د. دندشلي - تاريخ حزب البعث - الدكتـور علـي جابـر(2)
مقابلات /
سياسية /
1987-02-05
المقابلة الثانية مع
الدكتـور علـي جابـر
بتاريخ 5 شباط 1987
الموضوع: تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي
من خلال التجربة الذاتية…
أجرى المقابلة والتحرير: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي: … دكتور علي (جابر)، فلنتابع في هذه المقابلة الثانية حديثنا السابق. وسؤالي الآن يتعلق بمرحلة مهمة جداً وهي نشوء حزب البعث العربي وتكوينه في سوريا وتحديداً في مدينة دمشق، فما هي، كونك كنت طالباً في كلية الطب في جامعة دمشق، ما هي التيارات السياسية والحزبية التي كانت منتشرة ومتواجدة في الجامعة السورية وفي كلية الطب آنذاك مع مطلع الأربعينات؟
ج: … في هذه الفترة، كما تعلم، حزب البعث كان يطلق عليه اسم "حركة البعث العربي" فقط. وقد برزت هذه الحركة في طليعة الحركات الأخرى نظراً، وحسب تقديرنا أن هذه الحركة هي معبِّرة عن حاجة، عن حاجة قومية وحاجة شعبية وهي ملائمة للمرحلة. وهذه المرحلة في ذاك الوقت كانت متعطِّشة لنوع من العمل العربي السياسي الذي يتميّز عن النهج الشيوعي الذي وصل إلى استالينية فيما بعد وعن نهج الإخوان المسلمين الذين بدأوا يبرزون أيضاً وعن نهج القوميين السوريين الذين كانوا في موضع شُبهة نظراً لتنسيقهم مع السياسة الغربية.
فحركة البعث العربي هي أوَّل حركة عربيـة بدت لنا أنها معبّرة عن حاجات تلك المرحلة، سواءٌ بتبشيرها بضرورة الوحدة العربية وضرورة قيامها على أسس شعبية تحرُّرية، أو ممارسة النضال من أجلها، والنضال أيضاً من أجل نظام اشتراكي عادل.
هذه الأفكار التي حملتها حركة البعث، بالفعل، كانت تُعتبر بالنسبة إلينا شيئاً جديداً. لأن بقيّة الحركات العربية التي سبقتها، كلها كانت تقوم على تمجيد السلف، أو تمجيد التاريخ، تمجيد الماضي العربي، يصل إلى شىء قريب من العصبية القوميّة. بينما حركة البعث، كما تعلم، أرادت عن طريق مؤسِّسيها أن تكون "مُعصْرنة"، بمعنى أن تبني العمل السياسي العربي على مفهوم حضاري عصري، يتناسب مع تطلعات الشعوب بعد الحرب العالمية الثانية.
لذلك كانت ميِّزتنا عن الشيوعيين، أننا أولاً قوميـون. والشيوعيـون في ذلك الوقت كانت الرؤية القومية عندهم باهتة واستنسابيّة وتخضع للمناسبات. فهم كانوا إقليميين أكثر مما كانوا قوميين. أكثر من ذلك، لم يكن عندهم شىء ذاتيّ له علاقة بالواقـع العربي، بالواقع المحلي، وإنما كانوا فقط صدى لسياسة خارجية معيَّنة. وعلى هذا الأساس كانت تُطلق بعض التقليعات: أنه إذا غيَمت في موسكو تمطر عندهم، أو إذا أمطرت في موسكو، يحملون هم شمسيّتهم، أو شىء من هذا النوع. وكان ارتباطهم فقط بالحزب الشيوعي الفرنسي، الذي كانوا يعتقدونه مقدساً، أو ارتباطاً عضوياً، لم يستطيعوا أن يتميّزوا عنه… على هذا الأساس، كان موقفهم غير سليم في فترة الاستقـلال.
ليس من شك في أنه في فترة الاستقلال كان قد لعب التيار الدولي دوراً أساسياً، والصراع بين السياسة الإنكليزية والسياسة الفرنسية لعب دوراً أساسياً، والذي كان يحسم الموقف هي الدور الأميركي. ذلك أن الدور الأميركي تعاطف مع الدور الإنكليزي لإبعاد الفرنسيين وإضعافهم في المنطقة. من المنظار القومي التحرري، كل أمة تسعى لأن تستغل الصراع الدولي لصالحها. فلمّا كان "الأحرار" (من قيادات الاستقلال) يروْن أنه من وراء هذا الصراع، يمكنهم أن يحقِّقوا الاستقلال، ولو كان هذا الاستقلال قد جاء بعطف دولي معيَّن، فقد كان هذا بنظر الأحرار غير مهم، لأن هذه مرحلة (طبيعتها كذلك). ولكن بنظر الشيوعيين في حينه، وقعوا في خطأ كبير، في تلك المرحلة، وكأنهم لم يكونوا متحمسين للاستقلال الذي حصل بهذه الطريقة. كانوا يرفعون صورة ديغول مع صورة ستالين. وديغول يومها، كان يعبّر عن قائد فرنسي، عن فرنسا التي لم نر بعد وجهها التحرري الخارجي.
فإذن، هذه مرحلة كنا قد عشناها، عشناها في دمشق، أثناء تظاهراتنا من أجل الاستقلال. فكان يقع صراع مستمر مع الشيوعيين، صراعٌ شديد بيننا نحن كاتجاه قومي عربي والشيوعيين. وكان غالباً صراعاً عنيفاً. وكان الجوّ بيننا متوتراً. واستمر التوتر في الأربعينات والخمسينات وإلى ما بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي عام 1956، الذي أدان الستالينية واستيقظ على أثره الشيوعيون في البلاد العربية.. لدرجة أنني أذكر عندما تخرجت من كلية الطب عام 1951 ومارست المهنة في بلدي النبطية خلال ست أو سبع سنوات، أذكر أنني كتبت مرة نشرة داخلية عنوانها "وحدة النضال العربي". وكنت عالجت بهذه النشرة موضوع علاقتنا وتعاوننا مع الشيوعيين وشروط هذا التعاون. ذلك لأن الشيوعيين كانوا يطالبوننا بقيام جبهة موحَّدة معهم. فنحن كنا نطرح من قبلنا شروطاً لقيام هذه الجبهة. فكيف لنا أن نقيم هذه الجبهة والشيوعيون لهم رؤية إقليمية ومتأثرون بنظرة شعوبية في السياسة العربية؟… فهذا من غير الممكن.
لذلك عالجت في هذه النشرة شروط قيام هذه الجبهة التي يجب أن تقوم على أساس عنصرَيْن أساسيَّيْن: الأول، أن الشيوعيين يقرّون بشكل أساسي مبدأ الوحدة العربية ويعتبرون نفسهم حزب شيوعي عربي والحزب في سوريا فرع لهذا الحزب، وفي لبنان فرع لهذا الحزب أيضاً. فإذن، يحصل عند ذاك التقاء قومي مع حزب البعث، كما كان حاصلاً في ذاك الوقت بين الحزب الشيوعي الإيطالي والحزب الاشتراكي في إيطاليا: فقد كان هناك جبهة. فكانوا متفقين على حدود إيطاليا، على قومية الشعب الطلياني. نحن نطمح لهذا الشىء، ومن الضرورة أن نتفق على هذا المفهوم الأساسي وعلى هذه المنطلقات القومية.
عندئذ يمكن أن نتصافح ونتعاون، وتبقى النظرة الاشتراكية، ولكل طرف حسب رؤياه، وحسب تجربته، وحسب مفهومه، وحسب الاختيار الذي سوف يحصل: أيُّ نظرة أسلم: النظرة الاشتراكية التطورية، كما كانت تقول بها حركة البعث أو النظرة الاشتراكية العلمية. ويمكن بعد ذلك، حسب رأيي أنا، نتيجة الظروف والنضج في التفكير، أن صرنا نحن أقرب إلى الاشتراكية العلمية، وقد اقتربنا بالفعل من الاشتراكية العملية. ولكن الشيوعيين كانوا يريدونها بشكل قصريّ: إما اشتراكية علمية أو لا!!..
والشرط الثاني، لم يكن شرطاً ولكن كان شرحاً لمفهومنا الاشتراكي، وقد شرحته بهذا الشكل من زاوية طبيّة فقلت: كما أن داء السلّ، حسب ما كان معروفاً في تلك المرحلة، يداوى بنوع معيَّن من الدواء. ومن المنظار الطبيِّ العلمي، هذا الدواء يختلف عياره حسب كل مريض، يختلف حسب عمره، حسب بنيته، للطفل غير الكبير، هل بنيته سليمة أم لا؟!.. لأن لكل دواء سلاحاً ذا حدَّيْن. إذن، فقد شرحنا مفهومنا للاشتراكية، وقلنا إن الاشتراكية يجب تطبيقها حسب ظروف كل أمة وحسب حاجاتها وحسب المرحلة التي تمر فيها. وليس كما كان الشيوعيون يرفعون شعاراتهم آنذاك: أن الاشتراكية العلمية كما أتت "بدينهم"، يجب أن تطبَّق في كل زمان ومكان. أصلاً هذا الشيء الذي شرحناه في هذه النشرة، اعترف به "خروتشوف" في إحدى لقاءاته مع عبد الناصر… هذه لمحة سريعة من تلك المرحلة… وأيضاً أتذكر الانطباع الذي لا أزال حافظه عن المؤتمر التأسيسي الأول….
س: … قبل هذا المؤتمر، نحن الآن لا نزال قبل عام 1947…وما تحدثت به الآن إنما هو بشكل عام يُعبِّر عن موقف حزب البعث من الحزب الشيوعي والنظرية الشيوعية. حسناً. سؤالي الآن: ما هي العلاقة التي كانت قائمة في الأربعينات بين حركة البعث العربي والإخوان المسلمين؟!.
ج: …كنت على وشك أن أطرق هذا الموضوع، لو لم تسألني: الذي أذكره أنه كان هناك شبه عداء بين حركة البعث العربي وحركة الإخوان المسلمين. وكان صراعاً مصيرياً بين الطرفَيْن، رغم موقف البعث الفكري من التراث الإسلامي ومن التاريخ الإسلامي، موقفه التقديري والمقرون بالاحترام والتقديس، رغم كل هذا الشيء، كان الإخوان المسلمون كسلفيين يعتبرون أن حركة البعث العربي هي حركة نقيضة للدين الإسلامي وحركة ملحدة ويجب مقاومتها. ويجب القضاء عليها..
وأذكر أنه تجلّى الصراع بيننا وبين الإخوان المسلمين في حادثة مهمة، عندما عيّن الدكتور قسطنطين زريق رئيساً للجامعة السورية في تلك الفترة كحاجة وطنية وقومية. والدكتور زريق كما هو معروف، من أصل سوري ومفكر قومي عربي. وكما أذكر أن فريقنا نحن استبشر خيراً في تعيينه، واعتبرناه انتصاراً للفهوم العَلماني للحياة السياسية وللحياة الجامعية.
ولكن بعد فترة قليلة، رأساً، أعقب هذا التعيين تحركاً من الإخوان المسلمين محموماً ضده. وبدأوا يشنّون حملة إعلامية مؤذية ضده، ضد الدكتور زريق، ويتناولونه بالانتقاد.. طبعاً نحن لم نتبنّاه، وإنما نحن نحترمه ونقدِّر أنه رجل نظيف، نزيه، مربي كبير ومفكر عربي، وله مؤلفات في التفكير القومي..
بعد فترة وجيزة، بعد بضعة أشهر من تعيينه، وصل لعلمنا أن الرجل يفكر بالاستقالة. فأذكر أنني على رأس وفد طلابي جامعي، ذهبنا وقابلناه.. وكنت في تلك الفترة أنا المسؤول عن التجمع الطلابي البعثي في الجامعـة. واجتمعنا بـه اجتماعاً مطولاً، وأتيناه من زاويته كمربي كبير: حضرتك، يا دكتور قسطنطين زريق، نظراً لتجربتك الماضية وماضيك المجيد ومؤلفاتك، فإن لك احترامك ولك موقعك. ونعتبر أن مجيئك لرئاسة هذه الجامعة حدث تاريخي كبير، أنت جئت إلى الجامعة الشعبية الوطنية التي يمكنك أن تحقق فيها كل نظرياتك، يعني كساحة للتطبيق، لتطبيق مفهومك (العروبي والديمقراطي)..
فكان موقفه عنيداً ورافضاً، على أساس أنه يشعر بأنه في الجامعة الأميركية في بيروت يمكن أن يخدم الفكر القومي العربي ورسالته أكثر . فما كان مني إلا أن جابهته بكلام قاسٍ فقلت له: إن وجودك في الجامعة الأميركية في بيروت أشبه "ببرغي" في آلة. أما هنا فإنك تستطيع أن تخلق، أن تبدع، هنا شعبك والنسبة الكبيرة من الطلاب الجامعيين هم من الريف، من الشعب الحقيقي، والنسبة القليلة من الفئة البرجوازية. فإذا كان الفكر القومي لا يقوم على هذه النوعية من الناس، فعلى من سيقوم؟ المهم، أننا لم نقدر أن نصل معه إلى إقناعه، وانتهى بأن استقال…
س: … هل كان ذلـك بسبـب الانتقـادات له من قِبَل جماعات الإخوان المسلمين، لكونه مسيحيّ
ج: … أكيد!
س: … أُعلن ذلك أم كان ضمنياً؟!
ج: … كان هذا هو الجوّ، الانطباع العام: مقاومتهم لهذا الرجل لأنه أولاً ليس مسلماً وثانياً يُخشى منه أن يوجِّه الجامعة باتجاه عَلماني… يعني ان المعارضة له كانت معارضة سياسية غير قائمة على المنطق.. يعني أنه يمكن هو أو غيره أن يخدم، إذا كانوا من المناضلين القوميين ولو كانوا مسيحيين وإنما مخلصين ووطنيين، يمكن أن يخدموا انتشار الدين الإسلامي وإظهار حيويته في النفوس أكثر من قادة مسلمين… وخاصة في قطر كالقطر السوري، بحيث إنه جاء وقت كان فيه من أركان الاستقلال فارس الخوري، رجل الاستقلال ومفكر قومي ورئيس وزارة ومجلس نيابي، وهكذا…..
س: … عددياً، هل كان للإخوان المسلمين نفوذ سياسي في تلك الفترة على صعيد الطلبة، على صعيد الشارع، أم كانوا مجموعات قليلة العدد؟!
ج: … أستطيع أن أقول لك إنهم لم يكن لهم دور كبير، دور ملموس واضح، كان يتم ذلك في الخفي… (وهي جماعة إسلامية لم تتكون بعد تنظيمياً)…. أي أنها حركة لم تكن تماشي العصر…
س: … ولكن كبيئة إسلامية: مدينة دمشق مجتمع إسلامي تقليدي محافظ، هذا المجتمع لديه استعدادات فكرية وسياسية ودينية لتقبل حركة من هذا النوع، فهل كان هناك تعاطف جماهيري مع هذه الحركة أو التيار الإسلامي؟!…
ج: … رغم أن الشعب بأكثريته مسلمة، إنما هذا الشعب كان في تلك الفترة يطالب بشىء جديد.. يحقق له حاجاته العصريـة. كان الشعب وكأيِّ شعب مسلم آخر، نظـراً للدور السلبي لرجال الدين تاريخياً، كان عنده نفور من أن ندخل إلى الإصلاح من باب ديني، وإنما أن ندخل إلى الإصلاح من باب عصري. فهذا ما كانوا، هم الإخوان المسلمون، يفتقرونه. لذلك، لا شك، كانت دعوتهم تلاقي أنصاراً وتلاقي مؤيدين، إنما من البيئات والفئات الشعبية غير الناضجين.
مثلاً يحضرني بهذه المناسبة ما حدث في المؤتمر التأسيسي (نيسان 1947) لحزب البعث العربي الاشتراكي: في هذا المؤتمر التأسيسي فإن الأعضاء المؤتمرين وكانت أكثريتهم من بيئة إسلامية، أذكر أنه برز تياران: تيار بعثي منطلق، ذو نظرة عَلمانية، وتيار بعثي محافظ هو أقرب للتَّديُّن. وكان التيـار المحافظ يشدِّد في دفاعه الدائم أو مطالبته الدائمة في المؤتمر على أنه كان يخشى من حركة البعث أن تنتهي إلى القضاء على الدين الإسلامي. وهذا خطأ. ومهما يكن، فقد كان بارزاً في المؤتمر وجود تيار بعثي محافظ.
س: … من يمثل هذا التيار الإسلامي المحافظ في المؤتمر التأسيسي الأول، إذا كنت تذكر ذلك؟
ج: … يعني وبشكل غير واضح، بشخص صلاح الدين البيطار. لقد كان هذا التيار واضحاً عند الأعضاء الصغار. ولكن الأستاذ صلاح البيطار، كونه ابن بيئة إسلامية وابن بيئة دينيّة، والده كان شيخاً، فيما أذكر، فكان حريصاً على أن لا يكون موقفه أو أن يُشتم من موقفه أنه ملحد أو هو عَلماني. كلا!… هذا شىء خاص به، بينه وبين نفسه. ولكن كان مظهره دائماً التمسك بالشعائر الدينية. وهذا بنظرنا ما كان خطأ، ما كان خطأ للمماشاة في بيئة محافظة. المهم الأعمال والنتائج. وهذا الشىء هو الأساس..
وهنا ننتقل إلى شىء آخر يميّز طريقة الحزب الشيوعي السوداني عن الحزب الشيوعي السوري اللبناني. الحزب الشيوعي السوداني، كما هو معروف عنه، حزب مع الناس، قادته يحترمون شعائر الناس الدينية، يحترمون تقاليد الناس إلى حدٍّ يصلَّون معهم في الجوامع، مع أنهم شيوعيون أو يحاولون أن يوفقوا بين المفهوم الماركسي وحاجات البلد. وعلى ضوء حاجات البلد، يعطون "عياراً" من الماركسية.
بينما أخواننا الشيوعيين في سوريا وفي لبنان، نظراً لمنشأهم، إما أرمني أو كردي ـ ونحن لا نقول ذلك لأننا ضد الأرمن أو الأكراد، فقد صدف أن أحد المؤسِّسين كان من الأرمن أو من الأكراد أو كان مسيحياً غير ناضج، يعني من الأقليات الدينية والقومية ـ لذلك لم يقدروا أن يستوعبوا طبيعة المجتمعات الوطنية المحلية. وهذا ينطبق على الحزب الشيوعي الجزائري أيضاً الذي كان متخلفاً عن الثورة الجزائرية. فهذه الأحزاب الشيوعية في المستعمرات الفرنسية كانت مربوطة مع الحزب الشيوعي الفرنسي الأم. لذلك كانوا متخلفين عن القفزات النوعية لمجتمعاتهم المحلية في العمل الوطني، في العمل التحرري، في العمل الاستقلالي، كانوا متخلفين جداً… وبعد ذلك كانوا يفيقون على حالهم ويمشون. إنما بعد أن كان النضال يخسرهم في مرحلة من المراحل، وكانوا يشكلون عائقاً، وهذا واضح في كلامي.
س: … إذن، في المؤتمر التأسيسي الأول، كان هناك تياران بالنسبة إلى الموقف من الدين، تياران واضحان..
ج: … مثلاً، من جملة عناصر التيار المحافظ، كان لي زميلان في الصف، الدكتور أحمد بدر الدين والدكتور محمود الحكيم، وهما متديِّنان، ولا عيب في التدين…
س: … يعني يصومون ويصلون ويؤدون الشعائر الدينية بتمامها…
ج: … يؤدون الشعائر الدينية، وهذا ليس فيه غضاضة. وإنما كانوا وتشعر أمامهم أنهم حذرين، أنهم ماشون في حركة البعث العربي وحذرين من نتائجها، حذرين من أخطارها العنيفة. مثلاً حصل جدال قويّ جداً في الدستور الذي انبثق عن المؤتمر التأسيسي حول حق الإرث وحق المِلكية. حصل صراع قوي.. فكان الذي هو متشدِّد في حق الإرث والمِلكية، الطرف المحافظ حتى ينسجم مع المفهوم الإسلامي. الطرف الثاني، لم يكن ضد حق الإرث وحق المِلكية وإنما كان يدعو لتقييده وتحديده…
س: … ننتقل الآن إلى الموقف من الحزب السوري القومي الاجتماعي.. وتواجدهم في تلك الفترة في الأربعينات..
ج: … ينطبق الموقف من القوميين السوريين كالموقف من الشيوعيين: الشيوعيون كانوا مربوطين بسياسة خارجية معيَّنة بشكل قاسٍ ولا أريد أن أقول غليظاً، بشكل مقيت، والقوميون السوريون كانوا مربوطين بسياسة خارجية غربية بشكل مقيت أيضاً. مثلاً، القوميون السوريون كانوا يدعون للدفاع المشترك الغربي وكانوا رافعين رايته.. أي أنهم كانوا رافعين شعار الانضمام إلى الأحلاف العسكرية الغربية بشكل عام… وكانوا على الساحة وصراعهم عنيفاً: كان بين القوميين السوريين والشيوعيين وكأنه صراع لصالح الغير. كل فريق يدافع عن سياسة أسياده.
البعثيون وقفوا موقفاً وطنياً قومياً متميزاً من الطرفين: ضد الدفاع المشترك ومع الحياد الإيجابي. وسياسة الحياد الإيجابي، لم تكن تعجب الشيوعيين في تلك الفترة ـ بعد سنين طويلة أصبحت تعجبهم ـ فالحياد الإيجابي بالفعل، حركة البعث كان لها دور في إبرازه والكتابة فيه والدعاية له والتقت بهذا الموقف مع المرحوم كمال جنبلاط، فكان معه نوع من التعاون والتساند. وبعدئذ في مؤتمر باندونغ مع عبد الناصر ونهرو، إلى آخر ما هنالك…
س: … الآن أريد أن أنتقل إلى موضوع آخر: انتسابك إلى الحزب، قلت لي في المقابلة الأولى بأنه تمَّ عن طريق صديق لك اسمه موسى أسعد رزق.. والآن أودّ أن تحدثني، لو سمحت، كيـف تعرفـت إلى قيادات حركة البعث العربـي في أعوام 1944 ـ 1946 وبالذات الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ صلاح الدين البيطار..
ج: … ما أذكره أنني كنت أتردَّد إلى الاجتماعات السريّة في المرحلة الأولى لسماع الأحاديث للأستاذ ميشال عفلق. وتدريجياً بدأت تنمو علاقة خاصة متميزة بصفتي لبناني، وكأنني بالنسبة إلى مؤسِّس الحزب صيد سمين، يريدون من وراء تبني هذا العنصر اللبناني أن يمهدوا للمستقبل. فكان هناك نوع من الرعاية الخاصة والمعاملة الخاصة، من حيث الاجتماعات ومن حيث الاحترام المتبادل…
س: … فإذن، كان هناك علاقة حميمة، علاقة متينة بينك وبين البعثيين الأوائل وأحاطوك بشىء من العناية والاهتمام والرعاية السياسية…
ج: … العناية المميَّزة… وذلك لأمرَيْن: الأمر الأول: كوني من لبنان والأمر الثاني كوني نشيطاً. فقد كنت نشيطاً في حركة البعث وكنت من العناصر التي تحب أن تثبت وجودها، لا أن تكون هامشية، لَدرجة وحتى نكون عمليين في حياتنا السياسية في ذاك الوقت وقبل أن نتخرج أطباء، كنا "نعمل" زيارات لقرى الغوطة كي نؤسِّس فيها مستوصفات، حتى نحتك بالشعب والشعب يعرفنا. يعني هذا نوع جديد من الشبـاب الذين يريـدون أن يتعرفوا على الناس من جهة والناس تستفيـد من جهودهم من الجهـة الأخرى. فكنت أنا على رأس هذا النشاط. فكان لنا مستوصف في القابون.
س: … كيـف كانـت علاقتـك بالأستـاذ ميشال عفلـق أو نظرتك إليه في المراحل الأولى…؟!
ج: لا شك في أنه، ويجب أن يعترف الواحد، كانت علاقة تقدير واحترام لدرجة التقديس، أولاً لكثير من الصفات التي يتمتع بها الرجل، والتي يتميّز بها عن غيره من القادة: صفات التواضع، التواضع اللامتناهي، اللطف، العمق في التفكير. فقد كان الرجل يعيش قضيته، وقد فضّل القضية التي يعمل لأجلها، فضلها على سواها وعلى كل شىء خاص به. وجوده صار في خدمة القضية. مثلاً، فُصل من التعليم من أجل القضية، هو والأستاذ صلاح الدين البيطار، كما تعلم، فهو كان أستاذاً في التاريخ. وكان يكتفي من الحياة بالشىء الزهيد سُواء من مأكل أو ملبس، يعني أن حياته حياة تقشف تقريباً، حياة نسك.
تحضرني هنا حادثة: وهذا حصل في الخمسينات، عندما كان لاجئاً في لبنان هو والأستاذ صلاح والأستاذ أكرم الحوراني.. وأذكر أنني كنت حاضراً في اجتماع مع الصحافي الهندي "كارانجيا"، فقلت لتلك الشخصية الهندية، أنتم لديكم غاندي ونهرو، ونحن عندنا ما يشبهما: عندنا غاندي ونهرو.. غاندي يعني ميشال عفلقن ونهرو الرجل المُنَظَّم في تفكيره وهو صلاح البيطار.. يعني لهذه الدرجة كانا في تصورنا.
س: … ما هي الصفات الأخرى للأستاذ ميشال عفلق كما تحضرك في الذاكرة الآن؟…
ج: … كنت ألمس فيه التصرف اللائق في المنزل تجاه والدته، وتجاه أخوته… كان يتمتع بالهدوء اللامتناهي، باللطف، بالوداعة.. لا تقدر أن تلمس فيه نزعة تسلطية.. في هذا الشىء (الأخير) بعد ذلك، أنا غيّرت نظرتي.. (ولهذا حديث في مكان آخر…).
س: … لو أردت أن أطرح عليك السـؤال إنما بشكل آخـر: الأشياء التي جذبتك في ميشال عفلق كقائد سياسي، كمفكر، كقائد حزبي، كمؤسس لحزب؟!…
ج: … الذي جذبنا في الأستاذ ميشال عفلق الأحاديث العميقة التي كنا نسمعها منه يومها، أحاديث من نوع جديد ـ يعني أدبيات البعث ـ كنا نجد فيها نوعاً جديداً من التفكير السياسي العربي، الذي يتميّز بشىء من العمق والشمولية والذي يلقي ضوْءاً على كثير من علل المجتمع العربي وتشخيصها تشخيصاً سليماً ووصف الدواء المناسب لها..
كان هذا الشىء يلاقي تجاوباً في نفسنا، ويذكرنا بالمستوى الحضاري الأوروبي. يعني أن هذه الأفكار التي كان يتحدث فيها الأستاذ ميشال عفلق بين الفترة والفترة، أحاديث تستمر ساعتين أو ثلاث ساعات، هذا النوع من الحديث يذكرنا بأننا نحن أيضاً حضاريين، لدينا فكر يتناسب مع الفكر التحريري الأوروبي، مع مفكري الغرب، مع أرباب النهضة..
س: … طيّب، كونه مسيحياً، ألم يكن عاملاً معيقاً لعملكم التأسيسي السياسي في وسط كالوسط الدمشقي؟!
ج: … لا شك في أن ذلك كان وارداً، يعني أنه بيننا وبين أنفسنا: نحترمه (كونه مسيحياً) من جهة ولا نقدر أن نحكي عنه من جهة أخرى. نحكي فقط عن حركة البعث العربي عن أفكار البعث، لا نأتي على ذكره كثيراً. أصلاً، لكوننا كنا في وسط طلابي وجامعي، كان احتكاكنا بجماهير الشعب قليلاً، قليلاً…
س: … والأوساط المثقفة تتقبل ذلك…
ج: … نعم، وليس عندها هذا التشنُّج القوي…
س: … أي أنها أقرب إلى العَلمانية منها إلى التزمت الديني…
ج: … مع كل ذلك، كنا نشعر ونلاحظ أنه في نقطة سؤال حول هذا الرجل، حول هذا القائد، أي بالنسبة لإخلاصه للشعب العربي والقومية العربية، إخلاصه لكلامه، رغم كل ما كان يقوم به، رغم سلوكيته وتواضعه وإخلاصه وتفكيره السليم ورغم خطابه في "ذكرى الرسول العربي"، مع كل ذلك، كان هناك دائماً حذر ونقطة سؤال…
وهذا شىء ليس مستغرباً… وأصلاً أيضاً فإن المجتمع العربي وخاصة الإسلامي كان بحاجة ولم يزل بحاجة إلى روّاد وأن يكونوا مسلمين، فذلك أحسن كونهم روّاداً انقلابيين، بمعنى أن يكشفوا هذا الزيف الذي دخل على التاريخ الإسلامي من جميع الأطراف…
هناك صدأ كبير علق بالتاريخ الإسلامي… ونحن كنا نعتبر أن حركة البعث العربي، دورها الأساسي أشبه بتيار ماء قويّ، مطلوب منه أن يزيح من الطريق ويجرف هذا الركام الكبير الذي يقف سداً أمام النهضة العربية. هذا الركام، كنا نعبّر عنه، نحن، بهذه التقاليد البالية، التعصب القومي، التعصب الديني، الفردية وكل ما هو فاسد، فإننا كنا نشبهه بركام من القازورات. فبتيار قويّ جداً يجب أن يزيل كل ذلك من الدرب، حتى تنطلق هذه النفسية العربية: المسلم يصير مسلماً عن حق وحقيق، أن يفهم الإسلام فهماً حقيقياً، والمسيحي يفهم المسيحية فهماً حقيقياً، كل ذلك يكون بفضل نظرة البعث وتفكير البعث.. هكذا.. وبهذا كنا نؤمن..
س: … طيّب، ما هي نظرتكم في تلك الفترة لشخصية أخرى، شخصية صلاح الدين البيطار؟
ج: … في المرحلة التأسيسية الأولى، كان الوجه البارز في العمل التأسيسي، في العمل البعثي الريادي هو الأستاذ ميشال عفلق، هو الطاغي، كان بروزه طاغياً. ولكن هذا لا يمنع أن البعثيين كانوا ينظرون إلى ميشال وصلاح كوَحدة، كوَحدة متلازمة وضروريّة لبعضها، متممة لبضعها من ناحية ميشال كمفكر، مبدع وملهم، وصلاح كرجل فكر، مجتهد، مواظب، ذو عقل منَظَّم ويؤمن بالتنظيم… كلمة مجتهد (تكفي)… وكما قيل مرة إن شخصية ميشال عفلق القيادية نوع من الإلهام، شخصية صلاح الدين البيطار القيادية كانت acquise بمعنى مكتسبة، جاءت بعد النحت والاجتهاد. أما شخصية ميشال عفلق القيادية، ففيها الشىء الكثير من الإلهام، الإبداع.
س: … ماذا تقصد بالشخصية القيادية؟
ج: … تعني كونه يلعب دوراً قيادياً في تأسيس حركة البعث العربي (في تلك المرحلة، في البدايات الأولى).
س: … عنصر الاستقطاب، عنصر التأثير.
ج: … طبعاً، عنصر الاستقطاب والتأثير. القائد، كما تفضلت، يجب أن يتمتع بهاتَيْن الصفتَيْن: بقدر ما أن يؤثر، وبالمقابل يستقطب.
س: … أنني أطرح هذا السؤال لأنه من المآخذ على شخصية الأستاذ ميشال عفلق أنه غير متحرك. وإحدى الصفات القيادية الضرورية والأساسية، خاصة لقيادة حزب سياسي، أن يتصف بالحركة، بالنشاط، بالحيوية، بالمبادرة…
ج: …هذا موضوع آخر، نريد أن نتحدث فيه (فيما بعد…) وإنما الآن نتحدث عن الإيجابيات في شخصيته… وعن الدور الفعّال لشخصيته في تأسيس الحركة… ولكن وفي الوقت نفسه، وهذا ليس بافتراء على الرجل وإنما تكوينه هكذا: إنه من النوع البطيء في نظام حياته، النوع المتمهّل في مشيته، في كلامه، في مواظبته على العمل…
س: … بطيء كذلك في سرعة تفكيره؟!…
ج: … لا! تفكيره كان سريعاً. ولكن كان واضحاً أنه يريد، وهو حريص أن يكون تفكيره نتيجة معاناة… نتيجة معاناة وليس ثرثرة.. نتيجة تأملات.. كان يفترض أنه لازم يختلي بنفسه ساعات طويلة، لازم يسمع موسيقى كلاسيكيّة في الليل، لازم يبقى إلى ما بعد نصف الليل حتى ينام… إنه شخصية أدبيّة موهوبة، وكان مقدَّراً لهذه النواحي الفنيّة (أن تنموا)… وهو قبل أن يكون قائداً سياسياً، كان ناقداً أدبياً، شخصية أدبية. والشخصية الناقدة يجب أن يكون عندها نظرة شمولية في الفنون من جميع أنواعها ومن جملتها الموسيقى.
ولقد كان معروفاً عنه أن له نظاماً خاصاً في الحياة، لا يتماشى مع النظام العام، بمعنى أنه يستيقظ متأخراً، حوالي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، وينام آخر مَن ينام من الناس، ينام بعد منتصف الليل، وحتى لو استيقظ الساعة الحادية عشرة، لا يباشر عمله إلاّ حوالي الساعة الثانية بعد الظهر تقريباً. بالفعل كان هذا النظام متعباً، متبعاً للذين يعملون معه، وأدّى إلى نفورٍ عند كثيرين، نفور واستياء وابتعاد.. أما صلاح الدين البيطار، فبالعكس: كان ديناميكياً، مجتهداً، نشيطاً، حضوره موجود في المكتب باكراً.. يعني كان منسجماً مع النظام العام..
س: … ولكن، هل كان يلاقي قبولاً، الأستاذ صلاح الدين البيطار، بالنسبة للبعثيين الأوائل، وأنتم كطلاب، كما كان يلاقيه الأستاذ ميشال عفلق؟
ج: … لا! كما أذكر، كان دائماً هناك همهمة حول صلاح الدين البيطار: من أين تأتي، لا أعرف؟
س: … حول ماذا؟
ج: … حول يمينيّته: أي إن صلاح الدين البيطار يميني، يحب أن يصل إلى السياسة، يحب أن يكون نائباً… وفي المراحل الأولى، كان هناك همهمة حول الخطوط التي كان يمدها مع الأوساط اليمينية في البلد، يمكن أيضاً مع الإخوان المسلمين، كما كان يُقال، مع الأطراف المتديِّنة، يعني أنه ما كان يعطي انطباعاً أنه محارب ضد الأمور…
س: … هناك بعض الملاحظات أنه لم يكن يتمتع بشىء من البشاشة أو من الجاذبية، في المظهر الخارجي… فهل صحيح أن ذلك كان عاملاً عازلاً له؟!…
ج: … إلى أيِّ مدى كان ذلك يشكل عاملاً منفِّراً، فلا أستطيع أن أُقدِّر ذلك…ولكن، هناك شىء من هذا القبيل: يعني أن وجهه قريب إلى أن يكون anti - pathique، عبوس. إنما في أعماقه شخصية لطيفة، عندما ينطلق ويُعرف على حقيقته، شخصية ظريفة ولطيفة..
س: … شخصية ثالثة: كنت تريد أن تتحدث عن الأستاذ زكي الأرسوزي.. ما هي انطباعاتك عنه في تلك الفترة؟
ج: … لم يتسنَّ لي أن أعرفه وأن أعاشره وأقعد معه، إنما فهمت أشياء عنه بالواسطة: عن طريق المرحوم الأديب والمفكر والذي لعب دوراً على صعيد فكري وسياسي مهم هو الأستاذ صدقي إسماعيل، عن طريقه وعن طريق الدكتور وهيب الغانم وأمثالهما الذين عاشروا الأرسوزي: الأرسوزي كان يتمتع، حسب ما كنت أسمع، بحيوية وديناميكية وسرعة خاطر وسرعة بديهة. وكان شخصية محبَّبة تستقطب حلقات الطلاب والشباب في المقهى، لتستقطب مريدين، يستأنسون بجلسته…
س: … الآن ننتقل إلى مرحلة انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول وقد كنتم في عداد أعضائه..
ج: … فيما أذكر عن انعقاد المؤتمر التأسيسي الأول أنه جرى في قاعة سينما في طريق التكوين (مقهى الروضة).. بالنظر إلى فقر الحركة المادي. كان في المؤتمر ممثلون من عدة أقطار، نظراً لتواجدهم في الجامعة السورية: مثلاً أمين شقير من الأردن، كان طالباً في كلية الصيدلة، وهناك بعض الأشخاص الذين لم أعد أذكرهم… من لبنان، كما قلت، كنت الطالب الوحيد في المؤتمر… وهناك تفاصيل صغيـرة لم أعد أذكرها.. إلاّ ما كنت قد ذكرتها لك حول التياريْن، النوعَيْن من التفكير واضحيْن، والصراع حول بعض المواد..
س: … يمكننا إذن أن ننتقل إلى تأسيس الحزب وانتقاله من سوريا إلى لبنان: هنا، تأسيس الحزب في لبنان، لم يأخذ، برأيي، من العناية التاريخية، من الدراسة التاريخية التفصيلية والدقيقة، كما يجب. إذ إنه، بغض النظر عن أيِّ شىء، ومهما كان تقويمنا للمراحل اللاحقة لحزب البعث، إلاّ أنه كحركة لبعت دوراً أساسياً، بلورت اتجاهاً قومياً عربياً في لبنان لا نستطيع أن نغفله أو أن نقفز فوقه.. إنما البدايات الأولى، ولربما كنتُ قد استعرضتها في كتابي بشكل سريع جداً وأتمنى أن تسمح لي الظروف في المستقبل لكي أتوسع فيها، فليس لدينا عنها المعلومات الضرورية والتاريخية الكافية.. وهذه مناسبة لي لكي أتحدث معك في الموضوع، فأنت من مؤسسي الحزب، سواءٌ بحضورك المؤتمر التأسيسي الأول في سوريا أو، وهنا الشىء الأهم، بتأسيس الحزب في لبنان، فأودُّ لو سمحت أن تُلقي لي بعض الأضواء على هذه المرحلة؟
ج: … إن الذي أذكره أنه بعد تخرجي عام 1951 وتأسيس عملي المهني في النبطية بلدتي (في الجنوب اللبناني) أني كنت أتردَّد أسبوعياً إلى بيروت لنعقد اجتماعاً قيادياً أو شبه قيادي، لاستعراض ما نقوم به من نشاط ولمتابعة نشاطاتنا الحزبية…. في تلك المرحلة بعد تخرجي، كانت حركة البعث العربي قد سبقتني إلى لبنان، وذلك عن طريق شُعبة الجامعة الأميركية. [أي أنه كان هناك مجموعـة من البعثيين العـرب في الجامعـة الأميركيـة في بيروت]، فكيف نشأت هذه الشُّعبة، لا أذكر!… إنما كان أكثر قادتها من خارج لبنان، أذكر منهم دكتور سعدون حمّادي من العراق، دكتور علي فخرو من البحرين، دكتور جمال الشاعر من الأردن وآخرون. وكنت ألتقي معهم كل أسبوع تقريباً، أو كل بضعة أسابيع. نعقد الاجتماعات معهم.
وكنت أنا أجتمع معهم بصفتي عضواً في القيادة القومية. بعد مجيئي إلى لبنان، استمريت واستمر عملي الحزبي كعضو في القيادة القومية. وكنت ألتقي مع الرفيق إنعام الجندي (وهو سوري) الذي كان يمارس مهنة التعليم في بيروت، وقد فوجئت بأن إنعام الجندي الشخصية الأدبية، وكنت أعرفه من الجامعة السورية، فوجئت أن نشاطه الحزبي ظهر في لبنان. في الجامعة السورية، لم يكن بارزاً "ملموساً". وكان ذلك مدعاة لسروري وفرحي، إذ وجدت شخصاً يساعدني. فكنت مساعداً له بظروفه المادية.. وبالفعل، الأستاذ إنعام الجندي لعب دوراً مكملاً في نشر الحركة في أوساط الطلاب. كان شخصية محبَّبة. وكان يعيش حياة متقشِّفة. وكانت شخصيته من نوع الشخصية "المُنْفَلِتة"، شخصية متمرِّدة على التقاليد أكثر مما هو مطلوب، هو وأخوته: أظن أن كثيرين يعرفونهم من هذه الناحية، حياتهم ليس فيها انضباط، وهي شخصية تعجب الجيل الطالع. فكانوا يشبِّهون حياتهم بالحياة البوهيمية. إنما هو كنوعية نظيفة وسلوكياً نظيفاً، لا غيار عليها.
وبدأت أعمالنا المنظَّمة في بيروت عن طريق قيادة تأسست، وأذكر من أفرادها المرحوم الدكتور عدنان سنو، وكان طالباً، والمرحوم خالد يشرطي وكان لا يـزال طالباً في الجامعة الأميركية في بيروت، ولفترة وجيزة حسان مولوي (من طرابلس) وأيضاً عب الوهاب الشميطلي. هذا في مطلع الخمسينات، وهذه هي القيادة اللبنانية وقد انفصلت عن المجموعة البعثية في الجامعة الأميركية.
وبالفعل، إذا كنت أريد أن أستعرض طريقة عملي الحزبي في تلك المرحلة، فهي طريقة فيها الصواب وفيها الخطأ. بمعنى: الصواب، حماسي لنشر الحركة وسلوكيتي كطبيب في خدمة الحركة. وأعتقد أنه أول شخص لبناني كشخصية اجتماعية وآتي من سوريا، كان قد برز عني انطباع عند الرأي العام، انطباع أني بعثي بالكامل، لحماً ودماً.
أما وجه الخطأ في عملي، وهذا لا أتحمل مسؤوليته لوحدي، إنما الحركة كأم تتحمل مسؤوليته معي، فهو أنه في تلك المرحلة لم تكن الحركة حريصة على تخريج الكادرات، كما هو معروف في الأحزاب (المتقدمة والحديثة) التي تريد أن تلعب دوراً قوياً وتريد أن تستمر وتخدم قضية كبيرة، خاصة أن حركتنا تبني نفسها من أجل أمة تعد عشرات الملايين، وأمة فيها مشاكل لا تحصى، فالمفروض أن تتشكل كادرات تستوعب ظروف المجتمع وأن يكون لديها شىء واضح لطريقة العمل. وبالفعل، هذا الشىء كنا نفتقده. يعني أننا نحن كنا نخلق التجربة بنفسنا، وكأن الحركة دبَّتْنا (رمتنا) في بحر وقالت نلا: اسبحوا، اسبحو لوحدكم.
فمن جملة الأخطاء، أخطاء غير مقصودة بسبب من اندفاعنا، فأنا كطبيب كنت مسروراً من نفسي أن أذهب إلى قرية وأعقد اجتماعاً فيها، وفي ليلة واحدة أخلق سبعين نصيراً. كانت حركتنا آتية في مرحلة مناسبة جداً، وهناك عطش عند الناس في أثناء الحرب العالمية الثانية وعلى أبواب الاستقلال، لحركة لا أسميها إصلاحية وإنما جديدة، لحركة تلعب دوراً قيادياً مستقبلياً. الناس كانت متعطشة لهذا الشىء.
فكنت أنا أستهون الطريق، بمعنى أنني أعتبر أن حديثاً واحداً في قرية، ينشر الحركة. مثلاً كنت أستسهل الطريق بأن أخاطب المتعلمين، وليس المثقفين، يعني معلمي المدارس والطلاب. وهؤلاء كسبهم للحركة هيِّن. كذلك كنت أشعر بسرور من نفسي أن الأعضاء تكثر، ولكن هذا ليس بناءً… فقد تبين لي أن ليس هذا هو الطريق.. قمت بنفس الخطأ الذي وقعت فيه الحركة في سوريا… في سوريا الحركة استسهلت الطريق: لا تخاطب إلاّ الطلاب ومعلمي المدارس بشكل عام.. لم تذهب للعنصر الصلب من الشعب وهو العنصر العمالي..
س: … لماذا؟ هل هـي فقط عمليـة إرادة أم طبيعـة الحركة؟ بمعنى آخر، ألا تعتقد، دكتور علي، بأن كون حركة البعث العربي منذ البداية وحتى فيما بعد لازمتها صفة "المثقفين". فهذه الصفة تجعل من القيادات ومن الأعضاء أن يحتكوا بمَن يشابههم ويماثلهم، يعني بالمثقفين.. ولكن في ما يتعلق بلبنان، ألا تعتقد بأن حزب البعث منذ البدايات الأولى، استطاع أن ينفذ إلى الأوساط الاجتماعية، المهنية والحِرفية والفئات الفقيرة أم لا؟!
ج: … في لبنان، خلال سنوات قليلة، قدر حزب البعث العربي الاشتراكي أن يصل للفئات الشعبية الحقيقية من عمالية وحِرَفية ويعمل على تنظيمها… أعتقد في لبنان استفادت الحركة من التجربة في سوريا وقدرت بسرعة أكثر أن تصل للفئات العمالية، أو إلى قطاع بسيط منها وخاصة في صيدا وبعدها في منطقة بنت جبيل، وفي صور. لأنه تبيّن، وهذا معروف في علم الاجتماع وعلم النضال، أن الفئة التي لها مصلحة أكثر من أيِّ فئة أخرى، التوجُّه نحو حركة كحركة البعث أو أي حركة اشتراكيـة، هي الفئـة العمالية.. وهذا بنظرنا، وقد أدركناه بالتجربة، أشبه بالجهاز العصبي في جسم الإنسان: جسم الإنسان إذا كان جهازه العصبي سليما، يقدر أن يقـف على رجليه ويمشي ويتحرك، وإذا كان جهازه العصبـي ضعيفـاً، فهناك أمراض كثيرة تنشأ.
فالتنظيم العمالي لأيِّ حركة اشتراكية أساسي. خاصة وهذا قد ثبت فيما بعد في القطر السوري الذي عمل مجداً لحركة البعث وبعدها لحزب البعث العربي الاشتراكي، هو انضمام الفئات العمالية أو الدور الذي لعبه شخص كخالد الحكيم، رئيس اتحاد النقابات العمالية في سوريا، كشخصية نقابية ربطت العمل النقابي بالعمل السياسي، فعطت للعمل السياسي زخماً، وأعطت للحزب زخماً كبيراً، وهذا ما أتت به أو ساعدت عليه الظروف، وليس الحزب نفسه…
أعتقد أن هذا الشيء الذي تخلفت فيه الحركة منذ البداية، لم يكن مقصوداً، إنما كان نظراً لطبيعة تكوين الحركة، الحركة قامت على المثقفين، وبين المثقفين، حركة تحرير فكري، فقد كان غالباً عليها طابع التحرير الفكري… الظروف ضغطت عليها، حتى تدخل في الساحة السياسية دون أن تكون مجهّزة كما يجب، دخولها في النشاطات السياسية دون أن تكون مجهزة تنظيمياً، بالنسبة للتنظيمات الشعبية وللتجربة الحزبية ولتنظيم كوادر وتربيتها، جعلها تتعرض لمخاطر عديدة ولمتاهات سنأتي عليها فيما بعد.. يعني أنها ضُربت ضربات قاسمة لهذه الأسباب ولأسباب غيرها كذلك. وكما قلنا: إن طريقة تكوين الحركة كان هناك مآخذ عليها، ولكن رأيناها فيما بعد…
س: … طيّب، بعد ذلك سنتكلم في الموقف النقدي… الآن نحن في بدايات تكوين الحركة، من الملاحظ ـ ولا أعرف إذا كنت توافقني أم لا ـ وكأن المجتمع اللبناني العروبي كان على موعد، على انتظار مع حركة من هذا النوع، لأنه من الملاحظ أن الحزب تطور بسرعة رهيبة في لبنان، بظرف سنتين أو ثلاث سنوات أصبح قوة سياسية لا يستهان بها على الصعيد السياسي والجماهيري. مثلاً في عام 1957، خاض الحزب معارك انتخابية انطلاقاً من صيدا ومن طرابلس ومن بيروت وفي الجنوب.. فما أريد أن توضحه لي: فما هي القواعد الجماهيرية الأساسية التي كان يرتكز عليها حزب البعث في تلك الفترة؟!
ج: … أذكر أنه في تلك الفترة، كنت أقوم بنشاط رهيب، تقريباً يومياً، من أجل نشر الحركة: أسبوع أعقد اجتماعاً في صور وأسبوع آخر أعقد اجتماعاً في بنت جبيل وأسبوع ثالث في طرابلس، وأسبوعياً في بيروت، وأسبوع آخر في صيدا. وكانت أكثر لقاءاتنا مع الطلاب والأساتذة.. وإننا كنا نشعر أننا ملاحقون، وهذا قبل أن نعلن عن أنفسنا كحركة بعث، وكنا نكتفي بتوقيع بياناتنا تحت اسم: "القوميون العرب الأحرار"، حتى تتميز عن حركة القوميين العرب.
وأذكر أن أول فرقة أقسمت اليمين في بنت جبيل كان ذلك بوجودي وليلاً وتحت شجر التين. إنما كنا نشعر أن انتشار الحركة في صيدا بأوساط عمالية أكثر من غيرها، وعرفنا هذا بعد ذلك أنه كان هناك تقاليد نقابية في صيدا قديمة، قدرت الحركة أن تستفيد هذه التقاليد القديمة والتنظيمات النقابية القديمة وتدخل فيها وترتكز عليها. وحسب معلوماتي أن هذه التقاليد النقابية القديمة كانت من أعمال رجل وطني قديم، الشيخ عبد السلام شهاب ـ هكذا قيل لي ـ وهو والد المرحوم حسيب شهاب والمرحوم نسيب شهاب. حسب ونسيب شهاب كانا من الرجال الوطنيين الأوائل عند دخول المستعمر الفرنسي، وكانا على رأس المظاهرات بتحريض من أبيهما. والصيداويون يذكرون عن المير نسيب شهاب أنه طعن في أنفه بحربه حتى قيل إنه أوشك أن يموت، فأنقذ في الجامعة الأميركية في بيروت. ثم التحق بالجامعة السورية ودرس الحقوق. ولكنه لم ينه دراسته إذ إنه التحق بالثورة السورية عام 1925. وبعد ذلك حُكم بالإعدام وهرب إلى فلسطين وإلى مصر وعاش فترة 15 أو 20 سنة في المنصورة.. (هكذا أذكر كما رُويت لي المعلومات). المهم أن أبيهما عبد السلام شهاب كان هو، كما يقال، من المؤسسين للعمل النقابي في صيدا..
س: … هنا، أعتقد أنه من الناحية التاريخية وفي الخمسينات من هذا القرن أن حزب البعث لعب دوراً أساسياً في تأسيس النقابات الحديثة… قبل ذلك كان هناك محاولات وتجمعات مهنية لا وزن ولا أثر فاعل لها اجتماعياً أو سياسياً. هذا ما أعرفه بشكل عام، فيجب أن أتحقَّق من الموضوع…
ج: … صحيح، ولكن كان لها طابع حِرفي..
س: … في الحقيقة وكما أعلم أن الذي لعب دوراً مهماً في انطلاقة النقابات في صيدا هو حزب البعث وحسيب عبد الجواد الذي كان مدعوماً من الحزب… على أيِّ حال، نعود إلى موضوعنا، هل برأيك أنه في صيدا فقط كان للحزب بعض التجمعات العمالية أو الشعبية، وفي بيروت مثلاً؟ في الضاحية الجنوبية، في برج أبو حيدر؟ فقد قيل لي ذلك!
ج: … لا! لا!، لا أذكر ذلك تماماً.. إنما الذي أذكره أنه كان هناك بعض الفئات العمالية في منطقة بنت جبيل… بينما كان المعلمون والموظفون لا يتحملون قساوة النضال.
س: … في طرابلس!!.. أَلَم تستطيعوا أن تتوسعوا وتنفذوا إلى الأعماق الشعبية ـ إذا لم نرد أن نقول عمالية؟! الأوساط الشعبية والمهنية!
ج: … والله، نظراً لنشاطي الحزبي المقتصر على القيادة القومية، فلا أستطيع أن أقول لك المعلومات المفصلة عن كل شُعبة… كنت دائماً مربوطاً بالقيادة القومية، وبنفس الوقت عضو بالقيادة القطرية اللبنانية. إن اتصالي بالقواعد الحزبية كانت قليلة، إلاّ في الجنوب فكان الاتصال أقوى في صيدا، في صور… أذكر في الخمسينات، أول مهرجان قام به الحزب هو في صيدا، في ذكرى 6 أيار 1952، وكان مهرجاناً بارزاً…
س: … هل يمكن أن نسمي هذا المهرجان نقطة الانطلاق؟!
ج: … نعـم، كان نقطـة الانطلاق.. وبعدها ألقيت حديثاً، محاضرة في صيدا عن مفهومنا للاشتراكية العربية… كان هناك تجاوب من الجمهور الصيداوي.. وخاصة لما عرف عن صيدا بدورها الوطني الثابت والسابق ومن انسجام شعبي، انسجام الشعب homogène ومن دور وطني على صعيد استقلالي، صراع ضد الاستعمار الفرنسي، على صعيد التعاطف مع الثورات الفلسطينية في الثلاثينات وعلى أبواب الأربعينات..
س: … هناك سؤال في هذا السياق: لو أردنا أن نُصنِّف اجتماعياً العناصر الأولى القيادية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، فكيف يكون ذلك، هل هم من البرجوازيين أو من الفئات البرجوازية الصغيرة؟!
ج: … نستطيع أن نقول إن القيادات الأولى التي مارست العمل في لبنان، كانت آتية من أوساط برجوازية صغيرة بأكثريتها الساحقة. وأذكر أنني كنت أصطدم بالقيادة القطرية في السنين الأولى من الخمسينات أو بعدد من بين أعضائها حول طريقة عملها الحزبي. كنت أعتبر أن هذه قضية مقدَّسة، يعني أنها لا تحتمل المزح ولا الخفّة و"الكولسة" ولا حب الوصول.. كنت أعتبر نفسي من قماش معيَّن، فكنت أصطدم مع عقليات وهي جارّة معها للحركة مفاسد المجتمع من خِفّة ومن استهتار….
س: … مثل مَنْ؟ (وهنا، هذا الحديث يبقى بيني وبينك).
ج: … الشخص البارز في هذا الموضوع هو المرحوم خالد بشرطي، يمكن أن تكون شخصيته Son Caractère هكذا: مزوح ويستخف العمل الحزبي ولا "يقبض" شيئاً جدياً، وهو في الحزب ولا يهتم بشىء… وكذلك هو أول من خلق الشلل. فكانت الأعمال تمارس خارج الاجتماعات المنظَّمة، أكثر من الأعمال التي تمارس في الاجتماعات الرسمية المنظَّمة.. هذه أعمال "الكواليس"، سواءٌ في ما يتعلق بفترة الانتخابات الحزبية أو التطبيقات أو غيرها من الأمور التي كانت تحصل، وهذا هو الذي لعب دوراً سيئاً للغاية في حياة الحزب.
س: … يعني أنه من الناحية التنظيمية لم يكن هناك من سلوكية سليمة…
ج: … لم يكن هناك سلوكية موضوعية وكما يجب.. طبعاً يوجد حماس وإخلاص كبيرين.. ولكن يوجد أيضاً عقلية ـ دون انتباه منها ـ عقلية مدمِّرة. مثلاً، خالد بشرطي، والده كان رئيس الطريقة "الشاذلية"، وقد ورث من وسط أبيه هذا النوع من الخِفَّة، هذا النظر للأمور نظرة ثانوية، هامشية.. (والشاذلية طريقة من الطرق الصوفية).
س: … هل لهذه الطريقة صفات معينة: الاستخفاف، عدم إعطاء أهمية كبرى للأمور…
ج: … بمعنى أن خالد بشطري، جاء إلى عمل نضالي وهو مترف… تلاحظ عليه أنه مترف ومتخوم، وهو آتٍ إلى وسط نضالي لقيادة عمل جماهيري، لقيادة عمل عمالي، يتطلب جِدّية أكثر، يتطلب مواظبة أكثر، إخلاصاً أكثر، احتراماً للآخرين أكثر.. يعني أن الذي ضرب التنظيم في لبنان هو عمل الشلل.
س: … عبد ا