د. دندشلي - مـقـابـلـة مـع الأستاذ ياسين الحافظ
مقابلات /
سياسية /
1970-04-07
مـقـابـلـة
مع الأستاذ ياسين الحافظ
الزمان والمكان : 7 نيسان 1970 ، بيروت
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي .
* * *
كيف تكوّن ما كان يسمّى بالبعث اليساري حتى وبعد المؤتمر السادس ؟...
إنّ المرحلة الأولى التي ساعدت على بلورة الاتجاه اليساري الاشتراكي عند حزب البعث هي نتيجة السياسة التي اتبعها عبد الناصر في الإصلاح الزراعيّ ثمّ في التأميمات :
إنّ حزب البعث من خلال تناقضه مع عبد الناصر ، تأثر من جهة ، وأراد أن يلعب هذه الورقة من جهة أخرى . بقيت هذه التأثيرات إلى أن تبلورت مجموعة شيوعيّة ـ بعثيّة هي : جمال الأتاسي ، عبد الكريم زهور ، الياس مرقص ، وياسين الحافظ . لقد أجتمعوا والتقوا في جريدة الجماهير ... ولقد استمر هذا الالتقاء والتعاون الفكري إلى أن وقع الانفصال . وعند وقوع الانفصال، أدانوه رغم أنّهم كانوا متفرقين .
ويقول الحافظ : خلال فترة الانفصال ، كان هناك فكرة إنشاء حزب اشتراكي وحدوي ، ولكن كان يشوب ذلك نوع من التردّد ، والنقطة الأولى الممهدة لقيام حزب سياسي هي تبلور ووضوح الخطّ الفكري. لذلك عملوا على إصدار مجلة : في الفكر السياسي . ففي الفكر السياسي دعوة صريحة لتكوين حزب سياسي .
إنّ العمل الفكري كان يتركز في :
ـ تفنيد التيار القومي
ـ تفنيد التيار الشيوعي
لهذا كتب مرقص مقال : الستالينية والمسألة القومية في الجزء الأول من : في الفكر السياسي. وجمال الأتاسي : الاشتراكيّة وأسطورة الخصائص . وياسين حافظ : حول تجربة حزب البعث .
في الحقيقة ، إن جمال الأتاسي اتجه اتجاهاً يسارياً من خلال قراءاته سارتر ومجلة Esprit، وغيرهما من الصحف الفرنسيّة اليساريّة . إنّ عبد الكريم زهور وجمال الأتاسي في الأساس قوميّان يعطيان الاشتراكيّة أهمية كبيرة، في حين مرقص والحافظ كانا شيوعيَيْن يعطيان القومية مكانها الأساسي .
المهم ، أن فكرة الحزب قد توقفت عندما قام الحزب في العراق بانقلابه في 8 شباط 1963. الحقيقة إنّ حزب البعث في العراق ، بقدر ما كان معادي من الناحية التكتيكيّة للشيوعيين. إلاّ أنّه كان متأثراً في قليل أو كثير بالأفكار وبالتكتيك الشيوعي للحزب في العراق . لذلك عندما لمس البعثيون العراقيون هذا الاتجاه اليساري في سورية تلقَّفوه ....
عندما حصل الانقلاب في العراق ، دعت فوراً القيادة القطرية هناك القيادة القومية (عفلق) وأيضاً عبد الكريم زهور وجمال الأتاسي . لقد كان هناك دعوة شخصية من بعض القياديين البعثيين العراقيين إلى هذا التيار اليساري السوري إلى استلام الحكم وتنظيمه وسدّ الفراغ فكرياً .
وبالفعل ، لماذا الأتاسي وزهور والحافظ انتسبوا إلى حزب البعث ؟.. وكان ذلك على أساس أن كلّ ما كتبوه سيتبناه الحزب . من هنا ، نشأ نوع من التحالف بين اليسار السوري والتيار اليساري في العراق الذي كان في الحقيقة تياراً يسارياً ذاتياً أي أنّه ليس بيساري من الناحية الموضوعيّة .
في زمن الانفصال ، إذا كان اهتمام هؤلاء الأربعة : الأتاسي ، زهور ، مرقص والحافظ بنسب مختلفة ، إنما هو إصدار مجلة : في الفكر السياسي ، إلاّ أنّ عملهم الأساسي كان في إسهامهم في تحرير جريدة حزب البعث التي لعبت دوراً كبيراً في مفهوم الانفصال .
في جردية البعث آنذاك 3 اتجاهات :
ـ الخطّ الوحدوي الاشتراكي ( الأتاسي ، الحافظ ، زهبور ). ومهاجمة الانفصال بدون هوادة وخصوصاً أكرم الحوراني .
ـ الخطّ الثاني هو خطّ البيطار : اتجاه وحدوي تقليدي متردِّد .
ـ الخطّ الثالث هو خطّ عفلق ، اتجاه يضع عبد الناصر وعفلق في مكان واحد .
بعد الانتساب إلى البعث ، الأتاسي ، زهبور والوحديون المخلصون ـ مع أنّهم من الأوائل الذين اختلفوا مع عبد الناصر ـ وبحكم وجودهم في البعث وفي الوزارة وبحكم اشتراكهم في محادثات الوحدة الثلاثية ، هم الذين يعرفون حقيقة نوايا عفلق والعسكريين في ما يتعلق بالوحدة .
عفلق يريد أن تُبنى دولة من سورية والعراق تنافس عبد الناصر وتقيم تجربة وحدوية جديدة. والعسكريون كانوا يخططون في الدرجة الأولى للانفراد في الحكم . وهكذا ترك زهور والأتاسي الحزب ( يرجح في تموز 1963 ) أما الحافظ فقد بقي فيه حتى انعقاد المؤتمر السادس .
المؤتمر السادس
الانطباع الأول ، هو أنّ هذا اليسار الذي ظهر في المؤتمر السادس ليس يساراً حقيقياً ، إلاّ بالقدر الذي يكفل له بالمزاودة على عبد الناصر . ثانياً ، إنّ هذا اليسار ليس له مركز حقيقي في السلطة . له تأييد جيد في قواعد الحزب ، ولكن ليس له وجود حقيقي في السلطة في العراق وسورية. مثلاً في العراق عندما أُبعد علي صالح السعدي من وزارة الداخلية ، كان في الواقع إنهاء له وللتيار اليساري الذي يمثله ... مع العلم أنّ التيار اليساري في العراق ذاتي وليس موضوعي : الاصطدام مع الشيوعيين ومع عبد الناصر ....
الحرس القومي فيه تياران : الأول هو تيار اشتراكي يساري والثاني يضمّ مجموعة من "حثالة" الجماهير الشعبيّة ... " الجماهير الرثَّة "
داخل المؤتمر السادس ، شنّ عفلق هجوماً مركزاً وعاطفياً على التيار اليساري ، واعتبار هذا التيار هو غريب عن الحزب ، وثنّى مطولاً على كلام عفلق ، البيطار ثم شبلي العيسمي إلخ ... لقد خُفِّفت لهجة التقارير التي قدّمت إلى المؤتمر وخصوصاً الفصول المتعلقة بالوحدة والاشتراكيّة ، وذلك لتمريرها وقبولها من المؤتمر . والذي تولى الدفاع عنها هو جبران مجدلاني الذي قال عنه عفلق بأنّه دفاع محامين ...
العسكريون السوريون : الحافظ وعمران ضدّ التقرير، صلاح جديد ( دائماً متحفظ، صامت) كان في الواقع ضدّه أيضاً وكذلك رباح الطويل . صلاح جديد سأل فقط ياسين الحافظ : " هل تعتقد أن التقرير يمكن أن يطبق في سوريا ؟...". أما حافظ الأسد وحمد عبيد فلم يكونا ضد التقرير وذلك بسبب صداقة مع بعض العناصر التي تتبنى التقرير : العسكريون العراقيون إما لم يحضروا ، وإما لم يشتركوا في النقاش ، والمندوبون العراقيون كانوا مع التقرير ما عدا 2 أو 3 أشخاص : صدام حسين التكريتي ، حازم جواد .... ضد التقرير . نور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس مرة يهاجمون التقرير ومرة يوافقون عليه جزئياً .
أما نتائج المؤتمر ، فهي أنّ المقرارات هذه ما هي إلاّ تسوية تميل لصالح اليسار والقيادة القومية بأغلبيتها يسارية مع بعض العناصر اليمينية ...