د. دندشلي - مـقـابـلـة مـع الأستاذ صلاح الدين البيطار(1)
مقابلات /
فكرية /
1965-08-25
مـقـابـلـة مـع
الأستاذ صلاح الدين البيطار
الزمان والمكان : 25 آب عام 1965 ، دمشق
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
ولد عفلق عام 1910، وأتمّ دراسته الثانوية في التجهيز ، ثم حصل على منحة للسفر إلى باريس بعد أن نجح في المسابقة للحصول على منحة دراسيّة . وعاد إلى دمشق في أواخر عام 1933.. ودرَّس مادة التاريخ في التجهيز ,,, أما البيطار فقد عاد من باريس في أواخر عام 1934، بعد أن درس العلوم في جامعة السوربون ، ليكون أستاذاً في المعارف ...
دور الطلاب في العمل الوطني
الشيء المميّز آنئذ هو ربط مهمة الطلبة الدراسية بمهمتهم القومية التي كانت في ذلك الوقت مقاومة الاستعمار والرجعية معاً . وكان الطلبة يؤلفون القوى الحيّة المناضلة في سوريا ، بل إنهم يمثلون القاعدة النضالية للعمل القومي . وكنّا في الواقع نعطي هذه الأهمية المزدوجة للطلبة ـ الدراسة والعمل القومي ـ في معركة التحرير القومي من الاستعمار الإفرنسي .
وكنا نفتح الآفاق العربية لقضية التحرر ، ونعتبر التحرر القومي من الاستعمار هو التحرر العربي لا السوري ، الأمر الذي ربط نضال الشعب العربي في سوريا بنضال الشعب العربي في كلّ مكان من البلاد العربية ... كما ربط التحرر القومي بالتحرر الاجتماعي ، وأوجد هذا التلازم بين الثورة القومية التي تحمل شعار الوحدة العربية وبين الثورة الاجتماعية التي حملت شعار الاشتراكية ... وبعبارة أخرى ، لقد حُددت القضية القومية في جميع أبعادها بأنها قضية تحرر العربي في الوطن العربي كله ووحدته واشتراكية ...
في تلك الفترة ، لم يكن هناك أي وجود لطبقة عمالية ... قوية ومستقلة . وللتخلص من سيطرة الاستعمار الإفرنسي ، فقد تحالفت جميع الطبقات في سوريا لمقاومته ... لقد كانت هذه الفترة بمثابة المرحلة الأولى التي بذرت فيها الأفكار الثورية البعثية والتي حملت شعار الوحدة والحرية والاشتراكية ..
في أثناء الحرب العالمية الثانية ، قامت ثورة في العراق على رأسها علي الكيلاني ، ضد الاحتلال البريطاني . فكان من الطبيعي أن تتجلّى الأفكار ، هذه الأفكار التي غُرست في نفوس الطلبة والشبيبة ، بموقف ينتصر في سورية للثورة في العراق ...
حركة الأحياء العربي
بعد النكسة التي أصابت القضية العربية في سورية حوالي عام 1937 ـ 1938، وبعد ما تراجع الإفرنسيون عن معاهدة عام 1936، وعندما حاول " الوطنيون " احتكار السلطة ، والاستمرار في اتباع سياسة التنازلات المتتابعة تجاه الإفرنسيين ... تشكلت في تلك الأثناء حركة الأحياء العربي . وأصبحت هذه الحركة الجديدة هي التي تقوم بالمظاهرات الطلابية والشعبية ضد الانتداب الفرنسي ، وتقيم أسس الحركة النضالية التقدمية التي ظهرت فيما بعد تحت اسم حركة البعث العربي...
أثناء الحرب وفي عام 1942، وجدنا بأنه لا بدّ من قطع علاقتنا بالوظيفة حتى يأخذ نضالنا مداه ، فاستقلنا من وزارة المعارف ... ويمكن أن يقال وابتداءً من تلك السنة ، بدأ العمل الجدي بتأسيس حزب البعث .
* أما علاقتنا بزكي الأرسوزي ، فيمكن تلخيصها كالآتي : لقد جاء زكي الأرسوزي إلى دمشق بعد عام 1938، بعدما سُلخ اللواء ، لواء الاسكندرون ، عن سوريا وأُلحق بتركيا ... إنّ سلخ اللواء عن سوريا أثار تجمعات الأشخاص والحركات التي كانت تعمل بالحقل الوطني ، وجرت محاولات للتكتل في حركة واحدة ، ولكن نتيجتها كانت الفشل ...
كان هناك لقاءات مع الأرسوزي . وكان هناك تبادل في الآراء . ولكن لم يكن ذلك لتكوين حركة سياسيّة قوميّة معه ... وسرنا نحن في طريقنا ، ولم ينخرط معنا في العمل ... كما أنّ الأرسوزي لم يؤسس أيّ حركة أو حزب ، كما أنه لم يشترك معنا في حزب البعث ، وإنما كانت صلتنا به صلة صداقة ...
* التقاء حزب البعث و الحزب العربي الاشتراكي
إنّ الأستاذ أكرم الحوراني عضو في مجلس النواب منذ عام 1943... وكانت مواقفه السياسية في ذلك الحين ، ملتقى عدد من الشباب الحمويين الذين كوّنوا فيما بعد حزب الشباب . وكانت الجامعة السورية قد أُسست وأصبحت ملتقى الطلاب السوريين الذين يفدون إلى دمشق ... وطبيعة الحال ، فكثيرون من طلاب الجامعة هم من طلابنا الذين شاركوا في النضال في السنوات الماضية ... وكان الحوراني آنئذ يعبّر في مجلس النواب ، بمواقف سياسية متقطعة ، عن رغبات الشعب ، ولا سيما وأنه كان يمثل المعارضة في الحكم الرجعي ، كما أنه كان يلتقي بآرائه مع الحزب ... وكان هناك مواقف متماثلة في بعض الأحيان بينه وبين البعث ...
إلى أن قام انقلاب حسني الزعيم ... ويظهر أن أكرم الحوراني كان على علم بذلك ، فأيد الانقلاب ، كما أيده الحزب ، حزب البعث ، فيما بعد تأييداً مشروطاً بقيام حكم ديمقراطيّ ... ثم جاء حكم الشيشكلي ، وكنا بدأنا نختلف نحن والحوراني على بعض الأمور الهامة : الموقف من الحكم العسكري والديكتاتورية ...
وصدف في ذلك الحين ، أنّ العقيد الشيشكلي الذي كان على صلات حسنة مع الحوراني، قد تخلّى عنه . وهذا التخلّي كوّن نقطة الالتقاء بين حزبنا وأكرم الحوراني والشباب الذين التقوا معه، وما يسمّى بحزب الشباب ، ثم الحزب العربي الاشتراكي .
واستمر الالتقاء في ظل الديكتاتورية ، وأدّى إلى نوع من التقارب والتفاعل ، انتهى باندماج حزب البعث وحركة الحوراني في حزب واحد ... الاندماج كان على أساس دستور حزب البعث وعقيدته وأفكاره وشعاراته في الوحدة والحرية والاشتراكية . ولكن الذي حدث أن هذا الاندماج لم يُصهر الحوراني في حركة البعث ، وبقي نوع من التمييز في داخل الحزب ... وكانت دوماً تحدث أزمات من جراء عدم الانصهار ووجود انقسام وتكتل بسبب ذلك ...
ومع هذا ، فإن الذي يسمّى بالاندماج الناقص ، حقّق وحدة نضال كان من شأنها الوقوف في وجه الاستعمار وحلف بغداد من عام 1954 إلى عام 1958... إلى أن حلّ الحزب نفسه ... إن أكرم الحوراني فردي النزعة وليس هناك أية إمكانية في انضباطه في أيّ جهاز حزبي ...
إنّ خلافاتنا مع أكرم الحوراني لم تقف عند هذا الحدّ ، بل تجاوزتها إلى خلافات أكثر عمقاً وخطورة ... في أثناء الوحدة بين سورية ومصر ، وعندما بدأت الوحدة تتكسر ، ظهرت خلافات أساسية ، خلافات عقائديّة تتعلق بمفهوم الوحدة والاشتراكيّة ... الأمة العربية أمة واحدة فيجب لذلك أن يكون لها كيان واحد ، هذا هو شعار البعث ـ أي عفلق والبيطار ـ أما رأي الحوراني فهو أن الأمة العربية أمة واحدة ليس هناك أي شك ، ولكن ليس من الضروري أن يكون لها دولة واحدة ...
أما في ما يتعلق بالاشتراكية ، فإن الأستاذ أكرم الحوراني لا يفهم منها إلاّ الإصلاح الزراعي ، كما أنه ينادي بالديمقراطيّة البرجوازيّة في بلادنا ... إن انتكاسة الوحدة بين سورية ومصر ، برأينا ، يجب أن يُتخذ منها وسيلة للإصلاح والتصحيح، لا أن يُتخذ منها وسيلة لضربها، كما يرى أكرم الحوراني ...
تجربة حزب البعث مع عبد الناصر
هناك خلاف عقائدي أساسي بين البعث وعبد الناصر والناصرية . هذا الخلاف مرتكز على نقطتين : 1 ـ حكم الشعب . 2 ـ مفهوم الوحدة .
حكم الشعب : عبد الناصر يفهم من الشعب أي الرعية ، ومن حكم الشعب أي حكم الشعب غير المنظم في حزب . أما نحن فإننا نعتبر أن الحكم يجب أن ينبع من الشعب ، الشعب المنظم من وراء حزب ، هذا الحزب يعبّر عن ضمير الشعب ويمثل إرادته . ولكن يبقى هناك الشعب الذي لا بدّ وأن تتقدمه طليعة ، تعبئ وتنظم هذا الحزب فكرياً ونضالياً ... هذا هو مفهومنا للحزب ولضرورة وجوده .
أما عبد الناصر فكأنه يريد أن يستعيض عن الحزب الطليعي بالفرد : هو ، الفرد ، الذي يستطيع أن يكون المعبّر عن آمال الشعب ، وليس هناك من ضرورة من وجود حزب طليعي ... هناك فرق أساسي بين حكم الفرد وحكم الحزب .
مفهوم الوحدة
مفهوم عبد الناصر للوحدة العربية نابع من مصرية مصر ، لا من عروبتها ... بينما مقهومنا للوحدة العربية ، هي عروبة كلّ قطر عربي ( أي أن مصلحة القضية العربية هي التي تحدَّد السياسة العربية والسياسة الداخلية لكل قطر ). والتطلع العربي للحركة الناصرية ضرورة مصرية أي أن مصر هي المنبع وهي الأساس والقاعدة ... وهذه نظرة إقليمية (أي قطرية)...
بينما تطلع حزب البعث للوحدة نابع من الفكرة العربية ذاتها وليس له أية جذور فكرية إقليمية (أو قطرية)... بدليل أن حركة البعث ليست في سوريا فقط ، بل هي في تنظيمها وأفكارها في كل بلد عربي ... يجب أن ندرك أن هناك أساساً لهذا الخلاف ... يتعلق بنشأة الحركتين :
حركة البعث عربية شعبية
حركة عبد الناصر مصرية عسكرية
وهناك سبب أيضاً يتعلق بالبيئة التي نشأت فيها حركة عبد الناصر ، أي البيئة المصرية التي كان فيها الوعي القومي العربي ضعيف جداً . وما كان يوجِّه حركاتها السياسيّة ، إنما كان الوعي المصري . بينما حزب البعث ، مستند استناداً كلياً على الوعي القومي العربي ... هذا الخلاف العقائدي له أسبابه ـ ومن أجل تجاوزه ـ يجب أن يقوم دوماً حوار بين الحركتين ... لتتفاعل النظريتين ، وتتقارب الحركتان حتى تنصهرا في حركة قومية عربية واحدة وتكون الأساس للوحدة العربية ... قيتلخص الخلاف في هذا المرحلة : حول الحوار أو عدم الحوار ...
نحن من رأي أو فكرة إعادة الحوار مع عبد الناصر ، أي المقصود طبعاً الاتجاه الذي يتزعمه صلاح الدين البيطار ، لأننا نعتقد أن الإنسان ابن الظروف وإننا عندما نقول بأنه ليس هناك أيّ بلد بمكن أن تقوم فيه ثورة إلاّ إذا توفرت الظروف لذلك ... وتغيّر الظروف العربية بالنسبة إلى عبد الناصر ستقوى على تفكيره وتغيّره .
لقد شكّل عبد الناصر هيئة التحرير ثم الاتحاد القومي وبعد ذلك الاتحاد العربي الاشتراكي ... وهذا لن يجدي أبداً ، إذا لم يتحقّق أولاً اللقاء ... اللقاء بين الحركات العربية الثورية ويتم التفاعل فيما بينها ... من هذه الناحية فقط ، يمكن أن نتصور إمكانية تطوير الاتحاد الاشتراكي العربي .