أخذَتْ تتعمقُ في النفوس مما أدى إلى إضعاف حكم المؤسسات وحدوث الاختراقات الطائفية والفِئوية التي أصابتهُ في الصميم فجعلتْ المؤسسات دون روحٍ تقدمية لها مبادراتُها الدائمة وفتحت المجال أمام السلك المخابراتي الدولي للتحكم في مقدرات الحكم ومسيرة الشعب وبدأت القراءة الخاطئة لتاريخنا الحديث تُغفلُ عروبتَهُ وتدعو لاعتبار إسرائيل مجاورةً ولبنان منها يقفُ موقف الحياد في صراعها التوسعي في الأرض العربية مما زادَ الشك في نفوس فئةٍ الأكثرية العددية وأفقدَها ثقتها بالحكم ثم النظام ورُبِطَ هذا الخلل بالطائفية السياسية عامةً وبهيمنةِ السياسة المارونية على القرار اللبناني خاصةً...
فالاستقلال الحقيقي والوجودُ اللبناني الحُر لم يبدأ إلا بعد توافقِ سنة 1943 وكل القصص المضللة تدلُّ على الانتفاخ والغرور وتشويه قراءة التاريخ.
الوفاقُ لغوياً ِالملاءمةُ أي أن يكون أمراً ملائِماً للفرقاء فيُوافقون عليه أو أن يُجمعوا على أمر فيُوافقون علَيه ويكونُ الوِفاق ولم ترِد لُغوياًّ للشر ولذا يُقالُ وفق الله فلاناً ألهمه لأمر خيِّر فإذا كان الأمرُ للشر كان مؤامرةً فيُقال أنهر القوم على شيءٍ فهو ليسَ بالشيء الخيِّر فالوفاق تعبيرٌ سياسي للسلام والوئام وإبعاد التناحر والاختلاف والحؤول دون اعتداء الآخرين . لقد تعارفت الأقوام في الماضي الغابر على أن يعدّ للوفاق قبل القبول به وهذا الإعداد يتطلب إعداداً نفسياً لشعوبها تطورياً لمؤسساتها مما يجعل الناس يرحبون بالوفاق ويدافعون عنه ويصونونه ويجعل المؤسسة تعمل متلائمةً مع روجه وكما أسلفت أنه يمكن فرضُ سلامٍ بالقوة ولكنه سلام لا يعمر ولا يطول أمدُهُ ولذا كان للوفاق نتائج للسلام أطوَل أمداً وأعمقُ أثراً وكم كم مرةٍ خلقَ الوفاقُ أجواءً غيرت مسيرةَ شعوبٍ ومستقبل أوطانٍ... صحيح أن الوفاق عقدٌ اجتماعي بين الفرقاء ولكنه لا يتم هذا التعاقد إلا إذا كانت هناك إرادة لتحقيقه ووَعي متكامل مسؤول عن أهميته وفائدته. كل فكرةٍ خيِّرةٍ وبناءةٍ تكون أقوَم وأصلح إن هي أفسحت في تركيبها وتكوينها لآراءٍ وأفكارٍ تكملها أو توسعها أو تُزادُ علَيها وإن هي بقيت فكرةً وهّاجةً مقيَّدةً ومقيَّدةً ابتعدت عن الكمال وتعرضت للنقض وأتباعُها تعرضوا للابتعاد عنها وبالتالي تُضعف الوِفاق وتضعف وثاقة العقد فلا يظنن أحد أن آراءَه الوِفاقية هي الفضلى بل قد تكون الأقرب للملاءمة عند بقية الفرقاء وكلما كانت تلك الآراء تاركةً فسحةً كافيةً للأجيال الطالعة والتطور العلمي والاجتماعي كلما كانت هذه الآراء في محلها وتتمتع بقيمة تنفيذية كبيرة وإنه نظر إلى الآراء كقاعدةٍ لا تتغير حُكِم علَيها وعلى أتباعها أنهم سيَتفرقون شيَعاً وأجزاءً وبالتالي يفقد العقد وِثاقَه وقوةَ وحدةِ المجتمع...
ٍمن هذا المنطلق أقول أن إعادة قراءة هذه الحرب الداخلية وأسبابها ... وإعادة النظر فيما سرنا عليه في الماضي من أخطاءٍ وهناتٍ وضعفٍ وإعادة قراءة الوضع الإقليمي والعربي والدولي يعطينا نوراً على ما يجب أن نتفق علَيه والأمثال عديدة فسياسة قوة لبنان من ضعفه جعلته ساحةً للمؤامرات ولم يقوَ على الدفاع عن نفسه عند الاعتداء علَيه وسياسة الاقتصاد الحر الغير المنضبط قادتنا للانهيار الاقتصادي لأنه كان اقتصاداً فوضوياً. وسياسة الانحراف عند الخط العربي فعلياً جعلتنا نختلف فيما بيننا وكسر الثقة العملية للعرب وجعلتنا في مهب الريح إقليمياً وسياسة الهيمنة لفئةٍ ولطائفةٍ سببت انتفاضاتٍ عديدةٍ. الحرب الداخلية منذ سنة 1975 كانت من أسبابها وجعلت الولاء للفئة وللطائفة أكثر منه للوطن. وطائفية الجيش جعلته مقسماً وغير فاعلٍ والسكوتُ عن التعامل مع إسرائيل جرّنا لتجرؤ فئة معينة على التحالف مع إسرائيل ومساعدتها في اجتياحها لبنان سنة 1982 ذلك العدوان الذي أدانته الأمم المتحدة وطالبت الإسرائيليين بالانسحاب الفَوري دون شرطٍ ولا قَيْدٍ ولم تتحرك القوى اللبنانية العسكرية لمقاومة هذا العدوان. إن نظامنا التربوي البعيد كلّ البعد عن الوطنية الموحدة خلقَ أجيالاً متباينة الرأي في كيانها ووطنيتها وجعلَ قسماً كبيراً من الشعب اللبناني يعيشُ بهواجسَ القرن الثامن عشر والتاسع عشر حينما كان الاستعمار يسودُ هذه المناطق ومن المؤسف حقاًّ أننا ما زلنا في تطلعنا إلى الوفاق الوطني نستشير الأجنبي الاستعماري أفما آن لنا أن نعلم أن الأجنبي يعملُ لمصالحه لا لمصلحتنا أما كفانا العيش في خَوْف الماضي البعيد وأما آن لنا التطلع لِوِفاقنا ومستقبلنا طارحين جانباً كلَّ الهواجس وعوامل الخَوف ومعتمدين على أنفسنا وآخذين الدول العربية الشقيقة معيناً وسنبدأ والدول الأجنبية الصديقة مؤيداً فنحن بتاريخنا وجغرافيتنا ومصالحنا وقرابتنا لا يمكن أن نكون إلا عرباً ولا نخدع أنفسنا بغَيْر ذلك فالمدخل لعروبتنا هو العلاقة المميَّزة مع الشقيقة سوريا التي ضحت الكثير من أجل إيقاف بحرِ الدم بين اللبنانيين وعملت الكثير من أجل تحقيق الوِفاق بَيْن الفرقاء اللبنانيين... وما زالت كذلك وهذه فرصة يجب أن لا نضيعها من جديد فلنعمل وبإخلاص إلى الاستعانة بالشقيقة لتحقيق هذا الوِفاق ولا أظنُ أحداً في سوريا الشقيقة يتلكأ عن القيام بهذا إن سوريا هي القوة الوَحيدة المقبولة والقادرة على المساعدة العملية في إنهاء الحرب وإرساء الوِفاق وفتح الباب أمامَ اللبنانيين لإعادة بناء وطنهم هلا أعدنا قراءة تاريخنا قراءة صحيحة وعلمية وعقلانية وأتَيْنا الوِفاق متسلحين بإرادةٍ مصممة صادقة على تحقيق الوِفاق وطرحنا كل هذه السلبيات. ونبدأ التطلعات الخيِّرة...ٍ
لأنها أزمة لبنان أما آن الأوان لنتعرف على حقيقتنا العربية وإلى العلاقة المميزة بَيننا وبَين سوريا التي هي ونحن شعب واحد في بلدَين وجعلنا من هذه العلاقة بناءً إيجابياً ساعدَنا في أمننا الداخلي والخارجي ويساعدنا كذلك على تخطي الصعوبات المسلحة المنتشرة على أرض لبنان والتي كلٌّ يعمل على هواه فيها...
إن إلغاء الطائفية يجب أن لا يعني تعريض طائفة أو طوائف لخطر بل على العكس سيبقى للدين والطوائف الدينية الاحترام الكامل... إن الإصلاح الدستوري هو لإزالة الهنات والمثالب ولإنهاء دَور حكم الفرد أو الفئة ولإعادة الديمقراطية الصادقة الصحيحة. إن الإصلاح الدستوري هو المدخل لتطوير المؤسسات على الطرق الأكثر حداثةً والأكثر ملاءمةً وجعلها تكون في خدمة المواطن ليكون المواطن في خدمة الوطن... إهمال علاقة الشعب بالحكم بالإيجابيات كتقديم الخدمات الطبية والدواء وتأمين العمل وضمان حقوق العامل ورب العمل وضمان الطفولة والأمومة تحديث مناهج التربية والتعليم ومجانية لتصبح أداةً لبناء المواطن الصالح لِوَطن قَوي. إن حل مشاكل السكن للجميع بطرق حديثة وإرساء العدل والمساواة بين المواطنين وتأمين أمنه دفاعاً واقتصاداً واجتماعاً هي الروابط الإيجابية التي تقدمها للمواطن لتأخذ منه كل ما يؤول لإنماء وتقوية الوطن...
إن حقوق الإنسان التي تفاخر أننا شاركنا في صياغتها لم تراعِ متطلباتها.
إني لن أعددَ أسساً ولا ثوابت بل أكتفي بتلخيص ما سبقَ وهُوَ أن الوِفاق يجب أن يأخذ بالاعتبار تلافي مثالب وأخطاء الماضي الّتي أدّت إلى دمار لبنان وانهيار مؤسساته وأن نحسب لواقع بلدنا ومكانه في المنطقة وعلاقاته العربية وخاصة العلاقة مع الشقيقة سوريا والخطر المداهم علَينا من إسرائيل وعلَينا وضع كل ما يلزم لتحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي والوصول إلى اتفاق لحل كل القوى الغَير نظامية من ميليشات وجيوش وما شابه ونعيد بناء الجيش اللبناني ليصبح قادراً لا يهدده التقسيم ولا تضعفه الانتماءات ولهذا يجب علَينا بكل صراحة البدء بتحضير وتأسيس الجيش على الأسس الوطنية محددين أهدافه ومهماته وصلاحيات قادته وكل ما يتعلق بتكوينه بشكل صالح وقوي... علَينا في عملية الوفاق أن نستَوعب ونحتوي كل تطلعات الشعب في أمنه العسكري ضد الخارج وفي أمنه الداخلي ضد كل التجاوزات.
وعلَينا تأمين أمنه الاقتصادي للعيش بكفاية وكفاف دون اللجوء إلى الاستعطاء ونضمن الصحة للجميع فنؤمن المعالجة والاستشفاء والعلاج وكل مايحفظ الصحة العامة والبيئة والطب الوقائي... ونفسح بالمجال الكافي في صياغة قوانيننا للأجيال الطالعةولتطورها ونموها فتكمل ما بدأناه وتزيد علَيه وأن لا نقع في عقدة التكوكع والانكماش والخيلاء...
فنحن جزء أساسي في الوطن العربي ونحن والوطن العربي جزءٌ من عالم ينمو نمو سريعاً فيَجب أن لا نتخلف عنه... إن الديمقراطية كنظام لا تزال إن لم نعرضها للاختراق والتعطيل أحسن نظام لنا ولمستقبلنا لمدة غَير قصيرة وأساس كل حكم هو العدل والمساوات فلن تكون لفئة مميزة على أخرى ولا لفرد على آخر إلا بما يقدم من جليل الأعمال الوطنية وأن نُبدلَ سياستنا الطائفية بسياسة وطنية ونعيد إنشاء هذه المؤسسات على هذا الأساس ولَو أخذنا فترة انتقال نُهيِّء بها الشعب والمؤسسات... على أن لا نُغفل أمراً لتربية الوطنية والتاريخ لننشأ أجيالاً لا متفاهمة لا أن تكون التربية برج بابل ولا أن تكون التربية الوطنية فيها مهملة.هذا بنظري هو الطريق والعمل للوفاق وتحقيقه فإذا ما سلكناه وعملنا بإرادة مصممة على تحقيق الوفاق نصل بوَطننا إلى شاطئ الأمان ونكون أعددنا لقيام دولة لبنانية ذات انتماء عربي ونهج ديمقراطي ونبني مؤسسات لتحقيق الرفاه والتطور للمواطنين والتحرير لأرضنا والوحدة لشعبنا...
تبقى تطلعاتنا لمستقبل لبنان أماني إن لم نحقق الوفاق وننهي أزمتنا. إني أتطلع لإعادة بناء لبنان ولكَي نعيد البناء يتوجب علَينا ....
1ـ رفع الأنقاض والخراب الذي أحدثته الحرب المدمرة ...
2ـ إعادة تأهيل الإنسان ومؤسسات الدولة ومواجهة المشاكل الآتية بكل صبر وواقعية...
أ- مشاكل الشهداء
ب- مشاكل المعتقلين وتسريحهم
ج- مشاكل المغيبين وإعادتهم
د- مشاكل المهجرين في أرضهم وخارجها
ه- مشاكل المحلات والشقق المحتلة
و- مشاكل المعاقين
ز- مشاكل الأولاد المجهولين
3ـ الوضع المالي وتثبيت العملة اللبنانية مع مايتبع ذلك من انعكاس على الأجور وبدلات المأجور...
4ـ كيفية دفع ديون الدولة الداخلية والتزاماتها الخارجية.
5ـ قانون انتخاب جديد .
6ـ إعادة تأسيس جيش قادر مع الخدمة الإلزامية.
7ـ إعادة تنطبم وزارة التربية والتعليم والثقافة والرياضة والمهنية.
8ـ زيادة عدد المحافظات وتَوسيع صلاحياتها وإنشاء مجالس انتخابية لها...
9ـ مكننة المؤسسات جميعها.
10ـ إعادة تنظيم وزارة الصحة والبيئة.
11ـ الجنسية اللبنانية ومشاكل المحرومين إما إهمالاً أو تقصيراً أو قصداً.
12ـ إعادة تنظيم الاقتصاد الحر ووضع ضوابط له...
13ـ تنشيط وضبط وزارة المال والضرائب.
14ـ إعادة تنظيم وزارة المواصلات السلكية واللاسلكية وكذلك البريد.
15ـ إعادة تنظبم وزارة الأشغال العامة.
16ـ إعادة النظر بالمصالح والمؤسسات المستغلة وأهمها الكهرباء والماء والموانئ.
17ـ إعادة تنظيم وزارة الزراعة.
18ـ إعادة تنظيم وزارة الاقتصاد والتجارة بما يتوافق مع الضوابط الجديدة للاقتصاد الحر.
19ـ إعادة تنظيم وزارة الصناعة والبترول والمصافي والخزانات..
20ـ الجمارك وضبطها وإعادة درس رسومها ومراقبة التهريب.
21ـ وزارة الخارجية وشمول تمثيلها فنحن نعمل ضمن وجودنا في لبنان الحر السيد وضمن انتمائنا العربي وما له من قضايا وأهمها القضية الفلسطينية... وضمن انتمائنا الدوَلي والإنساني.
قد أكون أغفلتُ أمراً آمل أن يحقق اللبنانيون لخَيرهم في غدهم...
عندما نحل هذه المشاكل يمكننا أن نواجه عملية البناء على أرض ثابتة ولشعب مُوَحد مملوء عزماً وتصميماً ويمكن أن نطلب المعونة والقروض لتنفيذ البناء من الأشقاء والأصدقاء..
أتطلع إلى اللبنانيين وقد أعادوا قراءة التاريخ قراءة صحيحة وأعادوا الوِحدة بَينهم لا طائفية ولا مذهبية ولا فِئوية تُفرِّقهم... أعادوا كل هذا وتخلصوا من وساوس الخَوف والخيلاء متمسكين بحرية الرأي والنشر والقَول المعتقد دون مساس بوحدتهم فيبنون وطنَنا لبنان العربي الديمقراطي السيد الحر القادر الذي يتمتع منه بنوه بالأمن (الضمان) وبالعدل والمساواة...