في مفهوم الحوار والحوار الديمقراطيّ في لبنان ( 1)
ندوات /
ثقافية /
0000-00-00
في مفهوم الحوار والحوار الديمقراطيّ
في لبنان ( )
قبل الخوض في بحث مفهوم الحوار ، لا بدّ في البداية من تقديم تعريف أو تعريفات إجرائيّة أوّلية حول هذا المفهوم من حيث طبيعته ومضمونه وأنواعه . هناك مفاهيم متعدّدة للحوار ، فمن الأهميّة الإشارة إلى الفروقات بينها ، الفروقات المنهجيّة والأسلوبيّة والفكريّة .
يجري الحديث عادة عن أشكال أو أنماط متعدّدة للحوار . فهناك الحوار الوطنيّ السياسيّ وإشكالياته ، فيجب تحديده وتعريفه وتوضيح مقوّماته وأهدافه . وهناك أيضاً الحوار الدينيّ ، الإسلاميّ ـ المسيحيّ في لبنـان والمنطقة العربيّة والإسلاميّة عموماً . فما المقصود من هـذا الحوار ؟... وما هي مرتكزاته الفكريّة والمعرفيّة وغاياته القريبة والبعيدة ؟... وما هو الشكل كما المضمون الذي يمكن أن يتمّ فيه ، ومَن هم أطرافه ومحاوروه . فهذه أمور تأخذ في الراهن أهميّة ، ممّا يستدعي توضيحها بدقّة وعلميّة ومنهجيّة ضروريّة .
في الواقع وكما يبدو ، فإنّ الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ في لبنان ليس بحوار دينيّ : أي لاهوتيّ ، فقهيّ ، كلاميّ ( من علم الكلام ) بالمعنى الحقيقيّ للكلمة . كما أنَّه ليس حواراً سياسياً بكلّ ما يحمل الاصطلاح من معنى ، فهو بين بين . من هنا الالتباس الذي يغلّف هذا النوع من الحوارات. فإذا لم يتداخل في الواقع وعملياً هذا الحوار الدينيّ الإسلاميّ ـ المسيحيّ في لبنان بمفاهيم الحوار الوطنيّ السياسيّ ، فإنّه يبقى في أحسن الحالات في مستوى إعلان النيّات والخطاب الوجدانيّ، العاطفيّ ، الوفاقيّ ، الإنسانيّ العام .
وهناك أيضاً نمط وأسلوب آخر للحوار ، يتداخل مع مفاهيم الحوار السابقة أو يستتبعها أو ينتج عنها، وهو ما يمكن تسميته " بالحوار الطوائفيّ "، بمعنى الحوار بين الطوائف والمذاهب الدينيّة. وهو حوار ربّما يختص به لبنان دون غيره . وثمّة مفهوم آخر متداول بين الحين والآخر بكثير من العموميّة والإطلاق يسمّى حوار الحياة . وهو ما يُفهم منه بالحوار اليوميّ ، المعيشيّ ، في الحياة العادية بين المسلمين والمسيحيّين ، والذي يُعبّر عنه مجازاً ويُشار إليه باصطلاح العيش المشترك . وهو اصطلاح أيضاً يحتاج إلى توضيح وتفسير كبيرَين ، كما مفاهيم أخرى تدخل في نطاق الفلسفة والفلسفة الصوفيّة ونحوها ...
في هذا الجوّ ، ظهر أخيراً شعار أخذ في الاتساع والانتشار، يتداوله أصحاب الرأي والفكر وهو ما يمكننا الإشارة إليه بحوار أهل الثقافة والهيئات الثقافيّة . فهو كذلك يحتاج منّا إلى وقفة أو إشارة إلى هذا النوع من الحوار ومفهومه المتداول بين المثقّفين والمفكرين في لبنان . وأن نحدّد طبيعته ومقوّماته وتأثيراته الفعليّة والأسس التي يرتكز عليها والصيغ التي يعتمد عليها والمنطلقات والأبعاد التي يرمي إليها ... كلّ ذلك أرى أنّه يحتاج منّا إلى توضيح وإلى وقفة منهجيّة وعلميّة حتى نرى الأمور كيف تجري والتيّارات المتجاذبة في هذا الميدان .
* * *
من هنا وممّا تقدم ، تأتي الأهميّة المعرفيّة والمنهجيّة في الاتفاق على معنى ومضمون المفاهيم المتداولة مسبقاً في أيّ حوار جديّ وهادف . المفاهيم تتشابه وتتطابق في منطوقها وهي تعبّر عن قوى وفئات اجتماعيّة فعلية. غير أنّ مفاهيم الحوار قد تحمل ، وهي تحمل بالفعل ، معانٍ متباينة أشدّ التباين ومناهجها المعرفيّة مختلفة أشدّ الاختلاف وأغراضها متباعدة وأسلوب عملها قد يتصف بكثير من التنوّع بحسب طبيعة الموضوع ... فهناك حوار وحوار . وشعارات تُطلق بين الحين والآخر، من هنا ومن هناك . لذلك من الأهميّة القصوى في هذا الجوّ العام العابق بالشعارات ، تحديد هذه المفاهيم ومضامينها وأهدافها تحديداً دقيقاً . ومعرفة مَن يطلقون شعارات الحوار وأغراضها بوضوح ودقة .
حوار المتخاصمين
في إحدى لقاءات الحوار التي كنّا نعقدها ، أبدى أحد المناقشين رأيه بصراحة في كيفية إجراء لقاءات الحوار في لبنان . سأحاول أن أعرضه عليكم كما هو ، بصيغته وتعبيراته تقريباً. فهو يقول : الحوار في لبنان كان ولا يزال " حوار المتخاصمين " : كلما تحاورنا اكتشفنا أنّنا لا نعرف كيف نتحاور ... المواضيع كثيرة ، متشعّبة ، متفرّقة ، غريبة ... نلتقي بحماس ونفترق بهيصة كأنّنا في بحر هائج من الأفكار .
وثمّة رأيٌ سائدٌ أيضاً ، ناقدٌ وقاسٍ هو الآخر ، كان يبرز دائماً في النّدوات والمحاضرات التي كنّا نعقدها حول موضوع الحوار ، أو حول مواضيع أخرى قريبة أو شبيهة بذلك ، وملخّصه أنّنا، نحن المثقّفين اللبنانيّين ، لا نحسنُ أو لا نعرف أصول الحوار وشروطه . وليس لدينا منهجيّة محدّدة وواضحة في هذا النطاق ... بل إنّنا نعقد اللقاءات تلوَ اللقاءات " لنتحاور "، لمجرّد التحاور ، نقيم " الحوار للحوار "... فهل هذا الرأي صحيح ؟!...
مهما يكن من أمر ، فإنَّ السؤال الذي لا يزال مطروحاً هو التالي : لماذا لا تُثمر هذه اللقاءات الحواريّة الثقافيّة المتتالية ؟... وهل الجمعيات الثقافيّة والمؤسّسات الفكريّة مستَوْعَبة في معظمها، أو " فولكلوريّة "، كما يقول البعض ، في كثير من نشاطاتها ؟... ولماذا لم تستطع أن تصبح تياراً ضاغطاً ، تياراً مؤثّراً أو فاعلاً ؟... وهل صحيح ، أنّ الرأي العام الثقافيّ غير مؤثِّر ، مهمّش، لا يقام له أيّ وزن أو اعتبار على الساحة اللبنانيّة ؟!... أو بمعنى آخر أكثر تحديداً ، لماذا لم يستطع المثقّفون خلق تيار ثقافيّ مستقلّ وفاعل ، أو حركة ثقافيّة ضاغطة حتى الآن ، بل استمروا في عملهم تبعاً لقوى سياسيّة أو غير سياسيّة ، اجتماعيّة أو اقتصاديّة ، داخليّة أو خارجيّة ، يبررون سياساتها ويوضِّحونها ويدافعون عنها ؟؟...
السؤال في كلّ الأحوال يبقى مطروحاً ، وهو ينتظر جواباً أو أجوبة تصدر من واقع التجربة، التجربة الثقافيّة ومعاناتها ، بكلّ إيجابياتها وسلبياتها ، بكلّ نجاحاتها وإخفاقاتها ...
* * *
هذا ، وإنني سأحاول في هذه الورقة الحواريّة التي أعرضها أمامكم أن أثير موضوع "الحوار"، وذلك من أجل جلاء طبيعة هذا المفهوم وتوضيحه بقدر الإمكان وتسليط بعض الأضواء على ما خُفيَ منه ، على أن تُستكمل وتعمّق المناقشات حوله في لقاءات حواريّة مقبلة .
وإذا كان لي ، كمدخل للبحث ، أن أطرح إشكاليّة الحوار من الناحية المنهجيّة ، فإنّني أقول بأنّه من الأهميّة أولاً تحديد موضوعات الحوار وأنواعها وطبيعتها ومفاهيمها ، وتحديد أُطرها ومجالات اختصاصاتها ، ومن ثَمَّ تحديد المتحاورين بدقّة تتناسب مع موضوعات الحوار ، ومَن هم الذين ينبغي عليهم أن يتحاوروا فيما بينهم . ثم بعد ذلك ، تحديد أغراض الحوار وإمكانياته وأبعاده والقصد من ذلك ، من الناحية النظريّة أو الإجرائيّة . كلّ ذلك ، يجب أن يكون مطروحاً وواضحاً منذ البداية ، أقلَّه من الناحية النظريّة والتصوّر المنهجيّ لموضوع الحوار .
* * *
هذا من جهة ومن الجهة الأخرى ، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه ، هنا ، في هذا السياق هـو التالي : لماذا الآن وفي هـذا الظرف بالذات برز هذا المفهوم الجديد : الحوار ، كما صِنْوُهُ القديم ـ الجديد أيضاً وهو الثقافة ؟... لماذا هذه الشعارات ظهرت في الآونة الأخيرة بهذا الإلحاح وهي لا تزال تظهر بكثرة ومن كلّ صوب في هذه المرحلة ؟!...
الكل أخذ يرفع الآن " شعار الحوار ". كما أنّنا نلاحظ في الوقت ذاته هذه التحوّلات الظاهرة من السياسة إلى الثقافة والتي تقوم هنا وهناك ، من قِبَل شتّى الأوساط السياسيّة وغيرها . فهذه ظاهرة إن دلّت على شيء فإنّها تدلّ أولاً على وجود رغبة عميقة كامنة في المجتمع اللبنانيّ لمراجعة التجربة الماضية ، مراجعة نقديّة حقيقيّة ، وذلك اعتقاداً أنّ الجميع أخطأ ، وأنّ الجميع يتحمَّل مسؤوليّة ما حدث ، وأنّ الأنظار تتّجه نحو الخلاص . والخلاص بما أنّه لا يمكن أن يأتيَ في هذه الآونة الانتقاليّة ، عن طريق الأساليب السياسيّة التقليديّة ، وعن طريق مَن هم يتحملون مسؤوليّة الأزمات، من هنا كثُر رفع شعار الثقافة حتى ممن هم غير مثقّفين أو بعيدين عنها ، كمناسبة أو فرصة أو غطاء لعمل سياسيّ إنّما بشكل آخر . كذلك يمكننا ، في ما نرى ، أن نفهم على هذا الأساس الشعار الجديد ـ القديم : الحوار .
ذلك أنَّ هذين الشعارَين ، الثقافة والحوار ، يعبّران تعبيراً حقيقياً عن حالة نفسيّة ، اجتماعيّة، ثقافيّة ، تسعى إلى تلمُّس طريق الخروج من الأزمة ، بأسلوب جديد ، وبوجوه جديدة ، وذلك تعبيراً ورغبة حقيقيّة عمّا يجيش في أعماق الرأي العام اللبنانيّ وتطلعاته الوحدويّة الوطنيّة الجديدة .
وشعار الحوار والثقافة يعبّر ، في هذا المنحى أيضاً ، عن عجز القوى السياسيّة التقليديّة السابقة وفشلها الذريع بكلّ تنوّعاتها العريضة المختلفة ، وفي الوقت ذاته ، عن رغبة عند الشعب اللبنانيّ في الانفتاح بعضه على البعض الآخر وفي التلاقي بعد غربة .
الحوار في اللغة
الحوار ظاهرة اجتماعيّة وإنسانيّة، بمعنى أنّها تختص بالإنسان وتميّزه عمّا عداه . وتتنوَّع أنماطها وتتعدّد أوجهها بقدر ما تتنوّع وتتعدّد نشاطات الإنسان في المجتمع .
والأصل اللغويّ لكلمة حوار ، هو لفظ مشتق من حارَ ، حَوْراً ، بمعنى الرجوع عن الشيء وإلى الشيء ( ). فالحَوْرُ : الرجوع والنقصان بعد الزيادة . وأحارَ ، والاسم من المحاورة : المجاوَبَة، مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة . والتحاورُ : التجاوبُ ، والقوم يتحاورون أي يتراجعون الكلام. واستحارَهُ : استَنْطَقَهُ . ومنها الأحورُ ، العَقْلُ .
فيكون في أصل لفظ الحوار ومشتقاته ومعناه : الرجوع عن الشيء وإليه ، والمجاوبة ، ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة والاستنطاق والعقل ( ) .
في الاصطلاح
هذا من الناحية اللغوية ، أما الحوار كمصطلح ، فهو علاقة اجتماعيّة بين شخصَين أو أكثر وتواصلهم واتصالهم عن طريق النماذج والرموز والقِيَم . ومحور هذا التواصل وأبرزه هو اللغة . واللغة هنا ، وعاءٌ للفكر وذاكرة . ويتجلّى هذا الفكر بالإرادة ، وهي قدرة خلاّقة فاعلة ، تتمظهرُ عن طريق حريّة الاختيار .
والحوار بهذا المعنى الاجتماعيّ هو الاعتراف والإقرار بوجود الآخر ، الاعتراف بالإنسان الغير ، كشخص مُخاطب ، متلَقّي ومتجاوب . وشرطُ نجاح هذه العلاقة الاجتماعيّة اعتبار الواحد والآخر متساويَين ، ويقبل الواحد المجاوبة مع الآخر . ويستلزم ذلك ، ضرورة ، (1) إرادة الانفتاح، وشرطه الانتباه والإصغاء . (2) وإرادة فهم الغير ونفي الاستعلاء أو التسلط أو التبعيّة، ورفع كل التباس ، ومعرفة الشخص الآخر من مختلف توجهات فكره وسلوكه وشخصه .
إنّ إرادة فهم الآخر والانفتاح لـه والتواجد معه هو التحاور بأعمق مستوياته ، لأنّه يطال وجود هذا الشخص الآخر وتوكيد حريته والاعتراف لـه بها ، واعتباره كفوءاً له ومساوياً .ولكن إذا أراد الواحدُ الآخرَ وسيلةً أو تبعاً أو اعتبره شيئاً يستخدمه ، تنقلب هذه العلاقة المتبادلة إلى علاقة تسلط أو تعالٍ أو تبعيّة أو رفض . فهنا ينتفي الحوار ويختل التوازن ، ويصبح سيطرة أو خضوعاً، الواحد للآخر .
والحوار أو التحاور مع الغير ، إذا انطلق من الكفاية والمساواة والنديّة ، فإنّ الآخر يصبح بهذه الحالة إرادة وفكراً وحريّة . والحوار بهذا المعنى وفي حقيقته ، يصبح موقفاً للفكر وللإرادة، وحواراً مع الإنسان ـ الفكر الآخر ، مع الإنسان الإرادة الحرّة .
والحريّة هنا هي مسؤوليّة ، مسؤوليّة اختيار . والحوار القائم على حريّة الإرادة وحريّة الفكر، يحمل في مضمونه ومعناه ، إقرار حضورِ الآخر ، المخاطَبِ ، والانتباه إليه ، والانفتاح لـه. فإذا افتقد الحـوار هـذه الشروط ، أصبح كما نقول ( حوار الطرشان )، فيتعطل حوار الفكرِ مع الفكرِ الآخر، وحوارُ الإرادةِ الحرّة مع حوارِ الإرادة الحرّة للآخر . فإذا كان الحوار قائماً ، كما قلنا ، على حريّة فكر وحريّة إرادة في تقبل الآخر ، أصبح الحوارُ إمكانيةَ إدراكِ المحاور الآخر ومعرفته وفهمه .(*)
فالفهم المتبادل ، الرغبة أو الإرادة في الفهم المتبادل ، هو منطلق كلّ حوار خلاّق وغاية له . لذلك يتحتَّم على المحاور ، إذا أراد فهم الآخر ، أن يفهمه كما هو ، وأن يفهمه على حقيقته وكما هو موجود في عالمه الخارجيّ ... وإلاّ أصبح فهمُه وهماً وتوهُّماً وصارت الأفكارُ أوهاماً وخيالاً... وهذا ما يحدث واقعاً في كثير من اللقاءات والحوارات السياسيّة وغير السياسيّة : " المتحاورون" يقولون شيئاً ، وهم يريدون شيئاً آخر ، ينطقون بشيء ويعلنونه وهم في الواقع ينوون غرضاً آخر يخفونه .
فالحوار شرطه اللازم والضروريّ ، في المعنى الذي نقصده ، هو الانفتاح على الآخر ، والإصغاء لـه ، والمشاركة المتبادلة وفهم الواحد للآخر كما هـو بذاته ولذاته ، في كنهه وعلى حقيقته..وهذا أساس كلّ حوار ... أما التصنع والنفاق والرياء وإعلان غير الباطن ، فهو انتفاء لكلّ حوار حقيقيّ وخداع ...
أنطوان مسرّة أعلن عن رأي في هذا الموضوع ، موضوع الحوار ، فقال : السياسيون والقيادات الميليشياويّة ، استعملوا شعار الحوار لتعطيل الحوار . وشدّد على أهميّة توضيح مفهوم الحوار خوفاً من التمترس ، كما قال ، ذلك أنّ حوارنا ، إذا أعطيَ صيغة مسيحيّة ـ إسلاميّة ، حتى ولو خيّم جوّ من التآلف والتعاون ، فهناك خطر في أن يكون تمترساً فكرياً على حدود الطوائف .
في الواقع ، ولنكن صريحين ، فإنّ في خلفيات أيّ واحد منّا ، تكمن أفكار مسبقة ، ومواقف "سلفيّة " ( بمعنى سالفة ، سابقة )، وذاكرة تاريخيّة كمينة ـ واعية أو غير واعية ـ ونيّات وغرائز غامضة ... لهذا ، فعند الأزمات ، تكثر الانفعالات وتزول المصارحة وتُطمس ، تحت حُجُبٍ كثيفة من اللهجات النَّبرات الخطابيّة الضبابيّة ...
ذلك أنَّ اعترافنا بالآخر ، أياً كان ، إنّما هو اعتراف شكليّ ، صوريّ ، ظاهريّ ... ونتعامل معه فعلياً أو ضمنياً من " موقع الإلغاء "، إلغاء الآخر ... وهذه الحالة في إلغاء الآخر ، كامنة ، بصورة أو بأخرى ، في كلّ التيّارات والاتجاهات ، سياسيّة كانت أو غير سياسيّة ...
* * *
قلنا إنّ اللغة هي فكر ، هي وعاء فكر . والفكر حريّة . والحريّة إرادة . والإرادة وعي . والوعي حتى يتحقّق ، عليه أن يدرك الأمور المحيطة به ويستوعبها ، وأن يفهمها بمختلف وجوهها وتعابيرها ومستوياتها ، دونما تحيّز أو تعصّب .
ذلك أنَّ التحيّز والتعصّب ، إنّما هما انتحار للعقل ومقبرته . والإنسان الحرّ مسؤول عمّا يجري في مجتمعه ويحدث فيه . والإنسان المثقّف مسؤول عن إدراكه لما يحيط بوجوده وعن معرفة هذا الوجود وفهمه لـه . فإذا كان ، كما قلنا ، لا حوار مع التسلط أو الاستقواء ، فلا حوار أيضاً مع الجهل أو التجاهل أو التجهيل .
كلّ موقف نظريّ ، كما أعتقد ، يجب أن ينطلق من الواقع ويعتمد عليه ويفهمه عن طريق الفكر والعقل : كما هو في كنهه وحقيقته وبمختلف مستوياته . ويتجلّى ذلك ويظهر بدوره في مواقف الإرادة .والإرادة تعود وتُتَرْجم في الوعي والممارسة . فإذا كانت النظرة أو كان الموقف النظريّ في الأساس باطلاً وواهياً ، كانت الممارسة باطلة ، واهية ، جاهلة . من هنا يأتي التعصّب ، والجهلُ مصدرُه ... والإنسان عدوّ ما يجهل . والمتعصّب ، كما نقول ، يحفر بيديه قبر ذاته .
* * *
الحوار النظريّ والواقع
إنّ العودة إلى الواقع ، إذن ، في أيّ حوار ثقافيّ اجتماعيّ ، ضرورةٌ فكريّة اجتماعيّة تغيّيرية ، نظريّة وعمليّة، حتى يستطيع الواحد منّا أن يبنيَ أحكامه وآراءه بصورة موضوعيّة واقعيّة. فإذا لم نقم ولم نمارس هذه العودة الدائمة إلى الواقع ، تصبح أفكارنا نظريّة ، مجرّدة ، غيبيّة، وأحكامنا تُبنى بطريقة مسبقة أو أحياناً وهمية أسطوريّة .
فالنظرة إلى الواقع والعودة إليه باستمرار ، تأخذ هنا كلّ أهميتها وموضوعيتها ، وذلك من أجل معرفة هذا الواقع معرفة حقيقيّة في أبعاده وتطوّره ونتائجه . إنّ هذه المعرفة الواقعيّة للواقع وللمجتمع ، سواءً كان ذلك على الصعيد الفرديّ أم الجماعيّ ، والنظر إليه من مختلف جوانبه ومستوياته لفهمه ، إنّما هو أمر مهمّ للغاية في كلّ حوار جديّ ومتكافئ ، وهذا ما نفتقده كثيراً في حواراتنا ... ذلك أنَّ كلّ واحد منّا أو كلّ فريق ، يعتقد أنّه هو وحده الذي يمتلك الحقيقة الواقعيّة والنظرة الصحيحة للمجتمع ، في حين أنّ كلّ واحد منّا يرى أو لا يرى ، أو يرى أحياناً بصورة مشوّهة جانباً أو جوانب محدّدة ومعيّنة من الواقع الذي يعيش فيه ، بحسب موقعه وانتمائه الاجتماعيّ ومصلحته وتجربته السياسيّة أو الفكريّة أو الثقافيّة .
لهذا ، فعند انعقاد حوار متكافئ جديّ ، حوار جماعيّ بين فئات وتيّارات متنوّعة ، رضيت بالحوار وقبلت به ، فإنَّه يكون في الحقيقة مجالاً خصباً لتبادل المعارف والتجارب والخبرات ، وثمرة غنيّة وأكثر فائدة وثباتاً واستمراراً .
إذن ، العودة إلى الواقع باستمرار، لفهمه وإدراكه أمر ضروريّ ، كما قلنا ، في كلّ حوار. غير أنّ هذا الواقع إنّما هو دائم التغيّر والتطوّر . والتغيّر قانون اجتماعيّ طبيعيّ في كلّ المجتمعات. وبما أنّه من الضروريّ فهم المجتمع في حالته المتحركة ، وهو شرط أساسيّ ، والعودة دائماً إلى هذا الواقع الاجتماعيّ المتغيّر ، فكذلك من الضروريّ أيضاً فهم هذا التغيّر الاجتماعيّ ، وفهم قوانينه وأسبابه وتحولاته ، بموضوعيّة وعلميّة ، كشرطَين أساسيَّين ، حتى يمكن التحكّم في تطوّر المجتمع وتحولاته الاجتماعيّة ، وضبطه وإحكام وجهته . وإلاّ حصلت الفوضى وعمَّت الاضطرابات وخيَّم الضَّياع . وهذا ما نطلق عليه بحدوث الأزمات .
من هنا ، فإنَّ الأهميّة السياسيّة والاجتماعيّة لوجود من ناحية ، سلطة تضبط هذا الواقع المتغيّر وتنظّم مؤسّساته وتراقبها وتحكمها ، ووجود أيضاً ، من ناحية أخرى، قوى اجتماعيّة، فكريّة، ثقافيّة، تعي هذا المسار وتوضِّح رؤيته في تناقضاته وتشعباته ومنعطفاته التاريخيّة .
إنّ هذه المنهجيّة أو الطريقة في التفكير ، هي منهجيّة علميّة واقعيّة ، تضمن لنا إدراك الواقع المتحرك والمتغيّر ، وإعادة النظر فيه ، بشكل متواصل وصحيح ، ومراجعة التجربة الماضية ونقدها ، كلّ ذلك يهدف وضع تصوّر لأسس المجتمع الجديد ومقوّماته .
إشكاليّة الحوار المعرفيّة
ثمّة أسئلة كثيرة أو إشكاليات مطروحة على الإنسان وعلى الإنسان المثقّف على وجه الخصوص ، في أيّ مجتمع وكلّ مجتمع وفي مجتمعنا نحن بالذات . وهي أسئلة ينبغي علينا أن نبحث، كمثقّفين ، عن أجوبة عنها ، لا يجوز أن نتهرب منها. فهذا ما يقع في صلب مسؤولياتنا وواجبنا.
فالمعرفة حقّ من حقوق الإنسان ، وفي العصر الذي نعيش فيه بوجه خاص . وكلّ ما في المجتمع وما يحيط بالإنسان ، إنّما يعني أيّ إنسان ، وكلّ إنسان . والإنسان المثقّف له الحقّ ، بل أكاد أقول من واجبه معرفته . وهو في نهاية المطاف ، مسؤول عن نتائجه ويتحمل تبعاته مهما كانت . ففي هذه الحالة ، لا تقديس أو محرمات للأشخاص أو للأفكار . كما لا عبادة لها أو تأليه : كلّ شيء قابل للنقد ، وبالتالي للفهم والتغيير من أجل مصلحة الإنسان .
هذا ، ومن الجهة الأخرى ، فإنَّ معرفة الإنسان محدودة بحدود حياته القصيرة ، وحدود إمكاناته وتجاربه ... لذلك من الأهميّة الانفتاح على فكر الآخرين وعقولهم وتجاربهم وإمكاناتهم ، لمن طلب المعرفة والاستزادة فيها. فيمتلكُ عندئذ ما يملكُ الغيرُ من الإمكانيات والتجارب والمعارف. فيصير حقُّ الغير حقَّه ، وتصبح معرفتُه معرفتَه . وهكذا ، فإنّ المشاركة في الأفكار ، وتبادل الآراء والتواصل في التجارب ، هي إغناء لكلّ منهما ، ومَعينُ معرفة مشتركة للواحد كما للآخر .
وما احتياج الإنسان إلى تجربة الإنسان الآخر ، التجربة الفكريّة والمعرفيّة والحياتيّة ، إلاّ بمثابة تفتُّح الأفكار وتولّدها . والفكر لا يتقدَّم ولا ينضج على مرّ السنين والتجارب ، إلاّ عن طريق المشاركة وبها ، وعن طريق التفاعل و التجاوب والحوار مع الآخر .
لذلك يبقى الإنسانُ ـ الفكرُ ، الإنسانُ المثقّف ، إمكانيةً صرفاً ، ليس بمقدورها أن تتحقّق ، ولا أن تتفتِّح التفتح الطبيعيّ ، إلاّ بمقدار ملاقاتها الفكرِ الآخر ، العقلِ الآخر ، والتفاعلِ معه التفاعل الحرّ الخلاّق ، المرغوب والمطلوب ، ممّا يساعد ـ كما نقول ـ على " الحمل والولادة ".
فحياة الفكر ـ الثقافة ، إذا حصرنا حديثنا في نطاق الفكر والثقافة ، لا تقوم فعلاً إلاّ بالتقاء الآخر ، والحوار مع الآخر والتفاعل الخلاّق معه . فاحتياج فكر الإنسان وعقله ، إلى فكر الإنسان الآخر وعقله وتجاربه وخبراته ، هو احتياج ضروريّ وشرط أساس للانتقال من حيّز الإمكانية إلى حيّز الفعل والوجود ...
ولا يصبح الإنسان إنساناً إلاّ بوجوده مع الإنسان الآخر ، ولا يصبح معرفة إلاّ بتفاهمه وتفاعله مع الغير . لذلك كان وعي الإنسان واحتياجه إلى وجود الغير ، شرطاً ضرورياً ، لتحقيق وعيه لذاته ولوجوده ولغيره . كما أنَّ انكماش الفكر واكتفائه بذاته وانغلاقه عليها ، إنّما هو اختناق له وفناء . وهذا هو التعصّب القاتل والنرجسيّة الغرور .
والواقع ، ليس التعصّب فقط أن يعتقد الواحد اعتقاداً جازماً ، حاسماً ، بصحة آرائه وصوابها دون غيرها ، وإنّما أن يحتجب أيضاً احتجاباً مقيتاً عن نظر الغير وفكره ، وعن حقيقة أفكاره وآرائه . لذلك ، يأبى المتعصّب الحوار والتجاوب والتفاهم . غير أنّه باحتجابه عن الغير ، ينطفئ بدوره ، ويتجمد فكره ، ويتحجر عقله ويفنى .
فالحوار ـ التفاهم ، الحوار المتكافئ ، هو انفتاح الفكر ، انفتاح العقل بآرائه ونظرته إلى فكر الغير وعقله . ذلك أنّ مصلحة الفكر ، والعقل معه ، أن يَعرض ذاته على الغير ليساعده هذا الغير ، هذا الإنسان الآخر ، على تفحص ذاته وفهمها ... أما أن يتعصّب الإنسان ـ الفكر لذاته ، كارهاً أن يوجَّه إليه أيّ انتقاد : فهذا هو العمى ، وهذا هو الهلاك .
ويطغى هذا التعصّب على الفرد حتى يودّ أن يفرض نفسه على ضمائر الآخرين وذواتهم وأفكارهم . وأيّ نقد له ، يُعتبر جريمة شنعاء لا تغتفر : كأنّه أصبح الحقيقة المطلقة ... التعصّب بكلمة واحدة ، هو إرادة الفرد أن يبقى في ظلمات الأوهام . لذلك ، ومن هنا ، يخاف المتعصّب الحوار ، أيَّ حوارٍ .
فالعصبية ، بهذا المعنى ، هي الطامة الكبرى للأفكار ، ولحقائق الأشياء والوجود . هي تقييد للفكر وتخدير للعقل وهلاك للمفكرين ... ففكر المتعصّب وعقله ومفاهيمه ، أضحت جميعها أصناماً وعبادة أوهام .. إنّه يعبدها ويتخذها ذريعة لتهديم أفكار الآخرين وخنق حريتهم .. في حين أنّ الحريّة هي ميّزة الفكر الإنسانيّ والعقل الإنسانيّ . ولا " قدسيَّة " أو قيمة لأيّ فكرة أو نظريّة أو رأي ، مهما كان ، إلاّ عن طريق النقد ، ونقد النقد ، والبحث المنهجيّ والعمليّ ...
فالنقد ضرورة وشرط لازم لكلّ نظريّة ولصحتها ، ولكلّ فكر ولتقدمه وغناه ... والإنسان لا يستطيع أن يختار اختياراً حراً ، إلاّ إذا محّص ونقد ووازن ، وذلك عن طريق الحوار الحرّ : والحوار الخلاّق منشئُ الفكر وحياته ومرعاه ...
والنظريات وهي أفكار متداولة ، ليست آلهة ، أو صنماً معبوداً أو يعبد . فهي بذاتها لا تستحق أيّ احترام أو قيمة إلاّ بما تتطابق مع حقيقة الأشياء وواقعها ومع مصلحة الإنسان كقيمة عليا. وليس هناك من نظريّة أو فكرة أو رأي يثبت قيمته أو صحته إلاّ عن طريق النقد أو ، كما يقول الفقهاء ، عن طريق " التجريح و التعديل ".
من هنا ، وفي هذه الحالة، على أيّ إنسان ، والإنسان المثقّف تحديداً ، أن يدرس النظريات وأن يتخذ موقفاً نقدياً من الأفكار والآراء حتى يستطيع ، في نهاية التحليل ، أن يستخرج منها ما هو واقع وحقيقيّ . ولا قيمة لهذه الأفكار والنظريات ، مهما كان شأنها ، إلاّ ما يستفيد منها الإنسان .
لهذا ، وفي المنحى ذاته ، لا ينبغي على الإنسان بإطلاق ولا يحقّ للإنسان المثقّف بالمعنى الحقيقيّ للكلمة ، أن يستعفيَ ، أو أن " يستقيل " من البحث والتفكير ومن نقد النظريات وتقييمها . أو بكلام أكثر تحديداً ، أن يستعفيَ من تحمل المسؤوليّة . ذلك أنّه إذا استقال المثقّف أو استعفى من مسؤوليّة النقد والتفكير ، وبالتالي من الدفاع عن حريته الشخصيّة دفاعاً مستميتاً ، يكون وكأنّه استعفى من وجوده ذاته .
فالإنسان المثقّف في المفهوم والمعنى الحقيقيّ للمثقّف ، هو الذي يسعى بكلّ مسؤوليّة وحريّة وإرادة إلى اكتساب المعرفة ونشرها ووعي الواقع وتعميمه ، باتباع منهج النقد ونقد النقد والغربلة . وأخيراً على كلّ إنسان مثقّف أن يبحث وينتقد ويقيّم ، فذلك هو عمله ومهنته ، دون تقييد أو تحريم للعقل أو للفكر سوى احترام الإنسان الآخر وحريته ووجوده .
شروط الحوار وأهدافه
إنّ أوّل شرط من شروط الحوار ، الحوار الحقيقيّ ، حتى ينتج ويثمر ، لا بدّ من أن يتمّ على أساس من تكافئ بين المتحاورين من حيث القيمة الاجتماعيّة والنفسيّة والسياسيّة . كما أنّ العلاقة بالآخر ينبغي أن تتمّ انطلاقاً من تكافئٍ في القيمة أو ما يسميه نزار الزين : " توكيد الذات ونفيها" كقيمة اجتماعيّة . ذلك أنّ توكيد الذات ونفي قيمة الآخر ، إنّما تتمّ في علاقة السيّد والعبد أو في علاقة السيطرة الكاملة والتبعيّة ، فلا يمكن عندها قيام حوار . لكن نفي الذات إلى جانب توكيدها، يتيح للآخر توكيد قيمته من ناحية ، ويمكنه تالياً من أن يقيم علاقة متكافئة مع ذات المحاور الثاني . فالقناعة أنّ للآخر قيمةً متكافئة مع الذات ، هي شرط أساس للحوار ولكلّ حوار .
فإذن من أجل إجراء حوارٍ بناء ، مثمرٍ ، وغنيّ ، ينبغي أن يتوافر أيضاً شرط أساس وتالٍ وهو معرفة الآخر وقبوله واعتباره مساوياً له .
وهناك كذلك ، كما رأينا ، شروط أساسيّة أخرى للحوار ، لا يمكن أن يتمّ بصورة صحيحة وهادفة إلاّ إذا توافرت ، ويمكن إجمالها كما يلي :
1ـ الاستعداد للإصغاء إلى رأي الآخر والاستماع إليه وتفهمه ، كما يراه الآخرُ نفسُه .
2ـ الاتفاق على مضامين الحوار ومصطلحاته ومفاهيمه المتداولة ، حتى نحدّد تحديداً دقيقاً الخصائص التي تُعطي للمنطوق معنى ومضموناً .
3ـ توضيح الشروط والوقائع والظروف التي يتمّ فيها الحوار .
4ـ معرفة الغرض أو النيّة أو الهدف من وراء ما يقال مبدئياً أو واقعياً .
5ـ معرفة وضع المتحاورين ومكانتهم الاجتماعية أو السياسية والمواقع التي يأتون منها ويعبرون عنها .
الحوار الحقيقيّ، إذن ، إمّا أن يكون فاعلاً ومتفاعلاً ومنفعلاً، أخذاً وعطاءً ، أو لا يكون. والإشكاليّة، إشكاليّة الحوار ، هي بكلمة واحدة : أن نحدّد مضمون الحوار ، وأسسه ، وأهدافه، والوسائل المتبعة لبلوغ هذه الأهداف .
ذلك أنّ الحوار يجب أن يرتبط بأهداف واضحة ، حتى يؤتي ثماره وأن يصل إلى أعماق القضايا. والحوار أولاً وأخيراً هو أخذ وعطاء : أن أستمع إليك وأن تستمع إليّ... هو حضور فكريّ وعقليّ ، كيانيّ ومعنويّ . هو قبول مشترك ومتبادل ، للذات وللآخر .. لا حوار بدون تعريض الذات للتغيير ... فالمحاور من خلال قبوله فكرة الحوار ومواصلته ، مدعوٌّ للتغيير ، بمعنى أنّه مدعوّ للأخذ والعطاء .
هذا ، ومهما يكن من أمر ، فإنّ الحوار ، بمعناه الفعليّ والحقيقيّ والدقيق ، لا يمكن أن يتحقّق وأن يتمّ دون حريّة . والحريّة ملازمة للديمقراطيّة ملازمة الصفة للموصوف : فلا حريّة دون ديمقراطيّة ولا ديمقراطيّة فعليّة وحقيقيّة دون حريّة . من هنا ، ومن هذا المنظور ، فإنّني أرى أنّ بين الحوار والحريّة والديمقراطيّة ، ثمّة تفاعلاً جدلياً ، بحيث إنَّه لا يمكن تحقيق الواحد من هذه المبادئ دون السير في تحقيق الآخر .
وكما أشرنا، فإنّ الحوار والحوار الديمقراطيّ الحقيقيّ والمثمر والفاعل ، هو الذي يفترض، ليصل إلى أهدافه الكبرى ، يفترض الانفتاح على المحاور الآخر ، والصراحة ، والوضوح ، والصدق في القول والممارسة . ويفترض ، أكثر ما يفترض أيضاً وعلى وجه الخصوص ، وجود حالة حواريّة في مجتمع حواريّ ، ديمقراطيّ حقيقيّ . ذلك أنّه لا يمكنني أن أكون حوارياً حقيقةً وفعلياً في مجتمع غير حواريّ، في مجتمع يرفض الحوار ضمناً أو سلوكاً . كما أنّه يُفترض وجود مواطنين لهم صفات حواريّة ، وفكر حواريّ ، وأخلاق حواريّة ، وواقع سياسيّ حواريّ ... مواطنون يعيشون هذا الحوار في مجتمعهم بأفكارهم ووجدانهم ، بأشخاصهم وأنظمتهم .
هذه الحالة الحواريّة ، الحالة النفسيّة الفكريّة الثقافيّة الاجتماعيّة ، عندما تصبح ، أقول ، جزءاًً من شخصيّة المجتمع ، وجزءاً من هُويّة أيّ مواطن وكلّ مواطن ، وحالة ثقافيّة عامة من حالاته ، يصبح المجتمع مجتمعاً فعلاً حوارياً أو مجتمعاً قابلاً بطبيعة تكوينه للحوار . ولا يمكن أن نصل إلى هذا المستوى من الحالة الحواريّة العامة ، إلاّ إذا كان المجتمع نفسه ، بنظمه وتكوينه ومقوّماته ديمقراطياً . ذلك أنّ الديمقراطيّة هي الإطار الضروريّ والإطار اللازم لكلّ حوار حقيقيّ . والمثقّفون والمفكّرون بدورهم هم التربة الفكريّة والأرضيّة الثقافيّة لذلك .
لذا وبالاعتماد على كلّ ما تقدّم ، فإنّ أول شرط لإقامة حوار وطنيّ مثمر في لبنان هو :
1) تطبيق الديمقراطيّـة بمعانيها ومضامينها الفعليّة ، واحترام حريّـة الرأي ، فيما بين المتحاورين أنفسهم ... واعتبار أن ليس في الأمور الفكريّة أو السياسيّة من مقدّسات وموضوعات لا تمسّ . ذلك أنّ في اعتماد الديمقراطيّة وممارستها حقيقة وفعلاً ، تكمن إمكانية إجراء حوار وطنيّ وفكريّ مثمر .
2) اعتماد الحوار الجدّي والمعايير الجدّية في الحوار والكف عن النفاق . بمعنى اعتماد الحوار الهادف المغير الناقد ، وليس الحوار البليد الكاذب أو المنافق أو الذي يأخذ سمة المجاملة أو سمة الفوقيّة أو التعالي ... من الأهميّة بمكان عظيم أن يتضمّن الحوار ، الحوار الحقيقيّ ، بعداً اجتماعياً نابضاً بالحيويّة والواقعيّة في بُعده الإنسانيّ .
3 ـ يجب أن يبتعد الحوار وأن يتجنّب منهجيّة خطاب الشعارات الطائفيّة والسياسيّة والدينيّة الفضفاضة . ينبغي أن يتمحور ويتضمّن في ما يطرحه للبحث والنقاش ، قضايا تشكل شاغلاً يومياً للمواطنين .
وفي هذا المنحى أيضاً ، فإنَّ شرطاً من شروط الحوار المنتج والبنّاء والمثمر حقيقة ، هو أن يصبح ، مع التجربة التاريخيّة ، مع التجربة الديمقراطيّة الفعليّة ، أن يصبح الحوار أسلوب الحياة، أن يصبح أسلوباً قِيَمِياً ـ اجتماعياً في الحياة السياسيّة اليوميّة ...
من هنا ، نستطيع أن نفهم أسباب التغيّر للذات وللمجتمع وأوالياته الأساسيّة. فالحوار ، هنا، يصبح حوار التفاعل مع الآخر .. في الحوار الحقيقيّ والفعليّ ، أنا أتغيّر فكرياً ومعرفياً ، في الوقت الذي أغيّر فيه الآخر . وأنا بدوري أيضاً يتكوّن لديّ الاستعداد الفكريّ والنّفسيّ لكي اقتنع برأي الآخر ، في الوقت الذي أحاول فيه إقناع المحاور الآخر بوجهة نظري وفكري ورأيي .
ذلك أنّ هذا التفاعل ، هنا ، هو أن يكون لديّ استعداد أن أفهم وأتفهّم ، وأقتنع حتى أُقنع الغير . فمن خلال هذا التفاعل والانفتاح والتغيّر ، يصبح أسهل على الإنسان أن يتخلص من عُقَد التّشنّج والجهل والتباعد والحواجز والخوف وإلغاء الآخر .
الحوار والحريّة
لقد تحدّثنا أعلاه وأشرنا إشارات مستفيضة إلى علاقة الحوار والديمقراطيّة . والآن سأحاول أيضاً أن أبديَ بعض الإشارات الضروريّة والملاحظات المنهجيّة حول علاقة الحوار والحريّة. وهي علاقةُ صميمة ، علاقةُ تفاعل جدليّ وحياة وجود وتكامل ، إذا انتفى منها جزء زال الآخر . ذلك أنّ هذا الحوار الحضاريّ ـ الثقافيّ ، القائم على الحريّة ، ينطلق من :
ـ قبول تحدّي المعاصرة ومواجهة الحداثة .
ـ الاستجابة والتحدّي لسلطان العلم ومنجزاته ومنهجياته .
ـ الاستجابة والتحدّي لمتغيِّرات الواقع المحليّ والعالميّ ، والنظرة إلى هذه المتغيّرات كما هي، والسعي لمواجهتها بكلّ جدّية وعلميّة وشجاعة فكريّة ومنهجيّة ...
وحتى يأتيَ هذا الحوار الحضاريّ الثقافيّ ثماره ، يستلزم شرطاً من شروط نجاحه وهو الحريّة السياسيّة ، الحريّة السياسيّة الكيانيّة ، بمعنى الاستقلاليّة الذاتيّة ، الفكريّة والسياسيّة والاجتماعيّة.
حتى ينتج الحوار ، أيّ حوار ، يجب أن ينطلق وينشأ وينمو بنموّ الديمقراطيّة ، كما رأينا، والعدالة والمساواة وحقوق الإنسان . فإذا زالت الديمقراطيّة ، انتفت العدالة وقُمعت الحريّة ، وبالتالي فشل الحوار . وأصبحنا في ما يسميه أنطوان مسرّة نظام حرب متكامل ، حيث يكثر فيه التذاكي والنفاق والتقيّة والخلفيات المسبقة ، وهي تعبيرات مسرّة ذاته .
فإضافة صفة الديمقراطيّة إلى الحوار ، تأخذ هنا ـ في ما أرى ـ كلّ معناها وأبعادها الواقعيّة. ذلك أنّ الديمقراطيّة ، في الحقيقة وبهذا المعنى ، هي اعتراف بالآخر ، بحريّة فكره وقيمته ومساواته للذات ...
* * *
لقد أشرنا إلى أنّ الحوار بمعناه الاصطلاحيّ هو اتصال كلاميّ ، أو علاقة رمزيّة بين متحاورَين إثنين أو أكثر ، من أجل إقناع أحدهما الآخر بوجهة نظره أو نقل إليه أفكاره وتصوّراته ومعتقداته وإقناعه بها . وإنّ التباين في المعتقدات والأفكار ووُجهات النظر، إنّما هو مدعاة في الواقع وبصورة تلقائيّة إلى بروز إشكاليّات الحوار التي يجب أن ندخلها دائماً في الحسبان ...
كما أنَّ التراتبيّة بين المتحاورَين والفوارق الاجتماعيّة بينهما، تثير أيضاً إشكالياّت الحوار وتبرزها ... وهي ، أي التراتبيّة ، لا تعترف بالتكافؤ بين المتحاورين من حيث الوضع الحواريّ .. كما أنَّ علاقات السلطة والتبعيّة ، قلّما تجعل الحوار ممكناً أو مجدياً ... ذلك أنّ المحاور السياسيّ بطبيعة موقعه ، يُبدي في سلوكه وأقواله أنّه على حقّ تامٍ في مواقفه .
يضاف إلى ذلك أنّ النظام السياسيّ في لبنان قائم ، كما نعلم ، على أساس طائفيّ ، وعلى أساس توافق مصالح الطوائف وتوازنها في مستوى السلطة السياسيّة . وأيّ حوار سياسيّ يرتديَ ، والحالة هذه ، مباشَرة أو مداورَة ، طابع حوار بين الطوائف . فهناك تداخل ، وغالباً ما يبالغ في استغلاله ، بين السياسة والطائفيّة . والمجتمع الطائفيّ ، كما في لبنان ، يكثر فيه أو يغلب عليه "نموذج المقدّسات "، ممّا لا يُسمح لأيّ حوار أن يمسها أو أن يتناولها بالنقد أو التجريح . لذلك يصبح الحوار بين قوى مدعومة بحصانة طائفيّة أو مقدّسات دينيّة من جهة ، وبين قوى عَلمانيّة ، لا تتمتّع بهذه المواصفات أو غير مدعومة بها من الجهة الأخرى ، إنّما هو حوار غير متكافئ البتّة ومعطّل مسبقاً أو لا يوصل إلى الهدف المطلوب .
وفوق ذلك كلّه ، فإنَّ المجتمع اللبنانيّ ، بطبيعة تكوينه ، يغلب عليه ويسيطر أو يتداخل فيه تداخلاً كلياً ، ما أسميه بالأيديولوجيا التجاريّة أو النموذج التجاريّ السائد في العلاقات الاجتماعيّة ، وقطاع الخدمات . وهذا ما يؤدّي بطبيعته إلى إظهار ما يرضي الغير في العلاقات والمعاملات من جهة، والعمل ضمناً على تأمين الفائدة الشخصيّة من جهة أخرى .
من هنا ، تصبح العلاقات الاجتماعيّة والسياسيّة في هذه الأيديولوجيا المركبَّة بالطائفيّة والذهنيّة التجاريّة ، علاقاتٍ يكثرُ فيها النفاق ـ كما يشير نزار الزين إلى ذلك ـ واختلاف الظاهر مع الباطن . واستعمال خطابَين : خطاب المجاملة الظاهرة والمفرطة أحياناً ، وخطاب آخر باطنيّ يعبِّر عن موقفٍ مباينٍ لما أُعلن . من هنا أيضاً نستطيع أن نفهم عدم وصول الاتفاقات العديدة السابقة والحوارات الوفاقيّة المتتالية إلى أيّ نتيجة تُذكر ، ذلك أنّه كان يتحكّم فيهـا تتضارب المصالح المركبّة ـ المتناقضة ، السياسيّة والطوائفيّة والاجتماعيّة ، وبالتالي النفاق المتبادل .
وإذا اعتبرنا أنّ السياسة ، كما تُعرَّف عادة ، هي فنّ الممكن من أجل الوصول إلى السلطة وممارستها ، فتصبح الوسائل الطائفيّة المتّبعة من أجل تحقيق هذه الغاية ، مبرّرة ومشروعة من وُجهة نظر ميكيافللي . وهي تعتمد أيضاً في سبيل تبرير ذلك على المنطق الشكليّ وتستعمل العقل والفكر في صياغة الأهداف والمبادئ والبرامج والأيديولوجيات ، في حين أنّها تخفي في الواقع ، بصورة أو بأخرى، الرغبة في الدفاع عن مصالح اجتماعيّة واجتماعيّة ـ طائفيّة محدّدة تنتمي إليها . فالحوار السياسيّ ، هنا ، يأخذ شكل صراع ومنازعات بين قوى سياسيّة متناقضة أو متنافسة أو متحالفة آنياً أو مصلحياً ، للحصول على مواقع أو تثبيتها .
وهكذا فإن إشكاليّة التسابق على السلطة بين القوى السياسيّة المختلفة ، المتخاصمة أو المتنافسة ، لا تحكمها مبادئ أو غايات مثالية ، بل إنّ " باب الاجتهاد " ، كما يقول نزار الزين ، يُفتح على مصراعيه في هذا المجال ، وتُحشد التبريرات ، وتُحرَّف المفاهيم في الصراع على السلطة ... فتتفاقم إشكاليّات الحوار بين القوى السياسيّة المتخاصمة أو المتنافسة ، وتتخذ الاجتماعات المتتالية المظهر الخارجيّ والحذاقة في التعبيرات اللفظيّة وتأجيج العواطف في الخطابات .
على أيّة حال ، فهذا الموضوع ، موضوع الحوار السياسيّ وإشكاليّاته ، لا يدخل الآن ، مع أهميّة بحثه ودراسته الدراسة التفصيليّة ، لا يدخل في محور لقائنا اليوم . كذلك لا يدخل الآن في صلب بحثنا ، التوقف تفصيلاً عند إشكاليات الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ أو إشكاليّات العلاقات بين الأديان والحوار فيما بينها .. بل سنترك ذلك إلى لقاءات حواريّة مقبلة ...
* * *
الحوار والمؤسّسة الحواريّة
أولاً وقبل كلّ شيء ، يُطرح السؤال بإلحاح في هذا الظرف بالذات حول كيفية الانتقال من الحوار الهامشيّ أو السطحيّ إلى وضع أسس صحيحة وثابتة لحوار علميّ منهجيّ ، ترعاه وتتابعه مؤسّسة فكريّة حواريّة . ذلك أنّ الحوار لم يعد في ظرفنا الراهن مسؤوليّة فرد . بل أكثر من ذلك ، أصبح مسؤوليّة جماعيّة ومسؤوليّة مؤسّسة ، تأخذ على عاتقها تحويلَ القوى الثقافيّة والقوى الاجتماعيّة المتحرّكة والحيويّة في المجتمع الأهليّ ، وهذا الجوّ الثقافيّ ـ الاجتماعيّ العارم ، تحويلَ كلّ ذلك باتجاهٍ يصبح معه قوّة فاعلة ضاغطة في الواقع السياسيّ . هذا هو ، في الواقع ، السؤال الذي نطرحه على أنفسنا ونعقد اجتماعات وندوات لمناقشته : إمكانية توظيف هذه الطاقة الفكريّة والثقافيّة في فعل متماسك محدّد الأهداف يخلق واقعاً جديداً ضاغطاً في الساحة السياسيّة اللبنانيّة .
وحتى يكون لمؤسّسة الحوار هذه وتحديداً لحركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان، موقع رائد، خلاّق ، وموقع قريب من النبض الحيويّ في حياة الناس أنفسهم ، يجب أن يتجرّد لهذا الدور "الحواريون " أنفسُهم ، للخوض فيه وأخذ المبادرات الخلاّقة في هذا الاتجاه .
لا بدّ لمؤسسة الحوار أن يكون لها موقف موحّد من بحث القضايا الوطنيّة والحيويّة نفسها، أن يدخل الهواء الحواريّ الطلق ، والدمُ الحواريّ الجديد ، إلى داخل المؤسّسة الحواريّة ، فيحييها وينعشها . هذا هو السؤال وهذا هو التحدّي الكبير المطروح علينا جميعاً .
والحوار حتى ينتج ويترسَّخ ، والحوار شأن ثقافيّ أساساً ، لا بدّ من الارتقاء به حتى يصبح مؤسّسة ثقافيّة حواريّة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى الحداثة والعلميّة والمنهجيّة في القول والعمل والفكر والأسلوب . من الأهميّة ، وهذا ما نصبو إليه ، أن يتحوّل هذا اللقاء اليوم ويرتقي حتى يصبح مؤسّسة ثقافيّة لها شخصيّة معنويّة ، تراكم عملها وتستمر فيه ، وحتى يصبح ما نقوم به الآن وما نفعله ، تياراً يتواصل ويثمر وينتج فكراً جديداً قائماً على تجربة وخبرة ومعرفة . فيجب أن نستفيد من تجربتنا الثقافيّة ونرتقي بعلاقاتنا فيما بيننا ، إلى إرساء قواعد وأسس مؤسّسة ثقافيّة ، كما قلت ، مؤسّسة ديمقراطيّة حواريّة حقيقيّة حتى تستطيع هذه المؤسّسة أن تنظّم هذا التيار الحواريّ وتنظّمه وتراكمه وتثمره .
أقول لا بدّ من تكوين طليعة ثقافيّة تستطيع أن تتحمل هذا العبء التاريخيّ الجسيم . فبدون هذه الطليعة ، يبقى الأمر مجتزئاً وغير مسؤول . إنّ طموحنا هو أن نمثِّل مع بعض الهيئات الثقافيّة الجدّية والمثقّفين الأحرار، هذه الطليعة حتى نضطلع بمهمّة هذا الحوار . وليس من المهمّ إذا كان عدد أعضاء هذه الطليعة صغيراً الآن ، ولكنها تبقى كبيرة بإيمانها وبصمودها وبتحمّل مسؤولياتها . وإنّ أكثر ما يحتاج إليه لبنان اليوم ، هو قيام هذه الطليعة المثقّفة وتكوينها بمنهجيّة حديثة ، بذهنيّة جديدة ، برؤية للواقع وللتجربة بعلميّة وموضوعيّة مميّزة .
ولكن ، وفي نهاية التحليل ، يبقى أهمّ محور من محاور الحوار هو الإنسان . وأن يكون موضوع اللقاءات وموضوع الحوارات هو مشكلات الإنسان وقضايا الإنسان في لبنان اليوم ، الإنسان كقيمة ، والعمل على تنمية هذه القيمة ، وطرح حقوق الإنسان ، وبحث مشاكل التخلف، للارتقاء بهذا الإنسان المعذّب . من هنا ، أهميّة تأسيس هيئة للحوار وقيام مؤسّسة للحوار ، تنظّم هذا النوع من اللقاءات الدوريّة وتعتمد منهجيّة التوثيق والمعلومات . من هنا ، أقول ، أهميّة إنشاء حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان. وهي هيئة ثقافيّة ، تيار فكريّ ناشئ ، يجعل من فكرة الحوار همَّه الأول ومحوراً من نشاطاته وعلاقاته مع الآخرين : نحن بأمس الحاجة بعد مواجهات الإلغاء المتتالية ومواجهات الإلغاء المتبادلة، نحن بحاجة إلى أن نلتقيَ وأن نتحاور على أسس ومنهجيّة علميّة خلاّقة، ورفض الانسياق وراء الأفكار المسبقة ورفض الأهواء الانفعاليّة والطائفيّة القاتلة ، خصوصاً بعد الانهيارات السياسيّة والقياديّة كافة . نحن بأمس الحاجة إلى الحوار بأشكاله المتنوّعة ومضمونه الهادف ، إلى هذا الحوار الديمقراطيّ المنفتح صوب الآخر ، الآخر المختلف ، سواءً أكان فرداً أم جماعة أم منطقة أم حزباً ، وأياً كان موقعه وأفكاره .
مصادر البحث الأساسيّة
* * *
* وقائع ندوة : أين أصبحت الآن مسيرة الوفاق ؟!... لقاء الحوار اللبنانيّ ، والمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق ، منشورات المركز الثقافيّ ـ صيدا ، تشرين الثاني 1991.
* وقائع ندوة : أيّ لبنان نريد ؟!... لقاء الحوار اللبناني والمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق ، منشورات المركز الثقافيّ ـ صيدا ، شباط 1993 .
* الأب عفيف عسيران ، مدخل ضروريّ لكلّ حوار ، لبنان ، كانون الثاني 1990 ...
* د. نزار الزين ، إشكاليّة الحوار السياسيّ في لبنان ، في جريدة " النهار "، 18 شباط 1993 ..
* الملتقى الثقافي ـ جبيل ، آفاق الحوار المسيحيّ ـ الإسلاميّ في لبنان ، د. جورج طربيه ، المطران جورج خضر ، الشيخ غسّان اللقيس ، ( أنظر جريدة "النهار "، 22 كانون الثاني 1993 ).
* السيّد محمد حسين فضل الله ، لماذا الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ في لبنان ، محاضرة في كلية بيروت الجامعيّة ، ( أنظر جريدة " النهار " 27 ـ 28 كانون الثاني 1993 ).
* السيّد محمد حسين فضل الله ، في آفاق الحوار الإسلاميّ ـ المسيحيّ ، دار الملاك ، بيروت ، 1994 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1) مداخلة الدكتور مصطفى دندشلي ، التي قدّمها في " الملتقى الثقافيّ الأول "، الذي أقامته حركة الحوار الديمقراطيّ في لبنان ، وذلك طوال يوم الأحد الواقع فيه 10 نيسان 1994 ، في قاعة محاضرات دار سيّدة الجبل (فتقا ـ كسروان ).
1) وفي الحديث : من دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك ، حارَ عليه : أي رجع إليه ما نَسَبَ إليه .
2) هناك لفظ آخر ، يشتبه بالحوار ويلتبس به وهو : الجَدَلْ . بمعنى اللَّدَدُ والشدِّة في الخصومة والقدرة