تاريخ وتطور جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا
مقابلات /
تربوية /
1986-12-11
مقابلة مع
الحاج عبد الغني البساط
التاريخ: 12 كانون الأول 1986
الموضوع: تاريخ وتطور جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
د. مصطفى دندشلي: سؤالي الأول لك يتعلق بالسنة التي ولدت فيها، مع نبذة موجزة عن المرحوم والدك، والسنة التي دخلت فيها إلى مدرسة جمعية المقاصد.
الحاج عبد الغني البساط: ولدت في سنة 1909 ودخلت المدرسة صغيراً، أي في سنـة 1914-1915. وتركت المدرسة، عندما كان عمري بين 14-15 سنة أي حوالي سنة 1925. والدي كان يُعدُّ من أوائل النجَّارين المعلِّمين في صيدا. وكان مكان عمله في سوق الكندرجية. وقد توفِّي في سنة 1927 أو 1928، وكنت قبّلها قد تركت المدرسة وفتحت مكتبة.
وقد كانت نسبة المتعلِّمين في صيدا قليلة، كما كانت المدارس معدودة. وأهمها: مدرسة الخيرية (المقاصد) مدرسة عائشة – مدرسة الرُشدية – الأميركان – الفرير. وهذه هي تقريباً المدارس التي كانت موجودة في صيدا. وقد كان والدي يُتْقن القراءة والكتابة ويُعتبر من المشايع المتديِّنين المحافظين. ففي حال غياب أمام جامع باب السراي، فقد كان هو الذي يتولى الإمامة ويكون إمام المُصلِّين.
أتذكر من الأساتذة أنه في الصف الرابع ابتدائي، أي على زمان الشيخ بدوي لوبيه، الأستاذ خليل متى، الأستاذ داود الديماسي، الأستاذ محمد المغربي. وأخيراً عندما أتى عبد الرحمن البزري مديراً على المقاصد كان صفَّنا أكبر صف عددياً وكنت أنا أصغر الطلاب فيه. وأذكر من الأساتذة أيضاً الشيخ مصطفى الشريف.
المواد التي كنا ندرسها في الرابع ابتدائي: الدين والقرآن، واللغة العربية والفرنسية، والحساب، والجغرافيا، والتاريخ، والصرف والنحو. وفي الحرب العالمية الأولى، لم تغلق المدرسة أبوابها. وهنا أذكر من زملائي التلاميذ بشير الشريف كان أعلى منِّي بصف، وقد ضُمَّ صفَّنا مع الصف الأعلى وأصبح صفَّاً واحداً. وأذكر أيضاً رياض الزين، حسين عسيران، أحمد البزري. أما شريف البزري، الحاج علي البزري، رياض شهاب، شفيق لطفي، الخ... فكانوا في الصف الأعلى من صفَّنا بصفَيْن، ولكن عندما تخرَّجوا، فقد كان الصف وهو صفهم الأخير الذي في مستواهم، لأن الصف الذي كان يسبقنا قد ضُمَّ إلى صفَّنا، لأن عدد الطلاب كان قليلاً. وكان الصَّف النهائي يسمى بالسادس الابتدائي العالي.
في الصف الرابع ابتدائي الذي كنت أنا فيه، كان عدد الطلاب حوالي 40 - 45 طالباً. والصَّف الذي يسبق صفَّنا كان حوالي 25 طالباً. وكلما ارتفع الصَّف، قلَّ عدد الطلاب. وحسب ما أعتقد، فإن عدد الطلاب في المدرسة كان يتراوح ما بين 400 – 500 طالباً (مبالغ فيه كثيراً!!).
وعدد الأساتذة كان حوالي 20 – 30 أستاذاً (أيضاً مبالغ فيه!!). والمواد التي كنا ندرسها في الصفوف العالية، أذكر منها: مسك الدفاتر التجارية، الأدب العربي (المعلَّقات العشر) التاريخ والجغرافيا، الإنشاء العربي واللغة الفرنسية. ومستوى الطلاب لا بأس به. وقد كان يقل عدد الطلاب بسبب انتقالهم إلى مدارس أخرى، كما أن الإقبال على التعليم في ذلك الوقت، كان قليلاً. والطلاب كانوا من الطائفة الإسلامية.
س: لقد قِيل لي إنه في تلك الفترة كان أهالي صيدا متعَّصبين مذهبياً؟
ج: لقد كان هناك نوع من الحماس الوطني والدعوة إلى العروبة والوحدة العربية.
س: أخبرني عن ذلك عادل عسيران بأنه كان هناك تفرقة بين الشيعي والسنِّي وذلك أن أهالي صيدا متعصِّبين دينياً.
ج: نحن لم نعِ هذه النَّعرة الطائفية أو المذهبية، كما أنها لم تكن واردة عندنا إطلاقاً التفرقة بين الشيعي والسنِّي.
س: من كان يُدرِّسكم المواد الأساسية؟
ج: داود الديماسي: حساب، خليل متَّى: اللغة الفرنسية، محمد المغربي: تاريخ وجغرافيا، وفي الصَّف النهائي عبد الرحمن البزري للغة العربية والآداب. وقد كان الاهتمام باللغة العربية كبيراً. وأذكر تماماً أن أحد المشايخ من آل سلام، وكان رجلاً جليلاً، كان يقوم بجولة تفقدية في مدارس الخيرية الإسلامية في صيدا. وقد كنا نحن في الصف النهائي في مدرسة المقاصد. بعد ذلك، تغيَّر الوضع الدراسي عموماً ككل من حيث تنظيم الصفوف وتوزيعها وتغيِّر الأسماء للشهادات العليا وغيرها (يجب بحث هذه النقطـة المهمة: ربمـا بعـد مجـيء محمود الشماع إلى المقاصد )، وقد دخل الشيخ محمد سلام علينا في الصَّف، وكان عددنا موجوداً كمـا أذكـر تمامـاً، ستـة تلاميذ وهـم المرحوم الحاج أديب زيدان، المرحوم حسين عسيران، الأستاذ بشير الشريف، المرحوم رياض الزين، المرحوم أحمد هاشم البزري، والحاج عبد الغني البساط (وذلك في العام 1924-1925). وكان يسمى صَفُّنا آنذاك السادس ابتدائي عالي (وهو ما يعادل الرابع متوسط حالياً - البريفيه). وبعد أن رحبنا به، التفت إلينا ووقع نظره عليَّ، وقال لي: تفضل إلى اللوح. سألني: ما اسمك؟ أجبته عبد الغني. وقال: أكتب: عبد الغنيّ غنيّ بالعلوم، فإن يضمّ للعلم مالاً كان أغنانا. وأضاف: في هذا البيت تورية، فأين هي هذه التورية في هذا البيت؟ فأجبته: كان أغنى الجميع مالاً وعلماً وجاهاً، أو أنه يزيدنا من علمه وماله. فأعجب بهذه الإجابة وبمستوانا في اللغة العربية واستحسن ذلك استحساناً كبيراً وشكر جمعية المقاصد على هذا الاهتمام بآدابنا ولغتنا العربية...
س: هل كنتم تدرسون بعض المواد باللغة التركية؟
ج: لم ندرس أيَّ مادة بالتركية، ولكن التحية في الفترة الأولى من عهدنا، عندما كنا أطفالاً، كانت بالتركية، ثم ألغيت. ومن جملة الاهتمامات هي الموسيقى. وكان الأستاذ الذي يدرِّسنا الموسيقى هو محمد المصري (مصري الجنسية). وكنا نلجأ إلى استخدام فرقة الموسيقى في المناسبات وخاصة مناسبة مولد النبوي الشريف وفي شهر رمضان. كما كنا نستقدم المنشدين من مصر على أيام زكريا أحمد، والشيخ محمد بخيت. لقد كان هناك تفاعل بين مقاصد صيدا المدينة يُعبَّر عن ذلك من خلال المناسبات (وكان يقام طيلة أيام شهر رمضان والمناسبات الدينية منصَّة في مقهى باب السراي وخيمة لطلاب المقاصد للمشاركة في هذه الاحتفالات: موسيقى، أناشيد، أغاني، خطابات الخ... وقد كانت تستمر السهرات طوال الليل من باب السراي حتى المقاصد في ضهر المير...).
س: ما هي ذكرياتك عن عبد الرحمن البزري، كمدير؟
ج: أذكر أنه كان إدارياً صارماً، محباً للنظام والاجتهاد والتعليم، ويحافظ على انضباطية الطلاب، ذلك أنه كان يراقب الطلاب حتى خارج المدرسة. كان يتخبَّأ أو يتحجَّب ليراقب الطلاب ليرى مدى انضباطيتهم. وقد كان لكل طالب رقم يحمله (وكان رقمي 67، كما أذكر ذلك تماماً). وحسب تصوُّري أنه أصبح لكل طالب رقم وذلك في المرحلة الابتدائية. والغاية من ذلك حتى لا يستخدم اسم الطالب بل يستخدم رقمه.
س: هل كان على أيامك في مدرسة المقاصد نشاطات رياضية، بمعنى مهرجانات رياضية أو حفلات خطابية؟
ج: النشاطات الرياضية كانت موجودة، كما كان هناك اهتمام بالحفلات الخطابية.
س: تذكر متى أُسِّست مدرسة فيصل الأول المجانية؟
ج: لا أذكر بالضبط متى تأسست.
س: في المناسبات الوطنية، ما كان دور المقاصد في العشرينات؟
ج: لقد كان هناك اهتمام بالوحدة السورية. فقد كانوا يألِّفون وفوداً إلى الشام، وقد ذهبت إلى الشام بصحبة الشيخ أحمد عارف الزين من جملة الوفد وكنا شباباً مندفعين وكان ذلك في سنة 1936 (أما في العشرينات، فأنا لا أذكر شيئاً). لقد كنا نكتب، عندما فتحت المكتبة، صيدا – سوريا، حتى في الرسائل كنا نكتب ذلك. واستمر ذلك حتـى سنـة 1943 حيث كنـا نقـول صيدا – سوريا، وليـس صيدا – لبنان..
س: في أي سنة فتحت المحل ونقلته إلى مكتبة؟
ج: فتحت محلاًّ في سنة 1926 وكنـت شبـه بقَّال، ونقلته إلى مكتبة تدريجياً. وفي سنة 1934 – 35 – 36 بدأت أهتم كلياً بالمكتبة.
س: في تلك الفترة أو قبل ذلك، ما هي المكتبات التي كانت موجودة في صيدا؟
ج: مكتبة عبد الرحمن الأنصاري فقط. ثمَّ أنشأت أنا مكتبة، وقد كان عبد الرحمن الأنصاري شخصاً أمِّيّاً لا يعرف القراءة والكتابة، ولكن كان لديه اهتمام بالكتاب بالرُّغم من ذلك فإنه هو الذي طبع كتاب الأستاذ محمود باشو.
س: هل كان التلاميذ يشترون فقط الكتب من الأنصاري؟
ج: حسب ما أذكر أن المواد (أي الكتب) كانت قليلة.
س: هل تذكر الشيخ أحمد عارف الزين؟
ج: الشيخ أحمد عارف الزين كان لغوياً وأديباً وناشراً في الوقت ذاته وكان لديه مطبعة "العرفان" وصاحب مجلة "العرفان". وكان يهتم بالأدب والدين. وقد رافقنا إلى الشام، عندما ذهبنا كوفد، وقابلنا شخصيات كُثُر منهم أذكر: السيد محسن الأمين، وهو عالم علاّمة جليل ومن الأئمة الكبار. وكان يسكن في "صومعة" خاصة به. وهي تضم مؤلفات دينية لا عد لها ولا حصر. وقد كان يجلس على الأرض وأمامه طاولة صغيرة. وفي هذه"الصومعة" كان يستقبل زوَّاره. لم تكن صيدا معروفة بوجود فقهاء في ذلك الوقت. ولكن في سنة 1936 كنا نعتز في صيدا بعادل عسيران ورياض الصلح.
ومن الحوادث التي أذكرها أنه أقيم حفلة لرياض الصلح عند آل أبو ظهر. وقد ألقيت خطاباً في هذه الحفلة وكان عمري حوالي 12 – 14 سنة، قبل أن أترك المدرسة. وقد كان لخطابي الوقع الحسن عنده.
وأذكر حادثة أخرى، عندما أُطلقت هناك دعوة للإضراب في صيدا وكان أخي كامل ومعه خمسة شباب يتولون توزيع المنشورات، وقد أوقفوا من جرَّاء هذا العمل ووضعوهم في النظارة، فتكتَّلت البلدة من أجلهم وتظاهرت وأضربت. (ولربما كان ذلك العام 1943) وكان الإضراب من أجل الوحدة....