النهار ـ الصراع "اللاهوتي" بقلم رنده حيدر
إعلام وصحافة /
دينية /
2010-10-28
النهار الخميس
الصراع "اللاهوتي"
بقلم رنده حيدر
أثارت المواقف الصادرة عن سينودوس أساقفة الشرق الأوسط الذي أنهى أعماله في الفاتيكان، ردود فعل غاضبة من جانب عدد من المسؤولين السياسيين والروحيين في إسرائيل، ذهبت الى حد اتهام السينودوس بالوقوع تحت تأثير أطراف معادية لإسرائيل.
لقد أمل المسؤولون في إسرائيل باستغلال أعمال السينودوس حول وضع المسيحيين في الشرق الأوسط، للظهور بأنهم الدولة الوحيدة في المنطقة التي ينعم فيها المسيحيون بالإستقرار، وبحرية ممارسة شعائرهم الدينية، على عكس وضع المسيحيين في غزة والضفة الغربية.
ورغم ذلك، نظرت إسرائيل الى أعمال السينودوس نظرة حذر وتشكيك لأن غالبية رجال الدين المشاركين فيه من دول عربية معادية لها. فالعلاقات الجيدة التي تربط بين الفاتيكان وإسرائيل بعد إقامة العلاقات الديبلوماسية بينهما منذ 1993، لم تؤدِّ الى نسيان التاريخ الطويل للعداء مع الكنيسة الكاثوليكية، ولا مواقف الكنيسة المعادية للصهيونية، ودولة إسرائيل، ولا الخلاف مع الفاتيكان حول مصير الأماكن المسيحية المقدسة.
هناك ثلاث نقاط أثارت حفيظة إسرائيل: الأولى، دعوة السينودوس الى عدم استخدام تعابير توراتية مثل "أرض الميعاد" لتبرير عودة اليهود الى إسرائيل، وطرد الفلسطينيين من أرضهم، وطلبه التوقف عن استخدام مواقف لاهوتية من الكتاب المقدس لـ"تبرير الظلم". الثانية، الكلام الصادر عن مطران الروم الكاثوليك سيريل سليم بسترس الذي رأى أنه لا يجوز استخدام تعبير "شعب الله المختار" عن اليهود، فكل الناس رجالاً ونساء هم "شعب مختار". أما الثالثة فهي دعوة السينودوس في بيانه الختامي الى انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة وتطبيق القرارات الدولية.
جاء الرد الإسرائيلي السياسي على أعمال السينودوس مباشراً وحاداً، فأخذ المسؤولون الإسرائيليون على المشاركين فيه السكوت عما يتعرض له المسيحيون من اضطهاد لا سيما في العراق ومصر، والتركيز عوضاً عن ذلك على موضوع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، واعتبار عدم التوصل الى تسوية سلمية للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني من العوامل الأساسية لإنعدام الإستقرار في دول المنطقة، واستمرار النزاعات المسلحة مما انعكس سلباً على وضع المسيحيين في الشرق الأوسط.
لقد أملت إسرائيل باستغلال الموجة المعادية للتغلغل الإسلامي في المجتمعات الغربية في دول مثل ألمانيا وفرنسا لمصلحتها، وتوقعت أن تنتهي أعمال السينودوس بموقف يندد بالتطرف الديني الإسلامي. لكن كل هذه التوقعات ذهبت هباء، لدى صدور البيان الختامي الذي شدد على ضرورة انهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وتطبيق قرارت الأمم المتحدة. وزاد موقف المشاركين في السينودوس الداعم لحل الدولتين من التحفظ والإستياء الإسرائيليين، لا سيما في ظل الأزمة التي تعانيها المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، والعرقلة غير المباشرة التي تمارسها الحكومة الإسرائيلية لهذا الحل.
لكن ما أثار ردود فعل غاضبة أكبر في إسرائيل هو المواقف اللاهوتية أيضاً. فقد علق الحاخام الأكبر في إسرائيل يونا ميتسغر على طلب الفاتيكان عدم استخدام تعابير ومواقف لاهوتية من أجل تبرير الظلم، بأنه "لا ينتظر من الفاتيكان أن يعلمه كيف يفسر التوراة".
وبغض النظر عن التفسيرات الإسرائيلية لتعبير "اليهود هم شعب الله المختار"، تمارس دولة إسرائيل اليوم سياسة تمييز واضحة لمصلحة مواطنيها من اليهود. فهي تعتبرهم مواطنين من الدرجة الأولى، في حين تعامل أبناء الأقلية العربية سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين كمواطنين من الدرجة الثانية. وتتعامل إسرائيل مع الفلسطينيين المسيحيين بالذات كأقلية طائفية داخل الأقلية العربية، و تنظر اليهم نظرة شك وحذر.
في نظر اليمين الإسرائيلي كل الفلسطينيين من حملة الهوية الإسرائيلية مشكوك في ولائهم للدولة اليهودية. وما التعديل الأخير للدستور الذي فرض إعلان الولاء ليهودية الدولة سوى محاولة مفضوحة لفرض اقتناعات قسرية على عرب 48 الذين يتخوفون اليوم من أن يكون قانون الولاء ليهودية الدولة العبرية مدخلاً لترحيلهم مستقبلاً عن أرضهم كما يقترح زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، وطرح ذلك كإطار وحيد لتسوية النزاع مع الفلسطينيين من خلال تبادل للسكان وللأراضي.
قد لا تؤثر اللهجة الحادة للنقاش الأخير الذي دار بين الفاتيكان وإسرائيل على مستقبل العلاقات بين البلدين، لكنها بالتأكيد كشفت الحساسية البالغة التي تتعامل بها إسرائيل مع ما يمكن ان يتناول مبادئها اللاهوتية.