د. دندشلي - مـقـابـلـة مع المحامي جبران مجدلاني- حزب البعث العربي الاشتراكي
مقابلات /
سياسية /
1972-03-20
مـقـابـلـة
مع المحامي جبران مجدلاني ، عضو القيادة القومية
في حزب البعث العربي الاشتراكي سابقاً
الزمان والمكان : 20 آذار 1972 ، بيروت
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
* * *
شخصيات حزب البعث القياديّة :
ميشال عفلق : إننا نعلم بأنّ الأستاذ ميشال عفلق كان أستاذاً للتاريخ ، بمعنى أنّه أستاذ الماضي . وهكذا فإنّ مَيلَ حزب البعث كحركة وبتأثير مباشَر من الأمين العام والمؤسّس ، من الناحية الفكريّة ، إنما كان وبصورة واضحة إلى التراث ، إلى الماضي ... كذلك ، ومن الصفات الفكريّة البارزة في شخصية مؤسس البعث وأمينه العام الأستاذ ميشال عفلق ، هي التنظير المجرّد ، والعودة دائماً إلى الماضي أو عدم جدارته في أخذ القرارات السياسيّة المصيريّة أو الملحة بسرعة وبشيء من الحزم والحسم ، أو حتى الانفراد في أخذ هذه القرارات السياسيّة .
إنَّ ما يغلب على شخصيّة الأستاذ عفلق هو صفة المفكر الحالم . لهذا ، فليست لديه أيّة طاقة أو قدرة لأن يكون قائد حزب سياسيّ ، بالمعنى الحقيقي للكلمة . فهو كسول ، لا يقرأ ولم يغذِّ فكره وعقله وذهنه بالقراءات الكثيرة ... لذلك ، فقد كان الأستاذ عفلق في الواقع يكوِّن عملياً عقبة في سبيل الوصول إلى القيادة عناصر تتوافر فيها الصفات القياديّة الحقيقيّة . فقد كان دائماً يصطدم بالعناصر الديناميكيّة القويّة والنشطة ...
إلى جانب ذلك ، فقد كان متواضعاً أشدّ التواضع ، ويتجنَّب المراكز السياسيّة الرسميّة . (وكان في جميع أحاديثه وحتى في صراعاته السياسيّة والحزبيّة ، كفيف اللسان ، نظيف التعبيرات في انتقاداته أو في الردِّ على الهجوم عليه ... ) ولكن كلّ ما كان يريده وهو غير مستعد أن يتنازل عنه ، هو أن يبقى قائد حزب البعث ومفكِّره .
إنّ الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي ، كان يخاف كثيراً ، وتسيطر على ذهنه فكرة تكاد أن تكون " هوساً "، هي فكرة : الاغتيال ، فكرة اغتياله . يروي جبران مجدلاني في هذا المجال عددًا من الحوادث أبرزها :
1 ـ في فترة انعقاد المؤتمر القومي الرابع عام 1960 ، وعندما حصل انشقاق أو إبعاد أمين سرّ القيادة القطريّة لحزب البعث في العراق ، فؤاد الركابي ، وفصله عن الحزب ، فقد كان الركابي على صلة مخابرتيّة وثيقة مع عبد الحميد السرّاج ، الرجل القوي والحاكم آنذاك في الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة ـ سوريا ـ فعندما جاء فؤاد الركابي إلى بيروت ، اختفى الأستاذ عفلق عن الأنظار والتجأ إلى السرّية ...
2 ـ على أثر انقلاب 23 شباط 1966 في سوريا ، سُجن معظم قادة الحزب صلاح الدين البيطار ، جبران مجدلاني ، منيف الرزاز وغيرهم ، وبقي ميشال عفلق متخفياً في سوريا . بعد ذلك بقليل ، أوصل إلى أعضاء القيادة القومية في السجن رسالة يقترح فيها أن يترك هو سوريا ، إذ إنَّ اعتقاله سيؤدي ، برأيه ، إلى إضعاف الحزب . فقد كان يريد من ذلك أن تأخذ القيادة القوميّة هذا القرار وتطلب منه أن يغادر سوريا ، حتى إذا حصل شيء ما في المستقبل ، فإنّه يقول بأنّ القيادة القومية هي التي طلبت مني مغادرة سوريا . وبالفعل ، فقد غادر سوريا إلى بيروت ـ لبنان ، ومن هناك إلى البرازيل . ( ملاحظة : هل يجب أن نرى في ذلك ترسبات شعوريّة أو غير شعوريّة لاعتقاله تحت حكم حسني الزعيم عام 1949 ؟!...).
صلاح الدين البيطار : إنَّ شخصية الأستاذ صلاح الدين البيطار متناقضة كلياً مع الأستاذ ميشال عفلق ، وذلك من ناحية التكوين الذهني والفكري . فهو أستاذ رياضيات وفيزياء . فذهنه وفكره يُبنيان على التحليل العلمي . وهو بالتالي ، على عكس ميشال عفلق ، منفتح ذهنيّاً وحيويّ ومتأثر بالفكر اللينيني من حيث التنظيم . لذلك فهو يتصف بالصفات القياديّة السياسيّة والتنظيميّة... وإنّ التناقض ، في الواقع وفي الأساس بين صلاح الدين البيطار وميشال عفلق قديم ويعود إلى مرحلة نشوء حزب البعث وتأسيسه منذ البداية حتى الآن . وإذا كان ميشال عفلق قد لاقى تأييداً كبيراً في صفوف الحزب أكثر بكثير من صلاح الدين البيطار ، فإنّ ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى تكوين حركة البعث العربي منذ البداية : مجموعات من الطلاب ... فالأستاذ عفلق يجذب إليه الطلاب ... في حين أنّ البيطار يملك عقلاً سياسياً . وهو يقرأ كثيراً ويتثقَّف دائماً . بل يمكن القول بأنّه ربما الوحيد الذي كان يقرأ في حزب البعث ...
المؤتمر القومي الثالث 1959
بداية ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه من غير الصحيح أنَّ حزب البعث كان يريد أن يعيد تنظيمه في سوريا في ظلّ الجمهورية العربية المتحدة ، بعد أن حلّ نفسه عند قيامها ... وغير صحيح أيضاً أنّ عبد الله الريماوي كان مرتبطاً بعبد الناصر وبالجمهورية العربية المتحدة . في الحقيقة ، إنَّ الخلاف الذي ظهر في المؤتمر القومي الثالث ، إنما هو خلاف شخصي في الأساس والجوهر ، بين الأمين العام الأستاذ ميشال عفلق وعضو القيادة القومية عبد الله الريماوي ...
أكرم الحوراني
إنّ ما يهمّ الأستاذ أكرم الحوراني ، أحد قادة حزب البعث العربي الاشتراكي ، هو قبل كلّ شيء مشكلة الفلاحين وقضية الإقطاع في مدينة حماه وريفها ، ومفهومه للاشتراكيّة لا يخرج عن هذه الحدود . وزعامته السياسيّة لا تخرج عن هذا النطاق ... حماه وضواحيها ... إنَّه زعيم حماه دون منازع ، ولكنه لم يستطع أن يكون بالمعنى الحقيقي والعميق ، زعيماً لسوريا ، أو تشمل زعامته البلاد العربيّة (كان قائداً سياسياً محورياً ، لا شكّ في ذلك ، ولكن الزعامة السياسي الكاربزمي ، إنَّما هي كمفهوم شيء آخر ... ) بيد أننا يمكننا أن نعتبر الأستاذ أكرم الحوراني من أبرع السياسيين الذين عرفتهم سوريا ، ومناور من الطراز الأول . وهو بالإضافة إلى ذلك جريء، متحرك ، وعلاقته قوية منذ البداية مع كتلة من الضباط الشباب . ولكن عيبه أنه يوزِّع اتِّهامات الخيانة يميناً ويساراً وعلى رؤوس الأشهاد بشكل فيه كثير من المبالغة ...
حزب البعث في العراق
عند وصول حزب البعث إلى سلطة الحكم في العراق أو بعده ، كان يوجد داخل الحزب تياران بارزان : تيار علي صالح السعدي أمين سر قطر العراق ، وحازم جواد عضو القيادة القطرية . إنّ علي صالح السعدي كان أقوى بكثير داخل الحزب وقواعده الشعبيّة من حازم جواد... وحازم جواد بالمقابل أقل " خشونة " من علي صالح السعدي . وعندما كان جواد وزيراً لشؤون رئاسة الجمهورية ، كان الوجه الحزبي البعثي المقبول من قِبَل القوى العسكريّة المعتدلة وبخاصة ذوي الرتب العالية . وكان في الوقت ذاته يفتش عن تقوية نفوذه ويسعى إلى توسيع علاقاته وقواعده في صفوف الضباط . في حين أنّ علي صالح السعدي كان يقوّي نفوذه وتأثيره وبالتالي قواعده في تنظيمات الحزب المهنيّة والنقابيّة والجماهير الشعبيّة . وهكذا أصبح تدريجاً حازم جواد، وبخاصة بعد أن عُيِّن وزيراً للداخلية ، قوياً داخل الجيش ابتداء من الضباط المحسوبين على حزب البعث ، في الوقت الذي كان فيه علي صالح السعدي قوياً في تنظيمات الحرس القومي الجماهيريّة والنقابات العماليّة والفلاحين والطلابيّة ... يضاف إلى ذلك كله ، أو فوق ذلك كله ، الخلاف الشخصي وفي الأمزجة والتفكير ، بين أمين سرّ القيادة القطرية ، علي صالح السعدي ، وعضو القيادة القطرية حازم جواد .
حزب البعث والحزب الشيوعي في العراق
وقع الخلاف والصدام بين البعثيين والشيوعيين على أثر قيام الوحدة بين سوريا ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة ، في شباط 1958 ، وبخاصة غداة نجاح ثورة تموز 1958 في العراق . وتمحور الخلاف أساساً حول شعار : الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ، هل تقام وحدة فوريّة اندماجيّة (شعار البعث) أو وحدة اتحاديّة ، فدراليّة ( شعار الحزب الشيوعي ). حوادث الموصل وكركوك آذار 1959 ، صدامات عنيفة ، وقتل ، وسحل وقعت ضدّ البعثيين والقوميين الوحدويين . حملة كبيرة سياسيّة وإرهابيّة واعتقالات قام بها الشيوعيون ضدّ البعثيين والقوى الوحدوية . هنا ، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الجمهورية العربية المتحدة وضعت كلّ ثقلها ضدّ الشيوعيين : مصر ، سوريا ، وصولاً إلى العراق ، بمنطق وأسلوب وإعلام الغرب الاستعماري... مثلاً ، جريدة الأخبار المصريّة ، نشرت عنواناً على الصفحة الأولى : الشيوعيون يدوسون بالأقدام القرآن الكريم في شوارع بغداد ... أي أنّ الجمهوريّة العربية المتحدة وبعض التيارات القومية العربية قد قاموا بمحاربة الشيوعيين في العالم العربي وفي العراق من زاوية بحت يمينيّة ، مستخدمين الدين كسلاح لمحاربة الشيوعيّة . في حين أنّ البعث كان يقوم بحملة سياسيّة ضدّ الشيوعيين من زاوية تقدميّة ، ثوريّة ، وليس من زاوية الإخوان المسلمين .. لقد كان حزب البعث يؤكد أنَّ الشيوعيّة حركة غير وطنيّة ، وغير قوميّة وتتلقى أوامرها من موسكو . فالاختلاف بين حزب البعث والحزب الشيوعي والخلاف إنما هو حول مفهوم دور حركة التحرر الوطنيّ ومضمونها الأيديولوجيّ والسياسيّ والقوميّ ... وفي كلّ الأحوال ، ومهما يكن من أمر ، فإنّه يمكننا أن نعتبر أنّ مرحلة 1958 ـ 1959 إنما هي مرحلة التشديد القومي العربي .
إنقلاب عبد السلام عارف في العراق
كان حازم جواد ، وذلك للأسباب التي أتينا على ذكرها سابقاً ، يحضّر للقيام بحركة انقلاب بمعرفة رئيس الجمهورية عبد السلام عارف . وقد نفِّذت هذه الحركة الانقلابيّة في المؤتمر القطري المنعقد في 11 تشرين الثاني 1963 . فدخل فجأة إلى الاجتماع بعض الضباط البعثيين مشهرين السلاح وسيطروا على جوّ المؤتمر وأخرجوا من العراق علي صالح السعدي ، حمدي عبد المجيد ، محسن الشيخ راضي ، هاني فكيكي . فأتت ردّة الفعل الشاملة والعنيفة في قواعد حزب البعث في جميع أنحاء القطر العراقي والحرس القومي في يوم 13 تشرين الثاني . هنا ، لقد كان يريد حازم جواد أن يطلق الجيش النار على المتظاهرين. عند ذاك وصول القيادة القومية إلى بغداد، فاعتبرت عدم شرعية المؤتمر يوم 11 تشرين الثاني ، واتخذت القرار بإبعاد حازم جواد وطالب شبيب إلى بيروت وموافقة أحمد حسن البكر وصالح مهدي عمّاش ، وصدور بيان عدم شرعية المؤتمر ورفض القرارات المتخذة فيه . ( يجب التأكيد مرة أخرى أنّ حازم جواد وطالب شبيب على اتصال دائم بعبد السلام عارف ).
وعندما قام عبد السلام عارف بانقلابه في 18 تشرين الثاني كان حازم جواد وطالب شبيب على علم به مسبقاً . وقد قيل في ذلك الحين بأنَّ صدام حسين التكريتي هو الذي أذاع بيانات انقلاب عبد السلام عارف . وإذا استمر عبد السلام عارف في رئاسة الجمهورية ، فإنّ السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود القوى الكافية لضرب عبد السلام عارف . هنا ، يشير جبران مجدلاني إلى الخوف الذي أصاب ميشال عفلق أثناء هذه الأحداث ... وإلى أنّ عبد السلام عارف كان يكره ميشال عفلق لأسباب عديدة ، كما أنّ علي صالح السعدي مسؤول عن الأخطاء التي وقع فيها البعث في العراق والحماقات الكثيرة التي ارتكبت .
في المؤتمر القومي السابع ، كانت موازين القوى ما زالت لصالح اليسار مع عدم حضور عدد كبير من أعضائه اليساريين .